حرّر القول في معنى قول الله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير}.
المعنى العام للآية : عتاب من الله سبحانه وتعالى, لمن فرَ من القتال لما علم بقتل نبيه , فأعلمهم ربهم أنه بقتل النبي لايثني عن متابعة القتال , ولا المشي قدماَ بنصرة دينهم واتباع نبيهم .
المطلب الأول :
تصنيف المسألة :المسألة تفسيرية لغوية ,لها تعلق بعلوم القرآن كعلم القراءات ,والوقف والإبتداء .
المراجع :
الأولى : المراتب الأصلية :تفسير عبدالرزاق ,تفسير ابن جرير الطبري ,وابن أبي حاتم , وتفسير البغوي , جزء تفسير عطاء الخراساني ,(والمكتفى لأبي عمروالداني تاكدي منه .
من دواوين السنة , صحيح البخاري , فتح الباري لابن حجر , عمدة القاري للعيني , مجمع الزوائد للهيثمي , والمعجم الأوسط للطبراني , وسنن سعيد بن منصور .
من كتب اللغة : مجاز القرآن لأبو عبيدة , معاني القرآن للفراء , ومعاني القرآن للبلخي المكنى بالأخفش الأوسط و ومعاني القرآن للزجاج , إعراب القرآن للنحاس , مشكل إعراب القرآن لمكي بن طالب , ويلحق بها غريب القرآن لابن المبارك , والعمدة في غريب القرآن لمكي بن طالب .
ومن معاجم اللغة : تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري .
من كتب علوم القرآن :
القراءات :الكشف في وجوه القراءات السبع وعللها لمكي بن طالب , التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني , الكامل في اللغة والأدب للمبرد , والحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي وتلميذه ابن جنى .
الثانية :المصادر البديلة : تفسير ابن كثير , والدرر المنثور للسيوطي .
الثالثة : المصادر الناقلة :تفسير ابن عطية , الدر المصون لابن سمين الحلبي , الهداية لبلوغ النهاية لمكي بن طالب ,البحر المحيط لابن حيان , التحرير والتنوير لابن عاشور .
وللمحققين : فتح الباري لابن حجر .
المطلب الثاني : تصنيف الأقوال :
&المسألة الأولى :القراءات في قوله :( وكأين من نبي ...
اختلف القراء في قراءة وكأين ذلك فقالوا :
القراءة الأولى :وكأين , بهمز الألف وتشديد الياء وهي القراءة المشهورة وهي قراءة الجماعة . ذكره ابن جريروالزجاج والأزهري في معاني القراءات ,وأبو علي الفارسي في الحجة في القراء السبعة وابن سمين في الدرالمصون , وابن حيان ,وابن عاشور .
القراءة الثانية :وكاين , بمدّ الألف وتخفيف الياء. ذكره ابن جريرفي تفسيره .
القراءة الثالثة :وكائن , الهمز بين الألف والنون على وزن كاعن.وهي لغة مشهوره , ذكره الزجاج والمبرد في الكامل في اللغة والأدب , وأبو علي الفارسي في الحجة في القراء السبعة .
_وقرأ ابن كثير: (وكائِن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كَاعِن) .
المسألة الثانية : الوقف على قوله ( وكأين
اختلف في الوقف على قولين :
1/ الوقف على الياء , قرأها يعقوب , وأغلب ماعليه الجمهور , ذكره ابن المبرد , وأبو منصور الأزهري ,وأبو علي الفارسي , وأبو عمرو الداني , وابن حيان , والبغوي , وابن سمين الحلبي .
2/ الوقف على النون , قرأها أبو عمرو , وسورة ابن المبارك عن الكسائي , ذكره ابن المبرد , وأبو منصور الأزهري ,وأبو علي الفارسي , وأبو عمرو الداني , وابن حيان , والبغوي , وابن سمين الحلبي .
المسألة االثالثة : القراءات في قوله تعالى:(وقاتل) .
اختلف القرّاء في قراءة قوله: {قاتل معه ..
القراءة الأولى :
_فقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء الحجاز والبصرة: (قتل) بضمّ القاف، رواه ابن جرير وسعيد بن منصوروذكره النحاس ماروي عن عكرمة وذكره الزجاج
_ وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب على, (فُعِلَ) .ذكره ابو منصور الأزهري وابي علي الفارسي وابن سمين الحلبي .
القراءة الثانية :
وقرأه جماعةٌ أخرى بفتح القاف وبالألف، وهي قراءة جماعةٍ من قرّاء الحجاز والكوفة., قاله عبدالله بن مسعود , والحسن ,وسعيد ابن جبير , رواه ابن جرير, و سعيد ابن منصور, والزجاج ,والنحاس , والبلخي وأبو منصور الأزهري وابي علي الفارسي وابن سمين الحلبي .
المسألة الرابعة :
القراءة في ربيون :
1/قرأ علي وابن مسعود وابن عباس والحسن: «رُبِّيُّون» بضمِّ الراء،ذكره ابن عطية , وابن سمين الحلبي
2/ و بالكسر , ذكره ابن عطية , وابن سمين الحلبي .
3/ وقرأ ابن عباس في رواية قتادة بالفتح , ذكره ابن عطية , وابن سمين الحلبي .
المسألة الخامسة : اختلف المفسرون بمعنى ربيون فقالوا :
&القول الأول : معناها الألوف أو الجموع الكثيرة , قاله عبدالله بن مسعود , ,وابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة والسّديّ والضحاك والربيع وعطاء الخراساني .
&القول الثاني : العلماء والفقهاء , قول ابن عباس و قاله الحسن .
& القول الثالث : الأتباع , قول ابن زيد
التخريج :
القراءة في كأين :
قال أبو منصور الأزهري : قرأ ابن كثير: (وكائِن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كَاعِن) ، وقرأ الباقون: (وَكَأَيِّنْ) الهمزة بين الكاف والياء.
الوقف على قوله ( وكأين
قال ابن سمين الحلبي : ووقف أبو عمرو وسَوْرة بن مبارك عن الكسائي عليها: « كأي» من غير نونٍ على القياس.
قال أبي عمرو الداني في جامع البيان : ووقف أبو عمرو (وكأي ) , على الياء، وكذلك روى سورة عن الكسائي، ووقف الباقون على النون .
القراءة في قاتل :
قول ابن مسعود : رواه أبو منصور في سننه , حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن زياد بن أبي مريم، وأبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ - في قوله عزّ وجلّ: {وكأيّن من نبي قتل معه ربيون كثير} -، يقول: (قاتل)، ألا ترى أنّه يقول: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله. الآية.
_ورواه البلخي في تفسيره , أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود .
قول الحسن :رواه أبو منصور في سننه , حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن، وأنا عوفٌ، عن إبراهيم، أنّهما كانا يقرآن: {قاتل معه} .
قول سعيد ابن جبير :رواه البلخي وابو منصور في سننه,_ حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب، عن خصيف، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه كان يقول: ما سمعنا قطّ أنّ نبيًّا قتل في القتال.
القراءة في ربيون :
1/ بالضم والكسر, وقرأه علي وابن مسعود وابن عباس والحسن , ذكره الزجاج وابن عطية وابن حيان وابن سمين الحلبي, وابن عاشور .
2/ وقرأ ابن عباس في رواية قتادة: «رَبِّيُّون» بفتحِها على الأصل ,ذكره ابن عطية , وابن حيان , وابن السمين الحلبي , وابن حجر , وابن عاشور .
الأقوال في معنى ربيون :
_القول في معناه الجمع والألوف :
قول ابن مسعود ( الألوف ), رواه عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبدالله قال هم الألوف).وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد , ورواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم ابن بهدلة وثّقه النّسائيّ وغيره، وضعّفه جماعةٌ.
قول ابن عباس : رواه ابن جرير, وابن أبي حاتم , حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن طريق عليٍّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ.
وعن طريق : رواه ابن جرير ,حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) الرّبّيّون: الجموع الكثيرة.
قول قتادة :رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم ,حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
قول عكرمة : رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم ,حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ , وذكره سعيد ابن منصور في سننه .
قول الحسن : رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم ,حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة،. عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: الجموع الكثيرة.
قول مجاهد : رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم , حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ كثيرةٌ .
قول الضحاك :رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم , حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ قتل نبيّهم.
قول السدي : رواه ابن جرير , - وابن أبي حاتم ,حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
قول عطاء الخراساني : رواه ابن جرير و أبي حاتم عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ، والرّبوة: عشرة آلافٍ .في العدد) , و ذكره محمد الرملي .
قول الربيع : رواه ابن جرير , حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
_القول في معناه العلماء والفقهاء :
قول ابن عباس : رواه ابن جرير , حدّثني به سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: علماء كثيرٌ
قول الحسن : رواه ابن جرير , وابن أبي حاتم ,حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: فقهاء علماء. وذكره سعيد بن منصور في سننه .
ورواه ابن جرير في تفسيره , حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن في قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: علماء كثيرةٌ.
وايضاً رواه ابن جرير , أخبرنا ابن المبارك، عن طريق جعفر بن حبّانٍ، والمبارك، عن الحسن، في قوله: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} قال جعفرٌ: علماء صبروا، وقال ابن المبارك: أتقياء صبر.
_ورواه ابن أبي حاتم , عن طريق أبي الأشهب، عن الحسن في هذه الآية: وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: علماء صبرٌ
_القول في الأتباع :
قول ابن زيد : رواه ابن جرير , حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: الرّبّيّون: الأتباع .
التوجيه :
القراءات في قوله :( وكأين من نبي ...
قال أبو منصورالأزهري: هما لغتان قرئ بهما , الأولى (وَكَأَيِّنْ) بتشديد الياء بوزن (وكَعَيِّن) .
واللغة الثانية (وكائِن) بوزن (كاعِن) ، والمعنى واحد.
قال ابن عاشور : وأكْثَرُ ما وقَعَ في كَلامِ العَرَبِ هو كَأيِّنْ لِأنَّها أخَفُّ في النَّظْمِ وأسْعَدُ بِأكْثَرِ المَوازِينِ في أوائِلِ الأبْياتِ وأوْسَطِها بِخِلافِ كائِنٍ .
الوقف على قوله ( وكأين
_الوقف على كأي من غير نون على القياس , وهو مبني على وزن كعي .
_والوقف على النون , وهي من أصل الكلمة كما ذكر اللغوين .
القراءة بقوله ( قاتل ..
وهذه الأقوال مبنية على إسناد الفعل على قولين :
قال ابن جرير :فأمّا من قرأ {قاتل} فإنّه اختار ذلك لأنّه قال: لو قتلوا لم يكن لقوله: {فما وهنوا} وجهٌ معروفٌ؛ لأنّه يستحيل أن يوصفوا بأنّهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا.
وأمّا الّذين قرءوا ذلك: (قتل) فإنّهم قالوا: إنّما عنى بالقتل النّبيّ وبعض من معه من الرّبّيّين دون جميعهم، وإنّما نفى الوهن والضّعف عمّن بقي من الرّبّيّين ممّن لم يقتل.
وقال ابن عطية :ويحسُنُ عندي على هذه القراءةِ إسنادُ الفعلِ إلى الربِّيِّين بقوله قاتل . وعلى قراءة «قُتِل» إسنادُه إلى «نبي» .
القراءة في قوله ( ربيون
قال ابن سمين الحلبي :
_والربيُّون: جمعُ «رِبِّي» وهو العالمُ منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإنما كُسرت راؤه تغييراً في النسب .
_وقيل منسوبٌ إلى الرَّبِّ إن قرئت بالفتح كما قرأها ابن عباس .
_ وقيل: لا تغييرَ وهو منسوب إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ .
قال ابن جني: «والفتحُ لغة تميم» .
الدراسة والترجيح :
في الوقف على كأين :
فالراجح كتابتها بالنون , اتباعاً لرسم المصحف , ومابلغنا بالمتواتر عن السلف , وهي قراءة الجمهور .
قال المبرد : وهذا أكثر على ألسنتهم، لطلب التخفيف، وذلك الأصل .
قال أبو علي الفارسي : بكلام طويل عن ذلك , فقال :
سمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب .
قال البغوي : يَقِفُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ عَلَى " وَكَأَيٍّ " بِلَا نُونٍ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْوُقُوفِ بِالنُّونِ .
قال أبو حيان : قرأ الجمهور وكأين , وقالوا هي من أصل الكلمة , وكتبت بنون في المصحف , ووقف عليها اتباعاً للرسم .
قال ابن سمين الحلبي: وكأيِّن مِنْ حقِّها على هذا أَنْ يُوقَفَ عليها بغير نونٍ، لأنَّ التنوين يُحْذَفُ وقفاً، إلا أنَّ الصحابة كتبتها: «كأيِّن» بثبوتِ النونِ، فَمِنْ ثَمَّ وَقَفَ عليهما جمهورُ القراء بالنون إتباعاً لرسم المصحف.
القول في القراءة بقوله ( قاتل
فالقول فيها إن أسند الفعل للنبي الكريم أو للربانيين , فكلها وجه حسن ,فهي من عجائب القرآن , وبدائعه , وأوجه قراءاته ومعجزاته , فتفاوت واختلف كلام المفسرين بالأرجح , فجميعها تًحمل على القراءتين, كما استحسنه المفسرين .
قال الفراء في معاني القرآن : قال بعض المفسرين: "وكأين من نبي قتل" يريد: و"معه ربيون" والفعل واقع على النبي صلّى الله عليه وسلم، يقول: فلم يرجعوا عن دينهم ولم ينهوا بعد قتله. وهو وجه حسن).
وقال الأخفش : وقال بعضهم {قاتل معه} وهي أكثر وبها نقرأ. لأنهم كانوا يجعلون {قتل} على {ربّيّون}. ونقول: "فكيف نقول :{فما وهنوا} وقد قلنا إنهم قد قتلوا فإنه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى الله عليه.
وقال ابن جرير : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصّواب، قراءة من قرأ بضمّ القاف: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) لأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما عاتب بهذه الآية، والآيات الّتي قبلها من قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم} الّذين انهزموا يوم أحدٍ، وتركوا القتال، وأخبرهم عما يفعل من كان قبلكم من اتباع انبياءهم , والسير على نهجهم , ولم يضعفوا ويهنوا بقتل انبياءهم .(بتصرف ) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَمِدَ مَنْ قَاتَلَ كَانَ مَنْ قُتِلَ دَاخِلًا فِيهِ، وَإِذَا حَمِدَ مَنْ قَتَلَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَكَانَ ﴿قَاتَلَ﴾ أَعَمُّ.
وقال أبو علي الفارسي : وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد مدح كما مدح المقتول فقال سبحانه :(وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم [آل عمران/ 195].
الدراسة والترجيح في قراءة ربيون :
فالراجح ماعليه الجمهور بالكسر وهو أكثر القراءات , ولاإشكال بالقراءات الثلاث فهي لغات واردة , فالضم والكسر لغتان لبني تميم , والفتح قرأ بها ابن عباس .
قال ابن عطية : والربيُّون: جمعُ «رِبِّي» وهو العالمُ منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وإنما كُسرت راؤه تغييراً في النسب , وقيل: كُسِر للإِتباع، وقيل: لا تغييرَ فيه وهو منسوبٌ إلى الرُّبَّة وهي الجماعةُ., وهذه القراءةُ بكسرِ الراء قراءة الجمهور .
تصنيف الأقوال في معنى ربيون وتوجيهها :
الأول : قيل هم الألوف والجماعات الكثيرة قال به الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة وغيرهم .
الثاني : هم العلماء والفقهاء الربانيون الأتقياء أتباع الأنبياء قال به الأخفش وابن المبارك .
القول الأول :
قال ابن جرير : كم من نبيٍّ قتل وقتل معه ربّيّون من أصحابه كثيرٌ., وأحدهم ربًى , وهم جماعة .
قال البخاري في صحيحه : ربيون : الجميع، والواحد ربّيٌّ).
و قال النحاس ومعروف أن: الربة الجماعة فهم منسبون إلى الربة ويقال للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت.
وقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رِبِّيُّونَ} أي: جماعات كثيرة، وأصله من الرِبَة وهي الجماعة. ويقال للواحد رِبَي، كأنه نُسب إلى الرِبَة ثم جمع.
قال ابن عطية : قال ابن مسعود: الربيون الألوف من الناس والجمع الكثير، وقال ابن عباس: ربّيّون جموع كثير، قال بعض المفسرين: هم عشرة آلاف فصاعدا، أخذ ذلك من بناء الجمع الكثير في قولهما: هم الألوف .
قال يونس بن حبيب: وهذا في الربيين أنهم الجماعات الكثيرة هو من الربة بكسر الراء وهي الجماعة الكثيرة , وقوله تعالى: قتل معه ربيون منسوبون إليها .
القول الثاني : العلماء والفقهاء :
قال ابن جرير : كأن هذا من حيث هم مربوبون .
قال النحاس : وقال الحسن رحمة الله عليه: هم العلماء الصبر كأنه أخذ من النسبة إلى الرب تبارك وتعالى.
قال ابن عطية : على هذا القول , إما لأنهم مطيعون له، أو من حيث هم علماء بما شرع، ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ «ربيون» بفتح الراء وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم: حرمي بكسر الحاء، وإلى البصرة، بصري بكسر الباء، وفي هذا نظر .
وذكر ابن عطية : قال النقاش: اشتقاق ربي من ربا الشيء يربو إذا كثر، فسمي بذلك الكثير العلم.
الدراسة والترجيح :
جميع الأقوال متقاربة , فالألوف تُكوَن الجماعات , وبالإتباع يكونون أبرار وأتقياء وعلماء وهم ورثة الأنبياء , وكلها بترابطها تعطي معنى واحد , فالرباني هو المتبع لشريعة الله وهوالعالم الفقيه الصابر .
قال أبو عبيدة (الجميع والواحد) ولأبي ذر المجموع بالواو بدل الياء واحدها (ربي) وهو العالم منسوب إلى الرب وكسرت راؤه تغييرًا في النسب وقيل لا تغيير وهو نسبة إلى الربة وهي الجماعة وفيها لغتان الكسر والضم).
وذكر السيوطي وابن عاشور : قولاَ عن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ما سَمِعْنا بِنَبِي قُتِلَ في القِتالِ , قال ابن عاشور :وقراءة قاتل أعم .