ص: مسألة: الغاية قيل منطوق والحق مفهوم.
ش: ذهب القاضي أبو بكر إلى أن دلالة الغاية على نفي الحكم عما بعدها منطوق فإنهم اتفقوا على أن الغاية ليست كلاماً مستقلاً، فإن قوله تعالى {حتى تنكح زوجاً غيره} وقوله {حتى يطهرن} لابد فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام، وذلك المضمر إما ضد ما قبله أو غيره.
والثاني باطل، لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه، فتعين الأول، فيقدر حتى يطهرن فاقربهن، وحتى تنكح فتحل، قال: والإضمار بمنزلة الملفوظ، فإنه إنما يضمر لسبقه إلى فهم العارف باللسان، انتهى.
والحق الذي عليه الجمهور أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك.
ص: يتلوه الشرط فالصفة المناسبة فمطلق الصفة غير العدد فالعدد فتقديم المعمول لدعوى البيانيين إفادته الاختصاص وخالفهم ابن الحاجب وأبو حيان.
ش: لما فرغ من بيان كونها حجة، شرع في بيان مراتبها في القوة والضعف، وفائدته الترجيح عند التعارض، فأقواها مفهوم الغاية ولهذا قيل: إنه منطوق، ثم مفهوم الشرط، وقدم على مفهوم الصفة، لأنه قال به بعض من لا يقول بمفهوم الصفة، كابن سريج، ثم مفهوم الصفة المناسبة، وقد جعلها في (المستصفى) من قبيل دلالة الإشارة لا المفهوم، ثم مطلق الصفة غير العدد، واقتضى كلامه استواء بقية أقسام مفهوم الصفة من العلة والظرف والحال.
قال الشارح: وينبغي أن يكون أعلاها العلة، لدلالتها على الإيماء فهي قريب من المنطوق، انتهى.
ثم مفهوم العدد، ثم تقديم المعمول، وإنما أخره لأنه لا يفيد في كل صورة، ولأن البيانيين لم يصرحوا بأنه للحصر، وإنما قالوا: للاختصاص، وفي كونه بمعناه نزاع يأتي، وخالف في دلالته على ذلك ابن الحاجب، واحتج على ذلك في شرح المفصل بأنه لو دل على الحصر لدل تأخيره على عدمه، وهو غير لازم، فتأخيره لا يدل على حصر، ولا عدمه، وكذلك أبو حيان، فنقل في أول تفسيره عن سيبويه أنه قال: كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم لهم, وهم ببيانه أعني، ولم يذكر المصنف هنا مرتبة بقية أدوات الحصر، كأنه اكتفى بقوله: (فيما تقدم وأعلاها لا عالم إلا زيد، ثم ما قيل منطوق أي بالإشارة ثم غيره) ولكن ذاك إنما فيه بيان مراتبها في أنفسها، وليس فيه بيان مرتبتها مع غيرها من المفاهيم، وقال في شرح المختصر: إن أعلاها (ما) و(إلا) ثم مفهوم (إنما) والغاية ثم حصر المبتدأ في الخبر، وهو في تقديم ذلك على الشرط متابع للغزالي.
ص: والاختصاص: الحصر، خلافاً للشيخ الإمام حيث أثبته وقال: ليس هو الحصر.
ش: تقدم عن علماء البيان أن تقديم المعمول يدل على الاختصاص والذي يفهمه أكثر الناس من ذلك الحصر، وخالف في ذلك الشيخ الإمام السبكي، وقال: إنه غيره، فالاختصاص افتعال من الخصوص، وهو مركب من عام مشترك بين أشياء، ومعنى ينضم إليه يفصله عن غيره، كضربت زيداً، فإنه أخص من مطلق الضرب، لما انضم إليه منك ومن زيد، فمطلق الضرب ووقوعه منك: وكونه واقعاً على زيد قد يقصدها المتكلم على السواء، وقد يرجح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به.
فإذا قلت: زيداً ضربت، علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود، فهو الأهم الذي قصد إفادته من غير قصد غيره بإثبات ولا نفي، والحصر وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن غيره زائد على ذلك، وإنما جاء هذا في {إياك نعبد} للعلم بأنه لا يعبد غير الله لا من موضوع اللفظ انتهى.