14/967 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ).
تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُن الْقَسْمُ بَيْنَ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاجِباً.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةٌ مِن النَّهَارِ لا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْقَسْمُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِن اشْتَغَلَ عَنْهَا كَانَتْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِن الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهِنَّ. فَقَوْلُهَا: "فَيَدْنُو"، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلْوِقَاعِ، إلاَّ أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: مِنْ غَيْرِ وِقَاعٍ، فَهُوَ لا يَتِمُّ مَأْخَذاً لابْنِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وَلا يَتِمُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَمَا قَالَهُ؛ لأَنَّهُ لا يَتَّسِعُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، سِيَّمَا مَعَ الانْتِظَارِ لِصَلاةِ الْعِشَاءِ لِفِعْلِ ذَلِكَ. كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مُجَرَّدُ اسْتِبْعَادٍ، وَإِلاَّ فَالظَّاهِرُ اتِّسَاعُهُ لِذَلِكَ؛ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ، ولأَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةً فِي ذَلِكَ لَمْ يُعْطَهَا غَيْرُهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ لا يَجِبُ عليهِ الْقَسْمُ لِنِسَائِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآيَةَ، وَذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِرِضَاءِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِعْلَهُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْقَسْمِ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقِسْمَةَ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِ الْقَسْمِ.
وَقَوْلُهُ: " وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ "، فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ "، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: " تِسْعُ " نَظَراً إلَى الزَّوْجَاتِ اللاَّتِي اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعٍ، وَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ، كَمَا قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَارَةِ. وَمَنْ قَالَ: " إِحْدَى عَشْرَةَ " أَدْخَلَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ وَرَيْحَانَةَ فِيهِنَّ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا لَفْظَ نِسَائِهِ تَغْلِيباً.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْمَلَ الرِّجَالِ فِي الرُّجُولِيَّةِ؛ حَيْثُ كَانَ لَهُ هَذِهِ الْقُوَّةُ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ قُوَّةُ ثَلاثِينَ رَجُلاً. وَفِي رِوَايَةِ الإِسْمَاعِيلِيِّ: " قُوَّةُ أَرْبَعِينَ "، وَمِثْلُهُ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَزَادَ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ.