حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
2: المراد بالكتاب في قوله تعالى: {يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم}.
ذكر في المراد بالكتاب في الآية أقوال:
الأول: التوراة. هو التّوراة, دعاهم إلى الرّضا بما فيها، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تقرّ بها وبما فيها أنّها كانت أحكام اللّه قبل أن ينسخ منها ما نسخ. وهو قول ابن عباس, ومكي, وأبي مالك. ذكره ابن عطية, وقول أبي مالك أخرجه ابن أبي حاتم.
- وأخرج قول ابن عباس:
أ - ابن جرير في تفسيره: عن سعيد بن جبيرٍ وعكرمة عن ابن عبّاسٍ، قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيت المدراس على جماعةٍ من يهود، فدعاهم إلى اللّه، فقال له نعيم بن عمرٍو والحارث بن زيدٍ: على أيّ دينٍ أنت يا محمّد؟ فقال: على ملّة إبراهيم ودينه، فقالا: فإنّ إبراهيم كان يهوديًّا، فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فهلمّوا إلى التّوراة فهي بيننا وبينكم، فأتيا عليه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريقٌ منهم وهم معرضون} إلى قوله: {ما كانوا يفترون}.
ب - وبمثله أخرجه ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
- أخرج قول مكي:
أ - ذكره ابن عطية في تفسيره قال: وقال مكي: «الكتاب الأول اللوح المحفوظ والثاني التوراة».
- وأخرج قول أبي مالك:
أ - ابن أبي حاتم في تفسيره عن عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: نصيبا يعني: حظا. وبه في قوله: من الكتاب: من التّوراة.
الثاني: القرآن. وهو قول قتادة وابن جريج. ذكره ابن عطية.
- أخرج قول قتادة:
أ - ابن جرير في تفسيره عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريقٌ منهم وهم معرضون} أولئك أعداء اللّه اليهود، دعوا إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم، وإلى نبيّه ليحكم بينهم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل، ثمّ تولّوا عنه وهم معرضون.
ب - ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن سعدٍ الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن أبيه، عن قتادة: هم اليهود دعوا إلى كتاب اللّه وإلى نبيّه وهم يجدونه مكتوبًا عندهم، ثمّ يتولّون وهم معرضون.
ج - وبمثله أخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر.
- قول ابن جريج أخرجه:
أ - ابن جرير في تفسيره عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم} قال: كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم بالحقّ يكون وفي الحدود، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعوهم إلى الإسلام، فيتولّون عن ذلك.
الدراسة:
اختلف المفسرون في المراد بالكتاب في الآية الكريمة على قولين الأول هو التوراة, والثاني هو القرآن, ورجح ابن جريج القول الأول أن المراد هو التوراة فقال: وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب أن يقال إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن طائفةٍ من اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في عهده، ممّن قد أوتي علمًا بالتّوراة أنّهم دعوا إلى كتاب اللّه الّذي كانوا يقرّون أنّه من عند اللّه وهو في التّوراة في بعض ما تنازعوا فيه هم ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد يجوز أن يكون تنازعهم الّذي كانوا تنازعوا فيه ثمّ دعوا إلى حكم التّوراة فيه، فامتنعوا من الإجابة إليه، كان أمر محمّدٍ وأمر نبوّته، ويجوز أن يكون ذلك كان أمر إبراهيم خليل الرّحمن ودينه، ويجوز أن يكون ذلك ما دعوا إليه من أمر الإسلام، والإقرار به، ويجوز أن يكون ذلك كان في حدٍّ، فإنّ كلّ ذلك ممّا قد كانوا نازعوا فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعاهم فيه إلى حكم التّوراة، فأبى الإجابة فيه، وكتمه بعضهم.
وذكر رحمه الله أن لا يوجد دليل على أي شيء كان ذلك, وأنه لا حاجة بنا إلى معرفة ذلك؛ إذ جحدوا أمرا كان لازاما عليهم الإجابة إليه في دينهم, فأخبر سبحان عن تكذيبهم وردتهم ونقضهم العهود والمواثيق التي أخذت عليهم, فمثلما كذبوا موسى من قبل وما جاء به, وهم يتولونه ويقرون به, فقد كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم