حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
البابُ الخامسُ(1)
في الوصلِ والفصلِ(2)
الوصلُ عطْفُ جملةٍ على(3) أخرى(4)،
والفصلُ ترْكُه(5) والكلامُ هنا(6) قاصِرٌ على العطْفِ بالواوِ(7)؛ لأن العطفَ بغيرِها(8) لا يَقعُ فيه اشتباهٌ(9), ولكلٍّ من الوصلِ بها والفصلِ(10) مواضعُ(11).
_______________________
قال الشيخ محمد ياسين بن عيسى الفاداني:
(1) البابُ الخامسُ
من الأبوابِ الستَّةِ (2) (في الوصلِ والفصلِ) قال أبو عليٍّ الفارسيُّ: هذا البابُ مرجِعُ البلاغةِ؛ لأنَّ في قوَّةِ مُدْرِكِه الصلاحِيَّةَ لإدراكِ ما سِواه، ولصعوبتِه من جهةِ استخراجِ الجهةِ الجامعةِ في حالةِ الوصْلِ؛ إذ يتوقَّفُ على معرفةِ هل بينَ الجملتين كمالُ الانقطاعِ، أو كمالُ الاتِّصالِ، أو شِبهُ كلٍّ منهما، أو التوسُّطُ.
(3) (الوصلُ عطْفُ جملةٍ على) جملةٍ.
(4) (أخرى) والمرادُ به ما يَشْمَلُ العطْفَ الواقعَ بينَ الجُمَلِ المتعدِّدةِ كعطفِ جملتين على جملتين فإنه ربما لا تَتناسَبُ جمَلٌ أربعٌ مترتِّبةٌ بحيثُ تُعْطَفُ واحدةٌ على ما قبلَها, بل تَتناسَبُ الأُولَيَانِ والأُخْرَيَانِ فيُعْطَفُ كلُّ اثنتينِ أوَّلاً, ويُعطَفُ الأُخْرَيَانِ على الأُولَيَيْن لمناسبةِ مجموعِ الأُخْرَيَيْن لمجموعِ الأُولَيَيْنِ.
(5) (والفصلُ تركُه) أي: ترْكُ عطْفِ جملةٍ على جملةٍ. قال ابنُ يعقوبَ: والمرادُ به ترْكُ العطْفِ حالَ إمكانِه لفظاً مع بقاءِ الكلامِ على حالِهِ, ولا يَتأتَّى ذلك إلا في جملةٍ مذكورةٍ بعدَ أُخرى ا هـ. ومن تعريفِ الوصلِ والفصلِ عُلِمَ أنهما دَائرَانِ بينَ الجملتين في اصطلاحِهم. نعم يُطْلَقُ كلٌّ منهما على ما هو أَعمُّ فيَجْرِيان بينَ الجملتين سواءٌ كان للأُولَى مَحَلٌّ من الإعرابِ, أمْ لا, ويَجْرِيان بينَ المُفْرَدَين, بل وبينَ الجملةِ والمفردِ.
(6) (والكلامُ هنا) أي: في هذا الكتابِ.
(7) (قاصِرٌ على العطْفِ بالواوِ, أي: عطْفِ الجملةِ الثانيةِ على الجملةِ الأُولَى بالواوِ خاصَّةً؛ لأنك لا تَصِلُ بينَ الجملتين إلا إذا كان جامِعٌ بينَهما, فيُشتَرَطُ في العطْفِ أن تكونَ بينَهما جِهَةٌ جامِعةٌ, وهذا خاصٌّ بالواوِ؛ لأنها لمطلَقِ الجمْعِ, ولا يَحْسُنُ العطفُ بها حتى يُرَاعَى ما هو أخصُّ جامِعًا بينَهما, ولم يَتَعَدَّ الكلامُ هنا إلى العطفِ بغيرِ الواوِ.
(8) (لأن العطْفَ بغيرِها) أي: بغيرِ الواوِ من كلِّ ما يدُلُّ على التشريكِ في الحصولِ الخارجيِّ.
(9) (لا يَقعُ فيه اشتباهٌ) لأن غيرَها يُفيدُ معانيَ مخصوصةً فإذا تحقَّقَ معنًى منها وقُصِدَ التشريكُ حَسُنَ العطفُ بالحرفِ الدالِّ عليه, وإن لم تُوجَدْ جهةٌ جامعةٌ غيرُ التشريِكِ. وأيضاً الكلامُ هنا قاصِرٌ على العطفِ بينَ الجملتينِ اللتينِ لا مَحَلَّ لهما مِن الإعرابِ؛ لأنَّ التي لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ تُعتبَرُ نِسبتُها وما يَتعلَّقُ بها مِن المفرداتِ فإذا عَطَفْتَ بالواوِ بينَهما قَصدْتَ النصَّ على اجتماعِهما في الواقعِ ولا يَحْسُنُ ذلك إلا إذا كان بينَهما جامِعٌ, وهو التوسُّطُ بينَ الكمالَيْنِ بلا إِيهامٍ أو كمالِ الانقطاعِ مع الإيهامِ، وإلا فلا يَحْسُنُ لعدَمِ وجودِ الجامعِ بينَهما، واستخراجُ هذا الجامعِ يَتوقَّفُ على معرفةِ ما يأتي مِن الأحوالِ الستَّةِ بخلافِ ما إذا كانت الجملةُ الأُولَى لها مَحَلٌّ من الإعرابِ فإنها لا تُعْتَبَرُ نِسبَتُها, وتكونُ بمنزِلَةِ المفرَدِ فإذا قَصَدْتَ تشريكَ الثانيةِ لها في الحكْمِ, وعطَفْتَها عليها بالواوِ فإنه لا يَحْسُنُ إلا إذا وُجِدَ جامعٌ بينَهما, ولا يَتوقَّفُ استخراجُه عَلَى ما يأتي
(10) (ولكلٍّ من الوصلِ بها والفصْلِ) أي: بالواوِ بينَ الجملتينِ اللتينِ لا مَحَلَّ لهما مِن الإعرابِ.
(11) (مواضعُ) جميعُها سبعةٌ؛ موضعانِ منها للوصْلِ, وخمسةٌ منها للفصْلِ، والضابِطُ في ذلك أن الجملتين إما أن يَحْصُلَ إيهامٌ خلافَ المقصودِ بفصْلِ إحداهما عِن الأخرى، أو بوصلِها دونَ فصلِها أو بهما معًا أو لا يَحْصُلُ بواحدٍ مِنهما، فالاحتمالاتُ أربعةٌ، فإن حصَلَ إيهامٌ خلافَ المقصودِ بالفصْلِ وَجَبَ الوصْلُ, ويُسَمَّى كمالَ الانقطاعِ مع الإيهامِ، وإن حَصَلَ إيهامٌ خلافَ المقصودِ بالوصلِ فُصِلَتْ سواءٌ كان الإيهامُ؛ لأن عطْفَها على الأخرى يُوهِمُ العطْفَ على غيرِها, ويُسَمَّى شِبْهَ كمالِ الانقطاعِ، أو كان لأن لإحدى الجملتين حُكْماً لا تُرِيدُ أن تُعطِيَه للأخرى ويُقالُ له: توسُّطٌ بينَ الكمالين مع الإيهامِ, وإن حصَلَ الإيهامُ بكلٍّ منهما فعلى البليغِ أن يَنْظُرَ في ذلك ويَدفعَ أقوى الضرَرَيْن بأَخَفِّهما, وإن لم يَحْصُلْ إيهامٌ بواحدٍ مِن الأمرين, فإما أن يكونَ جامِعٌ- أي: تَنَاسُبٌ معنوِىٌّ- أو لا, فإذا كان ما بينَهما اتِّحاداً تامًّا, ويُسَمَّى كمالَ الاتِّصالِ, أو تبايُناً تامًّا, ويُسَمَّى كمالَ الانقطاعِ, فيَجبُ الفصلُ بينَهما، وإن كان توسُّطاً فإما أن تكونَ الثانيةُ في منزلةِ جوابِ سائلٍ فيَجِبُ الفصْلُ, ويُسمَّى شِبْهَ كمالِ الاتِّصالِ أو لم تكنْ في منزلةِ جوابٍ فيجبُ الوصْلُ, ويُسمَّى توسُّطاً بينَ الكمالين, أي: مع عدَمِ الإيهامِ، وإن لم يكنْ جامعٌ فيَجِبُ الفصْلُ, ويُسمَّى كمالَ الانقطاعِ, وظهَرَ من هذا أنَّ كمالَ الانقطاعِ صورتان يَجِبُ فيهما الفصْلُ, وأن التوسُّطَ بينَ الكمالين صورتان أيضاً يَجِبُ الوصْلُ في صورةِ ما إذا كان بينَهما جامِعٌ ولا إيهامٌ، ويَجِبُ الفصْلُ في صورةِ ما إذا أُوهِمَ خلافَ المقصودِ بالوصْلِ. وأما حكْمُ الوصْلِ والفصْلِ في المفْرَدَيِن, وكذا في الجملتينِ اللتينِ لهما مَحَلٌّ من الإعرابِ, فيُعلَمُ من حُكْمِ الجملتينِ اللتينِ لا مَحَلَّ لهما, وهو أنه إذا أمْكَنَ من جهةِ الصناعةِ عطْفُ أحدِهما على الآخَرِ بالواوِ، فإن كان بينَهما جامِعٌ وَصَلْتَها نحوُ قولِه تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} لِمَا بينَ كلِّ لفظين منها مِن التقابُلِ فوُصِلَ لدفْعِ توَهُّمِ عدَمِ اجتماعِهما ونحوُ قولِك: خالدٌ يَكتُبُ ويُشْعِرُ. لِمَا بينَ الكتابةِ والشِّعْرِ من التناسُبِ الظاهِرِ؛ إذ كلٌّ منهما إنشاءُ كلامٍ، وإن لم يكنْ جامعٌ فصَلْتَهما نحوُ قولِه تعالى: { هُوَ اللهُ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} ونحوُ قولِك: خالدٌ يَكتبُ ويَمنعُ العطاءَ. نعم الأحسَنُ في الأخبارِ والصفاتِ المتعدِّدَةِ ترْكُ العطفِ ما لم يكنْ إيهامُ التضَادِّ فالعطفُ بخلافِ الجملتينِ المذكورتينِ فإنه إذا قُصِدَ تشريكُ الثانيةِ للأُولَى وَجَبَ العطفُ، والفرقُ أنَّ الصفاتِ المفرَدةَ كالشىءِ الواحدِ من الموصوفِ لعدَمِ استقلالِها بخلافِ الجُمَلِ فإنها لاستقلالِها لا يدُلُّ على تَعلُّقِها بما قبلَها إلا العطْفُ فتدَبَّرْ.