(ومِن سُنَنِهِمَا)؛ أي: الخُطْبَتَيْنِ: (أن يَخْطُبَ على مِنْبَرٍ)؛ لفِعْلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو بكَسْرِ الميمِ مِنَ النَّبْرِ وهو الارتِفَاعُ. واتِّخَاذُه سُنَّةً مُجْمَعٌ عليها، قالَه في شَرْحِ مُسْلِمٍ. ويَصْعَدُه على تُؤَدَةٍ إلى الدَّرَجَةِ التي تَلِي السَّطْحَ، (أو) يَخْطُبَ على (مَوْضِعٍ عَالٍ) إن عَدِمَ المِنْبَرَ؛ لأنَّه في مَعْنَاهُ, عَن يَمِينِ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ بالمِحْرَابِ، وإن خَطَبَ بالأرضِ فعَن يَسَارِهِم، (و) أن (يُسَلِّمَ على المَأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عليهم)؛ لقولِ جَابِرٍ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ إذا صَعِدَ المِنْبَرَ سَلَّمَ) رواهُ ابنُ مَاجَهْ، ورواهُ الأَثْرَمُ عَن أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ الزُّبَيْرِ، ورواهُ النَّجَّادُ عَن عُثْمَانَ، كسَلامِه على مَن عِنْدَهُ في خُرُوجِه.
(ثُمَّ) يُسَنُّ أن (يَجْلِسَ إلى فَرَاغِ الأذَانِ)؛ لقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: (كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ المِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ المُؤَذِّنُ, ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ) رواه أبو دَاوُدَ.
(وأَن يَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ)؛ لحديثِ ابنِ عُمَرَ السَّابِقِ. (وأن يَخْطُبَ قَائِماً)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (ويَعْتَمِدَ على سَيْفٍ أو قَوْسٍ أو عَصاً)؛ لفِعْلِه عليه السَّلامُ، رواهُ أَبُو دَاوُدَ عَن الحَكَمِ بنِ حَزَنٍ. وفيه إِشَارَةٌ إلى أنَّ هذا الدِّينَ فُتِحَ بهِ.
قالَ في (الفُرُوعِ): ويَتَوَجَّهُ باليُسْرَى والأُخْرَى بحَرْفِ المِنْبَرِ، فإن لم يَعْتَمِدْ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بشِمَالِه أو أَرْسَلَهُمَا. (و) أَنْ (يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِه)؛ لفِعْلِه عليه السَّلامُ؛ ولأنَّ في التِفَاتِه إلى أَحَدِ جَانِبَيْهِ إِعْرَاضاً عَن الآخَرِ، وإن استَدْبَرَهُم كُرِهَ، ويَنْحَرِفُونَ إليهِ إذا خَطَبَ؛ لفِعْلِ الصَّحَابَةِ. ذَكَرَهُ في (المُبْدِعِ).
(و) أَنْ (يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ)؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَن عَمَّارٍ مَرْفُوعاً: ((إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وقِصَرَ خُطْبَتِهِ مِنْ فِقْهِهِ, فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَقَصِّرُوا الخُطْبَةَ)). وأن تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَقْصَرَ, ورَفَعَ صَوْتَهُ قَدْرَ إِمْكَانِه، (و) أنْ (يَدْعُوَ للمُسْلِمِينَ)؛ لأنَّه مَسْنُونٌ في غَيْرِ الخُطْبَةِ, ففيها أَوْلَى، ويُبَاحُ الدُّعَاءُ لمُعَيَّنٍ، وأن يَخْطُبَ مِن صَحِيفَةٍ.
قالَ في (المُبْدِعِ): ويَنْزِلُ مُسْرِعاً, وَإِذَا غَلَبَ الخَوَارِجُ على بَلَدٍ فَأَقَامُوا فيه الجُمُعَةَ, جَازَ اتِّبَاعُهُم نَصًّا. وقالَ ابنُ أَبِي مُوسَى: يُصَلِّي مَعَهُم الجُمُعَةَ ويُعِيدُهَا ظُهْراً.