الدرس الحادي والعشرون: الكفر بالطاغوت
العناصر:
1-تعريف ابن القيم للطاغوت:
-معناه لغة.
-وروده في القرآن والسنة.
-تعريف الطاغوت من كلام الأئمة.
-شرح تعريف ابن القيم.
2-رؤوس الطواغيت.
3-معنى قوله تعالى {لا إكراه في الدين}.
4-معنى العروة الوثقى.
5-شرح حديث " رأس الأمر الإسلام " .
تلخيص الدرس:
1-تعريف ابن القيم للطاغوت:
(قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (ومَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ، مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ).
-معناه لغة:
فَعَلُوتٌ من الطغيان.
أصله طَغَوُوت, كما يقال: مَلَكوت، وجبروت, وهذا البناء تستعمله العرب للمبالغة الكبيرة التي لا أبلغ منها.
والطغيان هو: مجاوزة الحد.
يقال: رجل طاغٍ، إذا جاوز حدَّه.
ويطلق على الواحد والجماعة والذكر والمؤنث ؛ قال الله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}؛ فهذا في الواحد.
وقال تعالى في الجمع: {الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم}.
وقال في المؤنَّث: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}).
-وروده في القرآن والسنة:
-قال الله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}.
-في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم )).
-وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلُّون لمناةَ الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل).
-أكثر ما يطلق لفظ الطاغوت في نصوص الكتاب والسنة على ما يُعبد من دون الله عز وجل.
قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد}
وقال: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
-تعريف الطاغوت من كلام الأئمة:
- عن عمر بن الخطاب ومجاهد والشعبي: أن الطاغوت هو الشيطان.
- وروي عن محمد بن سيرين أن الطاغوت هو الساحر، وهي إحدى الروايتين عن أبي العالية الرياحي ، وهذا بيان لنوع من أنواع الطواغيت.
- وروي عن سعيد بن جبير أن الطاغوت هو الكاهن، وهي الرواية الأخرى عن أبي العالية الرياحي.
-قال ابن جرير: (والصواب من القول عندي في"الطاغوت"، أنه كل ذي طغيان على الله، فعُبِدَ من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء).
-شرح تعريف ابن القيم:
** قوله: (الطاغوت هو ما تجاوز به العبد حده من معبود)
-خرج به ماعبد وهو غير راض كالملائكة وغيرهم ؛ فهؤلاء نزل فيهم قول الله تعالى {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
** وقول ابن القيم: (أو متبوع أو مطاع)
الاتباع والطاعة في معصية الله عز وجل على درجتين:
الدرجة الأولى: تكون فيما يخرج من الملة كاتباع الطواغيت في عبادة غير الله عز وجل بصرف شيء من العبادات لهم أو اتباعهم على تحليل الحرام وتحريم الحلال أو غير ذلك من نواقض الإسلام.
الدرجة الثانية: الطاعة والاتباع في معصية الله تعالى بما لا يخرج عن دين الإسلام ، كأن يكون داعية إلى بدعة عظيمة أو حاكماً كثير الظلم والطغيان .
2-رؤوس الطواغيت:
قوله: (وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ:
- إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ ) :لقوله تعالى {ألم أعهد إليكم يا بني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} .
- (وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ) :والدليل قوله تعالى : {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} .
- (وَمَنِ ادَّعَى شَيْئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ) :والدليل قوله تعالى : {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلُك من بين يديه ومن خلفه رصداً} ، وقال تعالى : {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} .
- (وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلى عِبَادَةِ نَفْسِهِ):{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} .
- (وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ ):والدليل قوله تعالى : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} .
3-معنى قوله تعالى {لا إكراه في الدين}:
أي إنَّ الدين لا إكراه فيه على أحد، فلا يستطيع أحد من الخلق أن يجبر أحداً على دينٍ لا يرتضيه؛ لأن الله تعالى لم يجعل للمخلوقين سلطاناً على القلوب.
فمن اختار الإيمان فلا يستطيع أن يمنعه منه أحد من الخلق بإكراه على الكفر.
وأما من اختار الكفر على الإيمان فهو كافر ، وإن كان مستضعفاً في الظاهر.
-وهو يشمل معاني :
المعنى الأول: أنه لا يقع إكراه من مخلوق لمخلوق على الدين.
المعنى الثاني: أنها خبر بمعنى النهي أي: لا يجوز أن يُكره أحدٌ بتهديد بضرب أو قتل أو حبس أو نحوه على الدخول في دين الإسلام.
وهذا لا يعارضه قتال الكفار وإقامة الحد على المرتد فإن الكفار يقاتلون على منعهم تبليغ الدعوة وتمكين المؤمنين من الأرض ليحكموا فيها بما أنزل الله ويحطّموا ما أمر الله بتحطيمه من الطواغيت التي تعبد من دون الله عز وجل فمن دافع عن هذه الطواغيت وقاتل في سبيلها استحق القتال، وليس قتاله على أن يكره على أن يدخل في دين الإسلام كرهاً.
وكذلك المرتد يقتل تنفيذاً لحكم الله عز وجل فيه.
المعنى الثالث: {لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ} أي لا يجوز للمؤمنين أن يكره بعضهم بعضاً على أي أمر من الأمور ، فمعنى لا إكراه في الدين أي لا يجوز الإكراه في دين الإسلام.
4-معنى العروة الوثقى:
العروة هي ما يُسْتَمْسَكُ به لطلب النجاة.
وأصلها من العروة التي كانت توثق بها الدلو.
وهي التي وصفها الله عز وجل بقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى}
وهي أن يؤمن بالله عز وجل ويكفر بالطاغوت.
وهذا هو معنى لا إله إلا الله ؛ فلابد فيها من النفي والإثبات.
ومن الأخطاء التي تكون في تفسير معنى كلمة التوحيد :
1: قصر معناها على توحيد الربوبية؛ كمن يقول أن معناها لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله ونحو ذلك من معاني الربوبية.
2: قصر معناها على بعض معاني توحيد الأسماء والصفات كمن يقول معناها أنه واحد في ذاته .
3: دعوى أن معناها مسألة خلافية ولا ينبني عليها التفريق بين الكفر والإيمان.
5-شرح حديث " رأس الأمر الإسلام " :
- و(الأمر) واحد الأمور ، وهو من أكثر الألفاظ العامة استعمالاً في لسان العرب، بل إنه يعبر به عن أي شأن.
- وقوله: (رأس الأمر)
* في معناه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن المراد بالأمر هنا ما بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، وأن رأس ذلك الأمر الإسلام.
فهو كمثل الشيء الذي له جذع ورأس فيكون الرأس هو الإسلام.
وهذا التفسير لا يصح لأن كل ما بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الإسلام.
القول الثاني: أن رأس الأمر هو أصله ومعظمه ؛ فإذا ذهب ذهب الأمر كله
كما يقال: رأس المال؛ فمن ذهب رأس ماله ؛ بقي مفلساً لا مال له. وهو ماقاله ابن تيمية وابن عاشور.
فالرأس هو أصل كل شئ.
وعمود الإسلام الصلاة ؛ ومن ذلك حديث : ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر؛ فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)). رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني.
- قوله: ((وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) أي أعلاه وأشرفه، وهو مظهر عزه وقوته وزينته
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض؛ فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة)).