القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
قال الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي رحمه الله تعالى:
ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً , ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
الشيخ: قال رحمه الله تعالى في أواخر هذه العقيدة المباركة , العقيدة الطحاوية: "ولا نصدق كاهناً ولا عرافا , ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة" وهذه الجملة منه في عقيدته يريد بها تقرير أصل من أصول أهل السنة والجماعة؛ وهو أنهم لا يصدقون من يدعي شيئاً من علم الغيب , أو يدعي حالاً مخالفة لما دل عليه القرآن وسنة النبي r , وما أجمعت عليه الأمة في صدرها الأول.
وسبب إيرادها في العقيدة , أن زمنه كثر فيه من ينتسب إلى الأولياء , ويكون له أحوال شيطانية , ويكون له هدي يخالف به ما يجب على الأولياء من طاعة الله ورسوله , ومعاداة الشياطين , وربما كان منهم من يدعي بعض علم الغيب , فيكون كاهنًا , أو يخبر ببعض المغيبات , فيكون عرافًا أو يكون على حالٍ لم يكن عليها السلف , ولا ما أجمعت عليه الأمة , فيكون مدعيًا لشيء يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وهذا كما أنه كان في الدجالين فكذلك كان في السحرة والكهنة حقيقة , وكذلك في بعض من ينتسب إلى الصلاح والطاعة ظاهرًا , وهو في الباطن من إخوان الشياطين ومواليهم , وما ذكر ظاهر الدليل من كتاب الله Y ومن سنة رسوله r.
ونذكر تحت هذه الجملة مسائل:
المسألة الأولى:
الله Y هو المختص بعلم الغيب فلا يعلم أحد الغيب , بل الله جل وعلا هو الواحد الأحد , وهو العالم بغيب السماوات والأرض وما فيهم ومن فيهن , قال جل وعلا: ] وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [ , وقال جل وعلا في سورة النمل: ] قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [ , وقال جل وعلا: ] عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ... [ الآية.
وكذلك في قوله جل وعلا: ] إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [.
فدلت هذه الآيات على أن علم الغيب مختص بالله جل وعلا , والمقصود به علم الغيب المستقبل , يعني ما سيكون في الأرض أو في السماء , هذا لا يعلمه على اليقين والحقيقة إلا الله جل وعلا , إنما الناس يخرصون في ذلك , فواجب اعتقاد أن الله جل وعلا هو الذي يعلم الغيب وحده Y وتقدست أسماؤه , ومن ادعى شيئًا من علم الغيب فإنما هو من الشياطين أو من إخوان الشياطين , كما قال جل وعلا: [ وَيَوْمَ نحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ]*.
فذكر أن الجني يستمتع بالإنسي بعبادته له وتقربه له , وأن الإنسي يستمتع بالجني بما يخبره من المغيبات وما يكون. وهذا دلت عليه أيضًا عدد من الأحاديث عن النبي r.
وكانت الكهانة وهي ادعاء ما يستقبل من الأمور , من الغيبيات أو العرافة , وسيأتي تفسيرها , كانت من الأمور الشائعة في زمنه عليه الصلاة والسلام , وقبل ذلك من أمور الجاهلية , قد روى مسلم في الصحيح أن معاوية بن الحكم السلمي أتى النبي r وقال له: إن رجالا يتكهنون. فنهاه النبي r عن ذلك. قد جاء أيضًا في الحديث: ((ليس منا من تكهن أو تُكهن له)).
وسيأتي باقي الأحاديث في الكهانة , وسبب ادعاء علم الغيب في الناس من قبيل الكهان أو العرافين أو المنجمين أو من شابههم , وأن الشياطين تمدهم بالمعلومات , والشياطين قد تمدهم بمعلومات كاذبة , وقد تمدهم بمعلومات فيها صدق , وقد يكذب الكاهن أو العراف أو المنجم مع ما أتاه من المعلومات مائة كذبة أو أكثر , وهذا سببه يعني ما يصدقون فيه من الإخبار بالمعلومات سببه أن الله Y إذا أوحى بالأمر في السماء , وأمر ملائكته به مما ينفذه في خلقه؛ لأن الملائكة منفذون لأوامر الله جل وعلا؛ فإن الشياطين أعطاهم الله جل وعلا القدرة على الاستماع وعلى الصعود , وأن يعلو بعضهم بعضًا فيما أقدرهم الله عليه , فربما استمعوا إلى بعض ما يوحيه الله جل وعلا لملائكته وما يلقيه الملائكة بعضهم إلى بعض.
ولأجل هذا ملئت السماء بالشهب , وحرست بالنجوم التي تقتل من يسترق السمع كما قال جل وعلا: ] * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [ وقال جل وعلا: {فأتبعه شهاب ثاقب} وقال: ] وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [ في بعض التفاسير فجعل الله جل وعلا في السماء رجوماً للشياطين وهي هذه الشهب. وإذا كان كذلك فإن ملء السماء بالشهب واستراق السمع له تفصيل , سيأتي إن شاء الله تعالى في مسألة لاحقة.
المسألة الثانية:
قال: "ولا نصدق كاهنًا ولا عرافًا" العلماء اختلفوا في معنى الكاهن والعراف , وتفسير هذا وهذا على عدة أقوال , وظاهر صنيع المؤلف الطحاوي رحمه الله أنه يفرق بين العراف وبين الكاهن , وسبب التفريق أن الأحاديث جاء فيها ذكر الكاهن وجاء فيها ذكر العراف , ذكر الكاهن مفردًا والعراف مفردًا , وجاء فيها ذكر الكاهن والعراف مجموعتان.. مجموعين , مما يدل على الفرق بينهما.
لهذا إذا نظرت إلى أصل اللغة؛ فإن كلمة تكهن وكاهن غير كلمة تعرف وعارف , وصيغة المبالغة عراف؛ لأن التكهن هو رجم الإنسان بالغيب فيما لا يعلم , يعني أنه يستقبل ما سيأتي بما لا علم له به , ويدخل في ذلك عموم الظن , لكن الظن ليس معه ادعاء لعلم الغيب , وأما التكهن فصار فيه ظنٌ هو في الأصل , يعني في اللغة , هو ظن فيما سيحصل مستقبلاً , لهذا يجوز لغةً أن يقول القائل: تكهنت أنه سيكون كذا وكذا , على اعتبار , يعني في المستقبل أنه يظن أنه سيكون كذا وكذا.
ثم شاع هذا الاسم فيمن يدعون علم الغيب بواسطة الشياطين , فصار لقبًا واسمًا على طائفةٍ مخصوصة وهم الذين يخبرون الناس , يتولون هذه الصنعة ويخبرون الناس عما سيكون من أحوالهم فيما يستقبلون من الزمان , فإذًا صار الكاهن , كما عرفه بعض العلماء على هذا الاعتبار , هو من يقضي ويخبر بالمغيبات.
وأما لفظ العراف فهو في اللغة أصله من عرف أو تعرف يتعرف فهو متعرف أو عراف , وهو الذي يعرف بأمور غيبية يعرفها فيخبر بها , وهذا يشمل الأمور الغيبية في الزمان الماضي , يعني مما حدث أو مما سيكون؛ لأن المعرفة والتعرف تشمل الماضي والمستقبل , لكن خص في بعض الاستعمالات بأنه من يخبر عن الأمور التي حصلت وانتهت مما خفي عن الناس , كالإخبار عن مكان المسروق , أو الضالة , أو عن شيء أضاعه الإنسان , أو عن شيء حصل وخفي على الناس , ونحو ذلك من المسائل.
إذا نظرت إلى هذا الأصل اللغوي وارتباط ذلك بحال أهل الجاهلية , فالعلماء اختلفوا في ذلك على عدة أقوال:
القول الأول: أن الكاهن هو القاضي بالغيب , وهو الذي يخبر عن أمور مستقبلة من الغيب مستعينًا في ذلك بالشياطين , والعراف هو الذي يخبر عما خفي مما حدث وغاب عن الناس بالاستعانة أيضًا بالشياطين.
القول الثاني: أن الكاهن يعم الجميع , فالعراف أخص , والكاهن يدخل فيه من يخبر بأمور مستقبلة أو ماضية غابت عن الناس أو التنجيم , أو نحو ذلك , فيجعلون الكاهن , يجعلون الكاهن اسمًا عامًّا لكل من يدعي شيئًا من علم الغيب , فيدخل فيه صور كثيرة من الضرب بالرمل ومن الودع ومن الخشب ومن الاستقسام بالأزلام وخشبة أبي جاد والضرب بالحصى ونثر السبح والخط بالرمل ونحو ذلك مما هو شائع عندهم.
وأدخل فيها طائفة من المعاصرين , كما سيأتي بيانه , التنويم المغناطيسي وما يجري مجراه , والعراف أخص من هذا, فيكون مخصوصًا باسم , والاسم العام الكاهن. القول الثالث.. هذا القول الثاني هو المشهور عند أهل العلم والأكثر عليه.
القول الثالث: أن العراف أشمل والكاهن أخص منه؛ لأن الكاهن مخصوص بالعلم المستقبلي على حسب قولهم , والعراف لكل من يدعي شيئًا من علم الغيب , وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب (التوحيد).
والراجح من هذه الثلاثة أن الكاهن اسم غير اسم العراف , فالكهانة لها صفتها وأحكامها , والعراف له صفته وأحكامه على نحو ما ذكرنا في القول الأول.
المسألة الثالثة:
دلت الأدلة في سنة النبي r على أن تصديق الكاهن أو العراف , أنه محرم بل كفر , وعلى أن إتيان الكهنة والعرافين فيها إثم كبير , فمن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث حفصة , ولم يسمها مسلم بل قال عن بعض أزواج النبي r , وهي حفصة أم المؤمنين , أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) , وجاء في السنن , أو جاء في سنن أبي داود حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)) , عليه الصلاة والسلام.
وفي مسند الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي هريرة , أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من أتى كاهنًا أو عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) وإسناده صحيح.
فدلت هذه الأحاديث على أن إتيان الكاهن أو العراف منهيٌ عنه وأن سؤاله كبيرة من كبائر الذنوب , إثمها عظيم يترتب عليه ألا تقبل صلاة المرء أربعين ليلة من عظم الإثم , وأنه إن سأل فصدق فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
إذا تبين ذلك فقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء)) هذا فيه عموم , سأله عن شيء يعني عن أي شيء , سواء كان فيما مضى عن الضالة أو عن شيء مفقود , أو عن شيء في المستقبل فإنه لا تقبل له صلاة أربعين ليلة.
وسبب ذلك أن العراف لا يستدل على ما غاب بأمور ظاهرة أو بتجربة أو بأسباب معلومة , وإنما يستعين بالجن , والاستعانة بالجن شرك؛ لأن الجن لا يعينون الإنسان إلا إذا تقرب إليهم وأعطى بعض العبادة لهم ومكنهم ليستمتعوا به , كما قال جل وعلا: ] وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً [ , يعني زاد الجني الإنسي رهقًا وإثمًا وبلاءً.
((لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) اختلف العلماء هنا , هل عدم القبول يعني الإجزاء , ولكنه لا يثاب؟ أم أنها لا تقبل بمعنى أنها لا تجزئه لو صلى , ولكن يجب عليه أن يفعلها , يعني أن يقيمها , وأنه لا يثاب عليها؛ لأنها لم تقبل منه؟ وهذا في نظائره في تفسير عدم القبول , هل عدم القبول يعني عدم الإجزاء , أو عدم الثواب؟
والظاهر هنا أن عدم القبول بمعنى عدم الثواب , لكن إذا أداها سقط عنه الفرض , لإجماع الأمة أنه لا يجب عليه أن يعيدها بعد انقضاء الأربعين ليلة.
وأما تصديق الكاهن أو العراف , يعني إذا سأل كاهنًا فصدقه , فما في الحديث ظاهر , وهو أنه قال: ((فقد كفر بما أنزل على محمد)) , هذا في حال السائل المصدق , فكيف بحال الكاهن نفسه؟ يعني توعد السائل الذي يأتي يسأل ويصدق أنه قد كفر , فكيف بالكاهن أو بالعراف؟
لهذا هنا مسألتان:
المسألة الأولى:
في حكم الكاهن أو العراف , والصحيح أنهم إذا استعانوا بالشياطين في ذلك , يعني لم يكونوا دجالين وإنما فعلاً يخبرون عن استعانة بالشياطين , فإن هذا كفر ويجب استتابتهم , فإن تابوا وإلا قتلوا عند كثير من أهل العلم , على تفصيلٍ مر معنا في حكم الزنديق وأمثاله.
والثاني: هو في حال السائل , قال عليه الصلاة والسلام: ((فقد كفر بما أنزل على محمد)) , وهنا الكفر , هل هو كفر أكبر مخرج عن الملة أم كفر أصغر؟ كفر دون كفر؟ أم يتوقف فيه فلا يقال: كفر أكبر ولا كفر أصغر؟ لعدم الدليل على ذلك؟
ثلاثة أقوال لأهل العلم ومن أهل العلم من المعاصرين وممن قبلهم من قالوا: إنه كفر أكبر؛ لظاهر قوله: ((فقد كفر)) , يفتي بها عدد من مشايخنا هنا , ومن أهل العلم من يقول: هو كفر دون كفر , وهذا أظهر من حيث الدليل لأمرين:
الأمر الأول: أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في رواية أحمد , قال: ((من أتى كاهنًا أو عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) فرتب عدم قبول الصلاة على السؤال والتصديق معًا , ولو كان السائل الذي صدق كافرًا فإنه لا تقبل له صلاة حتى يتوب دون تحديد , بمدة معلومة.
والسبب الثاني: في ترجيح هذا القول , أن الناس يصدقون العراف والكاهن , لا على اعتبار أنهم يدعون علم الغيب وأنهم ينفذون على علم الغيب بأنفسهم , ولكن يقولون هذا يعني ربما قالوا هذا من استراق مما استرقته الشياطين , فيكون لهم شبهة فيما يصدقون به , وهذه الشبهة تمنع من أن يعتقدوا فيهم أنهم يعلمون علم الغيب مطلقًا , وهذا يكثر في حال من يصدق من ينتسبون إلى الصلاح أو يظهر عليهم الوَلاية والصلاح , ويخبرون بالمغيبات والناس يصدقونهم على اعتبار أنهم يحدثون بذلك , ولهم في ذلك كما ذكرنا شبهة , وهذه تمنع من إخراجهم من الملة والكفر الأكبر.
لهذا صار الصحيح هو القول بأن تصديق الكاهن , يعني في الخبر المغيب بخصوصه , يعني من أتى فسأل فصدق يعني الخبر بعينه , أنه هذا كفر دون كفر لا يخرج من الملة , لكن يجب معه التعزير البليغ والردع حتى ينتهي عما سماه النبي r كفرًا.
والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يتوقف فيه فلا يقال: هو كفر أكبر ولا أصغر؛ لأن الحديث أطلق , ثم لبقاء الردع في الناس والتخويف في هذا الباب.
المسألة الرابعة:
الشبهة التي ذكرنا من استراق السمع هي التي جاءت فيها الآيات , أن الشهاب يرسل على الشيطان أو على الشياطين الذين يسترقون السمع , واستراق السمع له ثلاثة أزمنة:
الزمن الأول: ما كان قبل البعثة , قبل أن يوحى إلى محمد r , يعني في حال أهل الجاهلية والناس , وهذا كان كثيرا؛ لحكمة لله جل وعلا في ذلك , كان استراق السمع كثيرًا , ولذلك كان ما يخبر به الكهان ويصدقهم الناس فيه كان كثيرًا.
المرحلة الزمنية الثانية: بعد أن أوحي إلى النبي r فإن السماء ملأها الله جل وعلا حرسًا شديدًا , وشهبًا , كما قال جل وعلا في سورة الجن مخبرًا عن قول الجن في صدر السورة: ] قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْاناً عَجَباً [ , إلى أن قال: ] وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [ , فدل على أنها ملئت ولم يعهدوا ذلك من قبل , يعني أن الله جل وعلا جعلها محروسةً؛ لأجل وقت تنزل وحيه على رسوله محمد r حكمة منه , وإلا فالله سبحانه قادر على ألا يأذن بشيء من استراق السمع , لكن لله جل وعلا الحكمة والابتلاء لعباده , فمنعوا من الاستماع ومنعوا من استراق السمع , وبقي ما ينفذ القليل جدًا بالنسبة إلى ما سبق.
المرحلة الثالثة: هي ما بعد عهد النبي r؛ فإن ظاهر الأدلة يدل على أنها لم تخل السماء أو لن تخلوا بعد ذلك من الشهب ومن حراستها في ذلك؛ لئلا يدعي أحد النبوة وتكثر الشبهة معه فيما يخبر بالمغيبات ممن يدعي النبوة.
وإذا كان الأمر كذلك في هذه الأحوال الثلاثة فإن ادعاء علم الغيب كفر , إذا كان ادعاء علم الغيب كفر إما لتهجمه على ما يختص الله جل وعلا به , أو لأنه لا يدعي علم الغيب إلا من يستعين بالجن ويتقرب إليهم , وأما الذي يصدق من يدعي علم الغيب في بعض الأحوال , مثلما ذكرنا , هذه له تفاصيل ذلك.
والواجب أن يعتقد أن الغيب , كما قدمت لك في أول المسائل , أن الغيب مختص بالله جل وعلا ] عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً [ , وهذا يعم؛ لأن {أحدًا} نكرة في سياق النفي فتعم كل أحد , ثم استثنى الله جل وعلا فقال: ] إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [ فاستثنى الله جل وعلا الرسول الملكي , والرسول البشري فيما يطلعهم عليه من علم الغيب لدليل صدقهم , أو لحكمة لله جل وعلا في ذلك.
المسألة الخامسة:
الكهانة والعرافة متنوعة الصور , ففي الزمن الأول كان لها صور متعددة , مثل الضرب بالحصى ومثل الخط , هذه لو كان هنا فيه يعني لوحة بينت لكم كيف يضربون بالحصى وكيف يخطون , ويصلون إلى النتيجة بزعمهم , ويتضح لك أنه دجل؛ لأنه لا دليل منطقي ولا سبب كوني ولا شرعي يدل على النتيجة التي يدعونها , لكن يدجل على الناس بأن يجعل شيئاً لا يفهمه الناس , يدعي الكاهن أو العراف أو الضارب بالحصى والرمل... إلى آخره , يدعي أنها تدله على المعلومة , وهو في الحقيقة لا يستدل عليها بالخط , لا يستدل عليها بالخشبة التي يكتب عليها , لا يستدل عليها بالحصى وإنما هي من...
الـوجـه الـثـانـي
... الشياطين , وهذه الأشياء الصورة المختلفة منها ما هو قديم , ومنها ما هو حديث في أنحاء شتى , لكن كلها يظهرون أنها سبب وليست بسبب , وبخصوص الخط فإنهم يدعون دجلاً وكذبًا أن هذا من علم الله لبعض أنبيائه , من علم الله لبعض أنبيائه , وهذا قد يذكر بعضهم عليه قول النبي r لما سئل عن الخط قال: ((كان نبي يخط)) كما رواه مسلم في الصحيح.
((كان نبي يخط فمن وافق خطه فذاك)) يعني أن أصل الخط أنه آية لنبي من الأنبياء علمه الله جل وعلا نبيًا من الأنبياء ليكون دلالةً على ما يعلمه الله Y , وبقي في الناس لكن لا يوافقون آية النبي؛ لأن آية النبي لا يستطيع أحد أن يفعلها؛ لأنها آية مختصة به , ولو كانت آية النبي تكون لكل أحد لما خص النبي بالآية , لهذا قال: ((كان نبي يخط)) ثم قال: ((فمن وافق خطه فذاك)) فقوله: ((فمن وافق خطه فذاك)) , هذا من الإحالة على مستحيل , يعني أن أحدًا من هؤلاء الذي يخطون والكهنة والعرافين ومن نحا نحوهم لا يمكن لأحدٍ أن يقول: هكذا خط ذاك النبي , أو أن هذه آية من جنس آية ذاك النبي.. الكهنة ,
والذين يخطون ويدعون علم الغيب من أن الخط كان من عند الأنبياء فيرد عليهم بهاتين الجهتين:
الأول: أنه آية , وآية النبي لا يمكن لأحدٍ أن يدركها.
والثاني: أن النبي r أحال على مستحيل فقال: ((فمن وافق خطه فذاك)) , وهذا لا يمكن لأحد أن يدركه.
لهذا الخط في الرمل والضرب بالحصى والخشب , وأنواع ذلك , هذه من الصور القديمة , وهي موجودة الآن في بعض البلاد , وهي كلها من وسائل الكهان ومن نحا نحوهم.
ومن الصور الحديثة التي اختلف فيها العلماء هل تدخل من الكهانة أم لا تدخل؟ وهل هي من استخدام الجن وعلم الغيب , أم لا تدخل؟ ما يسمى بالتنويم المغناطيسي , هذا له صفة , وثم كتب كثيرة مؤلفة في ذلك من مختصين في هذا , في أوروبا وفي مصر وفي لبنان , في معاهد تعلم هذا الذي يدعون أنه فن أو علم من العلوم.
وقد أفتت اللجنة الدائمة عندنا , أفتت اللجنة الدائمة في فتوى مشهورة مطولة بأن التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة واستخدام الجن ليتسلط الجني , حسب ما عبروا , ليتسلط الجني على الإنسي فيحمله ليرتفع عن الأرض ويخبر بأمور مغيبة ويتسلط على نفسه وعلى روحه , فيكون له عليها سلطان , وثم صور كثيرة واليوم في عدد من البلاد والعياذ بالله ثم معاهد لتعليم عددٍ من هذه الأمور المنكرة ,
والواجب على المسلمين جميعًا أن ينكروا هذا أشد الإنكار؛ لأنه تهجم على ما يختص الله جل وعلا به أولاً , ثم لأنه لا يكون إلا بالإشراك بالله جل وعلا إذا صدق استخدامهم للجن.
ثم ثالثاً إنه فتح لباب الدجل وباب الكذب على الناس , وأخذ أموال الناس بالباطل , وما يأخذه المتكهن من المال فهو حرام عليه وخبيث كما جاء في الحديث الصحيح: ((حلوان الكاهن خبيث)) , يعني أنه كسب محرم خبيث , وقد جاء غلام عند أبي بكر الصديق t فأعطاه طعامًا فأكله أبوبكر t , ثم قال الغلام: أتدري من أين هذا؟ قال: لا. قال: كنت تكهنت. يقول غلام أبي بكر لأبي بكر t , يقول: كنت تكهنت لرجلٍ في الجاهلية فأعطاني هذا الحلوان. فجعل أبو بكر الصديق t يدخل يده , يدخل إصبعه في فيه حتى قاء كل ما في بطنه.
فهذا من حيث الكسب حرام , من حيث السؤال حرام , وذلك لعظم هذا الذنب فإنه لا يجوز إقراره , ويجب على من يقدر على إنكاره أن ينكر , وعلى أهل الحسبة ومن يلي هذا الأمر بخصوصه ألا يتساهلوا في ذلك , وكذلك على الدعاء إلى الله جل وعلا وأهل العلم أن يبينوا ذلك؛ لأنه من مسائل التوحيد.
نكتفي بهذا القدر , وثم مسائل أخرى متعلقة بالجملة الأخرى وهي قوله: "ولا من يدعي شيئًا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة" نرجئها إن شاء الله تعالى إلى الدرس القادم , وأظنه بقي عندنا أربعة دروس إن شاء الله وننتهي من هذا الكتاب العظيم , ألحقني الله وإياكم خيرًا , وجعلنا ممن تعلم العلم له؛ إنه سبحانه جواد كريم , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
سؤال: قال بعض أهل العلم: إنه لا يستعان بالجن , لا مسلمهم ولا كافرهم , وذكر أن كون الجن يخبرون أنهم مسلمون فهذا لا يصدق؛ لأنه من علم الغيب , فنؤمن أنه من الجن من هو مسلم وكافر... إلى آخره؟
جواب: الاستعانة بالجن حرام , سواء كانت استعانة بالجني الكافر الشيطان أم الجني المسلم؛ وذلك لعدة أدلة , منها أن استمتاع الإنسي بالجني , والجني بالإنسي محرم في نصوص الكتاب والسنة , وأنه لا يستثنى من ذلك , لم يرد الدليل بالاستثناء ولا بالتخصيص , فبقاء الأمر على عمومه بما يشمل الجميع , هذا هو الأصل وهو المتعين.
الأمر الثاني: أن الجن لهم قُدر كما هو معلوم , وأنه في زمن النبي r كان منهم مسلمون كثيرًا أسلموا , قال جل وعلا: ] قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْاناً عَجَباً [ إلى أن قال: ] وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [ كذلك قوله: ] وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [ وكذلك في آخر سورة الأحقاف: [ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىيَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ]*.
فالجن في زمن النبوة كان منهم من صحب النبي عليه الصلاة والسلام وأسلم على يديه , وعندهم من القُدَرَ ما ليس عند غيرهم , وقد مضى زمن النبوة بأجمعه ولم يستعن النبي r بالجن ولم يستعن الصحابة بهم , وقد واجهتهم أشياء , فهذا الدليل وهذا الإجماع أعظم وأبلغ مما يستدل به على أن هذا الأمر من البدع؛ لأنه لم يكن في زمن السلف.
وهذه المسألة أظهر وأبلغ في أنهم لم يستخدموا ذلك , ولم يستعينوا بهم , لا بمسلمهم ولا بكافرهم , وهذا له سبب , وهو أن الجني إذا زعم أنه مسلم فإن إثبات إسلامه وإثبات صلاحه متوقف على أمر باطل لا يطلع عليه الإنسان , فأنت بالظاهر تحكم على الرجل إذا قابلك والجن منهم رجال ومنهم نساء , ] وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ [ تحكم عليه بالظاهر من هيئته وشكله على أنه مسلم , ونحو ذلك.
والجن لا تعلم صدقهم ولا تعلم حقيقة ما ادعوا , فبقي الأمر على الأمر المغيب , ولهذا قال أهل العلم: إن رواية أهل الجن رواية الجن للأحاديث ضعيفة , فلو أتى جني وروي بالإسناد وقال: قال رسول الله r كذا , وهذا يقول: أنا مسلم , والثاني يقول: أنا مسلم في الإسناد فعند أهل الاصطلاح بحثوا رواية الجن وقالوا: إنها ضعيفة؛ لأن الجن مجاهيل حتى ولو قال: إنه مسلم , فلا يصدق في خبره.
المسألة الثانية:
التي تدل على المنع من الاستعانة بالجن مسلمهم وكافرهم , والمسألة على الاستعانة بالمسلمين أن فتح باب الاستعانة هذا هو فتح لباب الشرك بالله جل وعلا , فيجب سده وهو أولى من سد بعض أنواع ذرائع الشرك , فالشريعة حرمت البناء على القبور؛ لئلا يكون وسيلة إلى تعظيم أصحابها , وجاء تحريم بعض الوسائل , وسائل الشرك؛ لئلا يكون وسيلة , وبعض وسائل البيوع المحرمة لئلا يكون وسيلة إلى الربا , وهكذا.
والاستعانة بالجن الذي يجهلون , ولا يعلم حقيقة الحال الاستعانة بهم , لا شك أنه ذريعة؛ لأن يأمر الجني الإنسي إذا فتح الباب أن يأمره بالتقرب أو ببعض الأشياء , فقد بلغني بيقين عن بعض من يتعاطى القراءة وهو من الجهلة , ليس من أهل العلم , ولا من طلبة العلم ممن فتح هذا الباب فسيطر عليه الجن وهو لا يعلم في هذا , وأصبحوا يأمرونه بأشياء وينهونه عن أشياء , وربما أذلوه في بعض الأمور. فسد الذريعة في هذا واجب ولا يجوز التساهل به.
الأمر الثالث والأخير: استدل بعض من قال بجوازه ببعض التعبير , بعض العبارات عن شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتاب النبوات , وفي الفتاوى معلومة , كلام ابن تيمية في الموضوع , لكن شيخ الإسلام لا يريد بما قال إباحة الاستعانة, وإنما بحث في حال المسلم مع الجن , فقال في أوله: وأولياء الله لا يعاملون الجن , إلا بأمرهم بالشرع ونهيهم عن ضده , كما كانت حال النبي r وأصحابه. ثم ذكر الحالة الثالثة أنه قد يعرض الجني للإنسي في أمر يعينه فيه , هذا لا بأس به , فيحمل كلامه على أنه في حالة؛ لأن بعض السلف فعلها , في حالة أنه يعرض له مثلاً يأتيه ويقول له: أنا أصحيك لصلاة الفجر , أو يضيع من الطريق كما حصل للإمام أحمد قد يكون من الملائكة وقد يكون من الجن الله أعلم , لكن يقول: الطريق من ههنا: فيتبعه.
هذا ليس استعانة , ليس طلبًا للعون , وإنما هو إرشاد , وهذا الإرشاد متوقف على صدق المرشد وعلى كذبه , يعني ليس هو استعانة طلب للعون , ويقول له مثلاً: هو كذا , أو الطريق من هنا , أو هذا في الشيء الفلاني , من دون أن يطلب , وهذا خبر , قد يكون صادقًا وقد يكون كاذبًا , واختبار الخبر لا مانع منه , يختبر هل هو صادق في ذلك أم لا؟.
المقصود هذه المسألة لا تتساهلوا فيها , لا في هذا الوقت ولا فيما بعده؛ لأن أخشى أن ينفتح علينا ذرائع الشرك ووسائل البدع من جراء القراء الجهلة الذي فتحوا باب الاستعانة بالجن في هذا الباب , ولأجل طول الجواب نكتفي بهذا القدر , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
[سائل: ما ذكروه عن عمر رضي الله عنه بأنه كان (غير مسموع) للصدقات أن الصحابة سئلوا عنه فقالوا: إن امرأة ما (غير مسموع) فأخبرته وأخبره الجني أن عمر (غير مسموع) للصدقات فذكروا بعده بعض العلماء (غير مسموع).
الشيخ: ما أدري (إيش) المقصود.
ـ يعني هل الآن الصحابة استعانوا بهذا القرين.
ـ في (إيه)؟
ـ في البحث عن عمر رضي الله عنه , فأخبرهم أنه كان (غير مسموع) للصدقة هذا ذكره الشيخ محمد (غير مسموع) في القول المبين من جواز الاستعانة (غير مسموع) مسلم (غير مسموع) و(إيش) رأيك يا شيخ يعني هل هو طلب (ولا) خبر؟
ـ في الحقيقة هذا يحتاج إلى إثبات أولا.
ـ أينعم.
ـ ثم قد يحمل على أنه خبر , وما نعارض فيه شبه أكثر من هذه (غير مسموع) ما نعارض الأصل الشرعي لماذا لا يستخدم في عهد النبوة في المسائل في التوحيد , وبنأخذ بعض المسائل وهي أيضا تؤثر على كثير ما نأخذ بشيء لا يعرف يجب المشتبهات هذه أن تحمل على , تحمل على المحكم , المحكم هو الأصل , ونرد له المشتبهات , تكون حادثة حدثت ما تدري عن تأويلها؛ لأن حكايات الأفعال لها عدة تأويلات وعدة أحوال , هذه توجهها لكذا ولا توجهها لكذا , ومن قال: إنها توجه للاستعانة فقطع يحتاج إلى استدلال هل هم استعانوا , طلبوا العون (ولا) أخبروا (ولا) وفي الحال في الحقيقة , فما تحكم على فعل الصحابة بمناقضة حال النبي صلى الله عليه وسلم , هذا فيما لو كان يعني فعله حجة في هذا , ومعلوم أن أقوال الصحابة فيها نظر , فيها نظر في الاحتجاج , فكيف بأفعال (غير مسموع).
ـ وصحته يا شيخ؟
ـ ما أعرفها والله (اللي)...
ـ علاج بعض المعاكسات (غير مسموع) ما يتم عن طريق الجن (غير مسموع) القرآن؟
ـ الجن ما عندهم دواء؛ الجن عندهم بلاء وشرك وإضلال وإضعاف للإنسان.
ـ القرآن (غير مسموع).
ـ يخبره أن هذه الآية (بتنفع) (غير مسموع) يقول القراءة هذه نوع من العلاج في الطب لو كان كذلك (غير مسموع).
ـ ما وجه (غير مسموع) من وجد في قلبه محبة أبي طالب؟
ـ أبو طالب نعم.
ـ محبة طبيعية بدون يعني صلة ولا زمن ولا (غير مسموع).
ـ لا يجوز.
ـ (غير مسموع) نصرة الإنسان.
ـ يعني يثني عليه بما فعل لا بأس لكن محبة (غير مسموع).]
… وعلى رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه , اللهم إنا نسألك علما نافعًا وعملاً صالحًا , وقلباً خاشعًا , ودعاءً مسموعًا , اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك , أما بعد.., فنجيب عن بعض الأسئلة:
سؤال: ما حكم الصلاة مع وجود الدفاية , أو المبخرة أمام المصلي؟
جواب: الدفاية والمبخرة ونحوهما مما هو نار اختلف أهل العلم في استقبال المصلي للنار , ولكل ما كان من جنسه , على قولين أو أكثر , لكن الأشهر أنهما قولان:
الأول: الكراهة , وهذا هو الذي ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه , وهو المدون في كتب فقهاء الحنابلة رحمهم الله , وتوجيه ذلك أن جنس النار عبد من دون الله جل وعلا , فعبد المجوس النار إما لأنها نار , أو لما فيها من النور الذي يقابل الظلمة , والظلمة والنور إلهان عندهما , فالأجل هذا الاشتباه ولأجل أن المشركين ربما عبدوا النار , فإن المشابهة في هذه تكون مكروهة.
والقول الثاني: أنه لا بأس باستقبالها , وهذا هو الذي ذهب إليه جمع من أهل العلم ومنهم البخاري رحمه الله تعالى , كما ألمح إليه في ذكره لحديث صلاة النبي r واستقباله أو رؤيته بين يديه الجنة ورؤيته بين يديه النار , قال: ((عرضت عليّ الجنة وعرضت عليّ النار في مقامكم هذا)) , فاستدل به على أن الاستقبال لا يكره؛ لأن النبي r لم يحول وجهته أو لم يشعر بلفظه أو بفعله أن هذا مكروه.
وتوسع بعض أهل العلم فأدخل فيه في الكراهة يعني في القول الأول كل ما كان فيه النور إذا استقبله المصلي , ولكن هذا التوسع ليس بجيد , والصواب أنه لا بأس بذلك؛ لظهور دلالة الحديث عليه , وإذا تركها المسلم من باب الاحتياط فهو أولى , ثم قليل أو نوادر قالوا بالحرمة , لكن لا وجه لهم؛ لأن القياس على العبادة المشركين للنار ليس هذا بمحله ,
سؤال: ما حكم قتل الحشرات بالكهرباء؟
جواب: إذا كان الكهرباء هذه لحقت الحشرة لتقتلها أو الحشرات لتقتلها , فإن هذا منهي عنه؛ لأن قتل أمة من الأمم أو طلب ذلك , يعني في غير مضرة كما سيأتي فإنه ليس بمأذون به في الشرع وليس بسائغ , والعلماء يتكلمون في هذه المسألة في موضعين:
الأول: قتل الحشرات من حيث الأصل , والثاني قتل الحشرات بالنار أو بالكهرباء أو بما شابهها من الأجهزة الحديثة.
أما النوع الأول: فقتل الحشرات جائز إذا كانت مضرة بالاتفاق , واستدلوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم)) فالحشرة إذا كانت ضارة مضرة للإنسان , سواء أكانت واحدة , أو أكثر فإن قتلها جائز , بل مطلوب؛ لأن هذا يدخل في باب رد المعتدي أو رد الصائل أو رد الأذى عما يؤذي الإنسان.
وأما ما لا يؤذي مثل أن يأتي الإنسان في البر أو في مكان لا يسكنه ولا يضره وجود الحشرات فيه فيأتي ويسلط على النمل نارًا , أو يسلط على بعض الهوام من المواد الكيميائية ونحو ذلك , ولا يستفيد , وهي ليست مضرة له , فهذا منهي عنه؛ لأنه من قتل ما لم يؤذن بقتله.
أما المسألة الثانية: فهي قتلها بالكهرباء أو بالنار أو بنحوها , فهذا إذا كانت مضرة دخلت في الباب الأول , وإذا كانت غير مضرة فإنه إذا طلبت فإنه ينهى عنه ويحرم.
أما إذا وضعت النار والكهرباء , وهي التي جاءت فهذا لا يدخل فيما ينهى عنه؛ لأن الحشرات من طبيعتها خاصة ما يطير منها أنها تطلب النار , وثم تحترق فيها , فالمقصود أنها إذا طلبت النار فلا شيء على الإنسان , وإذا طلبها هو بالنار تتبعها ليحرقها بالنار فهذا منهي عنه.
سؤال: الإخوان في الشيشان يسألون المسلمين الدعاء , فلماذا توقف الأئمة عن الدعاء؟ وهل من الدعاء لهم الآن من دعا لهم الآن يعتبر مخالفًا؟
جواب: هذه مسألة كثر السؤال عنها وهي تحتاج إلى تفصيل؛ ذلك أن النوازل التي تنزل بالمسلمين سواء أكانت نازلة عامة أم نازلة خاصة , فإن الدعاء دعاء المسلم في النوازل طلبًا من الله جل وعلا لكشفها ورفع كربة المسلمين في كل مكان هذا من ولاية المسلم للمسلم , ومن محبة المسلم للمسلم , ومن النصرة التي أمر الله جل وعلا بها في نحو قوله: ] إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [ , وفي نحو قوله جل وعلا: ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ , وفي نحو قوله Y: ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [.
فولاية المسلم للمسلم تقتضي نصرته بما يستطيع , ومن ذلك الدعاء له , فالدعاء في أوقات الإجابة وفي خطب الجمعة , ودعاء الفرد أو دعاء الخطيب , أو الدعاء في الدرس أو نحو ذلك , هذا من الأمور المطلوبة شرعًا؛ لأنها من مقتضى الولاية.
المسألة الثانية:
إدخال هذا الدعاء في الصلاة , يعني ما يسميه الناس القنوت , قنوت النوازل وهو الذي جاء في الحديث أن النبي r قنت شهراً يدعو على قبائل من العرب رعل وذكوان وعصية ونحو ذلك من القبائل لما استحر القتل في القراء بعد ذات الرقاع كما هو معلوم , وسنة النبي r هي التي يجب اتباعها , لا أهواء الناس ولا عواطف الشباب ولا الرغبات المختلفة , والسنة في قنوت النوازل حتى ولو استنكر بعض من لا يعرف ورأيت بعض الأوراق التي كتب , وهذا مما يؤكد على طلبة العلم حاجة الناس إلى العلم , فإذا كان الناس ألفوا الدعاء في بعض ما حصل للمسلمين في الماضي , فيظنون أن هذا , أن تغييره تغيرًا للسنة أو ترك للنصرة أو رد أو عدم استجابة لحاجة المسلمين ونحو ذلك , هذا يؤكد أنه يجب على طالب العلم وعلى من له ولاية خاصة وعامة أن ينبه الناس؛ حتى لا يتسارعوا في أمر وتغيب السنة في ذلك وتصبح المسألة بعد ذلك إذا غيرت , إذا غيرت السنة فتصبح محدثة عامة تتكرر.
والذي دلت عليه السنة في قنوت النوازل أشياء:
الأول: أن النبي r قنت مرة ولم يقنت في كل نازلة , قنت بعد ذات الرقاع لما استحر القتل بالقراء , ولم يقنت لما حصل قتل المسلمين في مؤتة , وكان ممن قتل فيها جعفر وقتل فيها عدد , ورجع المسلمون بعد أن حصل لهم ما حصل , كذلك لم يقنت الصحابة رضوان الله عليهم في كثير مما حصل من النوازل التي مرت بهم , فالنبي r قنت مرة في نازلةٍ عظيمة استحرّ القتل فيها بالقراء , قتل منهم سبعون وكانوا هم حفظة القرآن , وهم الذين يحفظون على الناس كتاب الله جل وعلا.
المسألة الثانية: مما دلت عليه السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت هو فقط في مسجده , ولم يأمر مساجد المدينة أن تقنت , فلم ينقل أحدٌ من أهل الحديث ولا من الرواة ولا في كتابٍ لا سنن ولا صحيح ولا مسند ولا أجزاء حديثية فيما بلغني أن النبي r يعني بإسناد صحيح أمر أحدًا من المساحد أن يقنت , فالقنوت ليست السنة فيه أن يقنت الجميع , وإنما قنت هو عليه الصلاة والسلام خاصة.
ولهذا أصح أقوال أهل العلم في المسألة أنه لا يقنت إلا الإمام , ويقنت المسجد الأعظم في البلد , وليس كل مسجد جماعة وليس كل مسجد جمعة يقنت , وإنما يقنت الإمام وفي المسجد الأعظم اكتفاءً بالسنة وهكذا كان هدي الصحابة رضوان الله عليهم , فلم يكن في عهد النوازل التي حصلت وعهد عمر في عهد علي أنه قيل لكل المساجد: اقنتوا للنوازل.
وإذا كانت المسألة فيها خلاف وجب كما هو منهج أهل الحديث , وهو المنهج الحق , وجب فيها أن ترد إلى السنة حتى تستبين , والعلماء لهم في المسألة أربعة أقوال:
القول الأول: أنه لا يقنت إلا الإمام فقط.
الثاني: أن يقنت الإمام الأعظم أومن ينيبه في المسجد الأعظم.
الثالث: أن تقنت كل جماعة , سواءٌ أكانوا في مسجد أم لم يكونوا في مسجد فإنه يقنت كل جماعة.
والرابع: أنه يقنت حتى المصلي وحده.
الأقوال الثلاثة الأولى مختلفة عن أهل العلم , يعني في المذاهب الأربعة وفي غيرها , وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد , والأخير يقنت كل مصلٍ يعني إذا أراد هذا ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , والسنة تدل على القول الثاني وهو أنه يقنت الإمام الأعظم أو من ينيبه في المسجد الأعظم في البلد , يعني إمام المسلمين أو من ينيبه في الصلاة بالمسجد الأعظم في البلد فقط دون سائر المساجد , وهذا هو السنة في هذا الأمر فقط دونما سواه.
المسألة الثالثة:
المتعلقة بهذا , أن فهم معنى النازلة والفرق بينها وبين المصيبة والقتل , والفرق بين النازلة الخاصة والنازلة العامة , هذا مما يتعين أن يفرق بينها؛ لأن السنة دلت على أن النبي r قنت وترك القنوت , قنت بعد ذات الرقاع ولم يقنت فيما نزل من مصائب في غيرها , فدل على التفريق بين هذا وهذا.
إذا تبين هذا التفصيل المختصر , فالواجب على طلبة العلم أن يكونوا متنبهين لهذه الأصول , ومن تتبع سيرة أئمة الدعوى فيما مضى وجد أنهم لم يقنتوا على مدى مائتين سنة الماضية إلا فيما ندر جدًّا في المصيبة التي يصابون بها هم؛ لأن هذا لا يخاطب به كل المسلمين كما هو معلوم , وهذا هو الأوفق والأقرب إلى السنة في هذا الباب , والمسألة كما ترى فيها خلاف , والعالم إذا اجتهد في ذلك واختار أحد الأقوال فلا يعتب عليه أنه لم يأخذ بالقول الآخر؛ لأن الدليل هو محل الاعتبار في هذه المسائل المهمة.
تحصل من ذلك أن الدعاء مطلوب , وأن إدخال الدعاء في الصلاة هو محل البحث في القنوت , ثم إذا صار قنوت النازلة فالواقع الآن يدل على أن كثير من أئمة المساجد لا يحسنون قنوت النوازل , ويدعو بما خطر له , وقد نص الفقهاء في كتبهم قالوا: يدعو بما يناسب النازلة ولا يدعو بما خطر له؛ لأن هذا الدعاء قنوت شرع لأجل النازلة , فإذا دعا بما خطر له في غير موضوع النازل فقد أخرج هذا الدعاء عن موضوعه وعما شرع له , فدخل فيما نهي عنه , وقد يصل إلى بدعة تبطل الصلاة وهو لا يشعر وفيما حصل من قنوت في النوازل السابقة التي حصلت بها فتوى من الإفتاء وأذن بها ولي الأمر , فيما حصل في الماضي سمعنا وصلينا مع كثير من الأئمة لا يحسنون دعاء النوازل , يعني لو قيل حتى إن في كل مسجد جماعة , فإذا رأى رؤية أنهم لا يحسنون دعاء النوازل ولا قنوت النوازل , فينبغي ألا يؤذن لهم به؛ لأنهم يحرفون الصلاة عن موضوعها وعما يشرع فيها.
ولا يتساهل الناس في بعض المسائل , يحققون مصلحة من جهة , مصلحة الدعاء والقنوت ثم يحدث مفسدة من جهة أخرى في أنهم لا يحسنون الدعاء , ويدخلون في مسائل ليست مما يدعى لها.
تحصل من هذا البحث الذي ذكرت لكم على اختصاره , أن الصحيح الذي دلت عليه السنة أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم أو من ينيبه , وفي المسجد الأعظم فقط في النازلة التي تؤثر على أهل البلد , أما قنوت المسلمين عامة لنازلة وقعت في بعضهم فهذا لا أصل له في السنة والله أعلم.
سؤال: أيهما أولى التصدق بالملابس أو إهدائها لأحد الوالدين مع عدم حاجتهما؟
جواب: هذا يرجع إلى حسب أثر إهداء الملابس على الوالدين , إذا كان أثر ذلك فيه البر بهما وإدخال السرور عليهما , فبر الوالدين أرفع درجة من التصدق , فهو [صدقة وزيادة]* أما إذا كان مجرد إهداء لا يشعر الوالدان أنه بر ولا أنه إحسان إليهما , فإنه التصدق على المحتاج أولى.
ثم مسائل متنوعة , وهذه مسألة في الحج:
سؤال: إذا تعجل الحاج فهل يرمي في اليوم الثاني عن ذلك اليوم وما بعده؟ أم يكتفي برميه ذلك اليوم؟
جواب: الله جل وعلا يقول: ] فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [ , ومعنى الآية أن من اتقى اللهَ جل وعلا وعظم حرماته وعظم شعائره , فإنه لا إثم عليه إذا تقدم تعجل ولا إثم عليه إذا تأخر , وليس قوله: ] لِمَنِ اتَّقَى [ متعلقا بالمتأخر دون المتقدم , يعني المتأخر دون المتعجل , فقوله: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} هذه تتمة الجملة قال: ] لِمَنِ اتَّقَى [ يعني يشمل الحالين , يعني لا إثم على المتعجل ولا إثم على المتأخر إذا كان الجميع قد اتقوا الله في تعجلهم واتقوا الله في تأخرهم.
وإذا تعجل الحاج في يومين , يعني مكث الحادي عشر والثاني عشر فإنه إذا رمى الجمار بعد الزوال , يعني إلى المغرب وخرج فإن هذا يكفيه ولا يجب عليه رمي اليوم الثالث عشر , إلا إذا بات في منى قاصدًا , يعني إذا أتاه الليل في منى قاصدًا البيتوتة.
سؤال: ذكرت حفظك الله كلاماً حول طارق السويدان أشكل على كثيرٍ من أهل كذا الذين.. ويكرهون.. وأهل البدع , ومن يناصرهم , فنرجو من الله أن يوفقكم إلى تفصيل الكلام في ذلك:
جواب: هذا السؤال الأسبوع الماضي كان الكلام في نفس الموضوع , حصل إشكال في الأسبوع الماضي للبعض حول أشرطة طاق السويدان... إلخ , أنا بينت الكلام أن هذا السؤال (اللي) جاء من أستاذ , مدرس يريد أن يعطي أشرطة طارق السويدان لمن يستفيد منها , فإذا كان الذي سيعطي للمحتاج طالب علم يميز الأشرطة الحسنة من غير الحسنة , يميز الأشرطة النافعة من غير النافعة , فإن له أن ينتقي ويعطي ما لا ضرر فيه , أما من لا يحسن مثلما ذكرت لكم أشرطته فيها ما هو جيد , يعني لبعض الناس , وفيها ما هو غلط سواء أكان في المنهج أو في تساهل مع بعض أهل البدع , ذكرت لكم أن سماحة الشيخ عبدالعزيز رحمه الله سبق أنه قابله , وأنه رجع في عدد من المسائل وما أشبه ذلك في نقل بعض الثقات لي.
فالمقصود من هذا أن أشرطته إذا كان الذي سينتقي ويعطيها من ينتفع بها , طالب علم يحسن الفرق بين السنة والبدعة وبين الصواب والغلط , فلا بأس أن ينتقي ويعطي؛ لأن منها أشياء لا بدعة فيها , وأما التزكية المطلقة لأشرطته , فلا لأنها كما ذكرت لكم مشتملة على صواب وعلى خطأ , ومن عثر على ما غلط فيه فالواجب المناصحة؛ لأن المرء لا يكتفي بأن هذا ليس بحسن وهذا فيه أغلاط وهذا عنده كذا , بل ينبغي له أن تجمع ويناصح الذي أخطأ أو الذي توسع.
وكما هو معلوم المذكور ليس بطالب علم ولا من العلماء , وإنما أراد أن يقرر قصص الأنبياء والسيرة وبعض المسائل , فأصاب في كثير وربما غلط في بعض المسائل , فتصحيح ذلك للفائدة العامة ينبغي إذاً , فلا ننصح لكل أحدٍ أن يأخذ ما لا يعرف , وإذا كان طالب العلم بيهدي لمن ينتفع بها مستواه , يناسب هذه الأشرطة فينتقي ما لا غلط فيه ولا بدعة ويعطيها , هذا الذي يظهر لي في ذلك.
سؤال: ما هو الإجماع المعتبر؟
جواب: الإجماع المعتبر هو إجماع أهل عصرٍ من العصور.
سؤال: لو لبس المحرم وقت البرد مشلح وألقاه على عاتقيه دون أن يدخل يديه فيهما , وكذلك إذا لبس الكنادر وهي دون الكعبين دون الجوارب , فما حكم ذلك؟
جواب: المحرم أوجب عليه النبي r وأمره أن يلبس , أو أن يحرم في ثوبين , وألا يلبس السراويل ولا القمص ولا العمامة... إلى آخر ذلك , قال: ((ولا يلبس الخفين إلا ألا يجد غيرهما فليقطعهما دون الكعبين)) , من بعض المصطلحات التي أثرت في مسائل الشرع , مصطلح المخيط , السلف عبروا عن هذا الحديث بأنه ينهى عن لبس المخيط , المحرم يتجرد من المخيط , ففهم منه أن كل ما فيه خياطة فإنه ينهى عنه.
وهذا الفهم ليس بصحيح ولم يريدوه؛ لأن كلمة المخيط عند السلف يعنى بها ما يخاط ليلبس عادة , ما يخاط على قدر البدن من الثوب , قميص , سراويل , ما يخاط على قدر اليد , القفازين , وما يخاط على قدر الرجل وهي الجوارب؛ لأن لكل جزء من البدن له شيء يناسبه يخاط له.
إذا كان كذلك فليس المقصود من النهي عن لبس المخيط إلا ما دل عليه الحديث , ما دلت عليه الأدلة في أنه لا يلبس شيئًا من الملابس التي تصنع على قدر البدن أو على قدر عضوٍ من أعضائه , وهذا يعني أن المشلح أو الكوت أو ما هو أدفأ منها , أو فروة أو نحو ذلك إذا لم يجعلها كاللباس المعتاد فإنها لا تدخل في النهي؛ لأن النبي r لم يأمر بلبس رداءٍ وإزار , هذا إذا أتى البرد كيف يتدفأ الإنسان؟ يأتي ببطانية ويلقيها عليه؟ لا , يستخدم ما يدفيه لكن بشرط أن يترك اللبس المعتاد.
فإذا كان المشلح هذا يلبسه بإدخال يديه فإلقاؤه على كتفيه للتدفئة , هذا لا بأس به , ولا يدخل في لبس المخيط أو لبس ما نهي عنه , كذلك لبس النعال التي فيها خياطة , مثل النعال القصيمية أو الزبيرية أو نحو ذلك , بعض الناس يقولون: لا يلبسها , يلبسون البلاستيك هذه ونحوها؛ لأنها ما فيها خياطة , وإذا اعتقد أنه أيضًا يلبس هذه النعال البلاستيك؛ لأنها هي السنة هذا أيضًا يحتاج إلى تنبيه؛ لأن السنة ألا تلبس ما خيط على قدر البدن , وألا تلبس الخفين , أما النعال فلم يأت نهي فيهما , فالإحرام يكون في نعليه , إذا احتاج ليس عنده نعلين أو اشتد عليه البرد فله أن يلبس الكنادر هذه؛ لأنها خف مقطوع , لكن لا يلبسها ابتداء.
الشيخ:... في البرد فله أن يلبس الكنادر هذه؛ لأنها خف مقطوع , لكن لا يلبسها ابتداءً , وإنما ليلبس النعلين , إذا لم يجد إلا الكنادر هذه التي لا تبلغ إلى الكعبين فلا بأس , إذا ما وجد إلا خف , فهل يلزمه قطعه؟ خف طويل , بوت يعني (اللي) يسمونه , أو (اللي) يسميه الجنود (إيش؟) بصطار أو نحو ذلك , فهل يلزمه قطعه؟
اختلف العلماء في ذلك , والصحيح أنه لا يلزمه قطعه , وأن إلزام القطع منسوخ؛ لأن النبي r قال ذلك في المدينة, ولما أتى في عرفة لم يأمر بقطعهما إذا احتاج إلى ذلك.
ومن المناسب التنبيه على أن طالب العلم دائماً إذا أتت المواسم , رمضان , وقت الحج , جاء وقت عاشوراء , أي موسم فيه تعلق بأحكام شرعية فإنه يراجع كل سنة؛ لأن هذا أدعى إلى تثبيت العلم , وأدعى إلى أن يكون غير هاجر للحق أو هاجر لما في الكتاب والسنة من الدلائل في ذلك , فإذا أقبل رمضان تراجع أحكام الصيام في كتب الفقه والحديث وفتاوى أهل العلم , وأحكام الزكاة وأحكام القيام , وتراجع أحكام العيدين , إذا أقبل الحج قبله بشهر , من الآن تقرأ في أحكام الحج تثبتها سنة سنتين ثلاث , تلحظ أن ها المسائل تتضح لك شيئًا فشيئًا وتستزيد كل سنة بما لم يكن عندك في السنة الماضية.
وهذا طبيعي في طالب العلم , طبيعي في الإنسان , تقرأ أول مرة يفوتك , تأخذ مثلاً عشرين ثلاثين في المائة , وكثير منه؛ لأنك مركز على البعض , كثير منه يفوت تحتاج فيه إلى سؤال , السنة القادمة تنظر تقرأ فتجد أن عددًا من المسائل واضحة , مثلاً تعريف الحج واضحة , شروط وجوب الحج واضحة , أركان الحج واضحة , أنواع الإحرام واضح , تزيد في مسائل لم تكن واضحة , تزيد حصيلتك , ثم بعد ذلك السنة المقبلة وهكذا , طالب العلم لا يمكن أن يتعلم في سنة , العلم جادته طويلة , ما ينتهي الإنسان منه إلا بالموت.
وتذكرون كلمة الإمام أحمد رحمه الله لما قيل له: إنك تكتب وأنت في هذا السن. يعني بعد أن علا شأنه , رحمه الله, قال: مع المحبرة إلى المقبرة.
طالب العلم ما ينفك من طلب العلم , ومن البحث , بحسب ما أعطاه الله جل وعلا , وخذ من فراغك لشغلك. خذ يعني من فراغك لشغلك , يعني استغل وقت الفراغ , استغل وقت الشباب , استغل قبل أن تسود إما بعيال تكون مسؤولاً عنهم , أو بمشاغل , أو.. طالب العلم إذا وجد الصحة والفراغ يقبل على طلب العلم ويستفيد؛ لأنه النور في القلوب وفي الصدور , والبينة فيما يتعبد به الإنسان ويراه في أحوال الناس.
نكتفي بهذا القدر , نعم اقرأ.
* الصواب: ] وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [ الأنعام: (128) .
* الصواب: ] إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [ الأحقاف: (30) .
* غير واضح بالشريط .