قال بعدها:"وأهل الكبائر من أمة محمد r في النار، لا يخلدون إذا ماتوا, وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين, وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله, كما ذكر -U- في كتابه: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [ وإن شاء عذبهم في النار بعدله,ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته". هذه الجملة يقرر فيها الطحاوي –رحمه الله - عقيدة أهل الأثر وأهل السنة في أهل الكبائر، مخالفين في اعتقادهم ذلك لطوائف الضلال؛ من الخوارج, والمعتزلة, والوعيدية بعامة, فأهل السنة في أهل الكبائر وسط ما بين فرقتين غالية كالخوارج والمعتزلة، وجافية كالمرجئة, وسط ما بين من يقول: يخرج من الإيمان بكل كبيرة، وما بين من يقول: لا يضر مع الإيمان كبيرة, فيعتقد أهل السنة والجماعة، أن أهل الكبائر من هذه الأمة متوعدون بالنار، لكن إذا دخولها وكانوا موحدين؛ فإنهم لا يخلدون فيها، وقد يعذبهم الله –جلا وعلا- وقد يغفر لهم, وهذه مسألة واضحة من جهة الصلة بمباحث الإيمان –كما سيأتي- وسبقأن تكلمنا عنه، القول أو صلة البحث في الكبائر وأهل الكبائر مع الإيمان، والمسألة المسماة بمسائل الأسماء, والأحكام, ودليل الطحاوي على هذه الجملة من النصوص كثير لا يحصى, وذلك –يعني: كتقعيد- أن كل آية فيها ذكر وعد لأهل الإيمان؛ فإنه يدخل فيها أهل الكبائر؛ لأنهم يدخلون في أنهم مؤمنون, وكل وعيد جاء لأهل الكفر بالخلود في النار فإنه يخرج منه أهل الكبائر من هذه الأمة إذا ماتوا موحدين؛ لأنهم ليسوا من أهل الإشراك والكفر, فنصوص الوعد تشمل أهل الكبائر، ونصوص الوعيد للكفار لا يدخلها أهل الكبائر, وإنما لأهل الكبائر من هذه الأمة وعيد خاص في أنهم قد يعذبون, وقد يغفر لهم، وأنهم يؤول بهم الأمر بتوحيدهم إلى الجنة, ومن ذلك قول الله –جلا وعلا- في وعد أهل الإيمان: ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [. وهذا في حق الصحابة رضوان الله عليهم، وكان منهم بالنص من عمل بعض الكبائر, وكذلك قوله: ] إِنَّ الَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدّاً [.
وكذلك قوله: ] وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ[. ونحو ذلك من آيات الوعد التي فيها وعد لأهل الإيمان بدخول الجنة, تشمل أهل الكبائر؛ لأنهم مؤمنون, ومن السنة ما صح عنه –عليه الصلاة والسلام- من دخول الموحد الجنة، وإن زنا، وإن سرق، وإن زنا, وإن سرق, إذا مات على التوحيد, والمسألة مشهورة, يعني: الأدلة فيها أنوع: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)). ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)) ((من قال لا إله إلا الله مخلصاً –من قلبه أو نفسه- دخل الجنة)) كما رواه البخاري عن أبي هريرة. ويعني: أنواع النصوص في الوعد، وعد المؤمنين بعامة، وكذلك في التنصيص على أنه يدخل الجنة, وإن حصلت منه الكبيرة, نذكر هنا مسائل.
الأولى:
قال:"وأهل الكبائر". أهل الكبائر يسمى من ارتكب الكبيرة أنه من أهل الكبائر, أو يصوف بأنه من أهل الكبائر، إذا اجتمع فيه وصفان:
الأول: العلم,
والثاني: عدم التوبة, فإذا علم أن هذا الفعل معصية واقتحمه فإنه –وكان منصوص عليه أنه من الكبائر- فيكون من أهل الكبائر, والثاني: ألا يكون أحدث توبة، فإذا أحدث توبة فلا يسمى من أهل... أو لا يوصف بأنه من أهل الكبائر. والكبائر جمع كبيرة، والكبيرة اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيرًا، على أقوال شتى.
فمن أهل العلم ذكر لك عدداً من الأقوال الشارح ابن أبي العز، من أهل العلم من قال: هي سبع، مقتصراً على حديث: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) ومنهم من قال: هي سبعون، يعني: من جهة العدد, ومنهم من قال: كل معصية كبيرة, وهذه الأقوال ليست جيدة، بل الجميع غلط, فلا يحد العدد بحد لعدم النص عليه, وليست كل معصية كبيرة، بالفرق في القرآن كما سيأتي, وكذلك ليست هي سبعين, يعني: لم يثبت في العدد ولا في أن كل معصية كبيرة شيء يمكن أن يستدل به على ذلك. ولهذا صار أجود الأقوال في الكبيرة قولان؛ القول الأول: أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد بنار أو غضب.
والقول الثاني: أن الكبيرة ما هي؟! هي المعصية التي يؤثر فعلها في أحد مقاصد الشرع أو كلياته الخمس. مقاصد الشرع العظيمة أو في أحد كلياته الخمس, والأول... القول الأول هو المعروف عن الإمام أحمد وعدداً من أهل العلم من أهل السنة.
والقول الثاني اختاره جمع من العلماء؛ كالفقيه أبي محمد بن عبدالسلام، المشهور بالعز بن عبدالسلام في قواعده، وقواه جمعٌ من تبعه في ذلك, وذكره النووي أيضاً في شرحه على مسلم، من الأقوال القوية في المسألة, هذان القولان قريبان، والأول عرفت فيه الكبائر بما فيه حد في الدنيا أو وعيد، حد في الدنيا يعني: ما رتب عليه حد محدود, مثل: السرقة فيها حد كبيرة، الزنا فيه حد كبيرة، شرب الخمر فيه حد كبيرة، وهكذا السحر فيه حد كبيرة، الشرك بالله -جلا وعلا- هو رأس الكبائر. وكل ما رتب فيه حد فهذا ضابط لمعرفة أنه كبيرة.
الثاني: ما تُوعد عليه بالنار، فعل توعد الله -جلا وعلا- عليه بالنار، جاء في الكتاب أو السنة التوعد عليه بالنار, قتل النفس هذا فيه حد, وأيضاً توعد بالنار، والخيانة، وأكل المال بالباطل، أكل مال اليتامى:] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [ وأشباه ذلك, مما كان فيه حد, أو كان توعد نار، فهذا ظاهر في أنه كبيرة. ابن تيمة أضاف ما نفي فيه الإيمان، لا يؤمن يعني: أضاف على التعريف الأول ما نفي فيه الإيمان: ((لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) يقول: عدم أمن الجار من البوائق، والاعتداء عليه هذا صار من الكبائر؛ لأنه نفى فيه الإيمان. ونفي الإيمان لا يطلق –عند ابن تيمية- إلا على نفي الكمال الواجب، ولا ينقص الكمال الواجب عنده إلا ما كان كبيرة, أو جاء فيه ((ليس منا)) ليس منا من فعل كذا, ليس منا من غش: ((من غشنا فليس منا)) ((ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)). هذا يدل على أن الفعل كبيرة عند ابن تيمية؛ لأن النفي هذا "ليس منا" يقول: يتوجه إلى أنه ليس من أهل الإيمان، وهذا النفي يرجع إلى الأول في أنه فعل كبيرة. وذكرت لكم مرة أو أكثر أن ابن عبدالقوي في منظومته في الآداب الطويلة ذكر تعريف بقوله:
فمـا فيه حد في الدنا أو توعدٌ = بأخرى فسم كبرى على نص أحمد
وزاد حفيد المجد أو جاء وعيده = بنـفي لإيمـان وطـرد لمـبعـد
يعني جمع قول الإمام أحمد, واستدراك ابن تيمية عليه, والتحقيق أن يقال هذه الأقوال,أعني القولين هذين, القولين قريبة وهي صواب, وما كان فيه قدح في مقصد من مقاصد الشارع، أو ضروري من الضروريات الخمس، وصار إحداثه أو فعله مضرته وإفساده يرجع إلى هذه فهو في الحقيقة يكون في الشرع مرتباً عليه حد, أو يكون في الشرع مرتبا عليه لعن أو طرد أو وعيد. يدخل في التعريف الأول –يعني: على كلام ابن تيمية- اللعن، كل ما فيه لعن –أيضاً- يدخل في حد الكبيرة، سبق أن ذكرنا لكم شيئاً من ذلك. هنا مسألة تعرض.
سؤال: هل الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة أم لا؟ يعني: من أصر على كبيرة, قلنا: هو من أهل الكبائر من أمة محمد r أم لا؟!
جواب: للعلماء في ذلك قولان؛ الأول: أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، كما جاء عن بعض الصحابة –رضوان الله عليهم- كابن عباس وغيره.
والثاني: أن الصغائر تختلف, وأن الإصرار على الصغائر لمن ترك الكبائر لا يبقى معه صغيرة؛ لأن الله –جلا وعلا- جعل الصلاة إلى الصلاة مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر, وجعل رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما، مكفرا لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر, وهكذا العمرة إلى العمرة، وهكذا الحج ليس له جزاء إلا الجنة, الحج المبرور: ((ومن حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ونحو ذلك من الأذكار التي يمحوا الله بها السيئات، كذلك إتباع السيئة الحسنة، وهذا يدل على أن الموحد الذي لم يفعل الكبائر، أن هذه العبادات العظيمة بفضل الله –جلا وعلا- تمحوا عنه الصغائر التي وقعت منه، فلا يتصور أن الصغائر تجتمع في حقه، فتتحول إلى كبيرة, وهذا النظر ظاهر من حيث الاستدلال، ومن قال: إن المداومة على الصغائر تحولها إلى كبيرة, يحتاج إلى دليل واضح من الكتاب أو السنة، والأدلة كما ذكرت تدل على أن الصغيرة من الموحد تكفر، فلا تجتمع عليه، ولكن هذا بشرط اجتناب الكبائر، كما قال جلا وعلا: ] إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً [ لعلنا نقف هنا, ونكمل بقية المسائل على بحث الكبائر في الدرس القادم إن شاء الله تعالى, وفقكم الله لما يحب ويرضى, وجمعنا على الحق والهدى, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فنأخذ بعض الأسئلة.
سؤال: يقول ما توجيهكم لحديث البطاقة وحديث ((يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطيئة، ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة)). رواه مسلم، ما رواه مسلم هو خارج من مسلم، مع العلم أن صاحب الكبيرة تحت المشيئة؟
جواب: ما فهمت وجه الاستشكال، لكن لعله أنه فهم من العموم في حديث: ((يا ابن آدم لو أتيتني بقرب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة)). فهم من العموم أن هذا يعارض كون صاحب الكبيرة تحت المشيئة إذا مات غير تائب, هذا غير وارد؛ لأن النصوص يصدق بعضها بعضًا, والآيات يفسر بعضها بعضا, والأحاديث يفسر بعضها بعضا, وكذلك الوعد، الوعد لا ينافي الوعيد, فقوله: ((أتيتك بقرابها مغفرة)). هذا وعد من الله –جلا وعلا- لمن حقق التوحيد, لا يشرك بالله شيئاً، وكون صاحب الكبيرة تحت المشيئة لا يعارض هذا الأصل؛ لأن هذا وعيد, والوعد والوعيد يطلقان ويكونان على إطلاقهما، وكذلك يجتمعان في حق المعين، فيجتمع في حق المعين الوعد والوعيد, وهذا في حق مرتكب الكبيرة، ويدخل في عموم أهل الإيمان الذين وعدهم الله –جلا وعلا- بالجنة, كل مؤمن وعده الله –جلا وعلا- بالجنة يدخل في المسلمين، الذين جعلهم الله –جلا وعلا- لهم مغفرة وأجراً، الذي جعل الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً، كما في آية الأحزاب: ] إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ إلى قوله: ] وَالذَّاكِـرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [ ونحو ذلك.
فأهل السنة والجماعة في مثل هذه الأدلة التي فيها الوعد وفيها الوعيد يعملون الوعد, ويعملون الوعيد, والوعد بشرطه، والوعيد أيضاً بشرطه.
فلا منافاة ما بين الأدلة، بل الأدلة يصدق بعضها بعضاً.
سؤال: ما الضابط في التفريق بين الفعل والصفة، في صفات الله -جلا وعلا- وأفعاله؟!
جواب: الصفة.. صفة الرب –جل جلاله- مشتملة على فعل له سبحانه وتعالى, ما هو لازم من غير الفعل، يعني: أن صفات الرب -Y- منها ما هو صفة فعل، ومنها ما هو صفة ذات, فليست كلها متعدية تعدي الأفعال, فمثلاً: وجه الرب -Y- صفة وليس بفعل, اليدان للرب -Y- وصف له سبحانه,وليستا باسم ولا فعل, فإذن الفعل هو فعل يفعله الله جلا وعلا له أثره, فالصفات منها ما هو صفة فعل, مثل: الرحمة, وهي صفة ذات, لكنها لها أثرها, ومثل: النزول وأشباه ذلك الغضب, الرضا. وهذا يتعلق بالمخلوق، فيفعله –جلا وعلا- فيتصف به -I- وهناك القسم الآخر التي هي صفات الذات، صفات الذات كثيرة, لا علاقة لها بالأفعال, فإذن نقول: ليس كل صفة فعلاً، ليست كل صفة لله –جلا وعلا- فعلاً, فقد تكون متعلقة بفعل, أو لها فعل, أو أثرها فيه فعل, وقد لا يكون ذلك, ولهذا لا يشتق من الصفة فعل مطلقاً, كما أنه لا يشتق من الفعل صفة مطلقة, وذلك أن الأفعال أوسع في باب وصف الله –جلا وعلا- من الصفات, وقد يكون ثم فعل لله –جلا وعلا- ولا يشتق منه صفة, يعني: نشتق من الحدث المستكن في الفعل صفة لله –جلا وعلا- مثلاً الصفات المنقسمة, أي: الأفعال المنقسمة إلى محمود ومذموم، مقل المكر مثل: ] وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [ ومثل: ] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [ ومثل: يستهزئون ]اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ [. ونحو ذلك من الأسماء, نشتق منها صفات مطلقاً, ونقول: الفعل أطلق على الله جلا وعلا, فنقول: له صفة الاستهزاء، له صفة المخادعة، له صفة المكر، وهكذا. بل تطلق هذه الصفات مقيدة؛ لأن المكر والمخادعة والاستهزاء ليست كمالاً في كل حال, بل قد تكون كمالاً, وقد تكون نقصاً، فتكون كمالاً إذا كانت بحق، ومن آثار صفات الكمال الآخر، وتكون نقصاً إذا كانت بباطل, وكانت من آثار صفات النقص في المخلوق, فإذن باب الأفعال أوسع من باب الصفات, وليست كل صفة.... ليس كل فعل نشتق منه صفة لله –جلا وعلا- وليست كل صفة نشتق منها الفعل لله جلا وعلا؛ لأن الصفات منها ما هو صفة ذات، ومنها ما هو صفة فعل,نعم.
(سؤال غير مسموع)
الشيخ: لا.
يجمع ما بين ما يرد مع فهم القواعد، يعني: الضابط في هذا النصوص, وفهم قواعد الأسماء والصفات على طريقة السلف. نكتفي بهذا، نعم اقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سائل: (غير مسموع) الكبائر.
ـ..................
الشيخ: (هه)
ـ.................
الشيخ: ما انتهينا أعدها
القارئ: قال العلامة الطحاوي –رحمه الله تعالى-: [وأهل الكبائر من أمة محمد r في النار، لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين, وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم, وعفا عنهم بفضله، كما ذكر -U- في كتابه: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [. وإن شاء عذبهم في النار بعدله, ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته, ثم يبعثهم إلى جنته, وذلك بأن الله -تعالى- تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته, اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به].
الشيخ: آمين, الحمد لله، تقدم معنا في الدرس الماضي تقرير بعض المسائل حول هذه الجملة (مداخلة غير مسموعة). قال:"وأهل الكبائر من أمة محمد r في النار، لا يخلدون أو لا يخلّدون إذا ماتوا وهم موحدون". إلى آخر كلامه.
المسألة الأولى: مرت معكم, وهي في تعريف الكبيرة والفرق ما بين الكبيرة والصغيرة, ومن هم أهل الكبائر الذين يصدق عليهم هذا الوصف.
المسألة الثانية: قوله:"من أمة محمد r ". هذه الجملة أو شبه الجملة لا مفهوم لها، فليس هذا الحكم خاصًا بأمه محمد r، بل هو عام لهذه الأمة ولغيرها؛ لأنه لم يدل دليل على تخصص هذه الأمة هذا الفضل، ولأن هذه ترجع إلى قاعدة الوعد والوعيد، وهما مما تشترك فيه الأمم؛ لأن أصلها واحد. قال:"أهل الكبائر في النار، لا يخلّدون أو لا يخلدون، بشرط إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين".
المسألة الثالثة: دخول أهل الكبائر في النار هذا وعيد، وهذا الوعيد يجوز إخلافه من الرب -Y- وذلك أن مرتكب الكبيرة إذا تاب في الدنيا تاب الله عليه, وإذا طهّر بحد أو نحوه كتعزير؛ فإنه تكون كفارة له, فإذن يكون مرتكب الكبير من أهل الوعيد إلا في حالات؛ الحالة الأولى: أن يكون تائباً، كما ذكرنا لك؛ لأن التوبة تجب ما قبلها, قال الله –جلا وعلا- في آخر سورة الزمر: ] قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [. أجمع أهل التأويل التفسير أنها نزلت في التائبين, فمن تاب تاب الله –جلا وعلا- عليه، فلا يلحق التائب وعيد؛ لأنه قد محيت عنه زلته وخطيئته بالتوبة.
الحالة الثانية: أن يطهر من تلك الكبيرة إما بحد كمن شرب الخمر مثلاً فأقيم عليه الحد, فهو طهارة وكفارة له, وكذلك من قتل مسلماًفقتل, أو من قتل مسلماً خطأً، فدفع الدية؛ فإن هذا كفارة له. أو سرق فقطعت يده، فهو كفارة له، أو قذف فأُحِدَّ أقيم عليه الحد حد القذف.
(الوجه الثاني)
فقتل أو من قتل مسلماً خطأً فدفع الدية؛ فإن هذا كفارة له. أو سرق فقطعت يده، فهو كفارة له، أو قذف فأُحِدَّ أقيم عليه الحد حد القذف, فهو كفارة له، أو زنا، إلخ. أو كان تعزيراً أيضاً فإنه طهارة، يعني: أن ما يقام على المسلم من حد أو تعزير من عقوبة في الدنيا فإنها من جنس العقوبة في الآخرة، تطهره من هذا الذنب.
الحالة الثالثة: بعض الذنوب تكون لها حسنات, بعض الذنوب الكبائر تكون لها حسنات ماحية, مثل: مثلاً الصدقة في حق القاتل، قال جلا وعلا: ] فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [. ومثل الجهاد العظيم، فإنه ينجي من العذاب الأليم، قال سبحانه: ] ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [. والعذاب الأليم هو لمن فعل الكبيرة؛ لأنه وعيد شديد.
الحالة الرابعة: أن يكون الله –جلا وعلا- يغفر له ذلك بأسباب متعددة, ذكرنا لكم شيئاً منها فيما مضى, في العشرة الأسباب المشهورة، وقد يدخل بعضها فيما ذكرنا لكم آنفاً.
الحالة الأخيرة: أن يغفر الله -جلا وعلا- له بعد أن صار تحت المشيئة, يعني: يوم القيامة لا يكون عنده حسنات, ولا يكون أتى بشيء، ولكن يغفر له الله -جلا وعلا- منّة منه وتكرماً, وهذا.... هؤلاء هم الذين يقال عنهم: تحت المشيئة, يعني: إذا لم يتوبوا ولم يقام عليهم الحد وطهروا ولم يأتوا بشيء من أسباب تكفير الذنب؛ فإنهم تحت المشيئة، إن شاء الله -جلا وعلا- غفر لهم، وإن شاء عذبهم في النار، ثم يخرجون لا يخلدون, وهنا شرط المؤلف شرط الطحاوي –رحمه الله - لهؤلاء الذين لا يخلدون في النار، إذا دخولها –يعني: لمن لم يغفر الله جل وعلا له, بل شاء أن يعذبه- شرط له شرط له شرطين؛ وهي المسألة الرابعة, وهي أن من لم يغفر له ممن لم يتب؛ فإنه يشترط لعدم خلوده في النار، شرطان:
الأول: أن يكون مات على التوحيد، وهذا كما هو شرط عام في دخول الجنة، كذلك هو شرط عام في الخروج من النار، كما ثبت في الصحيح أن النبي r قال: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)). فالتوحيد أساس لعدم الخلود في النار، فكل موحد لابد أن يخرج من النار.
الشرط الثاني: أنه لا يخلد في النار إذا لم يأت في ارتكابه لهذه الكبيرة، بما يجعله مستحلاً لها، فقد يكون من جهة موحداً في الأصل في نطقه بالشهادتين, ويكون من جهة أخرى في هذه الكبيرة بعينها مستحلاً لها، وهذا بقيد أن تكون الكبيرة مما أجمع على تحريمه, وكان المستحل لها غير متأول, وهذه قد تدخل مع شيء من النظر في الأول؛ لأن حقيقة الموحد هو أنه غير مستحل لشيء من محارم الله جلا وعلا.
المسألة الخامسة:
الخلود في النار نوعان؛ خلود أمدي إلى أجل، وخلود أبدي، والخلود الأمدي هو الذي توعد الله -جلا وعلا- به أهل الكبائر, والخلود الأبدي المؤبد هو الذي توعد الله -جلا وعلا- به أهل الكفر والشرك, فمن الأول قول الله جلا وعلا: ] وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [. فهذا خلود، لكنه خلود أمدي؛ لأن حقيقة الخلود في لغة العرب هو المكث الطويل، وقد يكون مكثًا طويلاً ثم ينقضي، وقد يكون مكثاً طويلاً مؤبداً.
ومن الثاني وهو الخلود الأبدي في النار للكفار قول الله جلا وعلا: ] وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [ وكذلك قوله -جلا وعلا- في آخر سورة الأحزاب: ] إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً[{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} هذا خلود أبدي، ولذلك يميز الخلود في القرآن بالأبديه في حق الكفار، وأما في حق الموحدين، فإنه لا يكون معه كلمة أبدًا، وهذا الذي بسببه ضلّت الخوارج والمعتزلة؛ فإنهم رأوا ] خَالِدِينَ فِيهَا [ في حق المرابي, وفي حق القاتل, فظنوا أن الخلود نوع واحد, والخلود نوعان, ومما يتصل بهذا أيضاً لفظ التحريم في القرآن، ولفظ عدم الدخول للجنة في القرآن، وكذلك عدم الدخول إلى النار, يعني: لفظ التحريم, إن الله حرم الجنة, أو حرم الله عليه النار أو((لايدخل الجنة قاطع رحم)). ونحو ذلك فهذه مما ينبغي تأملها, وهو أن التحريم في القرآن والسنة.
ونفي الدخول نوعان أيضا؛ تحريم مؤبد، وتحريم إلى أمد, كما أن نفي الدخول نفي دخول مؤبد, ونفي دخول إلى أمد. فتحصل من هذا أن الخلود في النار نوعان؛ خلود إلى أمد، وخلود أبدي, وأن تحريم الجنة على –يعني: كما جاء في بعض النصوص- أو تحريم النار، فقد يكون تحريماً إلى أمد، وقد يكون تحريماً إلى أبد.. إلى الأبد, وكذلك نفي الدخول ((لا يدخل الجنة)) ((لا يدخل النار)) هذا أيضاً نفي دخولٍ مؤبد، أو نفي دخول مؤقت, وهذا التفصيل هو الذي به يفترق أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح مع الخوارج, والمعتزلة, وأهل الضلال بجميع أصنافهم؛ فإنهم جعلوا الخلود واحدًا، وجعلوا التحريم واحدًا، وجعلوا نفي الدخول واحدًا، والنصوص فيها هذا وهذا.
المسألة السادسة:
قوله:"لا يخلدون إذا ماتوا وهو موحدون، وإن لم يكونوا تائبين". هذه الجملة معروفة أصلاً؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, فهي من باب التأكيد، ليست إشارة لخلاف ولا إشارة لشرط ونحو ذلك.
المسألة السابعة:
قوله: "بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين". هنا توقف الشارح ابن أبي العز عند قوله:"بعد أن لقوا الله عارفين". وتعقب الطحاوي في لفظ عارفين, وأن المعرفة ليست ممدوحة, فإن بعض الكفار كانوا يعرفون, إبليس يعرف, وفرعون يعرف, وأن في هذا القول وهو:"بعد أن لقوا الله عارفين".
فيه نوع مشاركة للجهمية ولغلاة المرجئة, وهذا فيه هذا التعقيب من الشارح –رحمه الله تعالى- في هذا الموطن فيه نظر؛لأن لفظ العارف أو المعرفة هذه ربما جاءت في النص، ويراد بها التوحيد والعلم بالشهادتين, فكأن الطحاوي يقول: بعد أن لقوا الله عالمين بالشهادتين مؤمنين، وهذا جاء في حديث معاذ المشهور، أن النبي r لما بعثه إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن عرفوا ذلك، فأعلمهم…)) إلخ، وهذا اللفظ رواه مسلم في الصحيح.
فاستعمل لفظ المعرفة ويُعْنَى به العلم بالشهادتين, وتوجيه كلام الطحاوي إلى هذا الأصل أولى من تخطئته فيه؛لأن الأصل في كلام العلماء الاتباع إلا ما دل الدليل على خلافه.
المسألة التي بعدها في قوله: "وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر -U- في كتابه: ]وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [. وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته".
هذه الجملة الطويلة تقرير لأصل عند أهل السنة والجماعة, خالفوا به الخوارج والمعتزلة، أن أهل الكبائر إذا ماتوا غير تائبين تحت المشيئة، وقول الله جلا وعلا: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [ يعني: في الكبائر، لمن مات غير تائب منها، والمحققون من أهل العلم جمعوا بين هذه الآية، وآية سورة الزمر: ] قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [ وهنا: ] وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [ فأطلق في آية الزمر، وهنا قال: ] لِمَن يَشَاءُ [ وذلك أن هذه الآية في حق غير التائبين, وأما آية الزمر ففي حق من تاب, فهو –سبحانه- لمن مات غير تائب، إن شاء غفر وعفا, وهذا فضل، وإن شاء عذب، وهذا عدل منه –سبحانه- بعباده ثم قوله:"ثم يخرجهم منها، برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته".
هذا فيه ذكر سببين للخروج من النار في حق أهل الكبائر, وهذان السببان ضلت فيها الفرق من المعتزلة والخوارج, ومن شابههم؛ فإن من دخل النار من أهل الكبائر يخرج منها برحمة الله -جلا وعلا- والرحمة قاعدة عامة في كل فضل يحصل للعبد، في الدنيا وفي الآخرة.
فالخروج من النار برحمة الله، تخفيف من الحساب برحمة الله، دخول من دخل الجنة برحمة الله -جلا وعلا-.
كما صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: ((لن يدخل أحدكم الجنة عمله)) أو ((لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)). فهذا السبب عام، فكل من خرج هو برحمة الله، حتى فيمن شفع وشُفّع فإن العبد يخرج بعد الشفاعة, شفاعة الشافعين برحمة الله -جلا وعلا-وهذا يعني أن قوله:"برحمته وشفاعة الشافعين".
أننا نفهم منها أنه أراد شيئاً مستقلاً، وهو أنه محض تفضل منه جلا وعلا, عذب ثم أخرجهم برحمته, وهذه الرحمة في هذا الموطن لها تفسيران؛
الأول أن جعل الكبير، مع ما فيها من عظم المبارزة لله –جلا وعلا- والتهاون بأمره, ومخالفته وارتكاب نهيه، أن هذه الكبيرة لم يحكم الله –جلا وعلا- على من ارتكبها أنه يعذب أبدًا، فكون العذاب إلى أمد رحمة، ثم انقضاء العذاب رحمة، ثم بعثهم إلى الجنة أيضًا رحمة.
الوجه الثاني: أن الله -جلا وعلا- يخرج من النار أيضًا، أقواماً صاروا حمماً، يعني: صاروا على لون السواد من شدة العذاب, والعياذ بالله, ثم يأتون أو يلقون في نهر الحياة، فينبتون فيه من جديد، كما تنبت الحبة في جانب الوادي وحميل السيل, وهذا أيضاً رحمة من الله -جلا وعلا- في حق من ارتكب الكبير, هذا السبب الأول الذي ذكره، والسبب الثاني في خروج أهل الكبائر:شفاعة الشافعين من أهل طاعته, وشفاعة الشافعين أعلاها شفاعة النبي r في أهل الكبائر، أن يخرجوا من النار, ثم شفاعة الملائكة للمؤمنين الذين ارتكبوا الكبائر أن يخرجوا من النار, ثم شفاعة الوالد، الوالدين لمن؟! لأولادهما, وهكذا. شفاعة المحب لحبيبه من أهل الإيمان، فيمن شاء الله -جلا وعلا- أن يشفعهم, وهذان الأمران، الرحمة على ما ذكرت، وشفاعة الشافعين أيضًا على هذا الوصف، وقد تقدم أظن بحث الشفاعة مطولاً، هذان خالف فيها أهل الفرق,وخاصة الخرواج والمعتزلة ومن شابههم.
قال بعدها وهي
المسألة التاسعة:"ذلك بأن الله -تعالى- تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته, ولم ينالوا من ولايته".
هذه الجملة يذكر بها الطحاوي –رحمه الله - كل من أنعم الله جلا وعلا عليه بنعمة أن يتذكر بأنه أنعم عليه, وتفضل عليه, وأحسن إليه، ومنّ الله -جلا وعلا- عليه بهذه النعمة, فالذي عصى الله -جلا وعلا- وعفا الله عنه، أو عذبه ثم أنجاه، هذا كله من آثار تولي الله -جلا وعلا- لأهل الإيمان.
وهذا يدل على أن ولاية الله -جلا وعلا- لعباده المؤمنين تتبعض, ليست كاملة, فإن ولاية الله -جلا وعلا- وهي محبته لعبده ومودته له، ونصرته له وتوفيقه ونحو ذلك، لا يكون جملة واحدة, إما أن يأتي في المعين، وإما أن يزول كقول الوعيدية، بل يجتمع في حق المعين في الدنيا والآخرة أنه محبوب من جهة، ومبغض من جهة، متولى من جهة، ومخذول من جهة أخرى. وهذا هو الذي أراده في أن أهل الكبائر – في اعتقاد أهل السنة والجماعة- لا يخلون من نوع ولاية لله جلا وعلا لهم, فالله -جلا وعلا- تولى أهل معرفته يعني: أهل توحيده, ولم يجعلهم في الدارين في الدنيا والآخرة، كأهل نكرته –يعني: أهل الكفر-الذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، بل لهم نصيب من ولاية الله -جلا وعلا- فولاية الله وهي محبته ونصرته في حق المعين من أهل القبلة تتبعض, يعني: تكون في فلان أعظم منها في فلان, فالمؤمن المسدد الذي كمل إيمانه بحسب استطاعته له من ولاية الله -جلا وعلا- الولاية الكاملة، التي تناسب مقامه في الإيمان, والذي يخلط عملاً صالحا وآخر سيئًا له نصيب من محبة الله -جلا وعلا- وولايته ونصرته بحسب ما عنده من الإيمان, فإذن في حق المعين حتى من أهل الكبائر يجتمع فيه ولاية من جهة، وخذلان من جهة أخرى، وهذا هو معتقد السلف, وأهل السنة والجماعة في هذه المسألة العظيمة, ثم دعا آخراً بقوله:"اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به".
وهذه الجملة رويت في حديث، لكن لا يصح, وهي دعاء طيب, ومعنى ولي الإسلام، يعني: ناصر الإسلام؛ لأن الولي هو الناصر.
والله –جلا وعلا- وعد بنصر دينه -I-، قال –جلا وعلا-: ] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً [ وقال –أيضاً- جل وعلا: ] إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ امَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [ ونحو ذلك كقوله في آخر الصافات: ] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [ فقوله:"اللهم يا ولي الإسلام". يعني: اللهم يا ناصر الإسلام وأهله, الله –جلا وعلا- وعد بنصرة دينه، ونصرة أهل الإسلام, ووعده حق.
فنسأل الله –جلا وعلا- الذي وعد بنصر الإسلام ونصر أهل الإسلام، أن يثبتنا على هذا الدين حتى نلقاه، وأن يُرينا نصر دينه, وإعزاز كلمته, وإعلاء رايته إنه –سبحانه- على كل شي قدير
الشيخ: نعم اقرأ اللي بعده.