وقال الأسود بن يعفر النهشلي
1: نام الخلي وما أحس رقادي.......والهم محتضر لدي وسادي
(الخلي): الخالي من الهمو ويقال في مثل: ويل للشجي من الخلي، الشجي: الحزين شجاني الشيء يشجوني حزنني، وقوله (ما أحس) أي ما أجد منه أثرًا يقال أحسست الخبر وحسسته وحسيت به، ولم يرفع أبو عكرمة نسبه ونسبه أبو جعفر وغيره لي فقالوا: هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وكان الأسود أعشى وهو أحد العشو.
وحدثني عبد الله بن عمرو قال: حدثني الحكم بن موسى بن الحسين السلولي قال: حدثني أبي قال: بينا نحن بالرافقة على باب الرشيد وقوف وما نفقد أحدًا من وجوه العرب ولا أشرافها من أهل الجزيرة والشأم وأهل العراق إذ خرج وصيف كأنه درة فقال: يا معشر الصحابة إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: من كان منكم ينشد قصيدة الأسود بن يعفر النهشلي:
نام الخلي وما أحس رقادي.......والهم محتضر لدي وسادي
فليدخل فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلاف، قال فنظر بعضنا إلى بعض فلم يكن فينا أحد يرويها، قال: فكأنما سقطت البدرة عن قربوسي، قال الحكم بن موسى: وأمرني أبي فرويت شعر الأسود من أجل هذا الحديث.
2: من غير ما سقم ولكن شفني.......هم أراه قد أصاب فؤادي
(شفني): جهدني فأنا مشفوف والفاعل شاف ويروى أراني بالنصب ويروى (سقم).
3: ومن الحوادث لا أبا لك أنني.......ضربت على الأرض بالأسداد
أي سدت علي الأرض للضعف والكبر أي عمي علي أمري فصرت لا اتجه جهته فكأن المسالك مسدودة علي، و(الأسداد) جمع سد. غيره: سد واحد الأسداد وجمع أسداد سدود وسد مصدر وسد اسم وقال: إنما قال ذلك لأنه كان قد عمي، قال الله عز وجل: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا} وقرأها أبو عمرو (سُدًا)، السد بالفتح الحاجز بين الشيء والشيء والسد في العين أن لا يرى الشيء ولذلك قرأ أبو عمرو في الكهف (سَدًا وسَدًا) بالفتح جميعًا واللتين في يس قرأهما بالضم.
4: لا أهتدي فيها لموضع تلعة.......بين العراق وبين أرض مراد
مراد باليمن وهم يحابر، (التلعة): مسيل ماء عظيم، فإذا عظمت التلعة فهي ميثاء، وإذا صغرت التلعة فهي شعبة، يقول فإذا خفيت علي التلعة فما دونها أجدر أن يخفى علي.
وقوله (بين العراق وبين أرض مراد) أي بين العراق وبين اليمن، ويروى لمدفع تلعة بين العذيب، وقال: (التلعة) المسيل من الرابية إلى الوادي والرياض.
5: ولقد علمت سوى الذي نبأتني.......أن السبيل سبيل ذي الأعواد
ويروى (أنبأتني)، قال أبو عبيدة: (ذو الأعواد) جد أكثم بن صيفي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، كان معمرًا وكان من أعز أهل زمانه، فاتخذت له قبة على سرير فلم يكن خائف يأتيها إلا أمن ولا ذليل إلا عز ولا جائع ألا شبع. فيقول: لو أغفل الموت أحدًا لأغفل ذا الأعواد وأنا ميت إذا مات مثله.
ويقال أراد (بذي الأعواد) الميت لأنه يحمل على سرير أي أني ميت كما مات غيري، وذلك أنها قالت له تبقى وتعيش فقال هذا إن بقيت فسبيلي سبيل غيري.
6: إن المنية والحتوف كلاهما.......يوفي المخارم يرقبان سوادي
(يوفي): يعلو أوفيت على الجبل علوت. (المخارم): جمع مخرم وهو منقطع أنف الجبل والغلظ، يريد أن المنية والحتوف ترقبه وتستشرفه، و(سواده) شخصه، كأنه رجع إلى الحتف فقال: (إن المنية والحتف يرقبان سوادي).
كما قال الأعشى: فإن الحوادث أزرى بها.
7: لن يرضيا مني وفاء رهينة.......من دون نفسي طارفي وتلادي
يريد أن المنية والحتوف لا تقبل منه فدية إنما تطلب نفسي، فسر الرهينة ما هي فقال (طارفي وتلادي).
و(الطارف): ما استفاده الرجلو التالد والتليد ما ورثه عن آبائه وكان له قديمًا، قال الأصمعي: قولهم التلاد هو ما ولد عندهم، فأبدلت الواو تاءً كان الأصل ولادًا فقالوا تلادًا كما قال تخمة والأصل وخمة من الوخامة وتصلة والأصل من الوصلة وتراث والأصل وراث وكذلك تجاه وهو من واجهته ومن ذلك قول العجاج:
فإن يكن أمسي البلى تيقوري
والأصل ويقوري وهو فيعول من الوقار ومن ذلك قوله: متخذًا من عضوات تولجًا، والأصل وولجا لأنه من ولج يلج، وقال بعض أهل العربية: إن توارة أصلها ووراة فوعلة من وريت النار فصيرت الواو الأولى تاء.
ولم ينشد أبو عكرمة من بيت الراجز غير تيقوري وفسره أبو نصر فقال: أي صيرني البلى إلى الوقار وقال أحمد: المعنى فإن يكن البلى قد وقرني أي جعلني وقورًا وإنما يعني الكبر، قوله (رهينة) أي رهينة تكون مني وفاءً دون أن يأخذ نفسي، ثم بين الرهينة فقال (طارفي وتلادي).
8: ماذا أؤمل بعد آل محرق.......تركوا منازلهم وبعد إياد
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، وقال محمد بن حبيب: عنى محرقًا الغساني وكأنما أغار هو وأخوه في إياد وطوائف من العرب من تغلب وغيرهم على بني ضبة بن أد وهم ببزاخة فاستاقا النعم. فأتى الصريخ بني ضبة فركبوا وأدركوه فاقتتلوا قتالاً شديدًا، ثم إن زيد الفوارس حمل على محرق فاعتنقه فأسره، وأسروا أخاه أسره حبيش بن دلف السيدي، فقتلتهما بنو ضبة وكان يقال لأخي محرق فارس مردود، وهزم القوم وأصيب منهم أناس كثير، فقال في ذلك ابن القائف أخو بني ثعلبة ثم أحد بني معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة.
نعم الفوارس يوم جيش محرق = لحقوا وهم يدعون يال ضرار
زيد الفوارس كر وابنا منذر = والخيل أوجفها بنو جبار
حتى سموا لمحرق برماحهم = بالطعن بين كتائب وغبار
ولعمر جدك ما الرقاد بطائش = رعش بديهته ولا عوار
فهذا قول محمد بن حبيب وروايته وأما أبو جعفر أحمد بن الحسن الملقب محمد يس فإنه حدثنا عن سعدان أن محرقًا وزيادًا ابنا الحرث بن مزيقياء وهو عمرو بن عامر وقتل الحارث عامر بن ضامر أحد بني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، وقتل محرقًا وزيادًا زيد الفوارس بن حصين بن ضرار بن رديم، واسم رديم عمرو وإنما سمي رديمًا لأنه كان يحمل على بعيرين يقرن بينهما من ثقله. وإياد بن نزار بن معد بن عدنان، يقول: أتراني أبقى بعد هؤلاء على عظم قدرهم. وكان محرق وأخوه ملكين فقال فيهما الفرزدق يعني ضبة:
ومحرقًا صفدوا إليه يمينه.......بصفاد مقتسر أخوه مكبل
ملكان يوم بزاخة قتلوهما.......وكلاهما تاج عليه مكلل
9: أهل الخورنق والسدير وبارقٍ.......والقصر ذي الشرفات من سنداد
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا. وقال أحمد: (سنداد) نهر الحيرة و(الخورنق): موضع بالحيرة (والسدير): النخل. و(سنداد) الرواية بكسر السين إلا أن أحمد أنشدنيه بالفتح. وسألت ثعلبًا عنها فلم يعرف غير الكسر، وهو أسفل من الحيرة بينها وبين البصرة.
10: أرضًا تخيرها لدار أبيهم.......كعب بن مامة وابن أم دؤاد
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، ويروى: أرضًا تحيرها لطيب مقيلها * كعب.
ويروى: أرض تخيرها لبرد مقيلها * كعب بن أمامة إيادي.
هو أحد الأجواد والثاني حاتم طيء والثالث هرم بن سنان.
قال أحمد: ابن أم دؤاد يعني أبا دؤاد الإيادي.
11: جرت الرياح على مكان ديارهم.......فكأنما كانوا على ميعاد
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، ويروى: (على محل ديارهم)، ويروى: فكأنهم (كانوا).
12: ولقد غنوا فيها بأنعم عيشةٍ.......في ظل ملكٍ ثابت الأوتاد
(غنوا): أقاموا ويقال غنينا بمكان كذا وكذا إذا أقاموا به فأنا أغنى والموضع الذي يقيمون فيه المغنى، قال حاتم:
غنينا زمانًا بالتصعلك والغنى.......فكلاً سقاناه بكأسيهما الدهر
13: نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم.......ماء الفرات يجيء من أطواد
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا ويروى (بأنقرة) وهي مكان بالشأم و(الأطواد) الجبال واحدها طود.
14: فإذا النعيم وكل ما يلهى به.......يومًا يصير إلى بلىً ونفاد
غيره يروي: فأرى (النعيم).
15: في آل غرفٍ لو بغيت لي الأسى.......لوجدت فيهم إسوة العداد
(الأسى) الأمثال يقال إسوة وأسوة، وغيره: غرف هو مالك الأصغر بن حنظلة بن مالك الأكبر بن زيد مناة بن تميم، وقال أبو جعفر: (غرف) هو زيد مناة وقال ويروى: (العداد).
16: ما بعد زيد في فتاةٍ فرقوا.......قتلاً ونفيًا بعد حسن تآدي
قال أبو عبيدة: كان المنذر بن ماء السماء خطب على رجل من اليمن من أصحابه امرأة من بني زيد بن مالك بن حنظلة فأبوا أن يزوجوه إياها فنفاهم وفرقهم فنزلوا مكة.
وقوله (تآدي) أي بعد حسن أخذ أداة للزمن وهو قول الأصمعي، وقال غيره: هو تفاعل من الأيد و(الآد) وهما القوة والتخريج عن غير أبي عكرمة. ويقال امرأة من كهفٍ قال وكانت المرأة أم كهفٍ.
غيره: هو زيد بن مالك الأصغر بن حنظلة بن مالك الأكبر بن زيد مناة بن تميم.
قال أبو جعفر: هو زيد مناة بن تميم، قال الأصمعي في قوله في فتاةً فرقوا مثل قول أبي عبيدة.
17: فتخيروا الأرض الفضاء لعزهم.......ويزيد رافدهم على الرفاد
(الفضاء): الواسعة أي تخيروها قبل أن يصابوا. و(الرفد): المعونة. غيره: الرفد المعونة بلسانٍ وقرى. فيقول يزيد معينهم على كل معين وقال أبو عبيدة: (الرفد): القدح و(الرفد): المعونة.
18: إما ترئيني قد بليت وغاضني.......ما نيل من بصري ومن أجلادي
ويروى: قد فنيت. (غاضني): نقصني، وغاضت المياه إذا نقصت، ومنه قوله عز ذكره: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}، يقول غاض الزمن من لحمي وبدني أي نقص ويقال أعطاه غيضًا من فيض أي قليلاً من كثير.
و(أجلاده) خلقه وشخصه. غيره: يقال فلان عظيم الأجلاد وعظيم التجاليد وقد نحلت أجلاد فلان، قال المثقب العبدي:
ينبي تجاليدي وأقتادها.......ناوٍ كرأس الفدن المؤيد
19: وعصيت أصحاب الصبابة والصبا.......وأطعت عاذلتي ولان قيادي
غيره: ويروى:
وعصيت أصحاب البطالة والصبا.......وأطعت عاذلتي ولان قيادي
ويقال بطال بين البطالة بكسر الباء، قال أحمد: والبطل أيضًا، وبطل بين البطالة بفتح الباء، قالها أبو زيد وحكى عن بعضهم في البطل بين البطولة وقال البطالة أكثر وهم الأبطال. و(الصبابة): رقة الشوق، وقول الشماخ:
لقوم تصاببت المعيشة بعدهم.......أعز علي من عفاءٍ تغيرا
مأخوذ من (الصبابة)، قال يعقوب: أي أخذتها قليلاً بعدهم، وأصلها ما يبقى متعلقًا في الإناء إذا صب ما فيه فيكب الإناء ليقطر، فيقول لقوم صرت بعدهم في بقيةٍ من العيش وكنت في زمنهم في معظمه أعز علي وأعظم علي فقدًا من ابيضاض شعري، والعفاء للحمار، والظليم فضربه مثلاً ويقال لوبر البعير عفاء وقال أحمد: أصل الصبابة ما يقطر من الإناء بعد ما يشرب ما فيه، ويقال صبا إلى اللهو يصبو إذا مال إليه وصبى يصبي إذا فعل فعل الصبيان، وقبل قول العاذلة، وهو يتفجع على شبابه ولهوه ولعبه ويتشكى ما صار إليه من الكبر.
20: فلقد أروح على التجار مرجلاً.......مذلاً بمالي لينا أجيادي
قال: (أجياد): جمع جيد وأصل المذل القلق أي أقلق بمالي حتى أنفقه، وقال (أجيادي) وإنما له جيد واحد لأنه جمع الجيد بما حوله، كما قال المفارق وإنما له مفرق واحد.
غيره: قال الأصمعي: يقال فلان مذل بماله أي مسترخ بماله لين به وقال: أجد في مفاصلي أمذلالاً أي استرخاءً وقوله (لينًا أجيادي) أي: لم أكبر أنا شاب، وأنشد لحاتم:
فإن الكريم من تلفت حوله.......وإن اللئيم دائم الطرف أقود
ويروى: و(لقد أروح إلى التجار)، وقال (مرجلاً) أي مرجل الشعر. ويقال رجل أجيد وامرأة جيداء، ويقال (المذل) الضجر القلق وأنشد: وانسابت الحيات مذلي سربا، يصف شدة الحر، وإنه خرج الهوام من مواضعها والانسياب مر سهل ومنه سيبت الشيء من يدي، ومذلي أي مذلت بجحرتها فطابت أنفسها عنها وضجرت بها.
21: ولقد لهوت وللشباب لذاذة.......بسلافة مزجت بماء غوادي
(السلافة): خالص الشراب وأوله، ومنه قيل للمتقدمين من الجيش سلف. غيره: (السلافة) أول كل شيء عصرته و(السلافة) أيضًا المتقدمون ويروى وللشباب بشاشة وقد قال بعض أهل العربية: (السلافة): الخمر التي تخرج عفوًا من غير عصر. (بماء غوادي) بماء سحابة مطرت غدوًا.
22: من خمر ذي نطفٍ أغن منطقٍ.......وافى بها لدراهم الإسجاد
قال الأصمعي: (دراهم الإسجاد) دراهم الأكاسرة كانت عليها صور يكفرون لها ويسجدون. قال الأصمعي: وأنشدني أعرابي: وقلن له أسجد لليلى فأسجدا، وقال حميد بن ثورٍ:
فضول أزمتها أسجدت.......سجود النصارى لأحبارها
و(النطف) القرطة والقرطة جمع قرط، هذا قول أبي عكرمة. غيره: (النطف) جمع نطفة مثل شجرة وشجر.
وقال غير الأصمعي: (الأسجاد) يريد النصارى، أي أسجدتهم جزيتهم أي أذلتهم، وقال أحمد: قوله (لدراهم الإسجاد) أي جاء بها الخمار بعدما حال عليها الحول وهو وقت الجزية ومنطق غلام عليه نطاق.
23: يسعى بها ذو تومتين مشمر.......قنأت أنامله من الفرصاد
قال أبو عكرمة: (التومتان) اللؤلؤتان والجمع التوم، و(قنأت): اشتدت حمرتها حتى ضربت إلى السواد. و(الفرصاد): التوت، يريد أن ما في يديه من شدة الحمرة يشبه حمرة الفرصاد. وقال غيره: (التومة) مثل الدرة تعمل من فضة، و(قنأت): اسودت، يقول كأنه بمعالجته الحمر يعالج الفرصاد، ويقال قنأت لحيته تقنأ قنوءًا وأنشد لذي الرمة يصف النبت وكثرته ووقوع الندى عليه:
وحف كأن الندى والشمس ماتعة.......إذا توقد في أفنانه التوم
شبه الندى في بريقه وقد طلعت عليه الشمس ببريق التوم لصفائه.
24: والبيض تمشي كالبدور وكالدمى.......ونواعم يمشين بالأرفاد
كذا رواها أبو عكرمة و(البدور) جمع بدر، قال: وقال الأصمعي: سمي بدرًا لامتلائه يقال غلام بدر إذا امتلأ شبابًا قال ومنه سميت البدرة، وقال غيره سمي البدر بدرًا لأنه يبادر الشمس فيطلع عند مغيبها.
و(الأرفاد): جمع رفدٍ، غيره: ويروى: والحور تمشي قال: وهو جمع حوراء وهي الشديدة بياض بياض عينيها وكذلك السواد. وقال أبو جعفر: قوله (بالأرفاد) يريد بالأرداف فقلب.
ويروى: واللعس تمشي بالبدور والدمى، أبو جعفر: و(البيض ونواعم)، قال:
ولقد لهوت وللشباب لذاذة.......بسلافة وبالبيض وبنواعم.
25: والبيض يرمين القلوب كأنها.......أدحي بين صريمة وجماد
(الأدحي) الموضع تدحوه النعامة لتبيض فيه، وأصل الدحو الفحص في الأرض يقال دحا يدحو دحوًا، قال أوس بن حجر يذكر مطرًا:
يقشر وجه الحصى أجش مبترك.......كأنه فاحص أو لاعب داحي
وإنما شبه النساء (بالأدحي) لأنه صمد البيض الذي بالأدحي فسماه بمكانه (صمد وقصد واحد) والعرب تفعل ذلك كثيرًا تشبه الشيء ببعض أسبابه. و(الصريمة): القطعة من الرمل. و(الجماد): ما غلظ من الأرض.
(والبيض) في ذلك المكان العذي أي المكان المرتفع الظلف أحسن منه في غيره.
غيره: أراد كأنها البيض الذي يكون في الأداحي والأداحي مبيض النعامة جمع أدحي، وهو أفعول من دحوت لأنها تدحوه برجلها ثم تبيض فيه، وهو للقطاة أفحوص، قال: و(الصريمة): رملة تنقطع من معظم الرمل، و(الجماد) تجمع جمدًا وهو الموضع الغليظ المرتفع لم يبلغ أن يكون جبلاً.
26: ينطقن معروفًا وهن نواعم.......بيض الوجوه رقيقة الأكباد
أي: يتكلمن بالمعروف من القول ولا يقلن منكرًا، وقوله (رقيقة الأكباد) لم يرد الكبد بعينها إنما أراد الذي يليها من جنبها الظاهر إلى خصرها أراد نعمة ذلك الموضع، هذا قول أبي عكرمة، وقال أبو جعفر: (رقيقة الأكباد) حسان الأخلاق أوانس. ويقال فيهن لين ودماثة، ويروى غليظة الأكباد أي لا يسعفن بحوائجنا.
27: ينطقن مخفوض الحديث تهامسًا.......فبلغن ما حاولن غير تنادي
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، والأصل فيه أنهن يتكلمن قليلاً قليلاً، وخبرت عن الأصمعي أنه قال: يبلغن من الرجال ما أردن بأيسر سعيهن. ويقال (ما حاولن) ما طلبن من غير أن يشققن على أنفسهن.
ويقال (التهامس) نحو من السر لا ترفع صوتها به.
28: ولقد غدوت لعازبٍ متناذرٍ.......أحوى المذانب مؤنق الرواد
قال أبو عكرمة: أراد (بالمؤنق) كلأ و(العازب) المتنحي وقوله (متناذر) أي يتناذره الناس لخوفه و(المذانب): جمع مذنب والمذنب مسيل ماء ٍ صغير من الحرة إلى الوادي.
و(الأحوى) الذي اشتدت خضرته حتى ضرب إلى السواد، يريد النبت في المذنب. و(المؤنق): المعجب يقال آنقني الشيء إذا أعجبني، و(الرواد) جمع رائدٍ وهو الرجل يدور البلاد في طلب المرعى، ومنه قولهم الرائد لا يكذب أهله، غير أبي عكرمة: ويروى: (لعازبٍ) متحفرٍ. قال أبو جعفر: العازب غيث. متحفر يحفر عنه ينظر كم بلغ الغاية وهو كثير كأنه يطلب من يحفر عنه ليطلب منتهاه فلذلك كسرت الفاء وقوله (متناذر) لخوفه كما قال امرؤ القيس:
تحاماه أطراف الرماح تحاميًا.......وجاد عليه كل أسحم هطال
وقالت امرأة من العرب: يا حبذا الخلاء: ألبس خلقي وأرعى أنقي.
29: جادت سواريه وآزر نبته.......نفأ من الصفراء والزباد
أبو عكرمة: (الصفراء والزباد) ضربان من العشب. (وآزر) عاون و(النفأ): نبت له نورة بيضاء. غيره: (السواري): جمع سارية وهي السحابة تجيء ليلاً فتمطر ويقال (النفأ) القطع من النبت.
30: بالجو فالأمرات حول مغامرٍ.......فبضارجٍ فقصيمة الطراد
هذه كلها مواضع، ويروى حول مرامر. قال أبو عكرمة: هذه كلها مواضع كان فيها الكلأ الذي قصدوه. و(الطراد): القناص.
31: بمشمر عتدٍ جهيزٍ شده.......قيد الأوابد والرهان جواد
قال أبو عكرمة: (المشمر) الفرس الطويل القائم، (العتد) الذي عنده عدة للجري، ويقال عتد و(الجهيز): الكثير، و(الأوابد): الوحش الحمير والبقر والظباء وقوله (قيد الأوابد) أي كأن الأوابد إذا طلبها في قيده لاقتداره عليها أي كأنها تقيد له. و(الجواد): الكثير العدو، ويقال فرس جواد من خيل جياد ويقال من خيلٍ أجوادٍ.
غيره: (عتد) وعتد معد للجري مهيأ عنده، و(الجهيز) السريع، ويروى: بمقلص أي يقيدها فلا تبرح لجودته وسرعته. أي شديد شده والمعنى للجري يقول لا يدخرك شيئًا من جريه.
32: يشوي لنا الوحد المدل بحضره.......بشريج ٍ بين الشد والإيراد
(الوحد): الثور أو الحمار الذي ليس مثله شيء من حسنه قد فاق قرناءه أي فهذا الفرس من شدة عدوه يلحق أشد الوحش عدوًا.
وقوله يشوي لنا أي كأنه لما صاده هو شواه. و(المدل): المفتخر المباهي والحضر: العدو. يقال أحضر إحضارًا إذا عدا و(الشريج): الخليط (والإيراد): أشد الشد. وروى أبو جعفر وغيره يشوي بضم الياء.
وقال بشريج يخلط بين الشد الشديد وبين الرفق لا يجهد نفسه والإيراد أراد الإرواد. ويروى فيصيدنا العير ويروى الإرواد. قال: والمدل بحضره الواثق بأنه لا يدرك إذا أحضر. والإرواد أن لا يعطى الفرس عنانه كله أي يمنعه راكبه أن يستفرغ جريه، ومنه قوله تعالى: {أمهلهم رويدًا} وأصله من الرفق والسكون، والمعنى أنه يشوي أصحابه الحمار أي يطعمهم لحمه شواءً يجري بين هذين الجريين الشديد والضعيف.
33: ولقد تلوت الظاعنين بجسرةٍ.......أجدٍ مهاجرة السقاب جماد
(تلوتهم): تبعتهم. و(الظاعونون): جمع ظاعن. و(الجسرة) الشديدة التي تجسر على السير و(الأجد): الموثقة (السقاب): جمع سقب وهو ولد الناقة ساعة تلقيه إذا كان ذكرًا، يقال للناقة إذا ألقت ولدها أسقب أم حائل فإن كان ذكرًا فهو سقب وإن كانت أنثى فهي حائل، وقوله (مهاجرة السقاب) أي ليست مما تلقح وهو أصلب لها. و(الجماد) القوية الوثيقة. هذا قول أبي عكرمة. غيره: ويروى بحرة، و(الظاعنون) البائنون عنا وجسرة جسور على الهول، ويقال التي تقطع عليها الأسفار كالجسر يعبر عليه الأنهار.
33: عيرانة سد الربيع خصاصها.......ما يستبين بها مقيل قراد
قال أبو عكرمة: أي أسمنها الربيع بعد الهزال فامتلأت سمنًا وأصل الخصاص الفرج بين الأشياء يقال بين البيوت خصاص إذا كانت بينها فرج، يقال قد استد خصاص النبت وذلك لأنه أول ما ينبت يكون متفرقًا فإذا ارتفع كثرت أغصانه وشعبه فتهدل فسد الفرج فيقال قد استد خصاص النبت.
وقوله: (ما يستبين بها مقيل القراد)، أي قد سمنت واملاست فلا يثبت عليها قراد كما قال الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلة.......لا يستطيع بها القراد مقيلا
[شرح المفضليات: 445-457]