مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة آل عمران
1: اذكر الموضوعات الرئيسة التي تناولتها الآيات (33 -51) من سورة آل عمران.
1- اصطفاء الله سبحانه لآدم ونوح وآل إبراهيم وأل عمران
2- قصة ميلاد مريم عليها السلام ، ونذر أمها لها لله سبحانه وتعالى
3- تكفل زكريا بمريم ورؤيته لما لها من كرامات عند الله .
4- دعاء زكريا لربه أن يرزقه الذرية الطيبة
5- بشارة الملائكة لزكريا باستجابة الله دعاءه
6- صفات يحيى عليه السلام
8- اصطفاء الله سبحانه لمريم على نساء العالمين
9- بشارة الملائكة لمريم بعيسى عليه السلام
10 – صفات عيسى عليه السلام وما خصه الله به من معجزات .
11- دعوة عيسى لقومه لعبادة الله وحده .
2: حرّر القول في معنى "الحصور" في قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين}.
جمهور المفسرين على أن معنى (حصورا) : الذي لا يأتي النساء ، لأنه حبس عما يكون من الرجال ، وذلك مداره على معنى الحصر في اللغة .
الحصر لغة : الحبس ، يقال حصرت الرجل إذا حبسته ، وأحصره المرض إذا منعه من السير ، وأصاب فلان حصر إذا انحبس عليه بطنه .
أقوال أهل اللغة في معنى الحصر :
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): وقوله: {وسيّداً وحصوراً ونبيّاً}, يقال: إن الحصور: الذي لا يأتي النساء). [معاني القرآن: 1/212-213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {وحصوراً}, الحصور له غير موضع, والأصل واحد؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النّدامى , فلا يخرج شيئاً، قال الأخطل:
وشاربٍ مربحٍ للكأس نادمنى= لا بالحصور ولا فيها بسوّار
الذي لا يساور جليسه كما يساور الأسد؛ والحصور: أيضاً الذي لا يخرج سرّا أبداً، قال جرير:
ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا= حصراً بسرّك يا أميم ضنينا). [مجاز القرآن: 1/92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): {والمحصور}:الذي لا يأتي النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسيّداً وحصوراً}, قال ابن عيينة: : «الحصور: الذي لا يأتي النساء», وهو «فعول» بمعنى «مفعول»؛ كأنه محصور عنهن، أي: مأخوذ محبوس عنهن. وأصل الحصر: الحبس, ومثله مما جاء فيه «فعول» بمعنى «مفعول»: ركوب بمعنى: مركوب، وحلوب بمعنى: محلوب, وهيوب بمعنى مهيب). [تفسير غريب القرآن: 104-105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ومعنى {حصورا} أي: لا يأتي النساء، وإنما قيل للذي لا يأتي النساء حصور؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام قد حصر في منطقه، والحصور: الذي لا ينفق على النّدامى، وهو ممن يفضلون عليه.
قال الشاعر:
وشارب مربح بالكأس نادمني= لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى: ولا فيها بسئار، أني نادمني, وهو كريم منفق على الندامي، والسؤار المعربد يساور نديمه , أي: يثب عليه، والسار الذي يفضل في إنائه إذا شرب.
والحصور: الذي يكتم السر، أي: يحبس السر في نفسه, قال جرير:
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا= حصراً بسرك يا أميم ضنينا
والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه، إنما سمي حصيراً؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج, أي: حبس بعضه على بعض.
ويقال للسجن الحصير؛ لأنّ الناس يحصرون فيه، ويقال: حصرت الرجل إذا حبسته، وأحصره المرض إذا منعه من السير، والحصير: الملك, وقول اللّه - جل وعلا: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}, أي: حبساً.
ويقال : أصاب فلاناً حصرإذا احتبس عليه بطنه، ويقال في البول: أصابه أسر إذا احتبس عليه بوله.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): وروى يحيى بن سعيد الأنصاري , عن سعيد بن المسيب أنه قرأ: {وسيداً وحصوراً}, فأخذ من الأرض شيئاً, ثم قال: الحصور الذي لا يأتي النساء , يقال حصر إذا منع , فـ «حصور» بمعنى محصور , وكأنه منع مما يكون في الرجال .
وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة , قال الشاعر:
فيها اثنثان وأربعون حلوبة = سواد كخافية الغراب الأسحم
ويقال: حصرت الرجل إذا حسبته , وأحصر المرض إذا منعه من السير, والحصير من هذا سمي؛ لأن بعضة حبس على بعض.
وقيل: هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل
وقال ابن عباس: الذي لا ينزل). [معاني القرآن: 1/392-395] ]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {حصوراً} أي: لا يأتي النساء). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ذكر المفسرون, {وسيداً وحصوراً} , , والحصور: الذي لا يأتي النساء، وهو بمعنى مفعول، كركوب وحلوب, (الآية): العلامة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ) {حَصُوراً}: لا يقرب النساء). [العمدة في غريب القرآن: 98]
أقوال أهل التفسير في المراد ب(حصورا) :
القول الأول : أجمع من يعتدّ بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنما هي الامتناع من وطء النساء، واختلفوا فيما إن كان المقصود هو مدح ليحيى عليه السلام ، أما إخبار عن صفة فيه وليس المدح
1- أما من قال بالمدح فيكون معنى الحصور عنده أنه يمتنع عن وطء النساء طاعة لله ، وإن كان به القدرة على ذلك
وذلك مروي عن ابن مسعود وابن عباس وقتادة وابن جبير وعطاء والحسن بن زيد .
روى ابن جرير عن أبو كريب قال حدثنا ابن خلف قال حدثنا حماد عن عاصم عن زر عن عبدالله قال : الحصور الذي لا يأتي النساء .
روى ابن جرير عن ابن بشار عن عبدالرحمن عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال : الحصور الذي لا يأتي النساء .
روى ابن جرير عن ابن بشار قال حدثنا سليمان قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا قتادة قال : الحصور الذي لا يأتي النساء .
روى ابن جرير قال : حدثنا يونس عن ابن وهب عن ابن زيد قال : الحصور الذي لا يأتي النساء .
2- ومن قال بأنه إخبار لصفة فيه وليس المقصود المدح فذلك لأن من هو أفضل من يحيى من الأنبياء والرسل كانوا مستكملين القدرة على قربان النساء فتعين أن يكون ذكر هذه الصفة ليحيى إعلاما لزكريا بأن الله وهبه ولدا إجابة لدعوته ، وأن الله قد أتم مراده من انقطاع عقب زكريا لحكمة يعلمها ، وإظهارا لكرامة زكريا عنده سبحانه ، وقد توسطت هذه الصفة بين صفات الكمال تأنيسا لزكريا وتخفيفا من وحشته لانقطاع نسله بعد يحيى عليه السلام .
وقد اختلفوا في سبب عدم الوطء على أقوال :
- أنه لم يكن له مثل ما للرجال إلا مثل العود ، روي ذلك عن أبي هريرة ، وسعيد بن المسيب عن ابن العاص
روى الطبراني قال حدثنا محمد بن أبي غسان حدثنا حجاج بن سليمان الرعيني عن أبي صالح عن القعقاع بن حكيم عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان (سيدا وحصورا) ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : كان ذكره مثل هذه القذاة .
رواه الطبراني في الأوسط وفيه حجاج بن سليمان الرعيني وثقه ابن حبان وضعفه بن زرعه وغيره.
قال ابن جرير الطبري :
حدّثنا أحمد بن الوليد القرشيّ، قال: حدّثنا محمد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال ابن العاص إمّا عبد اللّه وإمّا أبوه: ما أحدٌ يلقى اللّه إلاّ وهو ذو ذنبٍ، إلاّ يحيى بن زكريّا. قال: وقال سعيد بن المسيّب: {وسيّدًا وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يغشى النّساء، ولم يكن ما معه إلاّ مثل هدبة الثّوب
- أنه عنين وإن كانت خلقته غير ناقصة ، روي عن ابن مسعود
قال السيوطي : أخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود قال: الحصور الذي لا يقرب النساء، ولفظ ابن المنذر: العنين.
- لا ينزل الماء ، ولا يولد له ، روي ذلك عن ابن عباس والضحاك
قال ابن جرير الطبري : حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الحصور: الّذي لا ينزل الماء.
قال ابن جرير حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: الحصور: الّذي لا يولد له، وليس له ماءٌ.
القول الثاني :
الحصور عن الذنوب أي لا يأتيها ، وهو قول مكي وذكر هذا القول أيضا القرطبي والقاضي عياض في كتابه الشفاء من غير نسبة لأحد
الراجح
إن هذه الصفة مدح ليحيى عليه السلام ، وأنه لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك ، لأن المدح والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب .
ولعل ذلك المدح لمراعاة براءته مما يلصقه أهل البهتان ببعض أهل الزهد من التهم ، وقد كان اليهود في عصره في أشد البهتان والاختلاق .
وأما حديث سعيد بن المسيب عن ابن العاص فقال فيه ابن كثير أنه حديث غريب جدا ، وأن الموقوف أقوى إسنادا من المرفوع ، بل وفي صحة المرفوع نظر .
وكذلك حديث أبي هريرة مداره على حجاج بن سليمان وقد ضعفه أبو زرعة وغيره ، لذا فهي أحاديث لا يحتج بها في هذا المقام .
وقد رجح ذلك القرطبي وابن كثير والقاضي عياض وغيره .
قال ابن كثير : قال القاضي عياض : إن عدم القدرة على النكاح نقص ولا يصح في حق الأنبياء ، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام ، وبكفاية من الله كيحيى عليه السلام ، والمقصود أن مدح عيسى بأنه حصور ليس معناه أنه لا يأتي النساء ، بل معناه أنه معصوم من الفواحش والقاذورات ، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال ، بل قد يفهم وجود النسل من دعاء زكريا حيث قال : (هب لي من لدنك ذرية طيبة) فكأنه قال ولدا له ذرية ونسل وعقب .
قال البغوي رحمه الله : وقد اختار هذا القول جماعة من المفسرين لوجهين : أحدهما : لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، والثاني : أنه أبعد عن إلحاق الآفة بالأنبياء .