اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عطية الله اللبدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا ، أوردتم في ترجمة: (عروة بن الزبير بن العوام) هذا الأثر :
اقتباس:
قال سفيان بن عيينة: قال الزهري: (كان عروة يتألف الناس على علمه) رواه ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وابن عساكر.
|
فما معنى: كونه يتألف الناس على علمه؟
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أي أنه كان يرغّبهم في علمه، بما يعينهم على الإقبال عليه وحفظه وضبطه، ومن ذلك إعطاء بعض المحتاجين، وكان عروة بن الزبير قد وسّع عليه في آخر حياته وبنى قصراً في العقيق بالمدينة، وأجرى إليه ماءً ، فكان من أوجه البذل النافعة إعانة طلاب العلم وتألّفهم لطلب العلم.
وكان لديه علم غزير حفظه عن خالته عائشة رضي الله عنها وعن أخيه عبد الله بن الزبير وعن غيرهم.
- قال الحميدي: أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (ما ماتت عائشة حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين). رواه ابن عساكر.
يريد أنه وعى حديثها وحفظه حتى لم يبق ما يحتاج إلى سؤالها عنه، وكان من أكثر التابعين حديثاً، فخشي على علمه أن يذهب بموته؛ فكان من احتسابه في نشر العلم أن ينفق في تألّف طلاب العلم وترغيبهم في علمه ليحفظوه ويرووه.
وكان قد خشي على نفسه أنه إذا تُركَ فلم يُسأل أن ينسى بعض علمه.
- قال حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (يا بني سلوني فلقد ترُكتُ حتى كدتُ أن أنسى، وإني لأُسأل عن الحديث فيقيم لي حديث يومي). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال عمرو بن دينار: لما قدم مكة – يعني عروة - قال لنا: «ائتوني فتلقَّوا مني» رواه ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وابن عساكر.
وهذا من نصحه لنفسه وللأمة؛ فإنه ينتفع بما يترك من العلم النافع الذي يُروى عنه بعد موته، وينفع الأمّة بنشر العلم فيها.
وكان لأهل العلم ثلاثة مذاهب في هذا الأمر:
المذهب الأول: مذهب من يتألف الناس على علمه ويرغّبهم في حفظه وروايته، وهذا مذهب علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم. فنشروا علماً كثيرا.
وذهب هذا المذهب جماعة من التابعين منهم عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهم.
- قال محمد بن إسحاق: (رأيت أبا سلمة بن عبد الرحمن يأخذ بيد الصبي من الكُتَّاب؛ فيذهب به إلى البيت فيملي عليه الحديث ويكتب له). رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخيهما.
والمذهب الثاني: مذهب من كان يفرّ من التصدّر ولا يُحبّ أن يشتهر ذكره، لكنّه إذا سُئل أجاب، وإذا لزمه بعض خاصته انتفعوا به، ووجدوا عنده علماً كثيراً، وهذا مذهب أبي العالية الرياحي، وعلقمة بن قيس النخعي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
- قال عاصم بن أبي النجود: «كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قيل له حين مات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو قعدت فعلَّمتَ الناس السنة؟
فقال: «أتريدون أن يوطأ عقبي» رواه الدارمي.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد النخعي: قيل لعلقمة: ألا تقعد في المسجد فيُجتمع إليك، وتُسأل، ونجلس معك؟! فإنه يُسأل من هو دونك!!
فقال: (إني أكره أن يوطأ عقبي، يقال هذا علقمة). رواه أبو خيثمة في كتاب العلم وابن عساكر.
- وقال مروان بن محمد: سمعت مالك بن أنس يقول: (جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة، فأخذ عليَّ ألا أروي عنه شيئاً). رواه أبو زرعة الدمشقي.
والمذهب الثالث: مذهب من كان لا يحرص على التصدّر ولا يفرّ منه؛ بل إذا سُئل أجاب، وإذا استُفتي أفتى، وإذا أمره الأمير بالتصدّر تصدّر وإلا لم يتكلّفه، وكان مذهب عامّة علماء الصحابة رضي الله عنهم وكبار التابعين.
- وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مراء " رواه أحمد.
- وقال بكير بن عبد الله بن الأشج: دخل عوف بن مالك هو وذو الكلاع مسجد بيت المقدس، فقال له عوف: عندك ابن عمك؟
فقال ذو الكلاع: أما إنه من خير أو من أصلح الناس؛ فقال عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف)). رواه أحمد، وفيه انقطاع.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير فقال: قال ابن المنذر حدثنا معن سمع معاوية عن أزهر بن سعيد عن ذي الكلاع: كان كعب يقص في إمارة معاوية فقال عوف ابن مالك لذي الكلاع: يا أبا شراحيل أرأيت ابن عمك أبأمر الأمير يقص؟ فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الُقصَّاصُ ثلاثة: أمير أو مأمور أو مختال)).
قال: (فمكث كعب سنة لايقص حتى أرسل إليه معاوية يأمره أن يقص).
ومن أهل العلم من إذا كان في مكان يُعرف فيه تصدّر وحدّث وأفتى، وإذا كان في بلد لا يُعرف فيه تجنَّب التصدّر، كما روي عن سعيد بن جبير رحمه الله.
- قال عمر بن حبيب: كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث ثم رجع إلى الكوفة؛ فجعل يحدث فقلنا له: كنت بأصبهان لا تحدث وتحدث بالكوفة , فقال: «انشر بزك حيث تعرف» رواه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات أصبهان.
- وقال عبد الواحد بن زياد: حدثنا أبو شهاب، قال: «كان سعيد بن جبير يقص لنا كل يوم مرتين بعد صلاة الفجر وبعد العصر» رواه ابن سعد.