الشيخ: . . .
وبعدها ذكر جملة من ما يخالف به وصف الله جل وعلا صفة المخلوق،فقال بعد قوله: "ولا يشبه الأنام": "حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤونة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة".
وهذه الصفات هي صفات وأسماء للحق جل وعلا؛ فإن صفة الحياة ثابتة له جل وعلا، وكذلك صفة القيوميَّة، وصفة الخلق والرَّزق، والإماتة والبعث له سبحانه،وهو سبحانه المحيي والحي، وهو القيوم جل وعلا كما قال سبحانه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وكما قال: {الم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وكذلك صفة الخلق، وصفة الرد، وغير ذلك من الصفات، فالأسماء؛ أسماء الله جل وعلا كما هو معلوم مشتملة على صفات، وصفات الحق جل وعلا مباينة لصفات المخلوق من جهات:
الجهة الأولى: أن الرب جلَّ وعلا يتَّصف بالصفة على وجه الكمال، والمخلوق يتَّصف بالصفة على وجه النقص.
والثاني: أن الرب جل وعلا صفاته متلازمة بأنه سبحانه له الكمال المطلق، وله الصفات العلا، الكاملة من كل وجه، وأما المخلوق فصفاته غير متلازمة، بل قد يكون فيه جملة من صفات النقص، ويكون ثم فيه بعض الصفات التي هي كمال في حقه، وإن كانت في الجملة لا يتصف بها إلا لنقص فيه.
الوجه الثالث: أن اتصاف المخلوق بالصفات، وإن كانت في أصل المعنى مشتركة مع صفات الحق جل وعلا، لكنه اتصف بها على وجه الحاجة إليها، وأما الرب جل وعلا فهو متصف بصفاته، لا على وجه الحاجة إلى آثار الأسماء والصفات.
فمثلا: المخلوق يقدر، أو يقيم الأشياء بحاجته، ويخلق ما يخلق لحاجته، والله سبحانه وتعالى خالق بلا حاجة، ويهب المخلوق، ويرزقه لحاجته، والله سبحانه وتعالى يهب، ويرزق، ويعطي، وهو الغني جل وعلا {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وهكذا في بقية الصفات.
فإذن اتصاف المخلوق بالصفات التي يشترك فيها من حيث أصل المعنى مع الرب جل وعلا هو اتصاف على سبيل النقص، وهذا الاتصاف مع ضمينة ما سبق أن ذكرنا لك فيما سلف لا يشبه فضلا أن يماثل صفات الرب جل وعلا.
لهذا فصل الطحاوي رحمه الله بعد قوله: "ولا يشبه الأنام" بعض صفات الحق جل وعلا التي يتصف بها، وفارق بها صفة المخلوق، الذي ربما اتصف بتلك الصفات، فقال رحمه الله: "ولا يشبه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام" وكونه جل وعلا حيا هذا دل عليه العقل، ودل عليه السمع، يعني دل عليه الكتاب والسنة.
وقبل ورود الكتاب والسنة فالعقل يدل على أن الله جل وعلا موجود؛ لكثرة الدلائل، وتواترها، وتتابعها على وجود الحق جل وعلا، وكونه سبحانه وتعالى موجودا يدل باللازم الذي لا انفكاك منه على أنه حي سبحانه وتعالى، وحياته جل وعلا تدل على أنه متصف بصفات كثيرة.
فإذن صار اسم الله الحي يدل عليه العقل قبل ورود السمع، وكذلك اسم الله القيوم، وصفة القيومية له جل وعلا، هذه أيضا يدل عليها العقل، ويدل عليها السمع؛ لأنه سبحانه هو الذي أقام الأشياء، فكونه هو الخالق للأشياء يدل عقلا على أنه هو الذي أقامها، وأن قيوميتها به جل وعلا.
إذا كان كذلك فنقول: هذان الاسمان: الحي والقيوم قد قيل فيهما، وهو قول قوي، وله حظ من الترجيح: إنهما اسما الرب جل وعلا الأعظمان، فالاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى كما جاء في الحديث هو في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران، وفيهما قول الله جل وعلا: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
وهذا له معنى؛ وذلك أن الحي والقيوم بلوازمه؛ بلوازم اسم الحي، وما يلزم من اسم القيوم يقتضي جميع الأسماء التي هي من أفراد الربوبية، والصفات التي هي من أفراد الربوبية، ولهذا عُلق إعطاء السائل سؤله بهذين الاسمين الأعظمين؛ لأن إجابة السؤال، وإجابة السؤآل، وإعطاء الداعي ما دعا هذا متعلق بربوبية الله جل وعلا، فإذا انضم إليها إدانة العبد، وإقراره بتوحيد الإلهية، وأن الله جل وعلا لا إله إلا هو صار هذا الدعاء:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} متضمنا لتوحيد الإلهية، ولتوحيد الربوبية، ولتوحيد الأسماء والصفات.
لهذا فإن اسم الحي، واسم القيوم هما اسما الله الأعظمان، اللذان إذا دعي بهما أجاب، وإذا سئل بهما أعطى، في قول قوي مرجح لأحد القولين في اسم الله الأعظم.
إذا تبين لك ذلك، ففي قوله:"حي لا يموت، قيوم لا ينام" مسائل:
المسألة الأولى: أن صفة الحياة صفة مشتركة بين كل مخلوقات الله جل وعلا،و كل حياة لها ما يناسبها، حتى الجماد له حياة تناسبه، حتى الشجر والحجر له حياة تناسبه، وإنما سمي جمادا لأنه جامد في الظاهر، ليس له حركة ظاهرة، وإلا فإنه ليس بميت، يعني: لا حراك فيه ولا حياة، وإنما هو ميت باعتبار عدم الحركة، وجماد باعتبار عدم الحركة.
ولهذا فإن اشتراك المخلوقات مع الرب جل وعلا في هذا الاسم، وفي صفة الحياة هذا اشتراك في أصل المعنى، فكل له حياة تناسبه على حد القاعدة المعروفة؛ وهي أن الصفات بما يناسب الذوات، فإثبات الصفات إثبات وجود لله جل وعلا لا إثبات كيفية، وصفات المخلوقات تناسب ذواتهم الوضيعة الضعيفة الفقيرة.
وهذا ظاهر أيضا في صفتي السمع والبصر، كما قد قررناه لكم مرارا في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فإن صفة السمع، وصفة البصر مشتركتا بين أكثر الكائنات الحية، وكذلك الحياة هي مشتركة بين جميع الكائنات الحية، منها ما حياته بالروح والنفس، ومنها ما حياته بالنماء، ومنها ما حياته خاصة به كالصخور، والتراب، وأشباه ذلك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول كما رواه مسلم في الصحيح: ((إني لأعلم حجرا بمكة ما مررت عليه إلا...))... سقط...
العبودية.فإذن قوله سبحانه وتعالى: "خالق بلا حاجة".. هذا قول المؤلف رحمه الله "خالق بلا حاجة" ذلك لكمال غناه سبحانه وتعالى، وكمال حمده سبحانه،كما قال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ((قال الله تعالى:يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)) إلى أن قال:((فإنكم لن تبلغوا ضري فتضروني،ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني))، وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
وكذلك قوله:"رازق بلا مؤونة"، وكونه سبحانه يرزق بلا نفقة ينفقها تنقص مما عنده سبحانه، وبلا تعب، فهو سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب، وما يفتح للناس من رحمة فإنه لا ممسك لها، وقد قال سبحانه وتعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}، وقال جل وعلا: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}، وفي حديث أبي ذر المعروف: قال: ((أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض مما في يمينه شيئا)).
وهذا لا شك أنه صفة الرب جل وعلا، أما المخلوق فإنه إذا رزق فإنه يرزق بكلف، أو تعب، ويرزق لحاجته، أن يرزق، ويرزق أيضا بمؤونة تنقص وتزيد، والله سبحانه له الملك الأعظم في ذلك.
فتبين أن معنى قوله: "رازق بلا مؤونة" يعني: بلا كلفة، ولا مشقة، أو بلا مكنة يأخذ منها فتحتاج إلى أن تموَّن، بل هو سبحانه لا ينقص ما يعطي خلقه من ملكه شيئا، ولا يزيد فيه شيئا، بل هو سبحانه الرازق بلا مؤونة سبحانه وتعالى.
نكتفي اليوم بهذا القدر، ونكمل إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم.
سؤال: هل يوصف المخلوق بكونه خالقا للأشياء؟
جواب: الجواب: لا،خلق الأشياء هذا مختص بالرب جل وعلا؛ فهو سبحانه وتعالى الذي يخلق الأشياء، أما أن يوصف بكونه خالقا فنعم، لا يقال: خالق للأشياء، الأشياء هذه لله جل وعلا، لكن يخلق ما يناسب كما قال سبحانه: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، ويعنى بالخلق هنا التقدير، أو التصوير، أو ما يناسبه.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام الحديث الذي رواه البخاري وغيره: ((من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلق حبة، أو ليخلق شعيرة)) فأثبت لهم خلقا، قال:((يخلق كخلقي))، ثم نفى عنهم خلقا فقال: ((فليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة)) فدل على أن المخلوق يخلق أشياء بمعنى يصورها، أو يقدرها، أما برء الأشياء، أو يعني برء الأمور بمعنى إخراج الصور، وجعل فيها حياة فهذه لله جل وعلا، أما تصنيع الجمادات فهذا نوع من الخلق؛ لأنه تقدير، وتصوير.
سؤال: يستدل أهل التعطيل والتجسيم بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} على باطلهم، وقد رد أهل السنة والجماعة بردود عليهم في ورود الكاف والمثل في الآية، فما هو وجه استدلال المعطلة والمجسمة؟
وما هو الرد الصحيح والوجه الصحيح من ردود أهل السنة في زيادة الكاف في الآية؟
جواب: سبق أن ذكرناه مفصلا، أظن في الدرس الماضي، أو الذي قبله، أظن في أول الدروس، أو عند قوله: ولا يشبهه شيء، أو "ولا يشبهه الأنام"، أو في أوله عند قوله: "ولا شيء مثله"،المقصود أن استدلال المبتدعة بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نصير منهم إلى أن المثلية هنا قد تكون ناقصة، فيكون هناك مطلق التشابه منفيًّا، وهذا فيكون مطلق التشابه منفيا، قد ذكرت لكم أن المراد هنا المماثلة، والمماثلة منفية في كل حال، والمشابهة في الكيفية، أو في كمال المعنى يعني في المعنى المطلق أيضا منفي، وأما المشابهة في مطلق المعنى، وهو أصله الذي حصل فيه الاشتراك فإن هذا ليس منفيا؛ لأن هذا أثبته الرب جل وعلا.
سؤال: ما هو أفضل كتاب شرح أسماء الله الحسنى، واعتنى بمعناها؟
جواب: أحسن ما ألف في ذلك فيما أعلم كتاب النهج الأسمى، أو المنهج الأسمى [ أحد الطلبة يذكر الشيخ باسم الكتاب] النهج الأسمى لأحد طلبة العلم في الكويت، أظن هو محمد الحمود، وهو من أنفع ما كتب في ذلك، ويليه ما فرقه الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في كتبه من معاني الأسماء والصفات.
سؤال: يقول: هل الله جل وعلا محتاج إلى عباده؟
الجواب: العبد كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} فهو غير محتاج سبحانه للرزق، ولا للإطعام، ولكن أثبت العبادة. ما أدري وجه السؤال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} اللام هنا هذه لام كيف يعني لام الحكمة، وليست لأجل الحاجة.
سؤال: من صل الصلاة وهو جنب حياء فإنه.. يعني صلى الصلاة وهو جنب غير متوضئ، غير مغتسل فيجب عليه الإعادة. فيسأل بأنه صلى بعض الصلوات، وهو جنب، واكتفى بالتيمم.
جواب: فيجب عليه أن يعيد، السائل يعرف تفاصيل سؤاله، يجب عليه أن يعيد الصلوات جميعا، وأن يستغفر الله جل وعلا من كونه صلى صلاة بلا طهارة شرعية كاملة، والله جل وعلا أحق أن يستحيا منه.
سؤال: هل يقال: إن الصفات الذاتية راجعة إلى صفة الحياة، والصفات الفعلية راجعة إلى صفة القيومية ؟
الجواب: لا، لا يقال ذلك،فمثل صفة الرحمة الذاتية، وهي ذاتية باعتبار، وفعلية أيضا، ولكنها هي راجعة أيضا لقيوميته، فهو سبحانه أقام خلقه على الرحمة. ينتقد المعلق في عبارة لكن غير.. انتقاد غير وجيه.
سؤال: كيف نعرف أن نفي صفة من صفات النقص يدل على الكمال المطلق؟
الجواب: أي نفي جاء في الكتاب والسنة نفي صفة عن الله جل وعلا، فالمراد من هذا النفي إثبات كمال الضد؛ لأن النفي المجرد ليس مدحا، وليس كمالا. نفي الصفة على المتصف، أو عمن يتصف بها، أو عمن يقال، أو تنسب إليه قد يكون لنقصه ولعجزه، ولعدم علمه، ولعدم قدرته، فيقال مثلا: فلان لا يسيء إلى أحد؛ لأجل أنه ضعيف،حتى الكافر المشرك المعاند لا يسيء إليه لضعفه، ويقال: فلان مثلا ليس كثير الكلام، قد يكون لعجزه عن الكلام بما ينفع، ولهذا قال الشاعر في ذم قبيلة من القبائل قال: قُبيِّلة لا يغدرون بذمة = ولا يظلمون الناس حبة خردل
لا يغدرون بذمة، قبيلة لا يغدرون بذمة؛ لعجزهم. والعرب كانت تفتخر بالاعتداء وبالقوة، فهو نفى عنهم صفة لأجل عجزهم عنها فقال: ولا يظلمون الناس حبة خردل؛ لعجزهم.
ولهذا في وصف الرب جل وعلا إذا نفي... سقط... قوله: "لا تأخذه سنة بكمال حياته" لا لأرقه مثلا، أو لاهتمامه بخلقه، أو لعدم إرادة تركهم حتى لا يفسد الملك أو نحو ذلك، بل لا تأخذه سنة لكمال حياته، يتضمن النفي إثبات كمال الصفة التي هي ضد ذلك. والنفي المحض كما هو معروف، وذكرناه لكم سابقا ليس كمالا،كذلك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}، لكمال علمه وإحاطته،{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لكمال غناه سبحانه وتعالى،{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} لكمال أحديته سبحانه،{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وهكذا في غير ذلك من الصفات.
سؤال: بودي لو شرحتم كتاب (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) للصابوني فهو أجمع من شرح متن الطحاوية؛ لأنه حسب علمي لم يشرح.
جواب: لا أظن (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) للصابوني سبق أن شرحه بعض المشايخ موجود مسجلا، وأما متن الطحاوية فله مرجع، والاهتمام به منهجيا أولى من الاهتمام بـــــ (عقيدة السلف والحديث) للصابوني؛ لأننا نمشي على منهجية في قراءة كتب العلم، الشرح يكون على كتاب له صلة بتكوين الطالب علميا، وشرح الطحاوية مقصود؛ لأنه يشتمل على مسائل لم تذكر في الواسطية، فيشتمل على مسائل لم تذكر في لمعة الاعتقاد، ولا في الحموية، فهو مهم من هذه الجهة إضافة إلى أن ثم استدراكات عليه وهذا مما ينمي طالب العلم. ومشايخنا رحم الله الميت وحفظ الحي يعتنون بشرح الطحاوية، ولذلك قرر في جامعات المملكة.
سؤال: ما حكم تعريف الاسم المضاف إلى الله عز وجل مثل: العبد اللطيف؟
جواب: هذا لا يجوز، وهذا نبهنا مرارا أنه لا يجوز كتابة هذه ولا نطقها على هذا الشكل،كتابتها: العبد اللطيف, أو العبد الله، أو العبد العزيز، أو العبد الكريم بهذا الشكل أن تكون العبد هكذا معرفة، واللطيف معرفة؛ لأن هذا يجعل اسم الله جل وعلا مشتبها أن يكون نعتا للعبد، وهذا لا شك أنه يجب دحضه، ويجب رده، فتكتب (آل) منفصلة،آل منفصلة، ثم عبد اللطيف حتى تقرأ: آل وعبد الطيف، آل عبد الكريم، آل عبد العزيز، آل عبد الله، آل عبد الوهاب... وهكذا في نظائرها.
فطلبة العلم ينبغي ينبهون على ذلك، وربما يجري تنبيه على الجهات الرسمية في هذا الأمر؛ لأن هذا فيما يظهر لي أنه من المنكرات؛ لأنه فيه امتهان لأسماء الله جل وعلا.
ردا على مداخلة: إن شاء الله يذكر كتابنا سبق وعدت بإخراجه إن شاء الله نرجوا أن يتيسر ذلك قريبا. وأسأل الله لي ولكم العفو والعافية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الطحاوي رحمه الله تعالى:
مازال بصفاته رازق بلا مؤونة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة، ما زال بصفاته قديما قبل خلقه،لم يزدد بكونهم شيئالم يكن قبله من صفته، و كما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم؛ ذلك بأنه على كل شيء قدير ـ
الشيخ: سبحانه ـ وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد..،
هذه تكملة وصلة لما تقدم الكلام عليه من بيان معاني جمل هذه العقيدة النافعة؛ عقيدة العلامة أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى. ووقفنا عند قوله: "مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة" وهذا كالجمل التي قبله، فيها إثبات كمال الرب جل وعلا، وأنه في كمالاته وصفاته غير مماثل لخلقه بل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
فذكر فيما تقدم جملة من صفات الرب جل وعلا، وأنه في اتصافه بتلك الصفات لا يماثل المخلوق،الذي إذا اتَّصف بصفة فهو لحاجته لمقتضى تلك الصفة، ولضعفه، ولافتقاره، والله جل وعلا له متصف بصفات الكمال التي مرجعها إلى أنه سبحانه هو الغني الحميد، هو الغني غير محتاج لمقتضى صفاته، وغير محتاج سبحانه لأثر تلك الصفة، بل هو سبحانه وتعالى فيما يفعل يفعل لحكمة لا لحاجة جل وعلا.
فخلقه سبحانه وتعالى للخلق بلا حاجة، ورَزقه سبحانه وتعالى لهم لحاجتهم إليه، لا لحاجته سبحانه وتعالى إليهم،كما مر معنا على حد قول الله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }.
وجميع صفات الكمال ترجع إلى صفة الغنى، وصفة الحمد،له سبحانه، وإلى هذين الاسمين العظيمين: الغني، والحميد، سواء في ذلك صفات الجلال، أو صفات الجمال، صفات الربوبية، أو الصفات التي ترجع إليها معاني العبودية للرب جل جلاله.
قال هنا: "مميت بلا مخافة" يعني أنه سبحانه يميت من شاء أن يميته، ويفقد من شاء أن يفقده الحياة، لا لخوف من هذا الذي أفقده الحياة أن يعتدي على مقام الرب جل وعلا، ولكن لحكمته سبحانه،فهو الذي أحيا وأمات، وهو الذي أفقر وأغنى سبحانه؛لحكمته البالغة العظيمة.
فهو فيما يحيي لم يحيي لحاجة، وفيما أمات سبحانه، ما أمات لمخافة، بل هو سبحانه الذي يحيي ويميت لحكمة بالغة.
فقال هنا: "مميت بلا مخافة"، والمخلوق البشر، أو غير البشر يعتدي بالإماتة على من يخاف من شره، وهذا دليل النقص في المخلوق؛ لأنه لما لم يكن دافعا عن نفسه إلا بهذا الفعل صارت في المخلوق هذا من صفات النقص، في أنه يميت لمخافته، وهذا لا يدخل في معنى مشروعية الجهاد؛ لأن هذا لمعنى آخر لا يتعلق بالمخلوق، بل يتعلق بحق الله جل وعلا، وإقامة دينه، وإعلاء كلمته.
فهذا معنى قوله: "مميت بلا مخافة"، وأنه سبحانه "باعث بلا مشقة" باعث الخلق بعد موتهم، سواء في ذلك بعث المكلفين، أو بعث غير المكلفين، بلا مشقة تلحقه سبحانه {مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهذا لكمال صفات الرب جل وعلا.
إذا تبين لك ذلك فإن في هذه الجملة من كلامه مسائل،أعني قوله:"مميت بلا مخافة"، فيها مسائل:
المسألة الأولى: أن مميت اسم فاعل من أمات المتعدي، والاسم للربِّ جل وعلا المميت، هو سبحانه المحيي المميت، والمميت صفة كمال مع قرينتها المحيي، المميت اسم كمال مع قرينه المحيي، فهو سبحانه الموصوف بكونه أحيا وأمات جل وعلا.
المسألة الثانية: معنى مميت أي: خلق الموت فيمن شاء سبحانه،يعني جعل من شاء من خلقه ميتا بعد أن كان حيًّا. والموت عند جمهور أهل السنة، ومن وافقهم من غيرهم مخلوق موجود، فهو الذي يعبرون عنه بأن الموت صفة وجودية؛ وذلك لقول الله جل وعلا: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} فجعل الموت مخلوقا، وتسلط عليه الخلق, وهذا يدل على أنه موجود،{خَلَقَ الْمَوْتَ} وخلقه يدل على أنه صفة وجودية.
وكذلك ما جاء في السنة من أحاديث كثيرة فيها أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبشٍ، فيُذبح على قنطرة بين الجنة النار، فهذا يدل على أن الموت موجود، وله صفة الوجود، وهذا له أدلَّة أيضًا كثيرة تدل على ما ذكرنا من أنَّ الموتَ ليس عدمًا للحياة، وإنما هو وجود لصفةٍ ليست هي الحياة، فالحياة وصف،صفة،وهو وجود لصفة أخرى، وهذه الصفة الأخرى هي الموت.
هذا هو الذي قرره جمهور أهل السنة. وقال غير أهل السنة، من الفلاسفة وبعض من وافقهم من أهل السنة، وهو قول أهل الكلام فيما ذكروه في كتبهم الخاصة بالكلام قالوا: الموت، في تعريفهم للموت، الموت عدم الحياة عمَّا من شأنه أن يكون حيًّا. وهذا التعريف تجده في كثير من كتب التفسير التي ينحو أصحابها منحى أهل الكلام، حتى أن بعض المنتسبين لمنهج السلف ظن أن هذا التعريف يمشي،فنقل بعض النقولات فيها هذا التعريف، وهذا هو تعريف أهل الكلام والفلاسفة، يقولون: الموت عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا.
ويجيبون عن الآية في قوله: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} بأن الخلق هنا بمعنى التقدير، فيكون عندهم معنى الآية: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. وهذا مصير منهم إلى أن الموت عدم محض، وهذا خلاف الأدلة الكثيرة من السنَّة، وأيضا من القرآنِ التي تدل على أن الموتَ حياة أخرى.
ولهذا نقول لمن مات: إنه في الحياة البرزخية، وليس في عدم،فالحياة؛حياة الإنسان متعلقة بروحه، ومتعلقة بجسده، وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياةِ،لذلك تندثر أجزاؤه في التراب، ويذهب، وأما الرُّوح و هي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم، لهذا إذا قيل: مات يعني صار جسمه لنوع للعدم، أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء لكن لها حياة تخصها.
والجسد عند أهل السنة في القبر له تعلق بالروح؛ فإن الحياة البرزخيَّة للروح عند أهل السنة، والجسد تبَع لها،تبع للروح، ليست الحياة للروح فقط، بل هي للروح، والجسدُ تابع، عكس الحياة الدنيا؛ فإن الحياةَ فيك الآن للجسد، والروح تبع، فيألم الجسد فتألم الروح، وهكذا يسعد الجسد فتسعد الروح، إلى غير ذلك من التفصيل.
وأما بعد الحياة البرزخية يعني بعد الموت فإن الموت حالة صفة وجدت أدت إلى انفصال الروح عن البدن،فصارت الروح في الموت لها حياة تخصها، وصار البدن بالبدن له صفة تخصه، وبين هذا وهذا تعلُّق.يدلك هذا على صحة ما اختاره أئمة أهل السنة، بمادلتهم عليه الأحاديث وظاهر القرآن، مِن أنَّ الموت صفة توجد وليس عدمًا محضا، بل هو موجود له خصائصه، والموت في الآية مخلوق، {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ }.
وقولهم: إن الموتَ والحياةَ هنا تسلَّط عليها الفعل خلق،فيكون بمعنى التقدير.نقول: هذا غير مستقيمٍ؛ لأنه علل ذلك بعده بقوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وحسنُ العملِ إنما يكون بعد الوجودِ، ولهذا قدَّم الموت على الحياة؛ لأن الموت يكون بعده الجزاء على حسن العملِ، ولما جاء في السنة من الأدلة.
المسألةُ الثالثةُ: أنَّ الموتَ متعلِّقٌ، يعني: إماتة الرب جل وعلا متعلِّقةٌ بكلِّ شيء كما قال سبحانه:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فكل شيء كُتب عليه الموت، فلابد أن يموت،كل شيء يعني مما حلته الحياة بالروح فلابد أن يفنى، وهناك ما استثني مما يموت، وذلك في قوله جل وعلا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، والاستثناء هنا في قوله: {إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ} اختلف فيه أهل العلم على عدة أقوال، ترجعون إليها في التفسير، ومنها أن يكون المستثنى أرواح الشهداء؛ لأن الشهداءَ أحياءٌ بنص الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآيات في آل عِمْران، وهذا هو أظهر الأقوال أن المستثنى أرواح الشهداء، فيكونُ عمومُ قولِه جل وعلا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} على ظاهره في أنه سيهلِك كل شيء إلا الرب جل وعلا.
وهذا قد جاء في تفسير قوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } إلى قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}؛ لأن الرب جل وعلا إذا أمات الملائكة المقربين نادى:{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، ثم أجاب نفسه العلية بقوله جل جلاله: {الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، ثم قال: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
وهذا يدل على أن المخلوقات جميعا ضعيفة محتاجة إلى ربها،فكل من استحضر صفة الموت الذي سيحل به، وسيحل أيضا بغيره من المخلوقات فإنه يظهر له عظم الرب جل وعلا، الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وأنه سبحانه وتعالى هو المحيي المميت، وأنه جل وعلا هو الواحد الأحد،الغني،الكامل في صفاته ونعوت جلاله، وعظمته.
وأما قول الطحاوي: "باعث بلا مشقة" فهذا فيه صفة البعثُ لله جل وعلا، وفي موضعه سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر مسائل البعث والنشور بتفصيلاتِها.
قال بعدها: "مازال بصفاته قديما قبل خلقه،لم يزدد بكونهم شيئا لم يقم قبلهم من صفته"، قوله:"مازال بصفاته قديما قبل خلقه..." إلى آخره أراد به أنه جل وعلا لم يزل بصفاته، متصفا بصفاته قبل أن يخلق الخلق، فصفاته سبحانه ثابتة له قبل وجود المخلوقات المنظورة التي تراها الآن، والتي لا تراها مما هو موجود.