القارئ: وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كان رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله .
الشيخ: دلالة الحديث الأول وهو قولها: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله دلالته أنه يبدأ بغسل الميامن قبل غسل المياسر , فتقدَّم اليد اليمنى في الوضوء على اليسرى , وتغسل الرجل اليمنى قبل اليسرى , هكذا كان عَلَيْهِ الصلاة والسلام يفعل ؛ وذلك لأنه يحب التيمن .
والتيمن مشتق مِنَ اليمن , اليمن: هو البركة وكثرة الخير , فاليمين مقدمة على اليسار , ولذلك فضل الله أصحاب اليمين وجعلهم أهل السعادة . وأصحاب الشمال جعلهم أهل الشقاوة .
في هذا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحب التيمن في الأمور الفاضلة , ففي طهوره يبدأ بغسل الميامن , في الوضوء يغسل اليمنى قبل اليسرى مِنَ اليدين والرجلين , وفي الاغتسال يبدأ بغسل شقه الأيمن قبل الأيسر , وكذلك في لبس النعل , في تنعله لبس النعل أو الخف كان يلبس اليمنى قبل اليسرى , النعل اليمنى أو النعل اليسرى يقدمها في اللبس قبل اليسار.
هكذا ثبت عَنْهُ أنه قَالَ: ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين)) يعني إذا لبس وإذا خلع فليبدأ بالشمال , ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تخلع , وإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى , وإذا خرج أخر رجله اليمنى ؛ لتكون اليمنى أول ما يدخل وآخر ما يخرج , وإذا دخل بيته قدم اليمنى , وإذا خرج أخر اليمنى لتكون اليمنى أول ما يدخل في البيت فهو أشرف مِن السوق ونحوه , وإذا دخل بيت الخلاء ونحوه قدم اليسرى , وإذا خرج أخر اليسرى ؛ لتكون اليمنى آخر ما يدخل وأول ما يخرج ؛ وذلك لأنه مكانا مستقذر فتكرم فِيهِ اليمنى .
كذلك أيضا في ترجله ، ترجله: يعني تسريح شعره , كان لَهُ شعر يبلغ إلى شحمة الأذن أو إلى العاتق , وكان يرجله يعني يسرحه يغسله مثلا , وقد يرجله فيبدأ بغسل الأيمن قبل الأيسر وبترجيل أي تسريح الأيمن قبل الأيسر .
وهكذا أيضا في لبس الثوب يلبس مثلا ..أو يدخل كم اليمنى قبل اليسرى , وكذا في السراويل وأشباه ذلك , لا شك أن القصد مِنْ ذلك كله تكريم اليد اليمنى .
وهكذا أيضا في الأكل: شرع الأكل باليمنى ؛ وذلك لأنها محل اليمن والبركة والخير , وأمر بالمصافحة باليد اليمنى , وكذلك الأخذ والإعطاء فقال عَلَيْهِ السلام: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه , وإذا شرب فليشرب بيمينه ؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)) , وكان أيضا يأخذ بيمينه ويعطي بيمينه ويصافح بيمينه , كل ذلك لأجل تفضيل هذه اليمنى , وجعلَ اليد اليسرى للأشياء المستقذرة فنهى أن يستنجى باليمين , وسيأتينا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح مِنَ الخلاء بيمينه)) بل جعل ذلك لليد اليسرى ؛ لأن هذا شيء مستقذر .
فاليمين مشتقة مِنَ اليمن وهو البركة وكثرة الخير , فالشرع جاء بتقديم اليمين في الأشياء المحبوبة , وجاء بجعل الشمال في الاشياء المستقذرة كالاستنجاء وكذلك الاستجمار والامتخاط وإزالة الأقذار وما أشبه ذلك تزاول بالشمال .
وكل منهما يد ولكن اليمنى تقدم تفاؤلا باليمن وبالبركة وبالخير , فينكر على الذين يستعملون اليسار , قد أنكر النبي عَلَيْهِ السلام على رجل رآه يأكل بشماله فقال: ((كل بيمينك)) قَالَ: لا أستطيع فقال: ((لا استطعت ما منعه إلا الكبر)) فعوقب , أجيبت دعوته عَلَيْهِ السلام فِيهِ بأن لم يستطع بعد ذلك أن يستعمل يمينه في الأكل عقوبة لَهُ لما أنه امتنع وتكبر عَن الأكل باليمين .
وقد رأينا وسمعنا كثيرا مِنَ الذين خالفوا هذه السنة والشريعة فصاروا يأكل أحدهم ويشرب بشماله ولا يبالي بالإرشادات النبوية , وربما أيضا أن بعضهم يفضل العمل بها ويدعو إلى ذلك , ويذكر أن الذين يعملون بالشمال أنهم نجحوا في أعمالهم وأنهم وأنهم .
ولا شك أن هذه مصادمة للشريعة وطعن في الإسلام وطعن في تعاليم الإسلام , فعلى المسلم أن يتجنب أولئك وأن يعمل بالشريعة مهما استطاع .
ونعرف أن هذا مِنَ السنن , يعني تقديم اليمين على اليسار في الوضوء مِنَ السنن والمكملات , وإلا فلو قدر أنك غسلت يسارك قبل اليمين ارتفع الحدث ولم تؤمر بالإعادة سواء في اليدين أو في الرجلين , ولكنك تركت الأفضل وتركت السنة , فالسنة والأفضلية تقديم اليمين كما تقدم في سائر الأشياء المحبوبة .