القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي –رحمه الله-: [ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر, كما جاء في الأثر, والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين, برّهم وفاجرهم, إلى قيام الساعة, لا يبطلهما شيء , ولا ينقضهما, ونؤمن بالكرام الكاتبين؛ فإن الله قد جعلهم علينا حافظين, ونؤمن بملك الموت الموكّل بقبض أرواح العالمين ].
الشيخ: (بس) يكفي.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, اللهم نسألك العلم النافع, والعمل الصالح, والمغفرة للذنوب, والقبول للعمل, اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين, ووفقنا إلى ما تحب وترضى إنك جواد كرم… أما بعد.
فيقول العلامة الطحاوي –رحمه الله-: "ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر, كما جاء في الأثر". يريد بذلك أن أهل السنة والجماعة المتبعين للآثار لا يعارضون الآثار الثابتة عن رسول الله r, وعن صحابته الكرام بالأقيسة أو بالدلالات العقلية, وإنما يجعلونها مقدَّمة على ما هو دونها من القياس والدلالة العقلية ونحو ذلك؛ لأن منهج الاستدلال عندهم أن يؤخذ بما جاء في الكتاب والحديث عن النبي r, وما جاء في القرآن حق, وما جاء به السنة حق, والحق يعضد الحق ولا يعارضه أو يناقضه, بل هذا يدل على هذا, كما أن السنة تدل على القرآن وتبينه، وهذه المسألة كما هو ظاهر. مسألة المسح على الخفين هي من مسائل الفقه, لا من مسائل العقيدة, ولكن أدخلت في مسائل الاعتقاد؛ لأجل أن أهل السنة تميزوا عن غيرهم, تميزوا عن عدد من الفرق, بأنهم يرون المسح على الخفين. والمخالف في ذلك هم الخوارج- أعني: طائفة منهم- والرافضة.
وعدد من الناس مختلفون في أماكنهم, لا ينسبون إلى فرقة من الفرق, فلأجل مخالفة تلك الفرق صارت المسألة من المسائل العقديّة؛ لأنها تميِّز أهل العقيدة الحقة من الفرق الباطلة, فصارت هذه المسألة -وهي المسح على الخفين- صارت علمًا يفرق به ما بين السنّي وما بين الرافضي والخارجي ونحوهما, ولهذا فإن مسائل الاعتقاد – أعني: المسائل التي تذكر في العقيدة- في مصنفات أهل السنة في الماضي وفي الحاضر. على أقسام:
منها ما هو في بيان أركان الإيمان الستة.
والقسم الثاني: ما تميز به أهل السنة عن غيرهم في مسائل المعاملة معاملة ولاة الأمر, أو معاملة المبتدع, أو معاملة العصاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو التعامل مع صحابة رسول الله r وزوجاته عليه الصلاة والسلام وهكذا.
القسم الثالث: ما هو من المسائل الفروعية, لكن القول بها صار علماً لأهل السنة في مقابلة بعض فرق الضلال, فتذكر في العقائد؛ لأنها ميزة لهم في مقابلة الفرق التي خالفت في ذلك.
القسم الرابع: أخلاق أهل السنة وصفاتهم التي تحلّوا بها من العبادة, واحتقار النفس, والعمل الصالح, والأمر والجهاد, والدعوة والإحسان إلى الخلق والتواضع ونحو ذلك من المسائل, التي ربما ذكرها بعض الأئمة في مصنفات الاعتقاد, وهذه المسألة التي ذكرها الطحاوي هنا من القسم الثالث, وهي المسائل الفروعية, التي صارت علماً لأهل السنة في مقابلة بعض فرق الضلال. وههنا مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: " نرى المسح على الخفين". كلمة أرى ونرى إذا قالها العالم فيعني بها ما رآه علماً, وما رآه شرعاً, ليست رأيه المجرد عن الدليل بأنواع الأدلة، وهذا هو الموافق لهذه المسألة ولغيرها, فإذا قال الإمام: أرى أن يكون كذا, فيكون معتمداً على أحد الأدلة, وأنواع الأدلة عن الأصوليين ثلاثة عشر دليلاً منها:
1- وهو أولها النص من القرآن،
2- ثم النص من السنة
3- ثم الإجماع
4- ثم القياس..... إلى آخر الأدلة المعروفة.
والذي يرى هنا المقصود بهم أهل السنة, وهؤلاء منهم أهل الأثر, ومنهم بعض الفرق التي تخالف في الصفات.
فهذه المسألة كما ذكرت لك خالف فيها الروافض والخوارج وأعداد عدد من العلماء أو من الناس مختلفين في فرقهم.
المسألة الثانية:
المسح على الخفين, جاء في الأثر عن النبي r وهو متواتر؛ لأنه منقول عن نحو ثمانين من الصحابة رضوان الله عليهم, فنقله من حيث الدليل بالسنة متواتر, وكذلك نقله فيئام من الأمة, بل نقلته الأمة جيلاً بعد جيل بالرؤية وبالعمل, فهو متواتر نقلاً، ومتواتر عملاً, وأما المسح على الجوارب فليس كذلك؛ لأنه نقل عن نحو سبعة أو ثمانية من الصحابة أو أكثر بقليل، ولهذا المسح على الجوربين فيه خلاف عند أهل السنة بالخلاف الفقهي المعروف, أما المسح على الخفين فهو أصل من الأصول العظيمة في العمل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تواتر عنه المسح , وفعله صحابته, وتواتر عنهم, ونقلوه نقلا قوليًّا وعمليًّا.
والآثار فيها مسحه عليه الصلاة والسلام على الخفين في أسفاره, وفي الحضر أيضًا, كما قال عليه الصلاة والسلام: ((يمسح المقيم يوماً وليلة. ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن)). فهذا معنى قوله في السفر والحضر؛ لأن السنة ماضية في هذا وفي هذا.
الثالثة:
مما استدل به على المسح على الخفين من القرآن قوله –جل وعلا- في آية الوضوء: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [.
استدل به على أن المسح هنا -مسح الأرجل- يراد به المسح على الخفين, والقراءة هكذا بالجر هي أحد القراءتين السبعيتين, ههنا قراءتان:
القراءة الأولى: "وأرجلَكَم" بنصب الأرجل, عطفًا على المغسولات.
والثانية: "وأرجلِكم" عطفاً على الرأس عند أصحاب هذا القول, يعني: فتكون مجرورة، وهذا الاستدلال فيه نظر, وإن كان محله كتب الفقه، لكن من باب الاستطراد نذكره, فيه نظر؛ لأن المسح على الخفين لا يكون إلى الكعبين، وإنما يمسح ظاهر الخف على ظاهر القدم, وليست السنة أن تستوعب الرجل مسحًا إلى الكعبين، ولهذا صار القول الظاهر في الآية على قراءة الجر أن لها توجيهين:
الأول: أن يكون هذا الجر لأجل المجاورة, والجر بالمجاورة أسلوب عربي معروف كثير الاستعمال، ومنه قول الله جل وعلا: ]إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [. مع أن الألم هو وصف للعذاب, وأما اليوم فهو ظرف, ولا يوصف اليوم بأنه مؤلم أو ليس بمؤلم، ولهذا صار الظاهر هنا في هذه الآية أن معناها:] إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [[يعني: عذابًا أليمًا في يوم كما هو القول الأظهر من قولي العلماء هنا, وجُرَّ هنا][1] لأجل المجاورة, فهي أسهل في اللفظ, ولأجل الختام قال: ] عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [ وأما [في لغة العرب فهو كثير][2] معروف ومنه قول الشاعر:
فظل طُهاة اللحم ما بين [مُنْضِجٍ صَفِيفَ شواءٍ][3] أو قديرٍ مُعجل
ما بين مُنضج صفيف شواء؛لأنها مفعول لاسم الفاعل, صفيف شواءٍ فجر شواء؛ لأنها مضاف إليه، ثم قال:
أو قديرٍ مع أن حقها أن يقول: أو قديراً؛ لأنها معطوفة على ما ينضج, لكنه جرها بالمجاورة.
الوجه الثاني: أن قراءة الجر إذا كانت معطوفة على الرأس؛ فإنه يكون المسح هنا بأن العطف في مقام تسليط الفعل الأول على الجملة الثانية, أو على الاسم الثاني, فكأنه قال: "وامسحوا برؤوسكم، وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين". والمسح هنا لمّا جعل له غاية, وهي أنه إلى الكعبين, دل على دخول الكعبين في المسح, وهذا يدل على أن المسح المراد به هنا الغسل الخفين؛ لأن العرب تطلق على الغسل مسحًا؛ لأنه إمرار خفيف وهو موجود في اللغة.
ومنه قوله تعالى: ] فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ[ يعني: مرّ عليها قتلاً على خفة, فالمسح يكون بمرور على خفة في المسح, الذي هو من الغسل, هو غسل خفيف. وهو مستعمل عندهم حيث يقولون: إن المسح.. يقولون مثلاً: تمسَّحت للصلاة, إذا أراد أن يكون وضؤه خفيفاً.
المسألة الرابعة:
قراءة الجر هذه بأبعد من أن تكون دليلاً على المسح على الخفين، قيل إنها دليل على إبطال المسح على الخفين, وهذا هو الذي يتوجَّه إليه من يتكلم على الآية, وذكره عندكم الشارح, والرد بأوجَه أن يكون بالوجهين السالفين.
[1] هذا الجزء غير موجود بالشريط
[2] غير موجود بالشريط
[3] غير مسموع بالشريط