القارئ :.
النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل, وبيان الحرج والتعديل, المقبول الثقة, الضابط لما يرويه, وهو المسلم العاقل, البالغ, السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة, وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل, حافظا إن حدث من حفظه, فاهما إن حدث على المعنى, فإن اختل شرط مما ذكرناه ردت روايته, وتثبت عدالة الراوي باشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه, أو بتعديد الأئمة, أو اثنين منهم له, أو واحد على الصحيح, ولو بروايته عنه بالقول, قال ابن الصلاح: وتوسع ابن عبد البر فقال: كل حامل علم معروف عنايته به فهو عدل محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه, لقوله عليه الصلاة والسلام: (( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)). قال: وفيما قاله اتساع غير مرضي والله أعلم. قلت: لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قويا, ولكن في صحته نظر قوي, والأخذ بعدم صحته والله أعلم نعم .
الشيخ :.
هذا الكلام فيه يتعلق بالشرط الأول من شروط الحديث الصحيح, أو للشرطين الأولين من شروط الحديث, وهما العدالة والضبط, فأولا: عرف ابن كثير أول ما تكلم في أول كلامه عرف بالراوي المقبول, من هو الراوي المقبول الذي مر في الحديث الصحيح؟ يقول: المقبول هو الثقة أو ضابط لما يرويه, الثقة الضابط لما يرويه, وهذا هو ملخص كل ما سيأتي, وما سيأتي فروع عليه, وما سيأتي مفرع على هاتين الكلمتين ، من هو الذي تقبل روايته ؟ أو الذي يسمى حديثه صحيحا؟ هذا هو بهاتين الكلمتين؛ الثقة الضابط لما يرويه, هذا باختصار.
سيشرح الآن ابن كثير هذه الكلمة, وكيف يتتحقق منها, وما يتعلق بأمور أخرى, فذكر من هو الثقة الضابط؟ فقال: هو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. هذا فيما يتعلق بعدالته في نفسه, وهذا لابد من هذه الشروط لكي يضمن أو يؤمن جانب التعدي المتعمد في الحديث بالزيادة أو بالنقص, فكل هذه الأمور المذكورة والشروط المذكورة راجعة للعدالة, واشتراطها المحدثون -رحمهم الله تعالى- صيانة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تأتي هكذا عنهم لم يأت يعني: يذكرونهذه الشروط على التحديد, ولكنها مأخوذة من مجموع كلامهم, فيتكلمون في الراوي, إذا كان معروفا بشيء من الفسق يتكلمون فيه , إذا كان معروفا ببعض خوارم المروءة, وربما يقول بعض الأئمة يقولون: يأتيك كلام في باب الرواة, يقول: كان يلعب به الجان مثلا يعني: أنه كان يحلق به بعض الصبيان, أو بعض الذين يحبون يعني: أنه فيه بعض خوارم المروءة, يقص في حديثه.. وغرضه من القصص الحصول على المال, هذا اعتبروه من خوارم المروءة .
وكل هذا احتياط يخافون أو يستدلون ببعض أعمال الراوي على أنه قد يتزيد في حديث رسول الله, لا يؤمن جانبه في هذا الشأن, فاحتاطوا -رحمهم الله تعالى- للرواية احتياطا كبيرا,واشترطوا في الراوي هذه الشروط التي ذكرها ابن كثير, وذكر بعد ذلك ما يتعلق بالضبط.
قال: "وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل, حافظا محدثا بحفظه, فاهما إن حدث على المعنى". يضاف إلى ذلك حافظا لكتابه, ذكره الشافعي وغيره أيضا, حافظا لكتابه إن حدث من كتابه, فيشترط فيه أن يكون متيقظا, يؤمن عليه الغلط, هذا في جانب الضبط, لا يكفي أن يكون صالحا في نفسه, لا يكفي أن يكون صالحا بنفسه, ولهم كلمات كثيرة جدا في عدم كفاية الصلاح؛ لأن الصالح في نفسه صالح له أو لغيره؟هو صالح لنفسه.
نعم أمنا منه جانب الكذب, ولكن يبقى جانب الغلط, فالغلط لا يكفي فيه الصلاح, بل لابد من التيقظ, وأن يكون حافظا لحديثه, ولهذا متى اشتغل الصالح بصلاحه وعبادته عن مراجعة حفظه ومذاكرة والاعتناء بكتبه عن التجوير, يعني: قد يكون صالحا, ولكن فيه تغفيل, فربما أدخل في كتابه ما ليس منه, وهذا كثير في الرواة, يكون له ابن, يكون له وراق سيئ, يكون له مثلا من يقلب الحديث معه فيدخل عليه, لابد من ضبط الكتاب.
وهذه أمور إذا تتبعتها في كلام الأئمة في الرواة تجد عجبا من دقتهم في موضوع التلقين هذا الذي عبر عنه ابن كثير أن يكون متيقظا غير مغفل هذا نسميه التلقين
فالمهم أن هذه الشروط كذلك بالنسبة لحفظ الكتاب, ما ذكره ابن كثير وهو داخل في قوله: حافظا إن حدث من حفظه, فاهما إن حدث على المعنى, يضاف إليه أيضا شرط اشترطه العلماء أنه إن كان يحدث من كتابه فلابد أن يكون حافظا لكتابه, بل لابد أن يكون حافظا لكتابه وإن حدث من حفظه؛ لأنه حتى وإن كان يحدث من حفظه يحتاج إلى يحتاج إلى مراجعة كتابه.
القارئ :.
ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظا أو معنى, وعكسه عكسه, والتعديل مقبول ذكر السبب أو لم يذكر؛ لأن تعداده يطول وقبل إطلاقه, بخلاف الجرح؛ فإنه لا يقبل إلا مفسرا باختلاف الناسخ للأسباب المفسقة, وقد يعتقد الجارح شيئا مفسقا فيضعفه, ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره, فلهذا اشترط بيان السبب في الجرح.
قال الشيخ أبو عمرو: وأكثر ما يثبت في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف أو متروك ونحو ذلك, فإن لم نكتف بهم.. سُدَّ باب كبير في ذلك, وأجاب بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره؛ لحصول الريبة عندنا بذلك, قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتسبين لهذا الشأن فينبغى أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب, وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم في هذا الشأن واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح, لا سيما إذا أطلقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا أو نحو ذلك, فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم, ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: لا يثنيه أهل العلم بالحديث, ويرده ولا يحتج به لمجرد ذلك, .
القارئ :.
أما إذا تعارض جرح وتعديل فينبغي أن يكون الجرح حينئذ مفسرا, وهل هو المقدم أو الترجيح بالكثرة أو الأحفظ ؟ فيه نزاع مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث والله أعلم .
الشيخ هذا الكلام فيه عدد من الأمور:
أولها: قول ابن كثير -رحمه الله-: ويعرف ضبط الراوي هذا السطر يتعلق بواسائل الأئمة لتحديد هل الراوي ضابط أو غير ضابط؟ وهذا مر بنا أكثر من مرة, وأن الأئمة -رحمهم الله- لم يتركوا وسيلة من الوسائل التي يكتشفون بها عدالة الراوي أو ضبطه إلا وسلكوه, تارة بتتبع سيرة الراوي والنظر فيها, وفي أحواله,وفي كسبه, وفي تعامله, وفي صلاته, وفي أحواله كلها .
وأحيانا بتوجيه الأسئلة له متى وُلِدت ؟ متى دخلت البلد الفلاني متى سمعت من فلان ؟ يختبرونه هذا بالنسبة للعدالة,وكذلك الضبط, ثم كذلك أيضا ينظرون في.. كما مر بنا أمس ربما اختبروه, ربما لقنوه, يلقنه الإمام, ينظر هل ينتبه أو لا ينتبه ؟
والتلقين والقلب وهذا من أهم الوسائل التي استخدمها الأئمة لسبر حال الراوي, أو لمعرفة حال الراوي, ذكر ابن كثير وسيلة من وسائل الحكم على الراوي التي هي النظر في حديثه, وهي أهم الوسائل وأعظمها, وهي شاقة جدا, ينظر في حديث الراوي ويقارن أحاديثه بأحاديث أقرانه عن شيوخه هل أصاب ؟ ما مقدار ما أصاب فيه ؟ هل هو يخطئ ؟ ما مقدار ما أخطأ فيه ؟
هل هو يتفرد عنهم ؟ أو ما يرويه يوافقه غيره ؟ فمن خلال نظره هذا يحكم على هذا الراوي بأنه ثقة, بأنه ثقة ثبت, يقول إسماعيل بن علية أو ابن معين رحمه الله يقول لإسماعيل, أو إسماعيل سأل ابن معين كيف وجدتم حديثي؟ فقال: وجدته مستقيما, أو قال: كيف عرفت هذا ؟ قال: عرضته على حديث الثقة عرضته على حديث الثقات, وهذا أمر مهم,العرض: مقارنة المرويات, هذا من أهم علومه, وهو أهمها تقريبا, يكتشفون خطأ الراوي كيف يُكْتَشف خطأ الراوي ؟ ما يكتشف إلا بهذه الطريقة في الغالب, نعم أحيانا يكتشف بوسائل دقيقة مثل أن يسأل شيخه هل ما رواه عنك فلان صحيح أو ليس بصحيح؟ لكن هذا يعني: ليس بكثير, الأكثر منه هو هذا أن يأتي الراوي.. كما مربنا في كلام ابن وهب كلام أبي زرعة يقول: نظرت بعض الروايات يقول: نظرت في مائة ألف حديث من حديث ابن وهب في مائة ألف حديث ما رأيت له حديثا ليس له أصل, وفي بعض روايات ابن عمر نظرت في ثلاثين ألف حديث,: مثلا ابن وهب-رحمه الله- يروي عن جماعة, لابد لأبي زرعة أن يقارن مروياته بمرويات أقرانه عن كل شيخ منهم؛ لينظر هل هو ضابط ؟
تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان