القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين , ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين , ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين.
الشيخ: قال رحمه الله: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين , ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين"
يريد الطحاوي –رحمه الله- أن أهل السنة والجماعة يسمون أهل القبلة , وهم من توجه في صلاته إلى الكعبة , بيت الله الحرام , يسمونهم مسلمين مؤمنين؛ لأن هذا هو الأصل , فاستقبال القبلة دليل على تميز من استقبلها عن المشرك الوثني الأصلي؛ لأنه لا يستقبل القبلة , ما لا يصلي مثل مشركي قريش , وعن اليهودي والنصراني؛ لأنهم يستقبلون جهة الشرق , فالذي يستقبل الكعبة هذا يُسمى مسلماً كما جاء في الأحاديث الصحيحة: ((من أكل ذبيحتنا , واستقبل قبلتنا , فله ما لنا وعليه ما علينا)) .
لكن هذا ليس وصفاً مانعاً من خروجه من الدين , لهذا اشترط له شرطاً فقال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" يعني لو أنكروا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , أو شيئاً مما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , فإنهم لا يسمون مسلمين مؤمنين .
وقال: "وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين" يعني: إذا كانوا لم ينكروا شيئاً مما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , ويريد بهذه الجملة أيضاً مخالفة الخوارج والمعتزلة ومن شابههم , ممن يكفرون بالذنوب , ويسلبون عن صاحب الكبيرة والمعصية , يسلبون عنه اسم الإسلام , أو اسم الإيمان .
وتحت هذه الجملة مسائل:
الأولى: قوله: "أهل قبلتنا" هذه الكلمة , أهل القبلة , لم ترد في النصوص في تحديد المراد بها , يعني في أن يكون لها اصطلاح شرعي , ولكن جاء بالنص في الأحاديث , أن ذكر من استقبل القبلة , لهذا جعل هذا الاسم أهل القبلة بمعنى من استقبل القبلة , فكل من استقبل القبلة يعني الكعبة في صلاته فهو من أهل القبلة , وسبب هذه التسمية أهل القبلة , هو ما جاء في الأحاديث في الصحيح في البخاري وفي غيره: ((من استقبل قبلتنا , وأكل ذبيحتنا , فله ما لنا وعله ما علينا)) , استقبل قبلتنا؛ لأنه تميز باستقبال القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الكفار؛ إذ يصلون , وعن اليهود والنصارى؛ إذ قبلتهم مختلفة .
وأهل القبلة يشمل إذن كل أهل الأهواء , كل الفرق الثلاث وسبعين التي أخبر بها وعنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة , كلها في النار إلا واحدة)) فهذه الفرق الثلاث وسبعين كلها تدخل عند أهل العلم تحت هذا الاسم: أهل القبلة , ويدخل تحت هذا الاسم أيضاً المنافقون؛ لأنهم كانوا يستقبلون القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , واسم الإسلام الظاهر ينطبق عليهم , لهذا اسم أهل القبلة كاسم المسلم , ينطبق على من استقبل القبلة بصلاته , ولو كان من أهل البدع أو من أهل الأهواء , أو ممن يعتقد في الباطن اعتقاداً مكفراً مناقضاً للدين , فالأصل فيه أنه من أهل القبلة .
وهذا يتضح بأن نقول: أهل القبلة هم أهل الإسلام الصحيح , الذين كانوا على مثل ما كان عليه محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه , وهذا يدخل فيه، يعني هذه الطائفة يدخل فيها دخولاً أوليا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والتابعون وتبع التابعين , وكل من كان على منهجهم , فأولى الناس بهذا الوصف من كان على عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم , وما أعظم قوله عليه الصلاة والسلام: ((من استقبل قبلتنا , وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا تخفروا الله في ذمته)) , ويدخل في هؤلاء من تبعهم بإحسان على عقيدة أهل السنة والجماعة من أهل التوحيد , الذين حققوا كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله , فلم يعبدوا إلا الله , ولم يحكموا إلا شرع محمد عليه الصلاة والسلام .
وهؤلاء في الحقيقة هم أهل القبلة؛ لأنهم أولياء البيت , وهم الحقيقون بوصف المتقين , قال جل وعلا لما ذكر المشركين في سورة الأنفال قال: ] وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ [ يعني أولياء البيت ] إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ [ , فأولياء البيت الحرام أولياء القبلة , يعني الذين يحبونها حقيقة وينصرونها , وثم ولاية هم أهل البيت , هم أهل القبلة.
الطائفة الثانية: هم كل منتسب إلى الإسلام , سواءٌ كان فيه مكفر باطناً أم ليس فيه مكفر , فيدخل في ذلك أهل البدع والأهواء من الفرق الضلال المعتزلة والخوارج والمرجئة والقدرية… وإلى آخره , وغلاة الصوفية , لكل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة , وكذلك يدخل فيه المنافقون .
فإذن اسم الإسلام , المسلم , واسم أهل القبلة يشمل المبتدعة وأهل الأهواء والعصاة , ويشمل المنافقين في دار الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يميز ما بين المنافق وغير المنافق في الولاية الظاهرة , يعني في كونه له ما له , وعليه ما عليه؛ لأن المنافق له حكم الإسلام ظاهراً؛ لأنه أظهر الإسلام , وكذلك أهل البدع والأهواء لهم حكم المسلم ظاهراً؛ لأنهم أظهروا الإسلام , واستقبلوا القبلة .
إذا تبين ذلك فإذن هذا الوصف أهل القبلة , ليس وصفاً لطائفة واحدة , بل هو وصف متميز ومتمايز أهله فيه , فالولاية لأهل القبلة والنصرة لأهل القبلة , والمحبة لأهل القبلة ليست على درجة واحدة , فكل من كان متحققاً بوصف الطائفة الأولى فله الولاية الخاصة لمن كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن كان من أهل البدع والأهواء , فله حكم الإسلام , وله حكم أنه من أهل القبلة , فلا يستباح دمه , ولا يكفر , ولا يخرج من الدين , إلا إذا أتى مكفراً .
فإذن هذا الاسم واللقب: أهل القبلة , هذا فيه نوع اختلاط , وتعلمون أن زمن المؤلف لم يكن فيه يعني وما قبله إلا ما ذكرنا لك من هاتين الطائفتين؛ طائفة من كان على منهاج أهل السنة والجماعة , والطائفة الثانية طائفة أهل البدع والأهواء والمنافقون , هؤلاء هم الذين كانوا في زمن المؤلف , لكن ظهر بعد زمانه المشركون الشرك الأكبر , الذين يعبدون مع الله غيره , ويدعون غير الله , ويستغيثون بغير الله , ويذبحون لغير الله , ويعبدون غير الله جل وعلا , فهل هؤلاء يصدق عليهم اسم أنهم من أهل القبلة , أم لا يصدق عليهم أنهم من أهل القبلة؟ على قولين لأهل العلم:
القول الأول: ليسوا من أهل القبلة؛ لأن صلاتهم باطلة؛ لأن المشرك لا تقبل صلاته , فيكون استقباله للقبلة لغواً , يعني ليس من أهلها كما كان المشرك من قريش ومن العرب يتوجه إلى الكعبة بالطواف , ويؤدون عندها بعض العبادات ونحو ذلك , ولكنهم لم يكونوا موحدين , فلم يتصفوا بوصف أنهم يستقبلون القبلة في الأحاديث.
والقول الثاني: أن الأصل في المسلم الإسلام حتى يثبت عنه , أو منه ما يخرجه من الدين , وهؤلاء إن أطلق عليهم أنهم كفروا يعني صار عليهم اسم الكفر سلب عنهم اسم أهل القبلة , وإن لم يطلق عليهم الكفر , يعني ليسوا بكفار , فإنهم يبقون في الطائفة الثانية من التقسيم الأولى , يعني في أهل البدع والأهواء والمنافقين وأشباه هؤلاء؛ لأنه لا يكفر أحد إلا بعد أن تقوم عليه الحجة الرسالية , التي يكفر جاحدها , أو يكفر منكرها , أو يكفر رادها .
وهذا القول الثاني هو الأولى؛ وذلك أن الأصل فيمن استقبل الكعبة أنه مسلم , حتى يثبت عنه ما يخرجه من الإسلام , العلماء بحثوا هنا خاصة بعض علماء الدعوة , بحثوا هنا في مسألة الكافر الأصلي , يعني من نشأ , بلغ وهو يعبد الأوثان , وهو يعبد الأضرحة , وهو يعبد غير الله جل وعلا , ومن كان قد كانت هذه الأمور عارضة له , بحثوا في هذه المسألة , في بعض الردود , لكن ليس بحثها مؤثراً على التقسيم الذي قلناه .
المقصود أن اسم أهل القبلة مثل اسم المسلم , يعني لا يترتب على هذا اللفظ أهل القبلة , لا يترتب عليه حقوق إلا حقوق المسلم , فما دام أنه مسلم فله حق الإسلام , له حقوق المسلم , إذا كان مسلماً مطيعاً فله حق المسلم المطيع , مسلم عاص صاحب كبيرة , مسلم مبتدع , مسلم ظاهراً , منافق باطناً , هذا له حقوقه… إلى آخره .
قال بعدها أو المسألة الثانية , أما الأولى , هذه المسألة الثانية: قوله: "مسلمين مؤمنين" "نسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين" هذا الوصف مسلم مؤمن هذا بناءً على أن الإسلام والإيمان عند الطحاوي واحد , وأنه لا فرق ما بين الإسلام والإيمان , وهذا القول ليس بجيد , بل مخالف للأدلة , ويأتي بحثه في الكلام على الإيمان , وهناك وجهة أخرى ظهرت يعني لي أثناء تأمل كلمته , أنه وإن قال ذلك لكن هذه الكلمة ليست ملزمة له بهذا القول , يعني لا نفهم منها أنه يسوي ما بين المسلم والمؤمن؛ لأن من جهة التسمية نسميهم مسلمين , أو نسميهم مؤمنين , فالإسلام والإيمان إذا تفرقا (إيش؟) اجتمعا , فإذا قلنا: هو مؤمن مع كونه مسلماً , صحيح , وحتى صاحب الكبيرة نقول: هو مؤمن بإيمانه , فاسق بكبيرته .
فإذاً هذه الكلمة "مسلمين مؤمنين" لا تدل بنفسها على أنه يجعل الإسلام والإيمان واحد , وأن المسلم هو المؤمن . ويأتي بيان أن قول أهل السنة والجماعة يعني جمهور أهل السنة والجماعة , والراجح عندهم أن الإسلام غير الإيمان , والله جل وعلا فرق بينهما في كتابه فقال جل وعلا: ] قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا [ وهذا دليل واضح على التفريق , ويأتي بقية الأدلة في موضعها.
المسألة الثالثة: أن هذا الاسم: أهل القبلة , واسم المسلم والمؤمن لا بد من بقاء ما دل عليه , وهذا هو ما ذكره بعد ذلك بقوله: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قال وأخبر مصدقين" يعني: أنه لو ارتكب مكفراً فإنه يخرج من اسمه مسلم , ومن اسمه مؤمن , ولو استقبل القبلة , ولو كان السجود في جبهته؛ فإنه ما دام أنه ثبت عنه بيقين ما حكم عليه عالم وقاض بكفره , فإنه يكون حينئذٍ ليس له حكم المسلم المؤمن , ولو كان مستقبل القبلة .
قال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" معنى الاعتراف هنا هو الإقرار بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في كل مسألة حق , لكن فرقٌ هنا ما بين الجحد وما بين التأويل؛ فإن من جحد أمراً جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , وكانت دلالته ..كان ثابتاً , يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم , وكانت دلالته قطعية , فإنه يكفر بذلك , مثل: عثمان في الجنة , هذا دلالته قطعية , عثمان في الجنة , ما تحتمل معنى آخر , فإذا قال: لا , هذا ما يدل على أنه يحكم له بالجنة , لا ,أنا ما أحكم لعثمان بالجنة , مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم له أنا أرد كون عثمان -t- في الجنة , لا أدري هو من أهل الجنة , أو من أهل النار , فهذا ردٌ لخبر دلالته قطعية .
فإذاً قوله: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" هنا الاعتراف بمعنى الإقرار بهذا الخبر , وبما جاء به عليه الصلاة والسلام , وهذا الإقرار فيما كانت دلالته قطعية , أما إذا كانت دلالته محتملة , وصار ثم للتأويل مسرح , فإنه لا يسلب عنه اسم الإسلام والإيمان , ولهذا نص أهل العلم من أئمة الدعوة ومن غيرهم على أن متأولة الصفات , متأولة الصفات ليسوا كمنكري الصفات , يعني ليس الأشاعرة مثل الجهمية , ليس المعتزلة مثل الجهمية في هذا الباب , الصفاتية الذين أثبتوا أصل الصفات , وتأولوا بعضاً هؤلاء لهم شبهة التأويل , فلم يكفرهم أهل السنة والجماعة في هذا الباب؛ لأنهم معترفون بأصل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب , لكن تأولوا , تأولوه إلى جهة , جهة أخرى .
فإذن يفرق هنا ما بين الرد وما بين التأويل , فالاعتراف هو الإقرار , كذلك يفرق هنا ما بين الإقرار الذي يقابله الجحد , وما بين الالتزام الذي يقابله الامتناع , فالاعتراف الذي هو الإقرار يقابله الجحد , يقال: أقر واعترف , أو جحد , أقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا , أو جحد أن الصلاة واجبة , جحد أن الزكاة واجبة , جحد أن أكل نوع من المأكولات المباحة أنه حلال , جحد أن الخمر محرم , فهذا جحد يناقض الاعتراف , يعني أصلاً ما يقر بالتحريم أصلاً.
الثاني: هو الفرق ما بين الالتزام والامتناع , فإنه قد يُقر ولكنه لا يلتزم , وقد لا يجحد ولكنه يمتنع , والالتزام واجب , والامتناع مكفر، ما معنى الامتناع؟ الامتناع أن يقول: إن لا أدخل في هذا الخطاب , وهذا معنى قول العلماء: الطائفة الممتنعة , وقول: إذا امتنع أحدٌ عن كذا يعني لم يلتزم , فجعل فعله غير داخل في هذا الخطاب , مثل حديث أبي بردة بن نيار المعروف , أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في رجل نكح امرأة أبيه , فأمره أن يقتله , وأن يُخمِّس ماله , هذا رجل نكح امرأة أبيه , الفعل (إيش؟) الفعل معصية كبيرة , كبيرة بشعة , أن ينكح امرأة أبيه , لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقتله , وأن يخمس ماله , يعني جعله مرتداً , لم؟ لا لكونه جحد , ولكن لكونه امتنع .
فإذن هنا في الاعتراف ما داموا معترفين فيه الإقرار , ويقابله الجحد , وفيه الالتزام , وأن يعتقد أنه مخاطب , والامتناع , أنا غير مخاطب بذلك , مثل فعل مانع الزكاة (اللي) يؤدون الزكاة، الزكاة واجبة , وأدوها , ولكن نحن بذاتنا , لا , نحن لسنا داخلين في هذا الخطاب , فالرجل ظن هذا الرجل أنه لا يدخل في هذا الخطاب في قوله جل وعلا: ] وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [ فهو مقر بوجوبها , بدخوله في الإسلام أصلاً , مقر بهذه الآية , بدخوله , لكنه امتنع من الدخول , امتنع من الالتزام بها؛ لأجل أن هذه كانت فعلة أهل الجاهلية , فكان من إكرام الرجل من إكرام الرجل لأبيه أن ينكح امرأة أبيه؛ لأن هذا يدل على بره , ويدل على صلته , ويدل على شرفه , ويدل على أشياء عندهم , فلما أنه امتنع يعني كان أخذه إذن مأخذ الحكم الجاهلي , ما دام أنه لم يلتزم , إذن في هذه الصورة لم يلتزم , هو مقر , معترف , لكنه لم يلتزم بمعنى امتنع وليست المسألة مسألة تكفير بالعمل أو أن فعله دل على استحلاله ليست من هذا الباب , إنما هي من باب الامتناع , فمن عرف واقع الجاهلية في نكاح امرأة الأب… إلى آخره وسبب نزول الآية ودلالة ذلك عرف .
المقصود من هذا أن قوله , قول الطحاوي: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" الاعتراف: الإقرار , والإقرار يقابله الجحد , وبيأتي الكلام على الاستحلال في قوله: "ولا نكفر أحداً بذنب ما لم يستحله" .
فإذاً صارت عندك هنا أن النسبة إلى الإسلام , النسبة إلى أهل القبلة يأتي الخروج منها بأشياء , وأما العمل فيأتي الكلام عليه، "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"؛ لهذا هنا علقها بالاعتقادات , فقال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر به مصدقين" .
المسألة الرابعة والأخيرة: هذا الباب باب الإيمان , والخروج من اسم الإسلام واسم الإيمان , ومن معنى أهل القبلة , هذا من المواضع التي تزل فيها الأقدام، لهذا الذي يجب على كل طالب علم أن يعلم ما قاله أهل السنة والجماعة في بيان الإيمان , وبيان ضده , وأن الإيمان والإسلام إذا قامت بالشخص , يعني وصف أحد بالإسلام والإيمان , المسلم والمؤمن لا يخرج من إسلامه وإيمانه , حتى يأتي بمكفر واضح , مثل وضوح ما أدخله في الإيمان , فهو دخل باعتقاد واضح , دخل بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله , دخل أيضاً بعمل بالأركان , فلا بد أن يكون الاعتقاد مضادا للأصل , الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله… إلى آخره . كذلك القول يكون مضادا للأصل , يعني مواجها للأصل , مضادا للتوحيد , لكلمة التوحيد , يعني من الأقوال الشركية , كذلك العمل يكون مضادا لما دل عليه العمل من الاستسلام لله جل وعلا .
وهذه مسألة يأتي لها مزيد تفصيل فيما نستقبل إن شاء الله تعالى .
فإذن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة , أن من ثبت في حقه اسم الإسلام والإيمان فإنه يبقى على هذا الاسم , ما لم يأت بشيء من الأقوال أو الأعمال أو الاعتقادات ترد هذا الأصل بوضوح , لا باحتمال؛ لأن الواضح البين اليقيني لا يزيله إلا يقين .