الجمْعُ هو أن يُجمَعَ بينَ متعدِّدٍ(5) في حكْمٍ واحدٍ(6)، كقولِه(7):
إن الشبابَ(8) والفراغَ(9) والْجِدَهْ(10) ..... مَفسَدةٌ(11) للمَرْءِ(12) أيَّ مَفسَدَهْ(13)
7-التفريقُ هو أن يُفرَّقَ(1) بينَ شيئين(2) من نوعٍ واحدٍ(3)، كقولِه(4):
ما نَوَالُ الغمامِ وقتَ ربيعٍ (5) ..... كنَوَالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ(6)
فنَوَالُ الأميرِ بَدْرَةُ عينٍ(7) ..... ونَوَالُ الغمامِ قطْرَةُ ماءِ(8)
التقسيمُ هو:(9) إما استيفاءُ أقسامِ الشيءِ(10)، نحوُ قولِه(11):
وأَعْلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه ..... ولكنني عن علْمِ ما في غدٍ عَمِى(12)
وإما ذكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ ما لكلٍّ(13) إليه(14) على(15) التعيينِ(16)،
كقولِه:(1)
ولا يُقيمُ(2) على(3) ضَيْمٍ(4) يُرادُ به(5) ..... إلا الأذلاَّن(6) عِيرُ الحيِّ(7) والوتَدِ(8)
هذا(9) على(10) الخسْفِ(11) مربوطٌ برُمَّتِه(12) ..... وذا(13) يُشَجُّ(14) فلا يَرْثِي(15) له أَحَدُ(16)
و إما ذكْرُ أحوالِ الشيءِ(17) مضافاً(18) إلى كلٍّ منها ما يَليقُ به(19)، كقولِه(20):
سأطلُبُ حَقِّي بالقَنا(21) و(22) مشايخٍ(23) ..... كأنهم من طُولِ ما التَثَمُوا(24) مُرْدُ(25)
ثِقالٌ(1) إذا لاقَوْا(2) خِفافٌ(3) إذا دُعُوا(4) ..... كثيرٌ إذا شَدُّوا(5) قليلٌ إذا عُدُّوا(6)
________________________
(5) (الجمْعُ هو أن يُجمَعَ بينَ متعدِّدٍ) اثنين أو أكثرَ, سواءٌ كان الجمْعُ بعطفٍ أو بغيرِه وسواءٌ كان من نوعين متقارِبَيْن أو من أنواعٍ متباعِدةٍ. وأَدخَلَ لفظَ ((بينَ)) إشارةً إلى أنَّ المتعدِّدَ يَجبُ أن يكونَ مصرَّحاً به في الذكْرِ.
(6) (في حكْمٍ واحدٍ) المرادُ بالحكْمِ المحكومُ به, ولو في المعنى, سواءٌ وَقَعَ خبراً عن المتعدِّدِ كقولِه تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فقد جمَعَ المالَ والبنونَ في حكْمٍ واحدٍ وهو زينةُ الدنيا و.
(7) (كقولِه) أي: قولِ أبي العَتَاهِيَةِ، أبي إسحاقَ إسماعيلَ بنِ القاسمِ بنِ سُوَيْدٍ من مشطورِ الرَّجَزِ: علِمْتَ يا مُجَاشِعَ بنَ مَسْعَدَهْ.
(8) (إنَّ الشبابَ) بكسرِ الهمزةِ على الحكايةِ لأن البيتَ من الأشعارِ المشهورةِ التي ضمَّنَهَا أبو العتاهيةِ يعني قد علِمْتَ هذا البيتَ المشهورَ ويَجوزُ فتحُها، والشبابُ حَدَاثةُ السِّنِّ مصْدَرُ شَبَّ الغلامُ يَشِبُّ شباباً.
(9) ( والفراغَ) أي: الخُلُوَّ عن الشواغلِ المانِعةِ من اتِّباعِ الهوى.
(10) (والجِدَهْ) أي: الاستغناءَ, بكسْرِ الجيمِ على وزْنِ عِدَةٍ, مصدَرُ وَجَدَ في المالِ أي: استَغْنَى.
(11) (مَفْسَدَةٌ) أي: داعيةٌ إلى الفسادِ.
(12) (للمرءِ) أي: الشخصِ.
(13) (أيَّ مَفْسَدَهْ) أي: مَفسَدةٌ عظيمةٌ, فجَمَعَ الشاعرُ في هذا البيتِ بينَ الشبابِ والفراغِ والجِدَةِ في حكْمٍ, وهو كونُها مَفْسَدَةً للمرءِ. أو لم يَقَعْ خبراً عن المتعدِّدِ كقولِ محمَّدِ بنِ وُهَيْبٍ:
ثلاثةٌ تُشْرِقُ الدنيا ببَهجَتِها ..... شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاقَ والقمرُ.
(1) (التفريقُ هو أن يُفرَّقَ) أي: يُوقَعُ الافتراقُ والتباينَ.
(2) (بينَ شيئين) أي: أمْرَيْنِ مشترَكَيْن.
(3) (من نوعٍ واحدٍ) المرادُ بالنوعِ الواحدِ ما اتَّحَدا فيه, إما بالحقيقةِ أو الادِّعاءِ وذلك بذكْرِ ما يُفيدُ معنًى زائداً فيما هو بِصَدِدِه من مدْحٍ أو ذَمٍّ أو غزَلٍ أو رِثاءٍ أو غيرِ ذلك من الأغراضِ.
(4) (كقولِه) أي: الوَطْوَاطِ الشاعرِ.
(5) (ما نَوالُ الغَمامِ وقْتَ ربيعٍ) أي: الذي هو وقتُ ثورةِ الغَمامِ.
(6) (كنَوالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ) أي: الذي هو وقتُ فقْرِ الأميرِ لكثرةِ السائلين وكمالِ بذْلِه.
(7) (فنَوالُ الأميرِ بَدرَةُ عَيْنٍ) هي جِلْدُ ولَدِ الضأْنِ مملوءاً من الدراهمِ, كما في القاموسِ, وتُقدَّرُ هذه الدارهمُ بعشرةِ آلافٍ.
(8) (ونَوالُ الغمامِ قطرةُ ماءٍ) فقد أَوقَعَ الشاعرُ التباينَ بينَ النَّوالين مع أنهما من نوعٍ واحدٍ وهو مطلَقُ نَوالٍ.
(9) (التقسيمُ هو) يُطلَقُ اصطلاحاً على ثلاثةِ إطلاقاتٍ؛ لأنه.
(10) (إما استيفاءُ أقسامِ الشيءِ) بالذكْرِ بحيث لا يَبقَى للمُقَسَّمِ قِسْمٌ آخَرُ غيرُ ما ذُكِرَ.
(11) نحوُ قولِه أي: زُهَيْرِ بنِ أبى سُلْمَى.
(12) (وأَعلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه. ولكنَّنِي عن علْمِ ما في غدٍ عَمِي) وقد تَقدَّمَ هذا البيتُ في البابِ السادسِ والشاهدُ فيه هنا هو تَضَمُّنُه أن العلْمَ يَنقسمُ إلى علْمِ اليومِ وإلى علْمِ الأمسِ وإلى علْمِ الغدِ, وهذا تَقسيمٌ مستَوْفٍ لأقسامِ العلْمِ باعتبارِ زمانِه, ومنه قولُ النُّحاةِ: الكلمةُ اسمٌ وفعْلٌ وحرفٌ.
(13) (وإما ذكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ ما لكلٍّ) من أفرادِه.
(14) (إليه) أي: إلى كلٍّ من أفرادِه.
(15) (على) جهةِ.
(16) (التعيينِ) هذا القيْدُ ذُكِرَ تأكيداً لأن إرجاعَ ما لكلٍّ إليه يَستلزِمُ تعيينَه وخَرجَ اللَّفُّ والنشْرُ فإن المتكلِّمَ فيه إنما يَذكُرُ ما لكلِّ واحدٍ من غيرِ إرجاعٍ والذي يُرجِعُ ما لكلِّ واحدٍ إليه إنما هو السامعُ بذِهنِه.
(1) (كقولِه) أي: المتلمِّسِ جريرِ بنِ عبدِ المسيحِ.
(2) (ولا يُقيمُ) أي: لا يَتَوَطَّنُ.
(3) (على) بمعنى مع.
(4) (ضَيْمٍ) أي: ظُلْمٍ.
(5) (يُرادُ به) الضميرُ في به عائدٌ على المستثْنَى منه المقدَّرِ العامِّ أي: لا يَتوطَّنُ أحدٌ مع ظلْمٍ يُرادُ ذلك الظلمُ بذلك الأحدِ.
(6) (إلا الأَذَلاَّن) تثنيةُ الأذَلِّ بَدَلٌ من العامِّ المقدَّرِ.
(7) (عَيْرُ الحيِّ) العَيْرُ الحمارُ الوحشيُّ, أو الأهليُّ, وهو المناسِبُ هنا لإضافتِه إلى الحيٍّ.
(8) (والوتَدِ) بكسْرِ التاءِ الفوقيَّةِ وفتحِها.
(9) (هذا) أي: عَيْرُ الحيِّ يعني الحمارُ الأهلىُّ.
(10) (على) بمعنى مع.
(11) (الخسْفِ) أي: الذُّلِّ.
(12) (مربوطٌ برُمَّتِه) هي قطعةُ حَبْلٍ باليَةٍ أي: هذا على الذُّلِّ مربوطٌ بقطعةِ حبْلٍ بالِيَةٍ يَسهُلُ الخلاصُ معها عن الربْطِ.
(13) (وذا) أي: الوتَدُ.
(14) (يُشَجُّ) أي: يُشَقُّ رأسُه ويُدَقُّ.
(15) (فلا يَرْثِي) أي: فلا يَرِقُّ ولا يَرْحَمُ.
(16) (له أحَدٌ) فذَكَرَ الشاعرُ العَيرَ والوتَدَ ثم أَرجَعَ إلى الأوَّلِ ما له وهو الربْطُ مع الْخَسْفِ وإلى الثاني ما له وهو الشَّجُّ على جِهَةِ التعيينِ.
(17) (وإما ذكْرُ أحوالِ الشيءِ) بعد ذكْرِه.
(18) (مضافاً) أي: حالَ كونِ تلك الأحوالِ قد أُضيفَ.
(19) (إلى كلٍّ منها ما يَليقُ به) وهذا الإطلاقُ مغايِرٌ للتقسيمِ بالإطلاقِ الثاني آنِفاً؛ لأن الإطلاقَ الثاني أن يُذكَرَ متعدِّدٌ أوَّلاً, ثم يُضافَ لكلٍّ ما يُناسِبُه على التعيينِ بخلافِ ما هنا؛ فإنه يَذكُرُ المتعدِّدَ, ويَذكُرُ مع كلِّ واحدٍ ما يُناسِبُه.
(20) (كقولِه) أي: قولِ أبي الطيِّبِ المتنبِّي:
(21) (سأطلبُ حقِّي بالقَنَا) بالقافِ والنونِ جمْعُ قَناةٍ وهي الرُّمْحُ.
(22) (و) بـ
(23) (مشايخٍ) أي: كُهَّلٍ من ذكورِ قَوْمي.
(24) (كأنهم من طُولِ ما التَثَمُوا) أي: ما شَدُّوا اللِّثامَ حالةَ الحربِ, وفي هذا إشارةٌ إلى كثرةِ حربِهم.
(25) (مُرْدٌ) جمْعُ أمْرَدَ أي: رجالٌ لا لِحَى لهم, وقيلَ: إن طولَ اللِّثامِ عبارةٌ عن لزومِهم زيَّ الكُبراءِ وأهلِ المروءةِ.
(1) (ثِقالٌ) على الأعداءِ من شدَّةِ شَوْكتِهم.
(2) (إذا لاقَوْا) أي: حاربوا.
(3) (خِفافٌ) جمْعُ خَفيفٍ, أي: مسرعين إلى الإجابةِ.
(4) (إذا دُعُوا ) إلى كفايةِ مُهِمٍّ أو دفاعِ مُلِمٍّ.
(5) (كثيرٌ إذا شَدُّوا) بفتحِ الشينِ المعجَمةِ أي: حَمَلُوا على الأعداءِ؛ لأن الواحدَ منهم يقومُ مقامَ الجماعةِ في النِّكايةِ فحُكْمُ ما كان منهم حكْمُ الكثيرِ في الإفادةِ.
(6) (قليلٌ إذا عُدُّوا) لأن أهلَ النَّجدَةِ والإفادةِ مثلَهم في غايةِ القِلَّةِ فذَكَرَ الشاعرُ المشائخَ أوَّلاً ثم ذَكَرَ أحوالَهم من الثقَلِ والخِفَّةِ والكثرةِ والقلَّةِ وأضافَ إلى كلِّ حالٍ منها ما يَليقُ بها فأضافَ إلى الثقَلِ حالَ الملاقاةِ, وإلى الخفَّةِ حالَ الدعوةِ للإجابةِ وإلى الكثرةِ حالَ الشَّدَّةِ وإلى القِلَّةِ حالَ العَدِّ, ولا يَخْفَى ما اشتَمَلَ عليه هذا التقديمُ من الطِّباقِ بذِكْرِ القلَّةِ والكثرةِ والخفَّةِ والثِّقَلِ؛ إذ بينَ كلِّ اثنين منها تَضادٌّ.