[زِيَادَةُ "كَانَ" وشُروطُها ومَوَاضِعُهَا]:
154 - وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ: كَـ"مَا = كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا"
(وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوِ) أي: بينَ شَيئَيْنِ، وأكْثَرُ ما يكونُ ذلك بينَ "مَا" وفِعْلِ التعَجُّبِ (كـ"ما" كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا) و"مَا كَانَ أحْسَنَ زَيْدًا" وزيدتْ بينَ الصفَةِ والموصوفِ في قولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
195 - فِي غُرَفِ الجَنَّةِ العُلْيَا الَّتِي وَجَبَتْ = لَهُمْ هُنَاكَ بِسَعْيٍ كَانَ مَشْكُورِ
وجَعَلَ منهُ سِيبَوَيْهِ قَوْل الفَرَزْدَقِ [من الوافر]:
196 - فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ = وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
ورُدَّ ذلك عليهِ؛ لكونِهَا رافعةً للضميرِ وَليسَ ذلك مانعًا من زيادتِها كما لم يُمْنَعْ مِنْ إلغاءِ: "ظَنَّ" عندَ توسُّطِهَا أو تأخُّرِها إسنادُهَا إلى الفاعلِ وبينَ العاطفِ والمعطوفِ عليهِ كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
197 - فِي لُجَّةِ غَمَرَتْ أَبَاكَ بُحُورُهَا = فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ وَالإِسْلَامِ.
وبَيْنَ "نِعْمَ" وفاعِلِهَا كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
198 - وَلَبِسْتُ سِرْبَالَ الشَّبَابِ أَزُورُهَا = وَلَنِعْمَ كَانَ شَبِيبَةُ المُحْتَالِ
ومِنْ زيادَتِها بينَ جُزْئَيِ الجملةِ قولُ بعضِ العربِ "وَلَدَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الخُرْشُبِّ الكَمَلَةَ مِنْ بَنِي عَبْسٍ لَمْ يُوجَدْ كَانَ مِثْلُهُمْ".
نَعَمْ: شَذَّتْ زِيادتُهَا بينَ الجَارِّ والمجرورِ؛ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
199 - سُرَاةُ بَنِي أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى = عَلَى كَانَ المُسَوَّمَةِ العِرَابِ
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: أَفْهَمَ كلامُهُ أنَّهَا لا تُزادُ بلفظِ المضارِعِ وهو كذلك إلا ما نَدَرَ مِنْ قولِ أمِّ عَقِيلٍ [مِنَ الرَّجَزِ]:
200 - أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ نَبيلُ = إذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ
الثانِي: أَفْهَمَ قولُهُ: "فِي حَشْوِ" أنَّهَا لا تُزَادُ في غيرِهِ وهو كذلك خِلافًا للفَرَّاءِ في إجازَتِهِ زيادَتَها آخِرًا.
الثالثُ: أفهَمَ أيضًا تخصيصُ الحكمِ بها أنَّ غيرَهَا مِنْ أخواتِهَا لا يُزادُ، وهو كذلك إلا ما شَذَّ من قولِهِمْ: "مَا أَصْبَحَ أَبْرَدَهَا وَمَا أَمْسَى أَدْفَأَهَا" رَوَى ذلك الكُوفِيُّونَ وأجازَ أبو عليٍّ زيادَةَ "أَصْبَحَ" و"أَمْسَى" في قولِهِ [مِنَ السَّرِيعِ]:
201 - عَدُوُّ عَيْنَيْكَ وَشَانِيهِمَا = أَصْبَحَ مَشْغُولٌ بِمَشْغُولِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
202 - أَعَاذِلَ قُولِي مَا هَوِيتِ فَأَوِّبِي = كَثِيرًا أَرَى أَمْسَى لَدَيْكِ ذُنُوبِي
وأجازَ بعضُهُمْ زيادةَ سائِرِ أفعالِ البابِ إذا لم ينقُصِ المعنَى.
[حذفُ "كانَ" وأنواعُهُ وشروطُهُ]:
155 - وَيَحْذِفُونَها وَيُبْقُونَ الخَبَرْ = وَبَعْدَ "إِنْ وَلَوْ" كَثِيرًا ذَا اشْتَهَرْ
(وَيَحْذِفُونَها) أي: "كَانَ" إمَّا وَحْدَهَا أو معَ الاسمِ وهو الأكثرُ (ويُبْقُونَ الخَبَرْ) على حالِهِ (وبعدَ إنْ وَلَوْ) الشرْطِيَّتَيْنِ (كَثِيرًا ذا) الحكمُ (اشْتَهَرْ): مِنْ ذلك "المَرْءُ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ". وقولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
203 - قَدْ قِيلَ مَا قِيلَ إِنْ صِدْقًا وَإِنْ كَذِبًا = فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ قَوْلٍ إِذَا قِيلَا
وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
204 - حَدِبَتْ عَلَيَّ بُطُونُ ضَنَّةَ كُلُّهَا = إِنْ ظَالِمًا فِيهِمْ وَإِنْ مَظْلُومًا
وفي الحديثِ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) وقالَ الشاعرُ [مِنَ البَسِيطِ]:
205 - لَا يَأْمَنِ الدَّهْرَ ذُو بَغْيٍ وَلَوْ مَلِكًا = جُنُودُهُ ضَاقَ عَنْهَا السَّهْلُ وَالجَبَلُ
تنبيهانِ: الأوَّلُ: قدْ تُحْذَفُ "كانَ" معَ خبرِهَا ويَبْقَى الاسْمُ؛ مِنْ ذلك: معَ "إنَّ" : "المَرْءُ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرٌ فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرٌّ فَشَرٌّ" بِرَفْعِهِمَا أيْ: إنْ كانَ في عملِهِ خيرٌ فجَزَاؤُهُ خيرٌ وإنْ كانَ في عملِهِ شَرٌّ فجَزَاؤُهُ شَرٌّ وفي هذه المسألةِ أربعَةُ أوجُهٍ مشهورَةٌ: هَذَانِ والثالِثُ نَصْبُهُمَا على تقديرِ: إنْ كانَ عملُهُ خيرًا فهو يُجْزَى خيرًا، والرابعُ: عكسُ الأوَّل أي: رَفْعُ الأوَّلِ ونصْبُ الثانِي، وهذا الرابعُ أضعَفُها والأوَّلُ أرْجَحُهَا ومَا بينَهُمَا متوسِّطَانِ، ومنهُ معَ "لَوْ" "أَلَا طَعَامٌ وَلَوْ تَمْرٌ" جَوَّزَ فيه سِيبَوَيْهِ رفْعَ "تَمْرٍ" على تقديرِ: ولو يكونُ عندَنَا تَمْرٌ.
الثانِي: قَلَّ حذفُ "كانَ" مِنْ غيرِ "إنْ" و"لَوْ" كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
206 - مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى إِتْلَائِهَا=
قدَّرَهُ سِيبَوَيْهِ: مِنْ لَدُ أَنْ كَانَتْ شَوْلًا
156 - وَبَعْدَ "أنْ" تَعْوِيضُ "مَا" عَنهَا ارْتُكِبْ = كَمِثْلِ: "أَمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ"
(وَبَعْدَ أَنْ) المصدريةِ (تعويضُ "مَا" عنْهَا) أي: عن كَانَ (ارتُكِبْ) فتُحْذَفُ كانَ لذلكَ وُجُوبًا إذْ لا يجوزُ الجمعُ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ "كمثلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا فاقْتَرِبْ" فـ"أنْ" مصدريةٌ: و"مَا": عِوَضٌ عَنْ "كَانَ" و"أَنْتَ" اسْمُهَا و"بَرًّا" خبرُهَا والأصلُ: "لِأَنْ كُنْتَ بَرًّا" فحُذِفَتْ لامُ التعْلِيلِ لأن حذفَهَا معَ "أنْ" مطَّرِدٌ ثم حُذِفَتْ "كَانَ" فانفصلَ الضميرُ المتَّصِلُ بها ثم عُوِّضَ عنها "ما" وأُدغِمَتْ فيها النونُ، ومنهُ قولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
207 - أَبَا خِرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ = فَإِنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ
تنبيهٌ: حُذِفَتْ "كَانَ" معَ مَعْمُولَيْهَا بعدَ "إنْ" في قولهم: "افعلْ هذا إِمَّا لَا" أي: إنْ كُنْتَ لا تفعلُ غيرَهُ، فـ"ما": عِوَضٌ عنْ "كَانَ" و"لَا" نافيةٌ للخَبَرِ ومنهُ قولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
208 - أَمْرَعَتِ الأَرْضُ لَوَ انَّ مَالًا = لَوَ انَّ نُوقًا لَكِ أَوْ جِمَالًا
أَوْ ثُلَّةً مِنْ غَنَمٍ إِمَّالَا
التقديرُ: إنْ كُنْتِ لَا تجدين غيرها.
[حذفُ نونِ المضارعِ مِنْ "كَانَ"]:
157 - وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ = تُحْذَفُ نُونٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا التُزِمْ
(وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ) ناقصةً كانتْ أو تَامَّةً (مُنْجَزِمْ) بالسكونِ لمْ يتَّصِلْ بهِ ضميرُ نصْبٍ وقدْ وَلِيَهُ متَحَرِّكٌ (تُحْذَفُ نُونٌ) هي لامُ الفعلِ تخفيفًا (وهْوَ حذفٌ) جائزٌ (+مما (مَا) التُزِمْ) نحوُ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} في القِراءتينِ: بخِلافِ نحوِ: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} {وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ} {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}، (( إنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ)) {لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} وخالَفَ في هذا الأخيرِ يُونُسُ؛ فأجازَ الحذفَ حينئذٍ تَمَسُّكًا بقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
209 - فَإِنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أَبْدَتْ وَسَامَةً = فَقَدْ أَبْدَتِ المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ
وحُمِلَ على الضرورةِ؛ قالَ الناظِمُ: وبقولِهِ أقُولُ؛ إذ لا ضرورةَ لإمكانِ أنْ يقالَ: فإنْ تكنِ +المرأة (المِرْآةُ) أخْفَتْ وَسَامَةً وقَدْ قُرِئَ شَاذًّا (لَمْ يَكُ الَّذِينَ كَفَرُوا)
[اقتِرَانُ "إلا" بخبَرِ الأفعالِ الناقصةِ]:
خاتمةٌ: إذا دخلَ على غيرِ "زَالَ" وأخواتِهَا مِنْ أفعالِ هذا البابِ نَافٍ فالمنْفِيُّ هو الخبرُ نحوُ: "مَا كانَ زَيْدٌ عَالِمًا" فإنْ قُصِدَ الإيجابُ قُرِنَ الخبرُ بإلا، نحوُ: "+من (مَا) كَانَ زَيْدٌ إِلا عَالِمًا". فإن كانَ الخبرُ مِنَ الكلماتِ الملازمَةِ للنفْيِ نحوَ: "يَعِيجُ" لم يجُزْ أنْ يَقترِنَ بـ"إلا" فلا يقالُ في "مَا كانَ زَيْدٌ يَعِيجُ بِالدوَاءِ" "مَا كَانَ زَيْدٌ إلا يَعِيجُ" ومعنى يَعِيجُ: يَنْتَفِعُ وحُكمُ "لَيْسَ" حكمُ "مَا كَانَ" في كُلِّ مَا ذُكِرَ.
وأمَّا "مَا زَالَ" وأخواتُها فنفْيُها إيجابٌ؛ فلا يَقْترنُ خَبَرُها بـ"إلا" كما لا يَقترنُ بها خبرُ "كانَ" الخاليةِ مِنْ نفْيٍ؛ لِتَساوِيهِمَا في اقتضاءِ ثبوتِ الخبرِ ومَا أوْهَمَ خِلافَ ذلك فمُؤَوَّلٌ؛ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
210 - حَرَاجِيحُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً = عَلَى الخَسْفِ أَوْ نَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرًا
أيْ: ما تَنفصِلُ عَنِ الإتعابِ إلا في حال إناختِها على الخَسْفِ إلى أنْ نرميَ بها بَلَدًا قَفْرًا فَـ"تنفَكُّ" هنا: تامَّةٌ، ويجوزُ أنْ تكونَ ناقصةً وخبرُها "عَلَى الخَسْفِ" و"مُنَاخَةً" منصوبٌ على الحالِ أي: لا تنفكُّ على الخسفِ إلا في حالِ إناخَتِها واللهُ أعلمُ.