القارئ: الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والحاضرين ـ الشيخ: آمين ـ قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام , قال الله تعالى: ] إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [ , وقال تعالى: ] وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً[ , وهو بين الغلو والتقصير , وبين التشبيه والتعطيل , وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس.
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن بُرَآءُ إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان , ويختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وبعد..,
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: "ودين الله في الأرض والسماء واحد , وهو دين الإسلام , قال تعالى: ] إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [ , وقال تعالى: ] وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [ "
هذه الجملة من كلامه رحمه الله تعالى يقرر بها , أن دين الله Y , وهو ما يدان الله به ويتقرب إليه به طاعةً تحقيقاً للغرض من الخلق، هو الإسلام , فهو الذي تعبدت به الملائكة في السماء، وهو الذي تعبد به الحجر والشجر ممن يعبدون الله جل وعلا , بمقتضى الخلقة , لا بمقتضى الاختيار، وهو الذي لا يرضى الله جل وعلا أن يتعبد به من أعطاه الاختيار , إلا أن يتعبد بالإسلام.
وهذه الجملة يريد بها أن الإسلام الذي هو الدين شيء واحد , اجتمعت عليه الرسل , وهو الدين الذي في السماء, وهو الدين الذي في الأرض، وهو الأمور الخبرية أو العقائد الخبرية دون الأوامر والنواهي، وهذا يعني أن كل ملة وكل رسول إنما جاء بالإسلام الذي أذن الله به , ورضيه وأمر به، وبه تعبد المتعبدون في السماء، وبه أمر أن يتعبد المتعبدون في الأرض.
وههنا مسائل:
المسألة الأولى:
الإسلام ينقسم إلى قسمين: وهو الإسلام العام، والإسلام الخاص.
وكلام المؤلف هنا يعني به الإسلام العام، وهو الاستسلام لله جل وعلا بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، فهذا الإسلام وهو الاستسلام، هو الذي اجتمعت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، فدعوا إلى توحيد الله وإلى الاستسلام له بالتوحيد بعبادته وحده دونما سواه , وخلع الآلهة والأنداد، والبراءة من كل معبود سوى الله جل وعلا , ومن كل عبادة لما سوى الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه.
والانقياد لله جل وعلا ظاهراً بالطاعة، بطاعته جل وعلا فيما أمر , وبالانتهاء عما نهى عنه Y.
هذا هو الإسلام العام , وهو الذي ينطبق على رسالة كل رسول، وهو الذي ينطبق على إسلام كل شيء له , كما قال جل وعلا: ] أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [ , فقوله: ] أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [ يعني: أفغير دين الإسلام يبغون، فكل ما في السماوات والأرض , وكل من في السماوات والأرض أسلم لله جل وعلا , طوعاً أو كرهاً، يعني استسلم ولا بد، إلا المشرك؛ فإن استسلامه كان استسلام انقياد لأمر الله الكوني , دون استسلام وانقياد لأمر الله الشرعي.
والنوع الثاني: الإسلام الخاص , وهو شريعة محمد عليه الصلاة والسلام , دين كل الأنبياء , هو الإسلام بمعناه العام، ودين محمد عليه الصلاة والسلام هو الإسلام وهو شريعة الإسلام، الإسلام الخاص.
وهذا الإسلام الخاص هو الذي جاء تفسيره في قول النبي r: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وحج البيت , وصوم رمضان)) حديث ابن عمر.
وهو الذي جاء في جوابه عليه الصلاة والسلام لجبريل حينما سأله عن الإسلام فقال: ((الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله))، ثم سأله عن الإيمان، ثم سأله عن الإحسان , ثم قال في آخره: ((هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم)).
فالإسلام الخاص يشمل هذه المراتب الثلاث، الإسلام والإيمان والإحسان أيضاً، وكل واحدة منها من شريعة محمد عليه الصلاة والسلام , وطبعاً تفاصيل الشريعة , قد تدخل مع العقيدة، يعني فيما دعى إليه جميع الأنبياء في الإسلام العام، يعني مثلاً الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، هذه تدخل في الإسلام العام , اشترك فيه جميع الأنبياء، كذلك في شهادة ألا إله إلا الله، هذه أيضاً لكل المرسلين.
فهذا الإسلام الخاص هو الشريعة التي جاءت في قول الله جل وعلا: ] لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [ فالشرعة: هي ما خص الله جل وعلا به كل نبي عن النبي الآخر، خصه بهذه الرسالة , خصه بهذا الوحي، هذا هو الإسلام.
المسألة الثانية:
"دين الله في الأرض والسماء واحد"، كما قال الطحاوي هنا , فحينئذٍ ليس عندنا أديان سماوية ولا الأديان الثلاثة، ومن عبر عن اليهودية والنصرانية والإسلام أو غيرها أيضاً بأنها أديان سماوية، هذا غلط عقدي , وغلط أيضاً على الشريعة وعلى العقيدة؛ لأن الدين واحد كما قال جل وعلا: ] إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [ , فالدين الذي جاء من السماء من عند الله وارتضاه الله في السماء , وارتضاه في الأرض واحد , ليس باثنين وليس بثلاثة.
فمن الغلط قول القائل: الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام، بل ليس ثم إلا دين سماوي واحد وهو الإسلام فقط؛ على التفصيل الذي ذكرنا في المسألة الأولى.
فشريعة عيسى u تسمى النصرانية، وشريعة موسى عليه السلام تسمى اليهودية، أو تقول: اليهودية والنصرانية وغير ذلك، لكن لا تنسب هذه بالثلاث يقول القائل: أديان السماوية الثلاثة؛ لأنه كما قال الطحاوي هنا: دين الله واحد، ليس متعدداً.
وهذه ذهب إليها جمع من النصارى ومن اليهود في تصحيح كل الديانات، يعني من القرون الأولى في أن النصرانية دين من الله , وأن اليهودية دين من الله والإسلام دين من الله، وهذا لا شك أنه باطل ومخالف لنصوص الكتاب والسنة , وللإجماع في أن الله جل وعلا لا يرضى إلا الإسلام كما قال جل وعلا: ] وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [ , وقال: ] وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ , وقال جل وعلا: ] هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـذَا [ يعني من قبل يعني عند الرسل السالفة.
المسألة الثالثة:
الدين أصل اشتقاقه في اللغة من دان يدين , إذا التزم أو ألزم بما يكون ملازماً له ومعتاداً في شأنه، لذلك قيل أيضاً: الديدن، (ديدنه كذا) يعني ما اعتاده كذا , (ديدني) يعني ما اعتدته، ومنه أيضا الدين أقول: أنا ديني كذا , يعني في أصل اللغة، يعني اعتاد كذا والتزمه، ولهذا صار كل ما يلتزم يقال له: دين.
لهذا جاء في القرآن ذكر دين الملك في قصة يوسف , في قوله جل وعلا: ] كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ , فقوله Y: ] مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ [ يعني: في شريعة الملك؛ لأنها ملتزمة , والالتزام والحكم بها صارت عادة وصارت ديدناً، يعني صارت ديناً يعتاد ويلزم به الناس.
لهذا يقال: فلان دينه ضعيف، أو دينه قوي، يعني ما اعتاده من الالتزام بأمر الإسلام.
إذن فقوله هنا: دين الله , هنا هذه الإضافة إضافة الدين إلى الرب جل وعلا ليست إضافة إلى الفاعل , هي إضافة إلى الآمر بها، تقول: دين فلان؛ لأنه هو يتدين، ودين الله، يعني الدين الذي أمر الله به وألزم الناس , ولم يرض غيره , هو الإسلام.
وهنا فرق طبعاً بين الدين وبين الشريعة وبين العقيدة، يعني يحتاج إلى وقت أطول لبيانه، يعني تشترك، الدين يمكن أن يطلق على الشريعة والعقيدة جميعا، والشريعة يمكن أن تطلق على الدين وعلى العقيدة أيضاً، والعقيدة أيضاً يمكن أن تطلق على الشريعة وعلى الدين، لكن بينها عموم وخصوص , فهي تشترك في أشياء وتختلف في أشياء، ويمكن أن يعبر عن كل واحد بالآخر.
المسألة الرابعة والأخيرة:
الإسلام ينقسم إلى يعني من حيث الاستسلام إلى ثلاثة أقسام:
إسلام الوجه، وإسلام العمل، وإسلام القلب.
وإسلام الوجه يُعنى به ألا يتوجه إلى غير الله جل وعلا في عبادته، فيستسلم لربه Y , ويقبل عليه بوجهه وحده دونما سواه، وهذا جاء في نحو قوله Y: ] بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [ , وقوله جل وعلا: ] وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّه وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [.
القسم الثاني: إسلام العمل لله جل وعلا , وهو أن يكون العمل مستَسْلمًا فيه لله , مُتَخلصاً فيه من الهوى، فيسلم العمل، يعني يستسلم في العمل , فلا يسلط داعي الهوى على الأعمال الصالحة.
والثالث: إسلام القلب , وهو أصل هذه الأنواع كلها، وهو أنه يخلص في قوله وفي عمله , ويستسلم لربه جل وعلا في كل أحوال قلبه.
وينقسم الإسلام أيضاً باعتبار آخر إلى شرائع ذكرناها لكم، فكل نبي دينه الإسلام , لكن شريعته مختلفة، وقد يقال: دين النصرانية، دين اليهودية، باعتبار التدين، كما ذكرنا لك، باعتبار الالتزام، والمقصود الشريعة، لكن لا يقال: الأديان الثلاثة، يعني السماوية كما ذكرنا لك، (إيش) قلنا في أصل المسألة؟
ـ...................
ـ باعتبار آخر ينقسم إلى ثلاثة أقسام، قلنا ثلاثة؟
ـ نعم (غير مسموع) وينقسم الإسلام باعتبار آخر إلى شرائع ذكرناها.
ـ إلى شرائع ذكرناها، وينقسم باعتبار ثالث وهو الإسلام الخاص إلى الإسلام والإيمان والإحسان.
وينقسم أيضاً باعتبار رابع إلى إسلامٍ كامل وإسلام ناقص، يعني باعتبار الاستسلام، يعني إذا قلنا: باعتبار يعني إسلام كامل. يعني استسلام كامل، إسلام ناقص، يعني استسلام ناقص، وهذا بحثه أهل العلم واختلفوا فيه، هل الإسلام مثل الإيمان؟ يزيد وينقص؟ أم أن الإسلام شيء واحد والإيمان هل الذي يزيد وينقص؟ أم أن كلاً منهما شيء واحد أم العكس؟
على أقوال متنوعة , والذي ينطبق على طريقة أهل السنة والجماعة , وإن لم يصرح به الأوائل، لكن صرح به المتأخرون مثل ابن تيمية ونحوه من أهل العلم، أن الإسلام يزيد وينقص باعتبار الاستسلام، وأن الإسلام له كمال وله نقص، وهذا ظاهر باعتبار الاستسلام، فإذا نظرنا إلى إسلام الوجه والعمل والقلب أو القصد لله فالناس في ذلك متباينون، تبايناً شديداً.
وإذا نظرنا إلى التقسيم الثالث , وهو أن الإسلام ينقسم إلى إسلام وإيمان وإحسان , والناس في الصلاة مختلفو المراتب , وفي الصدقة والزكاة، الصدقة الواجبة الزكاة، مختلفو المراتب , وأن الناس في الصيام مختلفو المراتب , وفي الحج مختلفو المراتب، ثم في الإيمان أيضاً مختلفو المراتب، فلا بد أن يكون ما تكون من هذه أن يكون متفاضلاً أيضاً.
ولذلك ليس من كان وصفه الإسلام على مرتبةٍ واحدةٍ، كذلك ليس كل مؤمنٍ على مرتبة واحدة، فأهل الإيمان في الإيمان متفاوتو المراتب , وكذلك أهل الإسلام في الإسلام متفاوتو المراتب؛ لأن الإسلام الذي هو الاستسلام يقبل التفاوت ويقبل الزيادة والنقص.