القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين [كلام ليس له فائدة علمية] قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، (كلام غير مسموع من الشيخ) وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات , والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ويملك كل شيء ولا يملكه شيء , ولا غنًى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين، والله يغضب ويرضى.
الشيخ: بارك الله فيك , قال رحمه الله تعالى: "وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات" , يقرر العلامة الطحاوي رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة، بأن الميت ينتفع بعملٍ يعمله الحي، وأن الميت إذا مات لا ينقطع من الانتفاع ألبتة، بل ربما انتفع ببعض الأعمال , فذكر أن الدعاء من الحي للميت ينفع، وأن الصدقة تنفع بمعناها العام وبمعناها الخاص أيضًا , وهذا يريد منه تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في مضادة مذاهب المعتزلة ونحوهم من العقلانين الذين يردون النصوص، أو يتأولونها على غير وجهها.
وهذه المسألة كانت شائعة في ذلك الزمان، وأن الحي لا ينفع الميت , وإنما الميت إذا مات انتهى وانقطع من أن ينفعه الحي، وإنما الحي ينفع نفسه , وثم مجادلات في هذا , وأهل السنة والجماعة صاحوا على من خالف النصوص في ذلك من كل جانب، وقرروا ما جاءت به الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح في هذه المسألة , وفي الظاهر أن هذه المسألة لا علاقة لها بالعقيدة؛ لأنها في الدعاء والانتفاع، وهذه المسألة يبحثها الفقهاء في آخر كتاب الجنائز كما هو معروف, وأما وجودها في كتب الاعتقاد فليست لأنها مسألة عقدية داخلة في أحد أركان الإيمان الستة؛ ولكن لأجل أن المبتدعة ضلوا فيها عن تحكيم القرآن والسنة، وأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لهم فيها إجماع واتفاق، فصارت من جملة مسائل الاعتقاد لمخالفتها، أو لمخالفة أهل السنة فيها لأهل البدع، ثم تقريرًا لما جاء فيه من النصوص والأدلة.
ثم ههنا مسائل:
الأولى:
أن الانتفاع انتفاع الميت بسعي الحي، هذا اتفق عليه , انتفاع الميت بسعي من الحي اتفق عليه علماء أهل السنة من أهل.. من الأئمة، من أهل الحديث ومن الفقهاء ومن أهل التفسير , اتفقوا فيه على نوعين دون خلاف بينهما،
الأول: الدعاء , وهو أن الدعاء نافع , الدعاء يجيبه الله جل وعلا من الحي للحي، ومن الحي للميت , ولهذا شرعت صلاة الجنازة وهي صلاة بلا ركوع ولا سجود، وإنما هي ثناء على الله جل وعلا وحمد له سبحانه وصلاة على نبيه r، ثم دعاء للميت, فهي كلها دعاء وأدبها أدب الدعاء , ولذلك هي تفتتح بالفاتحة ] الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [.
قال العلماء: ولا يسن هنا أن يستفتح بقوله: سبحانك الله وبحمدك؛ لأنه داعٍ وليست من جنس الصلاة الأخرى، ولم يأت في السنة ما يدل على الاستفتاح , ثم بعد الفاتحة وهي حمد لله جل وعلا وثناء تأتي الصلاة على النبي r بعد التكبير الثاني , ثم إذا صلى فإنه يدعو، وهذا هو أدب الدعاء فإن العبد إذا دعا ربه جل وعلا في أي دعاء فإنه يحمد الله جل وعلا، ثم يصلي على نبيه r، ثم يدعو الله بما شاء من المسائل , فصلاة الجنازة دعاء، وهي بالاتفاق مشروعة وبالإجماع مشروعة، فدعاء الحي للميت هذا جارٍ عليه الاتفاق , وكذلك مما جرى عليه الاتفاق أيضًا، أن الحي يتصدق عن الميت بصدقة مالية يبذلها لأجل الميت، يعني لينفع الميت بها تبرعا منه، هذا اتفق عليه علماء السنة من علماء الحديث والتفسير والفقه، كما هو معلوم، على خلافٍ بينهم في بعض تفصيلات ذلك.
النوع الثاني مما أجمع عليه العلماء علماء السنة: أن كل عمل صالح تسبب فيه الميت في حياته، فإنه ينفعه ذلك بعد وفاته، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا))، وكما جاء في الحديث الثاني أيضًا في صحيح مسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) , وهذا يعني أن ما تسبب فيه في حياته، فإنه ينفعه بعد وفاته , وكذلك الولد، الولد الصالح فإنه تسبب فيه العبد فإنه إذا دعا لأبيه فهو يدخل فيما أجمع عليه أولاً، وما يدخل في السبب ثانيًا.
فإذًا ثم صور أجمع عليها، والأدلة على ما أُجمع عليه كثيرة متنوعة من الكتاب والسنة، يأتي بعضها إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية:
اختلف العلماء في مسائل العبادات التي لا تدخل في معنى الصدقة المالية , وهي العبادات البدنية , مثلا تلاوة القرآن، ومثل الصلاة , ومثل الصيام والحج , فيما فيه من البدن ونحو ذلك، يعني فيما يصل فيه من الثواب، هل هو الكل أو البعض؟ وإن كان الخلاف فيه يعني في الحج ضعف , هذه المسائل التي اختلف فيها وهي العبادات البدنية، من أهل العلم من قال: تصل , ومنهم من قال: لا تصل , فذهب جمهور السلف كما عزاه إليهم ابن تيمية وابن القيم وغير ذلك، وعبروا بالجمهور، وذهب الإمام أبوحنيفة والإمام أحمد وجماعة من أهل الحديث والأثر بعدهم، ذهبوا إلى أن الميت ينتفع بما تقرب الحي به إلى ربه، وأهدى ثوابه إلى الميت، يعني أهدى الحي الثواب إلى الميت , ويقول في هذا طائفة من العلماء: وأي قربة فعلها المسلم وأهدى ثوابها لمسلم حيٍ أو ميتٍ، نفعه ذلك.
والقول الثاني: أن.. وهو ما ذهب إليه مالك والشافعي وطائفة من العلماء , أن الميت لا ينتفع من سعي الحي بالعبادات البدنية المحضة، العبادات التي فيها الصلاة مثلاً، قراءة القرآن , الصيام وأشباه ذلك، وإنما ينتفع بما كانت عبادة مالية أو دخل فيها المال كالحج , وأما غير ذلك فإنه لم تدل الأدلة على انتفاعه، فيبقى الباب على عدم الانتفاع.
المسألة الثالثة:
يأتي التفصيل في الترجيح يأتي. المسألة الثالثة في دليل أهل السنة والجماعة على أصل الانتفاع، من أدلتهم في ذلك قول الله جل وعلا: ] وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ [، فأثنى عليهم بالدعاء , وهذا يقتضي الانتفاع , ومنه قوله r: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية , أو علمٍ ينتفع به , أو ولدٍ صالح يدعو له))، وفي الصحيح أيضًا أن النبي r جاءه رجل فقال: إن أمي افتلتت نفسها , يعني ماتت فجأة , وإنها لو تكلمت لأوصت، أو لتصدقت , أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم)). وجاء أيضاً في صدقات الصحابة عن الأموات الشي الكثير.
وكذلك جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. جاء رجل إلى النبي r، وطلب منه أن يحج عن ميت له، فأذن له بالحج، وفيه أيضًا أن امرأة قالت: إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال: ((أرأيت إن كان على أمك دين أكنتي قاضيته؟)) قالت: نعم , قال: ((فاقضوا الله، فإن الله أحق بالقضاء))، ونحو ذلك في هذا الباب.
أيضاً مما يدخل في مع تنوع الأعمال أصل الوقوف , يعني أصل الأوقاف فإن الصحابة ما كان منهم أحد له فضل مال إلا وحبّس , يعني أوقف، أوقف على نفسه , وهذا مما ينفعه ويدخل في قوله: ((صدقة جارية)) , وأما الذين قالوا: إنه لا ينتفع إلا بالعبادة المالية، قالوا: إن هذه المسائل منها ما هو مجمع عليه، وهذه اتفقنا عليها وهي الصورتان الأوليان، ومنها ما هو مختلف فيه وهي العبادات البدنية، فهذه لم يأت دليل فيها، بل جاء الأثر عن ابن عباس بأنه قال: "لا يصلي أحدٌ عن أحد، ولا يصوم أحدٌ عن أحد" , هذا يدل على امتناع عن أن يكون أحد يصلي عن أحد، أو يصوم أحد عن أحد.
وأجاب الأولون عن ذلك بأن الصيام جاء فيه أن الحي يصوم عن الميت إذا كان عليه صيام، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: ((من مات وعليه صوم، صام عنه وليه))، يعني صوم واجب , وهذا الصوم الواجب هذا صوم النذر كما جاء في الرواية الأخرى، أو كل صيام واجب، سواء أكان صيام رمضان الواجب الذي لم يقضه مع إمكانه القضاء، أو صيام الكفارات أو نحو ذلك؟ خلاف بين أهل العلم، ولكنهم قالوا: إن الحي يصوم عن الميت الصيام الواجب؛ بدلالة السنة على ذلك.
وأيضًا قالوا: إن ما جاء في السنة من الأحوال هذه جاءت جوابًا عن أسئلة , فالنبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الصدقة، فأوصى بها، سئل عن الحج فقال: ((حج)) أو قال: ((حجي))، ونحو ذلك , وهذه الأسئلة لا تفيد العموم، فلا يفهم من جواب السؤال أنه لا يجوز إلا فيما جاء السؤال والجواب عنه؛ لأن السائل ليس هو المشرع وإنما جواب النبي عليه الصلاة والسلام كان بقدر السؤال , ولهذا كان الأقرب أن يعم ذلك، وأن يقال: إنما جاء الإذن فيه , ما جاء الإذن فيه دل على وصول جنس الثواب دون تفريق؛ لأن التفريق ما بين نوع ونوع يحتاج إلى دليل , وهذه المسائل لم يبتدئها الشارع وأذن بكذا وكذا أصلاً يعني ابتداءً , وإنما كانت إجابة لأسئلة.
وبين هذا الاستدلال وهذا الاستدلال ذهب المفتون من العلماء إلى أحد هذين القولين من المتقدمين والمتأخرين، فمنهم من يقول بالتعميم كما قال ابن القيم كجمهور السلف والإمام أحمد وأصحابه ابن تيمية، وابن القيم وطائفة من أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى، ومنهم من يقول بقول مالك والشافعي بأنه يقتصر على ما ورد دون غيره، وهذا تجد من يفتي به، وهذا تجد من يفتي به.
والأقرب في ذلك والتفصيل , وهو أن إهداء الثواب غير ابتداء العبادة، ابتداء العبادة هذا عبادة فيحتاج إلى دليل يدل على أن المرء ينوب عن غيره عن حي أو ميت في العبادة، فيبتدئ العبادة عن فلان، وهذا لابد فيه من التوقيف؛ لأن الأصل عدمه وجاء الإذن في العبادات المالية فينبغي أن يكون يعني يقتصر عليه، بل يجب أن يقتصر عليه كما جاء في الأدلة؛ لأنها ابتداء عبادة وابتداء العبادة هذا لابد فيه من دليل؛ لأن الأصل أن أحدًا لا يعمل عن أحد، لا ينوب أحد عن أحد , فكل إنسان يعمل، لهذا الصحابة سألوا؛ لأن الأصل متقرر عندهم سألوا، أأحج؟ أتصدق عنها؟ وهذا يدل على أن الأصل المستقر، هو ألا ينوب أحد عن أحد في ذلك , هذه صورة وهو أن يبتدئ العبادة، يحج لبيك حجًا عن فلان , عن فلانة، هذا ابتدأ العبادة عن فلان أو فلانة، أو اللهم إن هذه الصدقة عن فلان، أو عن والدي أو عن والدتي فلانة، فهذا ابتدأ العبادة لفلان، فهذه جاءت الأدلة بجوازها , لكن ابتداء الصلاة يقول: اللهم إن هذه الصلاة عن والدي، أو عن والدتي , اللهم إن هذا الصيام عن والدي أو عن والدتي , فهذا لم يأت به دليل؛ لأنه ابتداء عبادة.
وهذا يدل عليه أثر ابن عباس قال: "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، إلا من مات وعليه صيام صام عنه وليه" , فدّل على أن الأصل عدم النيابة في هذه العبادات، بمعنى ألا يبتدئها فيجعل العبادة من أولها معمولة لفلان، أو فلانة.
أما الصورة الثانية: وهي مختلفة عن الصورة الأولى، هي أن يبتدئ العبادة لنفسه، أن يعمل العمل لنفسه، العمل يصلي لنفسه، يقرأ القرآن لنفسه، يعتمر لنفسه، يصوم عن نفسه، وهكذا في أي عمل يذكر الله جل وعلا عن نفسه، ثم إذا فرغ من العبادة قال: اللهم اجعل ثواب قراءتي هذه لوالدي، لوالدتي , لمن له حق عليّ، لفلان… إلى آخره , فهذا ليس الأصل المنع؛ لأن العبادة وقعت صحيحة وهو يقول: أن الأجر إن تقبله الله وثبت الأجر، فإن هذا الثواب إذا استقر لي فإنه مهدًى إلى غيري , يعني دعا الله جل وعلا أن يتقبل منه وأن يجعل فلانًا، أو فلانة شريكين في الثواب.
وهذا التفريق لا رد له، لا من جهة السنة ولا من جهة كلام السلف الصالح؛ فإنهم إنما نهوا عن الابتداء، ولم ينهوا أو لم ينه الأئمة ولا المعروفين من السلف، لم ينهوا عن إهداء الثواب للميت , وهذا يقتضي أن التفريق ما بين الابتداء وإهداء الثواب متعين في هذه المسألة، وأن إهداء الثواب بعد الفراغ من العبادة ليس تعبدًا، وإنما هو محض تفضل وإحسان.
ولهذا أئمة السنة المتحققون بالسنة ورد البدعة ذهبوا إلى جواز إهداء الثواب، كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم وطائفة من أئمة الدعوة، كالشيخ محمد بن عبدالوهاب وجماعات , ومن نهى من أئمة الدعوة فإنه لم يلحظ هذا التفريق في كلام الأئمة؛ لأنهم راعوا إهداء الثواب ولم يرعوا النيابة في أصل العبادة، فقالوا: وأي قربة فعلها المسلم وأهدى ثوابها، فالقربى فعلت وانتهت، وأهدى ثوابها لمسلم حيٍ أو ميت... سقط... والأجر يتصرف فيه من حازه على ما يرغب، فإذا أعطى بعض أجره غيره فإن هذا له، ولا أصل يدل على المنع من ذلك.
المسألة الرابعة:
المبتدعة احتجوا , أعني المعتزلة ومن شابههم، احتجوا بحجتين:
أما الأولى فقالوا: يقول الله جل وعلا: ] وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [، وهذا يدل على أن سعي الإنسان لنفسه , وهذا الاحتجاج، كذلك بعض أهل السنة احتج به على هذا، كالشوكاني وبعض المعاصرين، في أنه لا ينتفع ألبتة إلا بما سعاه، فالولد من سعيه، والصدقة الجارية من سعيه، والعمل الصالح من سعيه، والعلم النافع من سعيه , أما غير ذلك فلا يعد من سعيه فلا ينتفع إلا بما سعى.
فإذًا احتج المبتدعة وطائفة من أهل السنة على مذهبهم بقوله تعالى: ] وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [ , قالوا: فلو كان ينتفع لكان سعيه لغيره , وهذا يخالف ظاهر الآية , والجواب عن ذلك أن الله جل وعلا في الآية قال: ] وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ [، واللام هنا كما هو معروف لام الملك يعني الإنسان لا يملك إلا سعيه، أما غيره فلا يملك سعي فلان، أحمد لا يملك سعي خالد، بل إذا تقرب خالد إلى ربه بقربة، فإن سعيه له وثواب السعي له هو، وليس للآخر , فاللام هذه لام الملك.
والمسألة التي ذكروا أن الآية رد عليها أو حجة فيها، هي أن الآخر ينتفع من سعي الأول، وهذا لا تناقض بينها وبين هذه؛ لأن اللام إذا كانت للملك فالأجر للأول، ولكن هو ينفع الثاني بما يتصدق به عليه، أو ما ينفعه به , الثاني، أن قوله: ] إِلاَّ مَا سَعَى [ السعي هنا لابد أن ينظر فيه إلى مفهوم واسع، وهو أن أعظم الأسباب في السعي في أن ينتفع الميت من سعي الحي , أعظم الأسباب هي دخوله في الإيمان؛ فإن الإيمان والإسلام إذا تحقق به العبد، يوجب ولاية بين المسلم والمسلم، ويوجب محبة بين المؤمن والمؤمن، وهذا أعظم أسباب العلاقة بين الناس، فجميع العلائق تقطعت إلا الإيمان، سبب الإيمان والإسلام، قال جل وعلا: ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ , فإذا دخل في اسم الإيمان، فقد أتى بأعظم سبب من أجله ينفع إخوانه وأيضًا من أجله ينفعه إخوانه:
فإذا كانت الولادة سبب بأن ينتفع الأب بسعي ولده، والعلم سبب، فإن أعظم الأسباب هو ماله من الإيمان بالرب Y، فبالله جل وعلا انعقدت الأواصر وفي الله جل وعلا قامت الوثائق والوشائج، وبالله جل وعلا تقاربت القلوب , هذا يعني أن أعظم الأسباب في الانتفاع بالسعي ما سعاه المرء في نفسه ولنفسه، وهو سبب الإيمان.
فإذًا الإيمان سعي له فقوله: [ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ مَا سَعَى ]*، إذا قلنا: إن العمل له , لا لغيره كما قلنا سابقًا , ويكون سعيه إذًا لغيره سعيٌ في شيء تسبب ذلك الغير فيه , وانعقاد السبب في شيء تسبب فيه هذا شيء عمله العبد وتسبب فيه وهو الإيمان , ولهذا صلاة الجنازة نفسها، والدعاء للميت وإذا أتى العبد المقابر دعا للأموات واستغفر لهم، هذا سببه الإيمان , فالمؤمن يصلي على المؤمن لأجل ما بينهما من وثيقة الإيمان , ومن الحب في الله وما بينهما من الحب , إذًا فالاحتجاج بالآية ليس بظاهر كما هو بيّن فيما ذكرنا.
أما ما احتجوا به من السنة، فقالوا: النبي r قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث))، فدل على أن العمل ينقطع، وإذا انقطع العمل فهذا يعني أنه لا ينتفع بشيء.
والجواب عن ذلك: أن النبي r قال: ((انقطع عمله))، ولم يقل: انقطع انتفاعه , كما هي صورة المسألة التي نبحثها , ولم يقل أيضًا: انقطع عمل غيره له , وإنما قال: ((انقطع عمله)) , فعمل الإنسان بالوفاة دار التكليف انتهت، فعمله انقطع كما جاء في الحديث , أما عمل غيره وانتفاع هذا بعمل غيره، فإنه لم ينقطع، ويدل على ذلك أن الثلاثة التي ذكرت وهي الصدقة الجارية، والعلم، والولد الصالح لم يذكر فيها الدعاء، دعاء الحي للميت في صلاة الجنازة، وهي بالاتفاق نافعة للميت وهي لم تدخل في هذه الثلاث؛ لأنها ليست بعمل للميت، ولكنها عمل للحي وهو ينفع الميت.
المسألة الخامسة:
ههنا مسائل تكلم العلماء في هذا الموضع فيها، وهي المتعلقة بقراءة القرآن وإهداء الثواب، أو استئجار من يقرأ القرآن على الأموات في المقابر ونحو ذلك , وهذه المسائل واضح أن التقرب فيها إلى الله جل وعلا ونفع الميت بالاستئجار أن هذا بدعة، ولم يأت دليل من السنة ولا من فعل السلف على عمله، ثم الاستئجار وهو دفع المال لفلانٍ ليتعبد لفلان، هذا مبطل للعمل في أصله، لم؟ لأن العمل لا يصلح ولا يتقبله الله جل وعلا إلا بالإخلاص، والإخلاص شرط في قبول العمل , فإذا لم يعمل العمل الصالح، لم يصل إلا بمال ولم يصم إلا بمال، ولم يقرأ القرآن إلا بأجرة يستأجر عليه، أنا أقرأ لكم السورة بمائة ريال، اقرأ الجزء بألف ريال ونحو ذلك، فهذا لاشك أنه لم يخلص لله جل وعلا في هذه العبادة، فكيف ينتفع الميت من عبادة لم يخلص لله جل وعلا فيها، وإنما عملت لأجل عرض من الدنيا؟!
ولهذا من البدع الوخيمة استئجار قوم عند المقابر يتلون، أو في المآتم , يعقد سرادق كبير ويأتون بمن يقرأ القرآن، ويقولون: ننفع الميت , وهم يستأجرون هذا التالي للقرآن بأموال باهظة وعظيمة، وهذا فيه هلكة للفاعل يعني للقارئ؛ لأنه عمل عملاً لغير الله , وفيه أيضًا إفساد للمال في غير طاعة الله جل وعلا، وهذا لا ينفع الميت؛ لأنه عمل لم يخلص فيه لله جل وعلا.
أما لو تبرع أحد فقرأ القرآن لنفسه، وبعد القراءة قال: اللهم اجعل ثواب قراءتي لفلان , فإن هذا جائز على الصحيح، كما ذكرنا لك , وقد ذكر الجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة في تقرير له موجود في الفتاوى، ذكر أن رجلاً لما عرض لهذه المسألة ذكر أن يعني نسيت هو رجل أو امرأة لكنه توفي.. نعم أن امرأة توفيت وكان أحد قرابتها أظنه زوجها كان يقرأ القرآن، وبعد أن فرغ من الختمة أهدى ثوابها لنفسه ولزوجته، فلما فرغ وجاء وقت الصلاة أقبل رجل وقال: أنا رأيت فلانة في المنام وقالت لي: أنا الآن ختمت القرآن.
وهذه وإن لم تكن حجة، لكن هي للاستئناس ونقلها ثقات وذكرها علماء وأئمة، فهي ماشية مع الأصل وليس فيها ما يعارض ذلك , فإذًا الانتفاع في إهداء الثواب، لا يكون بالطرق البدعية التي يعملها أصحاب المآتم، والذين يستأجرون للقراءة على القبور.
المسألة الأخيرة السادسة:
قوله: "وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم" , الصدقات هنا يعني بها الصدقات المالية خاصةً , وعلى القول الصحيح الذي ذكرنا أنها كل شيء فيه صدقة في المفهوم العام للصدقة، فأمر الإنسان بالمعروف ونهيه عن المنكر، والعلم والذكر وتلاوة القرآن ونحو ذلك مما يدخل في اسم الصدقة العام، وهي النوافل والطاعات التطوعية العامة، فإنها تنفع الميت إذا أهدى الثواب لا إذا ابتدأ العبادة، كما ذكرنا , فإذًا نقول: إن الصحيح، إن قوله: "وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم" هذا يشمل جميع أنواع العبادات، كما ذكرنا.
نكتفي بهذا القدر، المسألة (اللي) بعدها تحتاج إلى تفصيل نجيب عن سؤالين فقط:
سؤال: يقول: إذا حج رجل عن رجل ميت، هل الرجل الحي يأخذ أجرا على هذا الحج؟ علمًا أن هذه الحجة للميت؟
جواب: ما فهمت السؤال بدقة , إذا حج رجل عن رجل ميت , هل الرجل الحي يأخذ أجرا على هذا الحج؟
يعني قصده إذا أخذ مالا , هذا الميت إذا مات وعليه حج واجب فإن أولى الناس بالحج عنه ولده، أو أقرباؤه أو وليه، هذا هو أولى الناس بالحج عنه؛ لأنه نوع بر له وبراءة لذمته، وقضاء للدين الذي عليه , أما إذا لم يوجد، أو كان فيه كلفة أو نحو ذلك أو كان يريدون السرعة بالحج عن الميت، فجاء من يرغب في الحج، ولكنه ليس عنده من النفقة ما يكفيه لأداء الحج، فإنه لا بأس أن يعطى ليحج عن الميت لما قام في قلبه من الرغبة في شهود المشاعر ورؤية الكعبة والذكر هناك، وشهود دعوة المسلمين في ذلك , فإذا كان الرجل يريد الحج، أو كان المسلم يريد الحج لكن لم يجد نفقة , فإنه لا بأس أن يأخذ نفقة ليحج عن غيره، ولكن لا يجوز أن يحج ليأخذ، يعني لا يقوم في قلبه محبة الحج ولا الرغبة في الآخرة، وإنما إذا أتاه مال حج , وإذا ما أتاه مال يقول: (وإيش) تعبني، (إيش) أروح أتعب.
هذا لا يجوز؛ لأنه استئجار على عبادة.
وكما قال ابن تيمية: إنما يجوز أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، فالأشبه أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق , وهو كما قال رحمه الله تعالى , فإذن إذا أتى من يريد الحج، وهذا الحي يريد أن يدفع من مال أبيه، يعني من التركة مالا يحج به عنه من مكانه، فهذا لا بأس به.
سؤال: يقول: كيف يجاب عن الحصر في قوله r: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...))؟
جواب: الحصر على بابه، لكن عمل غيره لا يدخل في كلمة عمل، فعمله ينقطع، عباداته تنقطع إلا هذه الثلاث , وهي الصدقة الجارية، علم ينتفع به وولد صالح يدعو له , الصدقة الجارية هي الوقف المحبس (اللي) يبقى، كبناء المسجد وحفر الآبار، تيسير سبل الماء أو طباعة كتب أهل العلم النافعة، أو المصحف؛ توريث المصحف، كتابة المصاحف أو طباعة المصاحف ونحو ذلك، هذا من الصدقات الجارية الباقية , والولد الصالح معروف، الولد يدعو له ويستغفر لأبيه، والعلم الذي ينتفع به هذا يشمل العلم الذي علمه، أو ما أمر به بالمعروف ونهى عن المنكر، وسنّ سنة حسنة، ودعا إلى هدى , الدعوة بأنواعها هذه تدخل في العلم الذي ينتفع به؛ لأن الأنبياء دعاة , والنبي r داعية ] قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [ , وإنما ورّث العلم.
فإذًا العلم يدخل فيه كل أبواب الدعوة، وتوريث العلم والتأليف وأشباه ذلك , فإذًا الحصر على بابه، والحصر في هذه الأنواع، في العمل , عمل الميت , أما عمل غيره فلا يدخل في ذلك كما ذكرنا.
نكتفي بهذا القدر , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
ردا على سؤال غير مسموع: شرك لفظي (غير مسموع) أقول: شرك لفظي , أشرك في اللفظ فيجيب عليه أن يستغفر ويتوب نعم , يقول: لا إله إلا الله (غير مسموع) ما يدخل في (غير مسموع) لكن هو شرك في اللفظ فيجب عليه أن (غير مسموع) أينعم , شرك لفظي نعم ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) إذا جرى على لسانه وهو ما يقصد (غير مسموع) شرك لفظي شرك في الألفاظ فيجب عليه أن يتوب (غير مسموع) نعم (غير مسموع) [كلام ليس له فائدة علمية]
(غير مسموع) الشيخ: اقرأ , اقرأ بالصوت العالي , اقرأ:
سائل: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين [اختلف الناس فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلافاً كثيرًا، فذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة رحمهم الله، وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين، إلى أنه تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان] , قال [المحشي]*: وهو قول المعتزلة أيضًا؛ فإنهم قالوا: الإيمان هو العمل والنطق والاعتقاد , والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله، وانظر شرح السنة إلى هنا.
الشيخ: هذا غلط، التعليق هذا غلط أولاً , ليس هو قول المعتزلة، ثم أيضًا ليس الفرق بين أهل السنة والمعتزلة، أهل السنة لا يرون العمل شرطا، يرونه ركنا؛ لأنه ما أدخل في المسمى فهو ركن، هذا تعليق شعيب، (أيه) هذا ما هو بسليم، هذا كلام غلط، هذه أي طبعة؟
ـ...........................
ـ رقم كم؟ الطبعة رقم كم؟
ـ 1413
ـ 13
ـ...........................
ـ (إيه؟).
ـ...........................
ـ لا , هذا ما هو بصحيح، تعليقه غلط.
ـ...........................
ـ كله تعليقه غلط، هو جعل أن قول أهل السنة أن الإيمان: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، جعله قولا للمعتزلة، وهذا ليس بصحيح، ثم جعل أيضًا قول، جعل الأعمال عند السلف شرطًا في الكمال، وجعله عند المعتزلة شرطًا في صحة الإيمان، وهذا أيضًا ليس بصحيح، كل التعليقة مبنية على فهم، مبنية على كلام الماتريدية، يعني في الغالب، يعني ينحو منحى الماتريدية في ها المسألة.
سؤال: أسئلة فقهية يقول: امرأة ذهبت إلى المستشفى لأجل تركيب لولب مانع للحمل، وعندما ذهبت قال لها الأطباء: لابد من إعطائها حبوب لأجل إخراج الدم من الرحم، ومن ثم تركيب اللولب، السؤال: ما هو حكم هذا الدم؟ هل يعتبر دم حيض؟ أم يعتبر دم استحاضة؟
جواب: هذا يسأل عنه الطبيب، هل هذا الدم دم حيض، أم دم استحاضة؟ فالطبيب يفرق بين هذا وهذا، والأصل أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة، يخرج في وقت معين. وما يخرج بالأدوية وما أشبه ذلك، هذا يعتبر دم استحاضة، وهذا ييسر العمل بأشياء كثيرة وفي أحكام للنساء , لهذا فالأقرب أنه هنا أن يسأل الطبيب، والطبيب إذا كان ثقة هو يحدد نوع الخارج، ثم يفهم أن الأصل أنه دم استحاضة إذا لم يكن عند الطبيب يقين، أو قال: أنا ما أعرف هذا الدم، أو ما أشبه ذلك فيعتبر دم استحاضة؛لأنه يعني لساعات وينتهي.
سؤال: هل لشارب خمرٍ أن يقيم على نفسه الحد في السر؛ خوفًا من الفضيحة؟ أم تكفيه التوبة؟
جواب: لا، تكفيه التوبة، لم يقل أحد من أهل العلم: إن المذنب الذي ارتكب حدا.. ارتكب ما يوجب حدا أن عليه أن يسلم نفسه، أو أن يقيم الحد على نفسه، أو أن يذهب إلى من يقيم عليه الحد، بل الصحيح هنا أن الطهارة الكاملة له تكون بالتوبة؛ لأن هذا ليس فيه تعد، أما ما كان فيه تعدٍ على غيره، من مثل القتل أو السرقة أو القذف أو ما أشبه ذلك، هذا له بحثٌ آخر، أما شرب الخمر في نفسه، فيما فعله وأوجب حدا، فإنه تكفيه التوبة , ومن تاب تاب الله عليه، التوبة تجب ما قبلها , والله جل وعلا يقول: ] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى [, وقال جل وعلا أيضًا: ] قُلْ يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [ , أجمع أهل العلم من المفسرين والمحدثين وغيرهم، على أن هذه الآية نزلت في التائبين، فمن تاب تاب الله عليه.
سؤال: يقول: ما يقول الأئمة الأعلام في مخالفي أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، من المعطلة والمشبهة وغيرهم؟ هل هم كفار أم لا؟
وأي نوعي الكفر وقعوا فيه؟ وما سبب ذلك؟ هل لقولهم على الله بغير علم؟ أم لإنكارهم بعض نصوص الوحي؟ أم ماذا؟ وما تأويل الإمام أحمد رحمه الله عندما قال: الواقفة أو المفوضة أشد ضلالاً من غيرهم أو كما قال؟
جواب: بعض الأسئلة تحسن أن تكون أسئلة اختيارات , يعني هل هم كذا وهل.. هل هم كفار أم لا؟ وأي نوعي الكفر وقعوا فيه؟ وما سبب ذلك؟ هل لقولهم على الله.. يعني على كل حال الإفادة مطلوبة.
الضالون في باب الأسماء والصفات درجات وأقسام، منهم الجهمية ومن شابههم ممن ينفون جميع الأسماء والصفات، إلا صفة الوجود المطلق، وهؤلاء هم الذين اشتد عليهم صوت السلف والأئمة، بأنهم ليسوا من الثنتين وسبعين فرقة، وإنما هم خارجون أصلاً، فجهم ومن معه لا يعتبرون أصلاً في الإسلام، يعني الجهمية الأصليين الذين ينفون جميع صفات الرحمن جل وعلا وجميع أسماء الرحمن جل وعلا إلا صفة الوجود المطلق، وهؤلاء لا وجود لهم اليوم , بادوا في ذلك الوقت هؤلاء ليسوا من المسلمين.
والفئة الثانية التي أيضًا يحكم بكفرهم المشبهة، الذين يقولون: وجه الله كوجه الإنسان، أو يده كأيدينا، أو عيناه جل وعلا كـ.. يعني، أو سمعه كسمعنا , يجعل المماثلة في ذلك في تمام الاتصاف بالصفة، هؤلاء أيضًا المجسمة على هذا النحو والممثلة فإنهم أيضًا ليسوا من أهل الإسلام؛ لأنهم شبهوا الخالق بالمخلوق، أو شبهوا المخلوق بالخالق جل وعلا.
أما من ليسوا كذلك، وإنما هم مبتدعة على درجات فيهم في الصفات، منهم المعتزلة ومنهم الأشاعرة والكلابية والماتريدية ومن على هذا النحو، فإن هؤلاء منهم من يثبت بعض الصفات، منهم من يثبت سبع صفات أو ثمان أو أكثر أو أقل على خلافٍ بينهم , فلا يطلق القول بتكفير الطائفة ولا يطلق القول بعدم التكفير أيضًا، وإنما يقال: هؤلاء أهل بدع , وبحسب ما نفى يكون الحكم عليه ليسوا على بابٍ واحد، لكن الأصل أن من أثبت بعض الصفات وتأوّل في الباقي ونفى، أو أوّل فإنه لا يحكم بكفره، وإنما يقال: هذا من أهل البدع.
ولهذا أهل السنة والجماعة لما تكلموا في المعتزلة وحكموا بكفرهم، يعني بكفر أهل الاعتزال، ذكروا أن ذلك متعلقٌ بالقول بخلق القرآن، أو ببعض المسائل الأخرى، أما نفي الصفات أصلاً فهو مردود وكفر، كما هو عليه الجهمية , أما تأويل الصفات بإثبات بعضٍ أو نفي بعض فلا يطلق القول بتكفير هذه الفئة، ومن أهل العلم من أهل السنة والجماعة من خصّ مسألة علوّ الرحمن جل وعلا؛ لأجل ظهور دليلها، علو الذات للرب جل وعلا؛ لأجل ظهور دليلها وقوة برهانها، وعدم وجود مجال للتأويل فيها خصها بأن من أنكر علو الذات لرب جل وعلا فإنه يكفر.
لكن الأصل الذي عليه أئمة أهل السنة والجماعة أنهم يستعملون في هذا الباب عبارات الابتداع، البدعة، الضلالة، والمخالفة، وطريقة الخلف، وأشباه ذلك، وليس كل من نفى صفة أو تأولها يعتبر كافرًا خارجًا من الدين، وإنما ذاك باتفاق مخصوص بالجهمية والمجسمة، وأما المعتزلة ففيهم تفصيل بحسب المسألة التي تتناول , أما الأشاعرة والماتريدية والكلابية، فلا أعلم أحدًا من أهل السنة أطلق عليهم الكفر.
سؤال: يقول: هل الصحيح أن إزار المسلم إلى نصف الساق، أم إلى الكعبين؟ لأني سمعت من يقول: إن إلى نصف الساق , لكن (إيش) الرياء؟ هل هذا صحيح؟
جواب: ما فهمت الكلام؛الخط غير جيد.
والمقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: ((إزرة المسلم إلى نصف ساقه، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين)) , وأيضًا في الحديث الصحيح الذي في الصحيحين: ((ما تحت الكعبين من الإزار في النار)) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أيضًا أنه قال: ((من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) , وهذا يدل على أن المسلم ليس له أن يجعل ثوبه أو إزاره أو ما يلبس أدنى من الرداء ونحوه يعني يجعله تحت الكعبين، يعني أن يكون مستديماً تحت الكعبين.
أما إذا كان في حالة يكون تحت الكعبين، ثم إذا لبسه مستويًا لا يكون تحت الكعبين فهذا لا حرج عليه فيه كما هو ظاهر من حديث أبي بكر الصديق t أنه قال: يا رسول الله إن إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده , قال: ((يا أبا بكر لست ممن يفعله خيلاء)) , فدل هذا على أن الاستدامة هي المنهي عنها، وأن أشد الأمر في ذلك أن يكون جره لإزاره، أو إسباله لثوبه، أو ردائه أو نحو ذلك على جهة الخيلاء، فهذا أشد , وإذا جعل إزاره إلى ما فوق الكعبين بقليل ولم يجعله تحت الكعبين فلا حرج عليه؛ لأن هذا مأذون فيه، وفيه سعة؛لقول النبي عليه الصلاة والسلام.
أما جعل الإزار إلى أنصاف الساقين، فهل هو عام في الإزار وفي غيره من الثياب؟ أم هو خاص بالإزار؟ اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من خصه بالإزار لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في السنن: ((إزرة المسلم إلى نصف ساقه)) , وأما الثوب يعني القميص وأشباه ذلك فإنه لا تكون السنة فيه كذلك، وهذا وجه لطائفة من أهل العلم.
وآخرون قالوا: إن الأصل يعم الجميع؛فالإزار ليس له مزية على غيره في هذا الحكم، بل الثوب والإزار على هذا الباب، في أن يكون له أن يجعله إلى نصف الساق، بل يكون هذا الأفضل في حقه، إلا إذا كان يرجو مصلحة شرعية في عدم فعله هذا، فإنه لا حرج عليه، كمثلاً أن يكون رياءً، أو ألا يكون، أو أن يكون فعله ذاك لا يسهل له أمر الدعوة والإرشاد وينفر الناس منه ونحو ذلك؛ فإن هذا أذن فيه طائفة من العلماء بهذا المعنى، وهو في المرخص فيه، يعني فيما بينه وبين الكعبين.
المهم أن الواجب على كل مسلم ألا يسبل إزاره فيما تحت الكعبين ولا ثوبه ولا رداءه، بل هذا يحرم عليه، وهو من كبائر الذنوب إذا استدام، وأعظم منه أن يفعل ذلك خيلاء، يعني تكبراً وطلبًا للرفعة، فإن هذا أعظم , وأهل العلم اختلفوا، هل يحمل حديث ما تحت الإزار: ((ما تحت الكعبين من الإزار في النار)) على حديث: ((من جر إزاره خيلاء))؟ أم أن يكون هذا له باب وهذا له باب؟ على قولين:
والمعروف عند جمهور العلماء أن حديث ((من جر إزاره خيلاء)) هو الأصل , و ((ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار)) محمولٌ على من فعله خيلاء؛ليجمع بين الحديثين , وهذا قول الجمهور ومنهم الحنابلة , وقد كان أيوب السختياني فيما رواه عنه عبدالرزاق بإسنادٍ صحيح كان يسبل إزاره، والإمام مالك أيضًا ربما فعله، قيل لأيوب: أليس هذا من الخيلاء؟ فقال: كانت الخيلاء في جرِّ الإزار، والخيلاء اليوم في التشمير.
وهذا ليس بصحيح، لكن فعلٌ لبعضهم , لهذا كان الإمام أحمد وعدد من الأئمة وهو الذي عليه أصحاب المذاهب، أن الجر لغير خيلاء، أو إسبال الإزار أو الرداء لغير خيلاء مكروه، الأفضل تركه , وأما جره للخيلاء فهو المحرم حملاً للحديثين بعضهما على الآخر؛ لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا.
والقول الثاني: أن الإزار أو الرداء , الإسبال أو الجر، محرم مطلقًا، فإن كان لغير خيلاء فهو في النار، وإذا كان خيلاء فالإثم أعظم بما رتب عليه في قوله: ((من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) , وهذا له باب، يعني هذا له باب , والحديث الآخر له باب , فلا يندرج عليه حمل المطلق هنا على المقيد؛ لعدم اتحاد الأثر فيهما، أو السبب فيهما.
المقصود من هذا أنه يجب على المسلم أن يتعاهد ذلك , فيخشى عليه أن يكون مرتكبًا للكبيرة، وإذا كان مرتكبًا لكبيرة جر الإزار، أو الإسبال فإنه لا يرجى له تكفير الصغائر، ولا يرجى له أن تكون الصلاة إلى الصلاة مكفرات لما بينهما؛ لأن فيه ما اجتنبت الكبائر، فينبغي بل يجب عليه أن يحذر أشد الحذر من هذا , أعان الله الجميع على ترك ما يغضب الرب جل وعلا. نكتفي بهذا , اقرأ:
* صحيح الآية: ] وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [ , النجم (39) .
* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .