باب قول الله عز وجل: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}
قول الله عز وجل: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}، فأخبر بأن الخلق صار مكونا مسخرا بأمره ثم فصل الأمر من الخلق، فقال: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}، قال سفيان بن عيينة: بين الله تعالى الخلق من الأمر، فقال: {ألا له الخلق والأمر}.
وقال: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان} فلم يجمع القرآن مع الإنسان في الخلق، بل أوقع اسم الخلق على الإنسان والتعليم على القرآن.
وقوله جل وعلا: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} فوكد القول بالتكرار، ووكد المعنى بإنما، وأخبر أنه إذا أراد خلق شيء، قال له: كن ولو كان قوله مخلوقا لتعلق بقول آخر، وكذلك حكم ذلك القول حتى يتعلق بما لا يتناهى، وذلك يوجب استحالة وجود القول، وذلك محال، فوجب أن يكون القول أمرا أزليا، متعلقا بالمكون فيما لا يزال، فلا يكون لا يزال إلا وهو كائن على مقتضى تعلق الأمر به، وهذا كما أن الأمر من جهة صاحب الشرع متعلق الآن بصلاة غد.
[الأسماء والصفات: 1/556]
وغد غير موجود متعلق بمن لم يخلق من المكلفين إلى يوم القيامة، وبعد، لم يوجد بعضهم، إلا أن تعلقه بها وبهم على الشرط الذي يصح فيما بعد، كذلك قوله في التكوين والله أعلم
483- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم، حدّثنا أحمد بن سلمة، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جريرٌ، عن سهيلٍ، قال: كان أبو صالحٍ يأمرنا: إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقّه الأيمن، ثمّ يقول: اللّهمّ ربّ السّماوات، وربّ الأرض، وربّ العرش العظيم ربّنا وربّ كلّ شيءٍ، فالق الحبّ والنّوى، منزل التّوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرّ كلّ شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته، اللّهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ، اقض عنّا الدّين، واغننا من الفقر وكان يروى ذلك، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن زهير بن حربٍ، عن جريرٍ رضي اللّه عنه، فهو ذا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فصل بين المخلوق وغير المخلوق، فأضاف المخلوق إلى خالقه بلفظٍ يدلّ على الخلق، وأضاف التّوراة والإنجيل والفرقان إلى الله تعالى بلفظٍ لا يدلّ على الخلق، ولم يجمع بين المذكورين في الذّكر، وباللّه التّوفيق
484- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو حامد بن بلالٍ، حدّثنا أحمد بن حفصٍ، قال:
[الأسماء والصفات: 1/557]
حدّثني أبي، قال: حدّثني إبراهيم بن طهمان، عن الأعمش، عن موسى بن المسيّب، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد الرّحمن بن غنمٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: يقول اللّه عزّ وجلّ: فذكر الحديث إلى أن قال: عطائي كلامٌ، وعذابي كلامٌ، إنّما أمري لشيءٍ إذا أردته أن أقول له كن فيكون وأمّا قوله عزّ وجلّ: وكان أمر الله مفعولا، فإنّما أراد، واللّه أعلم، ما قضى اللّه سبحانه وتعالى في أمر زيدٍ وامرأته، وتزوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بها، وجواز التّزوّج بحلائل الأدعياء، كان قضاءً مقضيًّا، وهو كقوله: وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، والأمر في القرآن ينصرف وجهه إلى ثلاثة عشر وجهًا منها: الأمر بمعنى الدّين، فذلك قوله تعالى: حتّى جاء الحقّ وظهر أمر الله يعني: دين الله الإسلام وله نظائر.
ومنها: الأمر بمعنى القول، فذلك قوله تعالى: فإذا جاء أمرنا يعني قولنا، وقول الله عزّ وجلّ: فتنازعوا أمرهم بينهم، يعني قولهم.
ومنها: الأمر بمعنى العذاب، فذلك قوله: لمّا قضي الأمر يعني: لمّا وجب العذاب بأهل النّار، وله نظائر.
ومنها: الأمر يعني: عيسى عليه السّلام، فذلك قوله: إذا قضى أمرًا يعني عيسى، وكان في علمه أن يكون من غير أبٍ، فإنّما يقول له كن فيكون.
ومنها أمر الله تعالى يعني القتل ببدرٍ، فذلك قوله تعالى: فإذا جاء أمر الله يعني: القتل ببدرٍ، وقوله تعالى: ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا يعني: قتل كفّار مكّة.
ومنها: أمرٌ يعني: فتح مكّة، وذلك قوله: فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره يعني: فتح مكّة.
ومنها: أمرٌ يعني: قتل قريظة وجلاء النّضير، فذلك قوله تعالى: فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره.
ومنها أمرٌ يعني: القيامة، فذلك قوله: أتى أمر الله فلا تستعجلوه يعني: القيامة.
ومنها الأمر يعني القضاء، فذلك قوله تعالى في الرّعد: يدبّر الأمر
[الأسماء والصفات: 1/558]
يعني القضاء، وله نظائر.
ومنها: الأمر يعني: الوحي، فذلك قوله: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، يقول: يتنزّل الأمر بينهنّ يعني: الوحي.
ومنها: الأمر يعني أمر الخلق، فذلك قوله: ألا إلى الله تصير الأمور يعني أمور الخلائق.
ومنها الأمر يعني النّصر، فذلك قوله: يقولون هل لنا من الأمر من شيءٍ يعنون النّصر: قل إنّ الأمر كلّه للّه يعني: النّصر.
ومنها الأمر يعني الذّنب، فذلك قوله تعالى: فذاقت وبال أمرها، يعني جزاء ذنبها، وله نظائر.
485- أخبرنا بمعنى ذلك أبو الحسن بن أبي عليٍّ السّقّا، أخبرنا أبو يحيى، عثمان بن محمّد بن مسعودٍ، أخبرني إسحاق بن إبراهيم الجلاب، حدّثنا محمّد بن هانئٍ، حدّثنا الحسين بن ميمونٍ، حدّثنا الهذيل، عن مقاتلٍ، فذكره ففي كلّ موضعٍ يستدلّ بسياق الكلام على معنى الأمر، فقوله: ألا له الخلق والأمر يدلّ على أنّ الأمر غير الخلق، حيث فصل بينهما، فإنّما أراد به كلامًا يخلق به الخلق، أو إرادةً يقضي بها بينهم ويدبّر أمرهم، واللّه أعلم، قال القتيبيّ: هذا كلّه وإنّ اختلف، فأصله واحدٌ ويكنى عن كلّ شيءٍ بالأمر، لأنّ كلّ شيءٍ يكون، فإنّما يكون بأمر الله عزّ وجلّ، فسمّيت الأشياء أمورًا، لأنّ الأمر سببها يقول اللّه عزّ وجلّ: ألا إلى الله تصير الأمور
[الأسماء والصفات: 1/559]