أما الحديث يتعلَّق بالتسمية عند الجماع روي عن ابن عباس في قول الله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله} إلى قوله: {وقدموا لأنفسكم} يقول: التقديم هو التسمية عند الجماع , النبي صلى الله عليه وسلمأرشد في هذا الحديث الزوج إذا أراد مواقعة زوجته أن يبدأ باسم الله , ((لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله , اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا)) يقول ذلك قبل البدء ، أو عند البدء في الوقاع , ويقول ذلك بحيث يُسمع نفسه ، وتقوله أيضا الزوجة , إذا قاله كل من الزوجين حصلت البركة .
لا شك أن اسم الله تعالى سبب للبركات وكثرة الخيرات , إذا قال: بسم الله . فمعناه بسم الله أستعيذ , بسم الله أتحصن ، وبسم الله أتحرز من كل ضرر ، بسم الله أتبرك ، بسم الله أبتداء أو أفعل ما أقدر عليه ، وقد ورد الأمر بالتسمية في أشياء كثيرة كما أمر بالتسمية عند الأكل ، وعند الشرب ، وعند دخول المنزل ، وعند الخروج منه ، وعند دخول المسجد والخروج منه , وعند لبس الثوب ، وعند النوم ، وعند دخول الخلاء وما أشبه ذلكَ ، فكذلك أيضا التسمية هنا يقصدبها التبرك بهذا الاسم ، والتحصن به , التحفظ من السوء ومن الأضرار ومن الشرور ونحوها . ثم بعد ذلك يقول: ((بسم الله , اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)) .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا)) يعني إذا قدر أنه خلق منهما ولد في ذلكالوقاع فإن الله يحميه ، ويحفظه من ضرر الشيطان ، ضررا يضره أو يضله . قوله: ((جنبنا)) يعني أبعده عنا، وأبعدنا عنه ، وأبعده عما رزقتنا وعما ترزقنا من الأولاد والذرية . التجنب: هو الابتعاد ، وهو أبلغ من الترك ؛ فإن معناه:اجعله في جانب ونحن في جانب بعيدين عنه . الشيطان: واحد الشياطين وهم الأبالسة ، إبليس وجنوده.
ولا شك أن الشيطان عدو للإنسان وأنه حريص على أن يضل الإنسان بما يستطيعه ، وأن يخلف عليه قلبه ، ويفسد عليه عقله وفطرته ، ويصرفه عن الهدى إلى الضلال ، ويوقعه في الكفر والفسوق والعصيان , فإذا حماه ربه وحفظه فإن الله تعالى هو الوكيل ، وهو الحفيظ فلا يكون له سلطان على أولياء الله , قال الله تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه} يعني على أوليائه الذي هم أولياء الشيطان الذين قال الله فيهم: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} .
لا شكَّ أن هذا دعاء مفيد , إذا استعمله الإنسان عند كل مواقعة , عندما يريد أن يواقع استعمله سرا بحيث يسمع نفسه ((اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)) تكفل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا)) .
أشكل هذا الحديث على كثير من الشراح ، وقالوا: إننا قد نشاهد أولادا آباؤهم عباد وصالحون وأهل تقوى ، ونتحقق أنهم يعملون بهذا الحديث ، وأنهم لا يتركون مثل هذا الدعاء ، و مع ذلك نرى أبناءهم قد انحرفوا وقد وقع منهم شيء من الفسوق ومن المعاصي التي يدعو إليها الشيطان , فكيف أضرهم وقد استعيذ منه عند الوقاع وعند انعقاد الولد في ذلك الوقاع ؟ فأجابوا بأنه قد يغفل أحدهم في بعض الأحيان ، وقد يكون استعاذته استعاذة باللسان لا بالقلب ، وقد يكون هناك أسباب تفسد الإنسان وإن لم تكن من الشيطان ، بل من أعوان الشيطان الذين هم شياطين الإنس ، وما أشبه ذلك ، وقد يكون الحديث محمولا على الكفر , لم يضره الشيطان أبدا: يعني لم يخرجه من الإسلام ، ويدخله في الكفر .
وعلى كل حال نحث على العمل بهذه الأحاديث ؛ حتى يكون الإنسان بازلا للسبب ، والله تعالى هو الموفق والمعين.