47 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ ضعيفٌ.
قالَ المُؤَلِّفُ: أَخْرَجَه أبو داودَ بإسنادٍ ضعيفٍ. وقالَ في التلخيصِ الحَبِيرِ: فيه ليثُ بنُ أبي سُلَيْمٍ، وهو ضعيفٌ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: يَقْلِبُ الأسانيدَ ويَرْفَعُ المراسيلَ ويأتي عن الثِّقاتِ بما ليسَ مِن حديثِهم، تَرَكَه ابنُ القَطَّانِ وابنُ مَعِينٍ وأحمدُ. وقالَ النوويُّ في تهذيبِ الأسماءِ: اتَّفَقَ العلماءُ على ضعفِه.
مفرداتُ الحديثِ:
- يَفْصِلُ: يقالُ: فَصَلَ يَفْصِلُ فَصْلاً – من بابِ ضَرَبَ – والفَصْلُ: هو التفريقُ بينَ شيئيْنِ، ومعنى فِعْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يُفَرِّقُ بينَ المضمضةِ والاستنشاقِ، فيَأْخُذُ ماءً للمضمضةِ ثمَّ يَأْخُذُ ماءً جديداً للاستنشاقِ.
- بَيْنَ: ظرفٌ مُبْهَمٌ، لا يَتَبَيَّنُ معناه إلاَّ بإضافتِه إلى اثنيْنِ فصاعداً، كهذا الحديثِ، وقد تُزادُ الألفُ لإشباعِ الفتحةِ، فتكونُ (بَيْنَا) كما جاءَ في حديثِ أبي هُرَيْرَةَ في قِصَّةِ أَيُّوبَ عليه السلامُ: ((بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ)). وقدْ تُزادُ فيه (ما) فيكونُ (بَيْنَمَا)، فإذا أُشْبِعَ، أو معَ الإشباعِ زِيدَتْ فيه (مَا)، فحينَئذٍ يكونُ ظَرْفَ زمانٍ بمعنى المفاجأةِ.
48 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثاً، يُمَضْمِضُ ويَنْثُرُ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَاءَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ صحيحٌ.
ذَكَرَ المؤلِّفُ في التلخيصِ رواياتِ المضمضةِ والاسْتِنْثارِ مِن كفٍّ واحدٍ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّها في مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ (626، 874)، وفي سُنَنِ ابنِ ماجَهْ (2405)، والروايةَ الثالثةَ التي معَنا في هذا الحديثِ، وذَكَرَ روايةً رابعةً, التي أُفْرِدَ فيها المضمضةُ عن الاستنشاقِ، تلكَ الروايةَ التي أَنْكَرَهَا ابنُ الصَّلاَحِ، ولكنَّ المُؤَلِّفَ أَيَّدَها بقولِه: قلتُ: رَوَى ابنُ السَّكَنِ في صِحاحِه عن شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قالَ: شَهِدْتُ عليًّا وعثمانَ تَوَضَّأَا ثلاثاً ثلاثاً، وأَفْرَدَا المضمضةَ مِن الاستنشاقِ، ثمَّ قالا: هكذا رَأَيْنَا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ. فهذا صريحٌ في الفصلِ، فبَطَلَ إنكارُ ابنِ الصلاَحِ، فإسنادُ الحديثِ صحيحٌ، ومِمَّن صَحَّحَه ابنُ المُلَقِّنِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- الْكَفُّ: مُؤَنَّثٌ، وهي من الكُوعِ إلى أطرافِ الأصابعِ، والمرادُ مِن غَرْفَةٍ واحدةٍ مِن الماءِ.
- تَمَضْمَضَ: يُقالُ: مَضْمَضَ يُمَضْمِضُ مَضْمَضَةً: حَرَّكَ الماءَ بإرادتِه في فَمِهِ.
- اسْتَنْثَرَ: يُقالُ: نَثَرَ يَنْثُرُ نَثْراً، مِن بابِ قَتَلَ وضَرَبَ، والاسْتِنْثارُ: إخراجُ الماءِ من الأنفِ بعدَ الاستنشاقِ الذي هو إيصالُ الماءِ إلى جوفِ الأنفِ.
49 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثاً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- كَفٍّ وَاحِدٍ: الْكَفُّ: هي من الكوعِ إلى أطرافِ الأصابعِ، جَمْعُه: كُفُوفٌ وأَكُفٌّ؛ ولكونِ تأنيثِه مجازيًّا جازَ نَعْتُه بلفظِ (واحِدٍ).
ما يُؤْخَذُ مِن الأحاديثِ الثلاثةِ:
1- حديثُ طَلْحَةَ يَدُلُّ على استحبابِ الفصلِ بينَ المضمضةِ والاستنشاقِ؛ وذلك بأنْ يَأْخُذَ لكلِّ واحدٍ ماءً جديداً؛ ليكونَ أَبْلَغَ في الإسباغِ والإنقاءِ.
2- حديثُ عليٍّ يَدُلُّ على استحبابِ المضمضةِ والاستنشاقِ مِن كفٍّ واحدةٍ بثلاثِ غَرَفَاتٍ؛ مُراعاةً للاقتصادِ في ماءِ الوضوءِ؛ ولأنَّ الفمَ والأنفَ جُزْآنِ مِن عُضْوٍ واحدٍ، وهو الوجهُ.
3- وحديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ يَدُلُّ على استحبابِ المَضْمَضَةِ والاستنشاقِ مِن كفٍّ واحدةٍ بثلاثِ غَرَفَاتٍ أيضاً.
4- أحسنُ تَوْجِيهٍ للجَمْعِ بينَ هذه النصوصِ هو إعمالُها وحَمْلُها على تَعَدُّدِ الأحوالِ واختلافِ الصفاتِ معَ كلِّ مرَّةٍ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: وكانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ تارَةً بغَرْفَةٍ، وتارَةً بغرفتيْنِ، وتارَةً بثلاثٍ، وكانَ يَصِلُ بينَ المضمضةِ والاستنشاقِ، فيَأْخُذُ نِصْفَ الغَرْفَةِ لفَمِه ونِصْفَها لأَنْفِه، ولا يُمْكِنُ في الغَرْفِ إلاَّ هذا. ولم يَجِئِ الفَصْلُ بينَ المضمضةِ والاستنشاقِ في حديثٍ صحيحٍ ألبتَّةَ، ولفظُ أبي داودَ: (مَضْمَضَ مِن الكَفِّ الذي يَأْخُذُ فيه الماءَ)، ولفظُ النَّسَائِيِّ: (مَضْمَضَ مِن الكفِّ الذي يَأْخُذُ به الماءَ).
أما حديثُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ فلم يُرْوَ إلاَّ عن أبيه، عن جَدِّه، ولا يُعْرَفُ لجدِّه صُحْبَةٌ. ا هـ.
قالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ العلماءُ على ضَعْفِه. وقالَ الحافِظُ: إسنادُه ضعيفٌ.ا هـ.
وبهذا فيكونُ ما وَرَدَ من الصفاتِ هو:
1- أنْ يُمَضْمِضَ ويَسْتَنْشِقَ ثلاثَ مَرَّاتٍ مِن ثلاثِ غَرَفَاتٍ، وهذا يُفْهَمُ من حديثِ عليٍّ وحديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ زيدٍ الذي في الصحيحيْنِ.
2- أمَّا حديثُ طَلْحَةَ: فإنه يَفْصِلُ بينَ المضمضةِ وبينَ الاستنشاقِ، فيَأْخُذُ لكلِّ واحدةٍ غَرْفَةً، ولكِنَّهُ لم يُبَيِّنْ عددَ الغَرَفَاتِ.