قالَ رحِمَه اللهُ تعالى:
21- يَمْشِي القُرادُ عليها ثم يُزْلِقُهُ = منها لَبانٌ وأَقرابٌ زَهاليلُ
يعني: أنَّ جِلْدَها أَمْلَسُ لسِمَنِها، فالقُرادُ لا يَثْبُتُ عليها، وهذا تأكيدٌ لقولِه: وجِلْدُها مِن أُطُومٍ... البيتَ، فلو ذُكِرَ إلى جَانِبِه لكان أَلْيَقَ.
" والقُرادُ " واحدُ " القِردانِ " كالغُلامِ والغِلمانِ .
وثم لِمُجَرَّدِ الترتيبِ، وليس فيها مَعْنَى التراخِي، مِثلُها في قولِه: ( البحر المتقارِب )
كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تحتَ العَجاجِ = جَرَى في الأنابيبِ ثم اضْطَرَبْ
إذ ليس الْمُرادُ تَطَاوُلَ مَشْيِ القُرادِ عليها، وتراخِي الإزلاقِ عنه، كما أنه ليس الْمُرادُ تَأَخُّرَ اضطرابِ الرمْحِ عن زَمَنِ جَريانِ الْهَزِّ في أنابيبِه.
و "مِن" هنا: إمَّا لابتداءِ الغايةِ، وإمَّا بمعنى " عن " مِثْلُها في قولِه تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ } , ويُؤَيِّدُه أنه قُرِئَ: { عَنْ ذِكْرِ اللهِ } وتَحْتَمِلُ " مِن " في الآيةِ السببيَّةَ، أي: مِن أَجْلِ ذِكْرِه؛ لأنَّهم إذا ذُكِرَ اللهُ عندَهم اشْمَأَزُّوا، وازدادَتْ قُلوبُهم قَسْوَةً.
واللَّبانُ، بفَتْحِ اللامِ ويكونُ بكسْرِها وبِضَمِّها ومَعَانيهنَّ مُختلِفَةٌ، فأمَّا المفتوحُها وهو المذكورُ في البيتِ، فقيلَ: الصَّدْرُ، وقيلَ: وَسَطُه، وقيلَ: ما بينَ الثَّدْيَيْنِ، يكونُ للإنسانِ وغيرِه، وقيلَ: الصدْرُ مِن ذي الحافِرِ فقط، فعلى هذا يكونُ ذِكْرُه هنا استعارةً كقولِه: ( البحر الطويل )
فلو كنتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرابَتِي = ولكنَّ زِنْجِيٌّ عَظيمُ الْمَشافِرِ
وإنما الْمِشْفَرُ للبعيرِ.
وأمَّا المكسورُها: فهو الرَّضاعُ، يُقالُ: هو أخوهُ بلِبانِ أُمِّه، ولا يُقالُ: بلَبَنِ أُمِّه.
وأَمَّا المضمومُها: فهو الصَّمْغُ الْمُسَمَّى بالكندرِ، فإن زِدْتَ على المضمومِ هاءً، فقُلْتَ: لُبانةً، فهي الحاجةُ، كذا أَطْلَقَ الجوهريُّ، وغيرُه، وقالَ صاحبُ " الْمُحْكَمِ ": الحاجةُ مِن غيرِ فاقةٍ، ولكنْ مِن هِمَّةٍ، والجمْعُ: لَبانٍ، كحاجةٍ وحَاجٍ ولَباناتٍ، ومنه قولُ الأَعشى مَيمونِ بنِ قَيسٍ، ويُكَنَّى أبا بَصيرٍ، وكان أَعْمَى: ( البحر الطويل ).
هُريرةَ وَدِّعْهَا وإن لامَ لائمُ = غداةَ غدٍ أمْ أنتَ للبَيْنِ واجمُ
لقد كان في حَوْلٍ ثَواءٍ ثَوَيْتُهُ = تَقْضِي لَباناتٍ ويَسْأَمُ سائِمُ
الواجمُ: الشديدُ الْحُزْنِ، حتى ما يُطيقَ الكلامَ، يُقالُ منه: وَجَمَ بالفتْحِ وُجومًا.
فإن زِدتَ على " لُبانٍ " بالضمِّ نونًا بعدَ إسكانِ بائِه، فقلتَ: " لُبنانَ " فهو جبلٌ، فإن حَذَفْتَ النونَ مِن هذا، فقلتَ: " لُبْنَى " فهي شَجرةٌ لها لَبَنٌ، واسمٌ من أسماءِ النساءِ، وكذلك مُصَغَّرُه، ومنه قولُ عديِّ بنِ زَيدٍ: ( بحر مَديد ـ مُصَرَّع ).
يا لُبَيْنَى أَوْقِدِي نارًا = إنَّ مَن تَهْوِينَ قد جَارَا
رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا = تَقْضَمُ الهديَّ والغارَا
عندَها ظَبْيٌ يُؤَرِّثُهَا = عاقِدٌ في الْجِيدِ تِقْصَارَا
" تَقْضَمُ " بفتْحِ الضادِ الْمُعْجَمَةِ: تَأْكُلُ، و " الغارُ " نَوعٌ مِن الشجَرِ له دُهنٌ، و " والتِّقصارُ " بكَسْرِ التاءِ قِلادةٌ، ولُبَيْنَى: اسمُ امرأةِ إبليسَ، وبها يُكَنَّى.
قولُه: " وأَقرابٌ " أي: خَواصِرُ، ومُفرَدُها: قُرْبٌ، بوَزْنِ القُرْبِ ضِدِّ البُعْدِ، ولكن سُمِعَ فيه أيضًا: " قُرُب " بضَمَّتَيْنِ، كما سُمِعَ في عُسْرٍ ويُسْرٍ، السكونُ والضمُّ، ولا نَعلَمُ ذلك مَسموعًا في ضِدِّ القُرْبِ، ومَن أَجازَ في نحوِ: قُفْلٌ قُفُلٌ بضَمَّتَيْنِ، أجازَ ذلك فيه.
قولُه: " زَهاليلُ " صِفةٌ لِـ لَبَانٍ وأقرابٍ معًا، ومعناها: مُلْسٌ، والواحدُ زُهلولٌ. قالَ الشَّنْفَرَى في لامِيَّتِه، وتُعْرَفُ بلامِيَّةِ العَرَبِ: ( البحر الطويل )
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدورَ مَطِيِّكُمْ = فإني إلى قَومٍ سِواكُمْ لأَمْيَلُ
فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ = وشُدَّتْ لطَيَّاتِي مَطَايَا وأَرْحُلُ
وفي الأرضِ مَنْأًى للكريمِ عن الأَذَى = وفيها لِمَنْ رامَ العُلا مُتَعَزَّلُ
وَلِي دُونَكم أَهْلُونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ = وأَرْقَطُ زُهولٌ وعَرفاءُ جَيْأَلُ
هم الأهْلُ لا مُسْتَوْدِعُ السِّرِّ ذَائعٌ = لديهم ولا الْجَانِي بما جَرَّ يُخْذَلُ
وهي مِن غُرَرِ القصائدِ كثيرةُ الْحِكَمِ والفوائدِ.
و " أَمْيَلُ " في البيتِ الأوَّلِ بمعنى فاعلٍ، كأَعْلَمُ في قولِه تعالى: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ },
و " دونَكُمْ " ظَرْفٌ للاستقرارِ، أو حالٌ مِن " أهلونَ " وكان في الأصْلِ صِفةً له، وعلى هذا فمعناه: " غيرَكم " .
و "السيِّدُ " الذئبُ، وعَمَلَّسٌ بوزنِ سَفَرْجَلٍ: مِن أسماءِ الذِّئبِ، واشتقاقُه مِن العَمْلَسَةِ، وهي السرعةُ.
" والأرْقَطُ " النَّمِرُ. و " العَرفاءُ " مِن صِفاتِ الضَّبُعِ، و " الْجَيْأَلُ ": مِن أسمائِها، فهو بَدَلٌ مِن عَرفاءَ، ولا يَجوزُ أن يُعْرَبَ بَيانًا؛ لأنَّها عَلَمٌ وما قَبْلَها نَكِرَةٌ، وسِيدٌ وما بعدَه بَدَلُ تفصيلٍ مِن " أهلونَ" ، وجازَ جَمْعُ أهلٍ بالواوِ والنونِ معَ أنها لِمَا لا يَعْقِلُ، وهي الحيواناتُ المذكورةُ؛ لأنَّه أقامَها مُقامَ مَن يَعقِلُ في الأهلِيَّةِ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:
22- عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرضٍ = مِرْفَقُها عن بناتِ الزُّورِ مَفتولُ
العَيْرَانةُ بفَتْحِ العينِ المهْمَلَةِ: الْمُشْبِهَةُ في صَلابَتِها عِيرَ الوَحْشِ.
قُذِفَتْ: أي: رُمِيَتْ، ويُرْوَى أيضًا قُذِّفَتْ بالتشديدِ للتكثيرِ.
والنَّحْضُ، بالحاءِ المهمَلَةِ، والضادِ الْمُعْجَمَةِ: كاللحْمِ وَزْنًا ومَعْنًى وامرأةٌ نَحيضةٌ: كثيرةُ اللحمِ، ورُوِيَ: قُذِفَتْ باللحْمِ.
والعُرُضُ، بضَمِّ المهمَلَتَيْنِ، وبإسكانِ الثانيةِ: الجانبُ والناحيةُ، أي: رُمِيَتْ باللحمِ مِن جَوانِبِها ونواحِيها، وقالَ التِّبريزيُّ: العُرُضُ: الاعتراضُ، يَقولُ: إنها سَمِنَتْ عن اعتراضٍ، كأنها تَعْتَرِضُ في مَرْتَعِها.
والزُّورُ: قال التِّبريزيُّ: الصدْرُ. وقالَ عبدُ اللطيفِ: وَسَطَه، وقالَ الجوهريُّ: أَعلاهُ ونَبَاتُهُ ما حولَه، وما يَتَّصِلُ به مِن الأضلاعِ، أي: أنَّ مِرْفَقَها جافٍ عن صَدْرِها، فهي لا يُصِيبُها ضاغِطٌ، ولا حازٌّ، والمفتولُ: الْمُدْمَجُ الْمُحْكَمُ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:
23- كأنما فاتَ عَيْنَيْها ومَذْبَحَها = مِن خَطْمِها ومِن اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
" ما" في " كأنما " اسمٌ بمعنَى الذي، مَوْضِعُه نَصْبٌ بكانَ، والخبَرُ قولُه: بِرْطِيلُ.
وفاتَ: قالَ أبو عمرَ: معناه: تَقَدَّمَ وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الوجهُ كلُّه فائِتُ العينينِ إلا الْجَبْهَةَ. وقالَ: هو ما انْقَطَعَ مِن الْمَذْبَحِ، وفاتَ العينينِ.
"ومَذبَحَهَا": مَنصوبٌ بالعَطْفِ على عَيْنَيْهَا، والْمَذْبَحُ والْمَنْحَرُ واحدٌ.
والْخَطْمُ قالَ أبو عُبيدٍ: الأَنْفُ. ورُدَّ عليه ذلك؛ فإنه لا يَخْتَصُّ بالأنْفِ، بل هو الموضِعُ الذي يَقعُ عليه الْخِطامُ، فيَشْمَلُ الأنْفَ وغيرَه، ونَظيرُه تَسْمِيَتُهم الْمَوْضِعَ الذي يَقعُ عليه الرَّسْنُ مَرْسِنًا، وقد يُستَعْمَلُ في الآدَمِيِّ كقولِ العَجَّاجِ يَصِفُ امرأةً : ( بحر الرجَز )
أزمانُ أَبْدَتْ وَاضِحًا مُفَلَّجًا = أغَرَّ بَرَّاقًا وَطَرْفًا أَبْرَجَا
ومُقْلَةً وحاجِبًا مُزَجَّجًا = وفَاحِمًا ومَرْسِنًا مُسَرَّجَا
الأَبْرَجُ: الذي بَياضُه مُحْدِقٌ بالسوادِ كُلِّه، فلا يَغيبُ مِن سَوادِه شيءٌ يُقالُ منه: امرأةٌ بَرجاءُ بَيِّنَةُ البَرَجِ، ورجُلٌ أَبْرَجُ، وجَمْعُها: بُرْجٌ، بوَزْنِ البُرْجِ واحدِ البُروجِ، ولم يُسْمَعْ وَصفُ الأنْفِ بالْمُسَرَّجِ قبلَ العَجَّاجِ، فاختَلَفَ أهلُ اللغةِ في معناه على ثلاثةِ أقوالٍ:
أحدُها: أنه كالسِّراجِ في البَريقِ.
والثاني: أنه مُحْسِنٌ مِن قولِهم: سَرَّجَ اللهُ وَجْهَهُ، أي: حَسَّنَه، ولم يَذْكُرْ صاحبُ " الْمُحْكَمِ " سِواه.
والثالثُ: أنه كالسيفِ السريجيِّ في الدِّقَّةِ والاستواءِ، وهو مَنسوبٌ إلى قَيْنٍ يُقالُ له: سُريجٌ، ولم يَذْكُر التِّبريزيُّ غيرَ هذا القولِ. وقالَ: قالَ الأَصْمعِيُّ: ما كنتُ أَعْرِفُ الْمُسْرَّجَ، ولم أَسْمَعْه إلا في بيتِ العَجَّاجِ، فسأَلْتُ عنه أَعرابِيًّا، فقالَ: أَتَعْرِفُ السريجيَّاتِ؟ يعني السيوفَ. فقلتُ: نعم. فقالَ: ذلك أَرادَ. انتهى.
وأَرْجَحُ الأقوالِ مِن حيثُ الصناعةُ الثاني؛ لأنَّ صِيغةَ المفعولِ لا تُشْتَقُّ مِن أسماءِ الأعيانِ، كالسراجِ، وشَذَّ نَحوُ قولِهم: مُدَرْهَمٌ، ولا مِن أسماءِ النَّسَبِ كالسريجيِّ، وإنما يُشْتَقُّ مِن الفِعْلِ، وأَرْجَحُها مِن حيث المعنى الأخيرُ؛ لأنَّه تَفسيرٌ بأمْرٍ يَخُصُّ الأَنْفَ.
" واللَّحيانِ " بفَتْحِ اللامِ: العَظمانِ اللذانِ تَنْبُتُ عليهما اللِّحْيَةُ مِن الإنسانِ، ونَظيرُ ذلك مِن بَقِيَّةِ الحيوانِ.
والْبِرْطِيلُ بكَسْرِ الباءِ: مِعْوَلٌ مِن حديدٍ، وأيضًا: حَجَرٌ مُستطيلٌ , وَصَفَها بكِبَرِ الرأسِ وعِظَمِه.
قالَ :
24- تُمَرُّ مِثلَ عَسيبِ النخْلِ ذا خُصَلٍ = في غَارِزٍ لم تُخَوِّنْهُ الأحاليلُ
" تُمَرُّ " بضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِن فوقُ: مُضارِعُ أَمَرَّ، مَنقولٌ بالهمزةِ مِن " مَرَّ " وفاعلُه ضميرُ الناقةِ.
ومِثلَ: صِفةٍ لمحذوفٍ، أي: ذَنَبًا مِثلَ.
وعَسيبُ النخْلِ: جَريدُهُ الذي لم يَنْبُتْ عليه الْخُوصُ، فإن نَبَتَ عليه، سُمِّيَ سَعْفًا، وأَمَّا " عَسيبِ " في قولِ امرئِ القَيْسِ: ( البحر الطويل )
أجارَتَنا إنَّ الْخُطوبَ تَنُوبُ = وإني مُقيمٌ ما أَقامَ عَسيبُ
أجارَتَنَا إِنَّا غَرِيبانِ ههنا = وكلُّ غَريبٍ للغريبِ نَسيبُ
فإنْ تَصِلِينَا فالْقَرَابَةُ بَيْنَنَا = وإن تَهْجُرينَا فالغريبُ غريبُ
فهو اسمُ جَبَلٍ دُفِنَ عندَه امرُؤُ القَيْسِ , و" ذا " صفةٌ ثانيةٌ، أو هو المفعولُ، و "مِثلَ" حالٌ منه، وكانت في الأصلِ صفةً له ثم تَقَدَّمَت عليه , والْخُصَلُ: جَمْعُ خُصلةٍ مِن الشَّعَرِ.
و " في " بمعنى " على "، مِثْلُها في قولِه تعالى: { فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } وقولِ الشاعرِ: ( البحر الكامل )
يُطِلُّ كأنَّ ثِيابَه في سَرْحِهِ = يُخْذِي نِعالَ السِّبْتِ ليس بِتَوْأَمِ
والغارِزُ: مُعْجَمُ الطرفينِ الْمُرادُ به هنا: الضَّرْعُ، وجَعَلَ التِّبريزيُّ أَصْلَه مِن قولِهم: غَرَزَتِ الناقةُ بالفَتْحِ تَغْرُزُ بالضمِّ: إذا قَلَّ لَبَنُها، ولا أَدْرَي ما معنى هذا الأَصْلِ.
وتُخَوِّنُه: أَصْلُه تَتَخَوَّنُه، أي: تَنْتَقِصُه، يُقالُ: تَخَوَّنَنِي فلانٌ حَقِّي: إذا تَنَقَّصَه، ومنه قولُ لَبيدٍ:
تَخَوَّنَها نُزولِي وارتحالِي
أي: تَنَقَّصَ شَحْمَ هذه الناقةِ ولَحْمَها.
وسُئِلَ ثَعْلَبٌ: أيَجوزُ أن يُقالَ لِمَا يُؤْكَلُ عليه وهو الْخِوانُ - بكسْرِ الخاءِ وضَمِّهَا - إنه إنما سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يُتَخَوَّنُ ما عليه أي: يُنْتَقَصُ؟ فقالَ: ليس ذلك ببعيدٍ. انتهى. والمشهورُ أنه مُعَرَّبٌ، فلا اشتقاقَ له , وجَمْعُه أَخْوِنَةٌ، وخُوَنٌ.
ويأتي التَّخَوُّفُ بالفاءِ بمعنى التَّخَوُّنِ، ومنه قولُه تعالى: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ } أي: تَنَقُّصٍ.
ويَأْتِي التَّخَوُّنُ بمعنى التَّعَهُّدِ، وفي الحديثِ: ((كان يَتَخَوَّنُنا بالْمَوعِظَةِ مَخافةَ السآمَةِ علينا)) أي: يَتَعَهَّدُنا بها ويأتي قريبًا مِن معنى هذا التَّخَوُّلُ باللامِ , وقد رُوِيَ الحديثُ باللامِ، ومعناه: يَأْتِينَا بها شيئًا بعدَ شيءٍ، مِن قولِهم: تَسَاقَطُوا أَخْوَلَ أَخْوَلَ، أي: شيئًا بعدَ شيءٍ.
والأحاليلُ، بالحاءِ الْمُهْمَلَةِ: جَمْعُ إحليلٍ وهو مَخْرَجُ البولِ، ومَخْرَجُ اللَّبَنِ مِن الثَّدْيِ، ومَخْرَجُهُ مِن الضَّرْعِ، وهذا المقصودُ هنا، يعني: أنها حائلٌ لا تَحْلِبُ، وذلك أقوى لها على السَّيْرِ، ونَفْيُ الضَّعْفِ عن الناقةِ بنَفْيِه عن ضَرْعِها.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى :
25- قَنواءُ في حَرَّتَيْهَا للبَصيرِ بها = عِتْقٌ مُبينٌ وفي الْخَدَّيْنِ تَسهيلُ
" القَنواءُ " مُؤَنَّثُ الأَقْنَى، واشتقاقُهما مِن الْقَنَا، بوَزْنِ العَصَا وهو احْدَيْدَابٌ في الأَنْفِ، والْحَرَّتانِ: الأُذُنانِ، وقد رَوَى العسكريُّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ هذا البيتَ، قالَ لأصحابِه: ((ما حَرَّتَاهَا؟)) فقالَ بعضُهم: عَيناها. وسَكَتَ بعضٌ، فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((هما أُذُنَاهَا, يَقولُ: إذا نَظَرَ البصيرُ بالإِبِلِ إلى أُذُنَيْهَا، وسُهولةِ خَدَّيْهَا بان له عِتْقُهَا)). أي: كَرَمُها.
ويُرْوَى: " وَجناءُ " بَدَلَ " قَنواءُ " أي: صَلبَةٌ أو عَظيمةُ الوَجْنَتَيْنِ، وهذه هي الروايةُ التي جَزَمَ بها عبدُ اللطيفِ، ويُضَعِّفُها أنه يَلْزَمُ عليها تَكرارٌ؛ لأنَّ هذا الوَصْفَ قد تَقَدَّمَ في قولِه: غَلباءُ وَجْنَاءُ عُلكومُ... البيتَ. ويُرَجِّحُها ما قِيلَ: إنَّ الْقَنَاعِيبَ في الإبِلِ والخيلِ، ولذلك قالَ سَلامةُ بنُ جَنْدَلٍ يَمْدَحُ فَرَسًا: ( البحر البسيط )
ليس بأَسْفَى ولا أَقْنَى ولا سَفَلٍ = يُسْقَى دَواءً قَفِيَّ السَّكْنِ مَربوبُ
الأَسْفَى، بالسينِ المهْمَلَةِ، وبالفاءِ، الخفيفُ الناصيةِ، والسَّفَلُ، بإهمالِ الأَوَّلِ، وإعجامِ الثاني مَكسورةٌ: الْمُضْطَرِبُ الأعضاءِ، وقيلَ: للمَهزولِ، والقَفِيُّ، بفَتْحِ القافِ، وكَسْرِ الفاءِ: الشيءُ الذي يُؤْثَرُ به الضيفُ والصبيُّ والمرادُ بالدواءِ اللَّبَنُ ، ووَجْهُ هذه التسميةِ أنهم يُضْمِرُونَ الخيلَ بِسَقْيِها إيَّاه، والسكْنُ : أهْلُ الدارِ، وفي الحديثِ: ((حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَةَ لَتُشْبِعُ السَّكْنَ)). والمربوبُ: الْمُرَبَّى.