(ص) مسألة: قال الشيخ والقاضي: الأمر النفسي بشيء معين نهي عن ضده الوجودي، وعن القاضي: يتضمنه وعليه عبد الجبار وأبو الحسين والآمدي وقال إمام الحرمين والغزالي: لا عينه ولا يتضمنه وقيل: أمر الوجوب يتضمن فقط، أما اللفظي فليس عين النهي قطعا، ولا يتضمنه على الأصح.
(ش) مسألة: الكلام في هذه المسألة يقع على وجهين:
أحدهما: في النفساني وهو: الطلب القائم بالنفس، والمثبتون له اختلفوا على مذاهب:
أحدها: أنه عين النهي عن ضده وهو قول الأشعري والقاضي وأطنب في نصرته في (التقريب) بناء على أصلهم أن كلام الله واحد لا يتنوع، وهو بنفسه أمر بما أمر ونهى عما نهى، فكان تأثير الأمر بالشيء نهيا عن ضده، وعلى العكس.
والثاني: ليس عينه ولكن يتضمنه عقلا، وذكر إمام الحرمين أن القاضي صار إليه في آخر مصنفاته ونقله الشيخ أبو حامد الإسفرائيني عن أكثر أصحابنا ونقله المصنف عن عبد الجبار ومن معه، وفيه شيء نذكره.
والثالث: أنه ليس نهيا عن ضده ولا متضمنا له، بل هو مسكوت عنه واختاره إمام الحرمين والغزالي وابن الحاجب وقال الكيا: إنه الذي استقر عليه القاضي.
والرابع: التفصيل بين أمر الإيجاب، فيتضمن النهي عن ضده, وأمر الندب ليس نهيا عن ضده ولا متضمنا له فإن أضداده مباحة غير منهي عنها، وهو قول بعض المعتزلة، ومن لم يفصل جعل أمر الندب نهيا عن ضده نهي ندب، حتى يكون الامتناع عن ضده مندوبا كما يكون فعله مندوبا وإنما قيدنا هذا الخلاف بالنفسي للتنبيه على أنه ليس الخلاف على صيغة الأمر وصيغة النهي إذ لا نزاع في أنهما صيغتان مختلفتان وإنما النزاع عند القائلين بالنفسي بأن الأمر هو الطلب القائم بالنفس راجع إلى أن طلب فعل الشيء هل هو طلب ترك أضداده أم لا؟ وهذا وإن لم يصرح به الجمهور وأطلقوا الخلاف، فهو متضمن لما ذكرنا والشيخ والقاضي ما تكلما إلا في النفسي وذكرا أن اتصاف الشيء يكون أمرا ونهيا – بمثابة اتصاف اللون الواحد بكونه قريبا من شيء بعيدا من غيره، الثاني: اللساني والمنكرون للنفسي الذاهبون إلى أن الأمر هو نفس صيغة افعل وهم المعتزلة – قد اتفقوا على أن الأمر ليس نهيا عن ضده، ضرورة تغاير صيغة افعل لصيغة لا تفعل، ولهذا لم يصر أحد إلى أن الأمر نفس النهي، وإنما اختلفوا هل يستلزم النهي عن ضده من جهة المعنى على مذهبين، ومعناه: إن صيغة (افعل) مثلا تقتضي إيجاد القعود فهل يستلزم النهي عن القيام من حيث هي مقتضية لإيجاد القعود أم لا؟ فذهب قدماء مشايخهم إلى منعه، وذهب القاضي عبد الجبار وأبو الحسين وغيرهما إلى إثباته وهؤلاء لم يتكلموا إلا في اللساني، فإن الأمر عندهم العبارة فقط.
تنبيهان:
الأول: ظهر بما شرحناه أن حكاية المصنف عن عبد الجبار وأبي الحسين في المقام الأول منتقدة، فإنهما لم يتكلما إلا في اللساني، وأما الآمدي فإنه قال: إن جوزنا تكليف ما لا يطاق فليس عينه ولا يستلزمه وإن منعناه استلزمه.
الثاني: احترز بقوله: معينا، عن الواجب الموسع والمخير، فإن الأمر بهما ليس نهيا عن الضد، والمسألة مقصورة على الواجب على التعيين، صرح بذلك الشيخ أبو حامد الإسفرائيني والقاضي في (التقريب) وغيرهما، واحترزنا بالوجودي عن الترك، فإن الأمر بالشيء نهي عن تركه قطعا.
وأما النهي فقيل: أمر بالضد وقيل: على الخلاف.
اختلفوا في النهي عن الشيء، هل هو أمر بضده؟ على طريقين:
إحداهما: أنه على الخلاف السابق في الأمر.
والثانية: أنه بالضد قطعا وهي طريقة القاضي في (التقريب) فإنه جزم بأن النهي أمر بالضد، بعد ما حكى الخلاف في الأمر، و وجهه أن دلالة النهي على مقتضاه أقوى من دلالة الأمر على مقتضاه، ويدل لذلك أن مطلوب النهي فعل الضد، فاستحضار الضد في جانب النهي أولى منه في جانب الأمر، لأنه في جانب النهي المطلوب، ولا يطلب القائل إلا ما يحضر ذهنه، فالنهي يستدعي جانب المفسدة والأمر يستدعي جانب المصلحة، واعتناء الشارع بدرء المفاسد أكثر من اعتنائه بالثاني وضعف إمام الحرمين هذه الطريقة، وقال: يلزم منها القول بمذهب الكعبي في نفي المباح فإنه إنما صار إلى ذلك من قال: لا شيء مقدرا مباحا إلا وهو ضد محظور فيكون حينئذ واجبا واعلم أن ابن الحاجب حكى الطريقة الثانية، وحكى بدل الأولى أنه ليس بالضد قطعا وبه يجتمع في المسألة ثلاث طرق، لكن المصنف نازعه في ثبوتها، وقال: إنه لم يعثر عليه نقلا، ولم يتجه له عقلا، وقال غيره: إنه مبني على أن النهي طلب نفي الفعل لا طلب الكف عنه الذي هو ضده كما هو مذهب أبي هاشم، فلا يكون أمرا بالضد.