س: حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {ليسوا سواء}.
*المراجع:
- [جامع البيان للطبري: 5/689-695].
- [تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم: 2/737-739].
- [معاني القرآن للأخفش: 1/180-181].
- [معاني القرآن للزجاج: 1/458-460].
- [معاني القرآن للنحاس: 1/462-463].
- [المحرر الوجيز لابن عطية: 2/322-326].
- [تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2/104-105].
*استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها وتخريجها:
اختلف العلماء في معنى قوله :"ليسوا سواء" والمراد بهم فيها على أقوال:
-القول الأول: أن المراد أهل الكتاب, والمعنى ليس جميعهم سواء, فمنهم جماعة مؤمنة بالله مقيمة لأحكامه معتصمة بكتابه, ومنهم الجاحد. قال بذلك ابن عباس, وقتادة, وابن جريج, وأبو الأشهب, وذكره ابن أبي حاتم, ورجحه الطبري, وابن عطية, وابن كثير, وكثير من أهل اللغة, كالأخفش, والزجاج, والنحاس.
*تخريج الأقوال:
-قول ابن عباس: رواه الطبري وابن أبي حاتم عن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ, وذكرا قوله.
ورواه كذلك الطبري عن أبي كريبٍ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
-قول قتادة: رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة, وذكر قوله.
-قول ابن جريج: رواه الطبري عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ, وذكر قوله.
-قول أبو الأشهب: رواه ابن أبي حاتم قال: حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان النّشيطيّ، ثنا أبو الأشهب, وذكر قوله.
-القول الثاني: أن المراد به أهل الكتاب وأمة محمد القائمة بحق الله ليسوا سواء عند الله. قال به ابن مسعود, والسدي, وذكره الطبري, وابن أبي حاتم, وابن عطية, وابن كثير.
*تخريج الأقوال:
-قول ابن مسعود: رواه الطبري وابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ, وذكرا قوله.
-قول السدي: رواه الطبري وابن أبي حاتم عن أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ, وذكرا قوله.
*توجيه الأقوال ودراستها ونقدها وبيان الراجح منها:
بالنسبة لنا ومن خلال مفهوم الآية المباشر واستقصاء تفسراتها فإن القول الأول فيما يبدو هو الأرجح بإذن الله, ولكن وجود القول الآخر يجعلنا نحتاج لتوجيهه ومعرفة سبب القول به لا سيما وأن القائل به من الصحابة, فمما يبدو أن سبب القول به هو ما يؤيده من أحاديث تدل على تفضيل أمة محمد على الأمم قبلها ومنهم أهل الكتاب, فلعل هذه الأحاديث هي ما حدت للقائلين بهذا القول للقول به, كما أشار لذلك ابن كثير بقوله أن ما يؤيد ميل المائل إلى هذا القول هو ما روي في مسند الإمام أحمد في هذا المعنى, ولكن الراجح والله أعلم أنه القول الأول لأسباب:
1-سياق الآية, فالآيات قبلها تتحدث عن أهل الكتاب بشكل صريح, كما أنها ذكرت ذمهم في قوله :"ضربت عليهم الذلة...", فكأن هذه الآية استدركت الآية قبلها بتبيين عدم استوائهم في ذلك, فمنهم المؤمن ومنهم الكافر, ومما يتبين لنا فإنه لم يرد ذكر أمة محمد بشكل صريح في سياق هذه الآيات, فما الداعي لتوجيه المعنى إلى أن المراد هي, وإخراج النص عن سياقه.
2-ما خرجناه آنفا من حديث ابن عباس في سبب نزول الآية أنه قال: "لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}" وأشار ابن جريج إلى نحو ذلك السبب. مما يبين أن سبب النزول كان فيمن أسلم من أهل الكتاب, مما يعني أن الخطاب يتحدث عنهم, والمعنى يتوجه نحوهم ونحو من كان صالحا مثلهم.
3-موافقة أهل اللغة لهذا المعنى, وهم ممن لقولهم أهمية في الترجيح, لمعرفتهم بأساليب اللغة, وسياق الجمل ومعناها, فهذا مما يقوي هذا القول.
4-قول كبار المفسرين من الصحابة كقتادة وابن عباس بهذا القول, وهو الذي دعا له الرسول بأن يعلمه الله التأويل, ناهيك عن ترجيح كبار المفسرين لهذا القول واجتماعهم عليه -ممن اطلعنا على أقوالهم ونقلنا عنهم-, وهو المشهور عنهم كما نقل ذلك ابن كثير عن محمد بن إسحاق وغيره.
فكل هذا بإذن الله مما يدل على ترجيح القول الأول, ويؤكد من صحة معناه, فالله نسأل السداد في القول, والعفو عن الخطأ, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.