4/1243 - وَعَن ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ): هُوَ جِنْسٌ، وَالْوَاحِدَةُ: جَرَادَةٌ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى؛ كَحَمَامَةٍ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ إجْمَاعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَادَيْنَ الْجَرَادَ فِي الأَطْبَاقِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إنَّ جَرَادَ الأَنْدَلُسِ لا يُؤْكَلُ؛ لأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ. فَإِذَا ثَبَتَ ذلكَ، فَتَحْرِيمُهَا لأَجْلِ الضَّرَرِ كَمَا تَحْرُمُ السَّمُومُ وَنَحْوُهَا. وَاخْتَلَفُوا هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَرَادَ أَمْ لا؟ وَحَدِيثُ الْكِتَابِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ، إلاَّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ زِيَادَةَ: " نَأْكُلُ الْجَرَادَ مَعَهُ "، قِيلَ: وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ: غَزَوْنَا مَعَهُ، فَيَكُونُ تَأْكِيداً لِقَوْلِهِ: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: نَأْكُلُ مَعَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا الأَخِيرُ هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ؛ إذ التَّأْسِيسُ أَبْلَغُ مِن التَّأْكِيدِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الطِّبِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ بِزِيَادَةِ: وَيَأْكُلُ مَعَنَا. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْجَرَادِ، فَقَالَ: ((لا آكُلُهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ))؛ فَقَدْ أَعَلَّهُ الْمُنْذِرِيُّ بِالإِرْسَالِ.
وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَن الضَّبِّ، فَقَالَ: ((لا آكُلُهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ))، وَسُئِلَ عَن الْجَرَادِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ النَّسَائِيُّ: ثَابِتٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَيُؤْكَلُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ؛ لِحَدِيثِ: ((أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعاً مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: إنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ.
وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفَ، وَقَالَ: لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ؟ وَوَرَدَ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ.
وَوَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ فِيهِ الْجَزَاءُ، فَدَلَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَالأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ بَرِّيٌّ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَحْرِيٌّ.