القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تَعَالَى:
وإنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، مِنْهُ بَدَأَ بلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ على رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ المؤمنونَ على ذلكَ حَقًّا, وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ، ليسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلاَمِ البَرِيَّةِ، فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البَشَرِ، فقدْ كَفَرَ، وقدْ ذَمَّهُ اللهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ، حَيْثُ قالَ تَعَالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}, فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قالَ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ, ولا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ.
الشيخ:هذه الجملة من.. بل هذه الجمل من كلام الطحاوي رَحمَهُ اللَّهُ اشتملت على تقرير قول السلف،وأئمة الحديث والسنة،وأهل السنة والجماعة والأثر في مسألة القرآن،وكلام الله جل وعلا،وأن القرآن كلام الله،منه بدأ وإليه يعود، وأن القرآن ليس بمخلوق، وأن من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، وأن من زعم أن القرآن كلام البشر فهو كافر؛ لتوعد الله جل وعلا على ذلك بقوله: {سأصلية سقر}.
وهذه المسألة،وهي مسألة القرآن،وكون القرآن كلام الله جل وعلا منزل غير مخلوق، هذه أكبر المسائل التي اختلف فيها المنتسبون إلى القبلة، ولأجلها وكثرت الكلام فيها سمي أهل الكلام بأهل الكلام، فهي مسألة شرقت وغربت في القرن الثاني الهجري، وكثر الكلام فيها، وإثبات ذلك ونفيه يعني: إثبات أن القرآن كلام الله،وأن الله يتكلم حقيقة وما أشبه ذلك، والكلام في نفي ذلك،حتى صارت عنواناً على الانحراف في التوحيد،بما سمي بعلم الكلام.
ومذهب أهل السنة والجماعة،الذي دلت عليه النصوص من القرآن والسنة، ودل عليه إجماع سلف هذه الأمة، هوما ذكره الطحاوي فيما سمعت فهو قوله: "وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا" وهذه الجمل إلى آخرها اشتملت على مسائل، يعني اشتملت على موضوعات:
الموضوع الأول: أن القرآن كلام الله.
والثاني: أنه ليس بمخلوق.
الثالث: أن من زعم أن القرآن كلام البشر فهو كافر.
والمسألة الأولى: وهي قوله: "وإن القرآن كلام الله..." إلى آخره، هذه نذكر فيها بعض التعريفات المهمة؛لتصورها،ولتصور مذهب أهل السنة والجماعة فيها:
أولا: قوله: "القرآن" بل قبل ذلك نقول قوله: "إن القرآن" هذه الكلام في كسر همزة إن،كالكلام في كسر الهمزة قبلها في قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى" يعني نقول في توحيد الله: إن القرآن كلام الله؛ لأن توحيد الله هو الإيمان، والكلام في القرآن كلام في ركن من أركان الإيمان؛ وذلك أن الإيمان هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، فالكلام في القرآن،وأنه كلام الله كلام في التوحيد،في توحيد الله تعالى تعريفات.
قال: "وإن القرآن كلام الله" القرآن في اللغة مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا، فالقرآن مصدر قرأ،كما قال الشاعر في وصف عثمان رَضِي اللهُ عَنْهُ:
ضحوا بأشمط عنون السجود به = يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
يعني: قراءة رَضِي اللهُ عَنْهُ وأرضاه.
وأما في الاصطلاح فالقرآن اسم لكل كتاب يتلى،أنزله الله جل وعلا على نبي من أنبيائه. وذلك يدل على أن تخصيص القرآن بالاسم بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام هو كتخصيص الدين الذي أنزل عليه بالإسلام، فالقرآن هو الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، كما أن الإسلام هو الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام،وإن اشترك في الإسلام دعوة جميع الأنبياء والمرسلين،وكذلك القرآن، دل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام،فيما ثبت عنه وصح: ما أذن الله لنبي.. ((ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يقرأ القرآن يجهر به يتغنى به))... سقط...
على أن قراءة النَّبِيّ لما انزل عليه،والتغني بذلك على أن هذا قراءة للقرآن... سقط... هي مصدر قرأ قراءة وقرآنا، لكن هي لما فيه شرف ومنزلة، فكلام الله هذا اللفظ الثاني، كلام الله هو صفة من صفاته، والكلام أصله في اللغة: ما سمع من الأقوال وتعدى قائلها، وهذا مأخوذ من اشتقاق المادة أصلاً،مادة الكاف واللام والميم؛فإن كلم هذه تدل على قوة وشدة في تصريفاتها وتفريعاتها في لغة العرب، كما حرر ذلك العلامة ابن جني في كتابه (خصائص اللغة)، وهذا يدل على أن حديث النفس لا يسمى في اللغة كلاماً، وعلى أن القول الذي يسمعه صاحبه دون غيره،يعني: ما يجريه على نفسه لا يسمى كلاما،يعني في اللغة،أو يحرك به لسانه لا يسمى كلاماً حتى يسمع غيره.
وهذا يدل عليه،من حيث الاشتقاق الأكبر والأوسط، أن كلمة كلام،حيثما أن هذه الأحرف الثلاثة كلم،حيثما صرفتها لا تدل على خفاء،ولا تدل على لين، ولا تدل على رخاوة،بل هي تدل على قوة وصلابة وشدة، فخذ مثلاً كلم بمعنى جرح، وكلم بمعنى تحدث، وقلب هذه الكلمة ملك فيه قوة، ولكم فيه قوة، وكمل فيها قوة، فحيث تصرفت هذه المادة وقلبتها مستخدماً الاشتقاق الأكبر والاشتقاق الأوسط فإن هذا يدل على قوة وشدة، ولا يدل على خفاء ورخاوة ولين.
وهذا اصل مهم في هذا الباب،في فهم معنى الكلام لغة، وسيأتي مزيد تفصيل عند الرد على قول الجهمية والمعتزلة في هذه المسألة.
قوله: "كلام الله" الكلام صفة من صفات الله، وإضافته إلى الله جل وعلا هنا إضافة صفة إلى موصوف،إلى متصف بها، والذي جاء في القرآن والسنة أن ما يضاف إلى الله جل وعلا نوعان:
النوع الأول: إضافة مخلوقات إلى الله سبحانه أعيان قائمة بنفسها، وهذا كإضافة البيت، بيت الله، وإضافة الناقة، ناقة الله،مخلوق إلى خالقه، ولكن هذه الإضافة بتخصيصها لله جل وعلا تدل على شرف المضاف إلى الله جل وعلا،يعني على شرف البيت، شرف الناقة، شرف محمد عليه الصلاة والسلام.
النوع الثاني: معان وليست بأعيان، معاني لا تقوم بنفسها،مثل الرحمة، لا يوجد أمامنا شيء يسمى رحمة مستقل عمن يقوم به، لا يوجد عندنا شيء يسمى كلاما مستقلا عن متكلم أو سامع، هذه المعاني والصفات إذا أضيفت إلى الله جل وعلا فإنها إضافة صفة إلى متصف بها، وهذا أخذ بقواعد اللغة العربية.
قال بعدها: "منه بدا بلا كيفية قولا" هذه الكلمة: "منه بدا بلا كيفية قولا" أوردها لاستعمال طائفة من أئمة أهل السنة والحديث والأثر لهذه الكلمة، وهو أنهم قالوا: القرآن كلام الله،منزل غير مخلوق،منه بدأ وإليه يعود. فاستعملها كما استعملها الأئمة من قبله.
قوله: "منه بدا" بدا منه، (من) هنا ابتدائية، و (من) لها استعمالات كثيرة في اللغة، ومنها أن تكون للابتداء، وقدمها الناظم في حروف المعاني، جمع معاني (من) في اللغة العربية،جمعها في اثني عشر معنى، وهي تزيد عن ذلك فقال:
أتتنا من، لتبين وبعـض = وتعليـل، وبـدء، وانتهـاء
وزائدة، وإبدال، وفصل = ومعنى عن، وعلى، وفي، وباء
فأول معاني من التبيين، ثم التبعيض والتعليل، والبدء، هذه رتبها.
ومعنى من الابتدائية أن يكون الفعل بدأ من المسند إليه.
وقوله هنا: "منه بدا" يعني أنه ابتداء من الله جل وعلا،يعني من الله ابتدا، فيعني بمن هنا أن ابتداؤه كان من الله جل وعلا، وهذا دلت عليه آيات كثيرة، كقوله: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} وكقوله: {تنزيل من حكيم حميد}، وغير ذلك كما سيأتي بيانه.
قوله:"بدا" هكذا بلا همز "منه بدا" تفسيرها يعني: ظهر منه،بدا يعني كان ابتداء ظهوره وخروجه من الله جل وعلا،ويقال فيها أيضاً: منه بدأ،بدأ بالهمز يعني: به الابتداء،منه ابتداء، وأن الله سبحانه هو الذي بدأه، لم يبتدأ تنزيله من غير الله جل وعلا،بل نزل من الله ابتداء.
قال: "بلا كيفية قولا" تقدير الكلام،أو سياق سبر الكلام المراد منه: منه بدا قولاً بلا كيفية يعني منه بدا،لم يبتدأ منه معنى،ولكن بدأ منه قولاً، ظهر وخرج القرآن منه قولاً، فهو كلامه، وقد ظهر وخرج،أو ابتدأ منه قولا، ففي قوله:"قولاً" إخراج لمن ادعى أنه معنى من المعاني، جعل في نفس جبريل.
قوله: "بلا كيفية" بلا كيفية يعني بلا كيفية معقولة، وإلا فإن كلام الله جل وعلا لا شك أن له كيف، ولكن الكيف غير معقول،فيصدق على هذا قول الإمام مالك في الاستواء: إن الاستواء غير مجهول،والكيف غير معقول.
قال: "وأنزله على رسوله وحيا" أنزله: يعني الإنزال من الله جل وعلا،والإنزال في القرآن والسنة جاء على نوعين:
النوع الأول: إنزال مطلق،وهذا يكون من الله جل وعلا،وقد يذكر من الله وقد لا تذكر، فكيف الإنزال المطلق من الله جل وعلا،وتارة وهو النوع الثاني: أن يكون إنزالاً مقيداً، يعني: أنه يقيد ابتداء الإنزال من شيء مخلوق {ونزلنا من السماء} فصار هنا ابتداء الإنزال أو التنزيل من السماء،ونحو ذلك من الآيات التي فيها تنزيل المقيد.
إذن قوله: "وأنزله على رسوله" هذا لأجل أن الآيات فيها ذكر التنزيل، والتنزيل مطلق منه جل وعلا،كقوله: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}، وكقوله: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} وفي آية الشعراء هذه قوله:{على قلبك}؛ لأن القلب به يتميز،أو تتميز المدركات؛ لأن القلب به تتميز المدركات المسموعة، أو المدركات المرئية، أو المدركات المعقولة، فذكر القلب في آية الشعراء؛لأجل تميز المدركات بأنواعها، تميز المسموع عن المسموع، وتميز المرئي عن المرئي،وتميز المعقول عن المعقول، وهكذا،وكذلك قوله: {تنزيل من حكيم حميد}،وكذلك قوله: {سلام قولا من رب رحيم}،والآيات في هذا الباب كثيرة متنوعة.
قال: "أنزله على رسوله وحيا"، والوحي هنا المقصود به أن الإنزال كان وحياً، "أنزله على رسوله وحيا"، أوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام،والوحي في اللغة، يعني تعريف الوحي في اللغة: إلقاء الخبر أو العلم في خفاء وسرعة، إلقاء الخبر أو العلم في خفاء وسرعة، ولهذا سميت الكتابة وحيا، وسميت الإشارة وحيا، وهكذا.وهذا باب معروف في اللغة واضح.
والوحي من جهة الاصطلاح اختلفت التعاريف فيه،بحسب اختلاف مذهب القائل، ولهذا تجد في كثير من كتب التفسير تعريفا للوحي لا ينطبق على مذهب أهل السنة والجماعة، في الكلام،في مسألة الكلام،وربما نقله من لا يحسن، فإذن لابد من معرفة تعريف الوحي في الاصطلاح، يعني: عند أهل السنة والجماعة، فعرف بأنه الوحي اصطلاحاً عند أهل السنة والجماعة: هو إعلام النَّبِيّ بشيء، إما بكتاب، أو برسول، أو بمنام،أو بإلهام،إعلام النبي بشيء، إما بكتاب وإما برسول، وإما بمنام، وإما بالهام. وفي كل من هذه خلاف لبعض المخالفين.
قال: "وصدقه المؤمنون على ذلك حقا" يعني: آمن به المؤمنون، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة.
وقوله هنا: "أيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة" استعمل لفظ: بالحقيقة؛ رداً على قول من قال: إنه كلام الله تعالى مجازاً، كما هو قول المعتزلة وغيرهم، هذا من جهة استعمال لفظ الحقيقة بما استعملت فيه عند أهل هذه البحوث... سقط...
ليس بمخلوق ككلام البرية، يعني: أن الله سبحانه تكلم بهذا الكلام وهو صفته ليس بمخلوق، بل هو وحي منزل، كلام الله جل وعلا صفته، وأما المخلوق فهو كلام البرية.
إذا تبينت لك هذه التعاريف،سنقف عند هذا،ونرجع إلى تقرير ما اشتملت عليه هذه الجمل، فيها تقرير أن القرآن كلام الله جل وعلا،وأنه منه بدأ، وأنه وحي، وأنه كلامه حقيقة، وأنه ليس بمخلوق، وهذه المسائل التي ذكرت هي التي قررتها الأدلة في الكتاب والسنة، حيث إنه من نظر فيها أيقن أن كل قول خلاف هذا القول فهو باطل، ولبيان ذلك فنقول: الكلام على ما اشتمل عليه كلامه السابق ينتظم في مسائل:
المسألة الأولى: نشأة القول بخلق القرآن، أو أن كلام الله مجاز وأشباه ذلك، مامنشأ القول بهذه المسألة؟ ولم خالف المخالفون في ذلك؟ من المعلوم أن أول من تكلم في هذه المسألة هو الجعد بن درهم، وضحى به،ضحى به خالد القسري، وكان يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، كما رواه البخاري في خلق أفعال العباد، هذه المسألة تطورت عند الجهمية،وعند جهم بخصوصه، فأصل لها أصلا؛وهو أنه نظر في أصل الدين، فوجد أنه مبني على إثبات وجود الله جل وعلا ـ وانتبه معي في سياق ما أذكر باختصار ـ نظر أن أصل الدين مبني على إثبات وجود الله جل وعلا،وقد ابتلى هو بطائفة من منكري وجود الإله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،وحيروه فيما أوردوا عليه من الأسئلة، فقالوا له: أقم لنا برهاناً عقليا على أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،أو على أن هذا الخلق له رب وله خالق، وأنه موجود،فتحير، ونظر في هذه المسألة،ثم قال لهم: وجدتها، فأقام البرهان بما يسمى عند أهله بحلول الأعراض في الأجسام،وهوأصل الانحراف في مذهب الجهمية، ثم المعتزلة، ثم الأشاعرة، والماتريدية.
ولهذا السلف ينسبون كل من انحرف في الصفات إلى جهم، فيقولون: هو جهمي؛ لأنه ما انحرف إلا بموافقته لجهم في هذا الأصل الذي أصله، وانحرف به عن منهج السلف، وهذه المسألة أو هذا البرهان الباطل وليس ببرهان بل هو دليل باطل، قال في تقريره: إن الجسم تحل فيه الأعراض، الجسم هو المتحيز، كتاب متحيز، كرسي متحيز، مبنى متحيز... إلى آخره، الأجسام تحل فيها الأعراض، والأعراض مثل البرودة، الحرارة، مثل الارتفاع، الانخفاض، مثل الطول،العرض، العمق... إلى آخره، مثل الحركة فيه،والتحرك، هذه الأشياء معلوم أنها لا توجد بنفسها،وإنما وجدت في الجسم، والجسم حلت فيه هذه الأعراض دون اختياره، فلهذا صار هذا الجسم،صار هذا الجسم جسماً محتاجاً إلى العرض؛ لأن العرض لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بالأجسام، وما دام أنه محتاج لصفاته.. لوجوده محتاج لصفات،فمعنى ذلك أنه غير...سقط...
الأجسام، دل على أنها مخلوقه، يعني على أنها محتاجة إلى من يأتي إليها بهذه الأشياء التيتميزها عن غيرها،وتصلح معها للوجود،فلهذا صار الجسم قابلاً لحلول الأعراض فيه، وصار إذن الجسم محتاجاً لغيره، فصار إذن مخلوقاً موجوداً، إذا تبين هذا قالوا له: هذا دليل صحيح،في أن الجسم لم يوجد نفسه، يعني الجسم المعين العين المعينة هذه لم يوجد نفسه، وأنه موجود، واقتنعوا بهذا البرهان،مع أنه في حقيقته غير مقنع،وغير مستقيم، فأثبت لهم وجود خالق،وجود رب لهذه الأشياء.
فلما نظروا في هذا قالوا له: هذا دليل صحيح، فصف لنا ربك. كان جهم فقيها،عنده علم بالكتاب والسنة، ولما سألوه هذا السؤال نظر في الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة،فتحير في أنه لو أثبت هذه الصفات لعادت على هذا الدليل الذي لم يجد غيره في إثبات وجود الله،عادت عليه بالإبطال؛ لأنه وجد في الكتاب والسنة أن من الصفات الاستواء، من الصفات العلو، من الصفات الرحمة، من الصفات الانتقام،من الصفات الإعطاء،من الصفات الغضب،من الصفات الرضا... إلى آخره، وهذه كلها معان لا تقوم بنفسها، وهي تأتي وتذهب،يعني من حيث هي.
فلهذا قال.. إنه لو قال لهم: إن الصفات،صفات الرحمن جل وعلا،هي التي جاءت في الكتاب والسنة على ظاهرها، فإنه يعود إلى أن سيقال له:إذن فالذي يتصف بهذه الصفات إذن هو محتاج، إذن هو مثل الجسم، وهو جسم كالأجسام، فلهذا قال لهم: إن الله سبحانه لا صفة له إلا صفة الوجود المطلق، وعلى هذا الأصل مشى جهم في نفي الكلام، ونفي جميع الصفات،حتى أسماء الرحمن جل وعلا، يفسرها بالآثار المخلوقة.
جاء بعده المعتزلة،فقالوا: هذا البرهان صحيح،ولكن ثم صفات دل عليها العقل، لا يمكن أن يكون الرب جل وعلا موجوداً دون هذه الصفات. جاء الأشاعرة وقالوا: كلام المعتزلة صحيح، لكن الصفات أكثر من الثلاثة التي أثبتها المعتزلة،فهي سبع،وتؤول إلى عشرين عندهم.بعد ذلك جاء الماتريدية،وقالوا: الصفات ثمان،لابد من الزيادة على السبع، وهي صفة التكوين،وهكذا.
إذن منشأ الضلال في هذه المسألة هو هذا البرهان الباطل على وجود الله جل وعلا،الذي جعل فيه دليل الأعراض هو الدليل على حدوث الأجسام، ومنه أبطل وصف الله جل وعلا بصفاته ونفى الكلام، ولهذا مسألة الكلام هي أعظم المسائل التي بحث فيها؛ لأنه ورثها جهم من الجعد بن درهم، وكانت أصل المسائل التي يفكر فيها من جهة الصفات، فلما قام برهانه صارت هذه المسألة،أو هذه الصفة من أوائل الصفات التي نفاها؛لأجل إقامة برهانه واستقامته.
إذا تبين لك ذلك،فثم تعبيرات مختلفة عن منشأ الضلال في هذه المسألة؛ فتارة تجد من يقول،وكلها حق،من يقول: إن منشأ الضلال في هذه المسألة هو أن إثبات صفة الكلام يستلزم التجسيم، وهي راجعة إلى ما ذكرنا، ومنهم من يقول: إن صفة الكلام المضافة إلى الله صفة تشريف،لا صفة،يعني إضافة تشريف لا إضافة صفة إلى موصوف، وهذان القولان هما اللذان ذكرهما الشارح ابن أبي العز في هذا الموضع، يعني شبهة الذين قالوا: إن كلام الله جل وعلا مخلوق.
المسألة الثانية: أن الناس اختلفوا في مسألة الكلام هذه إلى أقوال كثيرة، يهمك منها عدد الأول،يعني لا نستوعب الأقوال؛ لأنها طويلة،وبعضها لا فائدة منه.
الأول: قول أهل السنة والجماعة،وهو الذي سمعنا، وهو أن كلام الله جل وعلا، أن القرآن كلام الله جل وعلا،سمعه منه جبريل، فنزل به على محمد عليه الصلاة والسلام،فسمعه منه محمد عليه الصلاة والسلام،وأسمعه الناس، وتلاه عليهم، وأنه منه بدأ جل وعلا وإليه يعود، وأن كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يسمع، وإذا كان جبريل قد سمعه ونزله فإذن هو صوت سمعه بصوت، وليس معنى قذف في داخل جبريل أو أخذه من اللوح المحفوظ، وأن كلام الله سبحانه هو كلامه حيث وجد، وأنه إذا تلي فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري، فهو كلامه موجود في المصاحف، وهو كلامه موجود الذي يسمع في تلاوة التالي، وهو كلامه الذي يستدل به... إلى آخره، لا يخرج في هذه الحالات عن كونه كلام الله جل وعلا،وهذا هو الذي قرر في هذا الموضع من الطحاوية.
المذهب الثاني: مذهب الجهمية،وهو أن الله سبحانه لا يوصف بكلام أصلاً، وليس بمتكلم ولا بذي كلام، فيسلب عنه هذا الوصف، ويفسر الكلام بمخلوق منفصل،يقال له: كلام، فخلق الله هذا القرآن وسماه كلاماً له، فيكون الكلام كلام الله جل وعلا يكون خلقاً من خلقه.
المذهب الثالث: مذهب المعتزلة، وهو شبيه بمذهب الجهمية،إلا أنهم قالوا: إن القرآن مخلوق، خلقه الله جل وعلا في نفس جبريل، فعبر به جبريل،أو نقل جبريل ما خلق في نفسه، فهو مخلوق في نفس جبريل، وكلام الله جل وعلا يخلق في أحوال مختلفة، من جهة سماع موسى خلقت الشجرة، ويخلق في كذا، ويخلق في كذا... إلى آخر قولهم.
فإذن يتفقون على أنه مخلوق،الجهمية،ويجعلون زيادة عليهم أنه مخلوق في موضع يناسبه، وهذا منهم فقه أعظم من فقه جهم؛ لأنه حتى لا يعارض عليهم بأن القرآن تنزيل، وأنه نزل فقالوا: إنه أنزل،ولكنه خلق في نفس جبريل، أو في روع جبريل.
المذهب الرابع: أن هو مذهب الكلابية أتباع ابن كلاب، بل مذهب ابن كلاب نفسه وأتباعه من الأشاعرة وغيرهم، وهو أن كلام الله جل وعلا معنى واحد، وكتب الله تعبيرا عن هذا المعنى الواحد، فتارة يعبر عنه بالعربية فيسمى قرآنا، وتارة يعبر عنه بالسريانية فيسمى إنجيلا، وتارة يعبر بالعبرانية فيسمى توراة، هكذا. فإذن هو معنى وليس ثم صوت يسمع، ولا كلام حقيقة، ولكنه معنى قائم بنفس الرب جل وعلا،ألقاه في روع جبريل، فنزل به جبريل،عبر عنه جبريل بهذه التعبيرات المختلفة.
المذهب الخامس: هو مذهب الفلاسفة وطائفة من الصوفية، وهو أن كلام الله جل وعلا هو ما يفاض،أو ما يفيضه على النفوس من المعاني الخيرة،معاني الحكمة، وهذه الإفاضة قد تكون مباشرة منه إلى العقل الفعال عندهم، والعقل الفعال يفيضها على النفوس بحسب استعدادتها، وقد تكون هذه الإفاضة منه جل وعلا مباشرة على قلب الرجل،كقول طائفة من الصوفية، وقد تكون هذه الإفاضة بوسائط مختلفة.
المقصود من هذا تقرير للمذاهب المشهورة في هذه المسألة، وإلا فثم مذاهب أخرى لهذه المسألة، وكما ذكرت لك إن هذه المسألة من كبريات المسائل التي تكلم فيها الناس.
المسألة الثالثة: أدلة أهل السنة والجماعة على قولهم، ورد واستدلال المخالفين، بل نقول:أولا: أدلة أهل السنة والجماعة على قولهم،فكما سمعت المسألة مترتبة على أشياء.. فيها أشياء؛ففيها أن القرآن كلام الله، وهذه أدلتها كثيرة معلومة لكم، ومنها قوله جل وعلا: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}.
قوله: "من بدا قولا" هذا دليله قوله جل وعلا: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}،وقوله جل وعلا: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، قال: {وإنه لكتاب عزيز}،ثم وصفه ثم قال: {تنزيل من حكيم حميد}،ولهذا حرف من هذا من الأحرف المهمة في تقرير العقائد السلفية، فينبغي لطالب العلم أن يعتني به في كتب النحو وكتب المعاني؛ لأنه يفيد فيما ذكرنا في مواضع كثيرة، يفيد في هذا الموضع وفي غيره من المواضع.
قال: "بلا كيفية" يعني: أن الكيف غير معقول، وهذا يدل عليه قوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}, وأنزله على رسوله وحياً،يعني: أن القرآن وحي، وهذا أمر ظاهر متواتر معروف للجميع.
قال: "وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة" هذه الكلمة دليلها قوله جل وعلا: {وكلم الله موسى تكليما} فتكليم موسى أكد بالمصدر، فقال: {وكلم الله موسى تكليما} قال علماء العربية: إن تأكيد الفعل بالمصدر يدل على إرادة حقيقته, وألا يراد به غير الظاهر. والحقيقة هذا القول من باب التنزل معهم بحسب لغتهم، وإلا فإن استعمال لفظ الحقيقة والمجاز لهذا الموضع لا يصلح تأسيساً، وإنما إذا كان في الرد على المخالفين فلا بأس به من باب حدثوا الناس بما يعرفون، قارن بين هذه الآية وبين قوله: {فأجره حتى يسمع كلام الله}؛فإنه كلام الله جل وعلا الذي تكلم به هو حقيقة جمعاً بين الآيتين: آية براءة،وآية سورة النساء.
المسألة الخامسة.. أو الرابعة،الرابعة: أقوال أهل البدع، نخص منها قول المعتزلة وقول الأشاعرة، أما الأقوال الأخر؛الجهمية والفلاسفة هذه نطويها.
قول المعتزلة مشهور؛ وهو أن القرآن مخلوق، استدلوا بدليل عقلي كما ذكرنا، وهو أنه لو أثبت الكلام،وأن الكلام يسمع،فمعنى ذلك أن الرب جل وعلا جسم؛ لأن الكلام لا يصدر إلا بتغير،وهذا التغير إذا حل في شيء فإنه يدل على أنه جسم،على الذي ذكرنا لك من قولهم، وهذا القول يدلهم على أن الرب جل وعلا يجب أن ينزهه عن جميع مظاهر الجسمية بأنواعها؛ لأن وصفه جل وعلا بأنه جسم كفر، وهذا القول يرد عليه من جهتين:
الأول: أن ذكر صفة الكلام لله جل وعلا،وارتباط الجسمية بها، هذا ليس بصحيح، وذلك أن المقدمة التي بني عليها هذا القول هي البرهان،بما سموه حلول الأعراض في الأجسام، وهذا البرهان لم يدل عليه القرآن ولا السنة، بل دل القرآن والسنة على بطلانه؛ وذلك من جهة أن الجسم موجود بأعراضه، وأنه إذا كان العرض يحل في الجسم فدل على أن الجسم غير مختار لحلوله ـ لاحظ معي ـ إذا كان الجسم يحل فيه العرض والجسم لم يختر حلول العرض فيه، فدل على أنه محتاج، لا ينطبق على الصورة التي فيها الكلام؛ لأن من قال: إن القرآن كلام الله تكلم به؛ فلو قيل: إنه عرض فيقال: اتصافه به كان بمشيئته، وقدرته، واختياره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فخالف من هذه الجهة البرهان، فدل أولا: على أن البرهان في نفسه غير صحيح على هذه المسألة، يعني تطبيق البرهان غير صحيح في مسألة الكلام.
ودل ثانياً: على أنهم حينما أصلوا البرهان لم يطبقوه على وجه الصواب في الصفات، فجعلوا الجسمية والعرضية متلازمة دائماً مع الحاجة، وهذا فيه نظر كما ذكرت لك.
الرد الثاني: أن (كلام غير مسموع) رد قول المعتزلة، نعم ذكرنا الأول والثاني أن النصوص دلت على أن القرآن كلام الله جل وعلا،وعلى أن الله يتكلم، وعلى أن هذا أكد بمؤكدات، وهذه.. مجموع هذه النصوص إذا أريد تأويلها فإنه أولاً لا يستقيم في كل المواضع.
والثاني: أنه يلزم منه نفي الصفات التي وصف بها المعتزلة رب العالمين، أما الأول فلا يستقيم في كل موضع،فمثل ما قالوا في قوله: {وكلم الله موسى تكليماً} قالوا: إن معناه أنه {كلم الله موسى تكليما} يعني عند المعتزلة بأن معنى كلم الله موسى، يعني أنه سمع كلامه المخلوق في الشجرة، وهذا السماع أكد في حق موسى بأنه سمع كلاماً تكليماً، يعني:أن التكليم ليس تأكيداً للفعل الذي بدا من الله جل وعلا،ولكنه لإحساس موسى بما سمع.
وقال بعض الناس في هذا:{وكلم الله موسى تكليماً} يعني جرحه بأظافير الحكمة تجريحا، أخذوا من كلم يعني جرح. وقد جاء بعض المعتزلة إلى أبي عمرو بن العلاء،وهو أحد القراء الذين جعلوا قراءتهم معتمدة على النحو، فقال له في هذا الموطن: اقرأ: {وكلم اللهَ موسى تكليما}.قال: هبني قرأت ذلك،فما تصنع بقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}؟ وما تصنع بقوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله}؟ وهذا يدل كما ذكرنا لك على أنه لا يستقيم مع الآيات الأخر.
ردا على مداخلة غير مسموعة: كثيرة التقسيمات،نسيت.
ـ..........................
ـ ردينا على المعتزلة، الأول (غير مسموع) والثاني: أنه لا يستقيم في كل المواضع (طيب).
المسألة (اللي) بعدها قول الأشاعرة، وهذا هو أخطر الأقوال؛ لأن قول المعتزلة جمهور الأمة يقول بخلافه، يعني جمهور المنتسبين للقبلة يقولوا بخلافه، في زماننا هذا ما في من يقول بقول المعتزلة إلا ثلاث طوائف: الرافضة، والإباضية، أو الخوارج، والزيدية.
قول الأشاعرة ذكرنا لكم أن كلام الله معنى، وأن القرآن ألقي في نفس جبريل، فعبر عنه، وهذا القول منهم لا شك أنه أخف من قول المعتزلة؛ ولذلك تجد أن الأشاعرة هم الذين أخذوا زمام الرد على المعتزلة في خلق القرآن في القرون المتوالية بعد زمن السلف، كالإمام أحمد، والبخاري، والأئمة أولا تولوا الرد، وعثمان بن سعيد وغيره، ومن صنف، لكن من رد على المعتزلة ردوداً عقلية،وتوسع في ذلك هم الأشاعرة، وبينهم وبينهم مناظرات، ولأجل خلاف المعتزلة والأشاعرة في هذه المسألة كان أهل الحديث والأشاعرة في أول الأمر متفقين غير مختلفين،حتى حدثت فتنة ابن القشيري المعروفة في أواخر القرن الخامس، فصارت المنابزة العظيمة ما بين الأشاعرة وأهل السنة، فكان الأشاعرة لا يعقلون مذاهبهم في كل المسائل على التفصيل، حتى حدثت الفتنة.
المقصود من هذا أن الأشاعرة ردوا على المعتزلة في خلق القرآن، وأصل مذهب ابن كلاب في هذه المسألة أنه توسط ما بين قول أهل الحديث؛ لأنه خالط أهل الحديث،وما بين قول المعتزلة، فأتى بهذا الشيء الذي هو أن القرآن معنى؛ لأن الذي من أجله قيل: إن القرآن مخلوق هو أن كلام الله جل وعلا أصوات وحروف، وأنه يسمع فقال: ننفي هذه ونبقي كلام الله جل وعلا غير مخلوق، وأنه على حقيقته، ولكن نقول: هو معنى دون لفظ،دون سماع.
إذا تبين ذلك،فنأخذ من هذا تفصيل ـ ذكرني قبل ما.. إذا شردت ـ وهو أن ارتباط،أو دلالة الكلام في اللغة على اللفظ والمعنى فيها مذاهب، مذهب أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث والأثر، أن الكلام والقول إذا أطلق،يعني إذا قيل: الكلام كلام فلان،إذن قول فلان،كلام الله،قول الله جل وعلا فإنه يراد به شيئان معاً دون تفريق بين الواحد والآخر، يراد به اللفظ والمعنى جميعاً.
والثاني: مذهب المعتزلة،وهو أن الكلام هو في المعنى،وفي اللفظ مجاز.
والثالث: هو مذهب الكلابية،وهو أن الكلام للمعاني، ولكن الحديث إخراجه هذا دليل عنه، واستدلوا على هذا بقول الأخطل في الشعر المشهور المعروف، يعني المعروف عندهم في الاستدلال:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما = جعل اللسان على الفؤاد دليلا
والكلام على هذا البيت ورد الاحتجاج به إلى آخره،مر معنا في الواسطية فنحيلكم عليها؛ لأنه معروف مشهور كررناه أكثر من مرة.
نرجع إلى أصل المسألة؛وهو أن الكلابية والأشاعرة قالوا: إن الكلام،معنى كلام الله جل وعلا معنى ألقاه في روع جبريل؛ وهذا لأجل أنهم أصلوا تأصيلات، ومنها أن الكلام لا يدل على الإخراج، وإنما يدل على ما قام في النفس، كما استدلوا بهذا البيت، لهذا ذكرت لكم في أول الكلام تعريف كلَّم وكلَم وهذه المادة واشتقاقها ليبطل معه قول من قال: إن الكلام معنى؛ فإن اللغة دلت على أن الكلام لابد أن يكون لفظاً ومعنى، وحتى كلمة لفظ تدل على شيء ملفوظ مخرج، وما أحسن قول المعري وإن كان ليس مجال احتجاج قال:
من الناس من لفظه لؤلؤ = يبادر اللفظ إذ يلفظ
وبعضهم قوله كالحصى = يقال فيلغى ولا يحفظ
يعني من الناس من لفظه لؤلؤٌ،اللفظ لابد أن يلفظ يخرج، فكيف يكون الكلام والقول،يكون في الداخل دون الخارج؟! وكيف يكون المعنى يدل عليه في الإنسان بلا لفظ؟! وإذا كان ثم لفظ فإذن ثم معنى، واللفظ لابد أن يلفظ ويخرج، فدل ذلك على أن قولهم بأن الكلام معنى، وأن هذا هو الأصل فيه، هذا لاشك أنه معارض باللغة في تأصيلاتها واشتقاقاتها، وأيضاً معارض بالنصوص التي سقنا لك بعضاً منها.
الكلابية ورثهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدي في الكلام في هذه المسألة تارة يعبرون عنه بقولهم: الكلام صفة نفسية، وتارة يعبرون عنه بأن الكلام كلام الله جل وعلا قديم، قديم يعني قبل أن يخلق الخلق،قبل أن يوجد شيئا تكلم بكلام قديم وانتهى،تارة يعبرون عنه بأنه معنى قائم بالنفس، وتارة يعبرون عنه بأنه عبارة يعني القرآن عبارة عن كلام الله، يعني عبر به عن كلام الله.
إذا تبين لك ذلك،فحاصل معتقد هذه الطوائف الكلابية،الأشاعرة، الماتريدية أن القرآن قديم، كلام الله جل وعلا قديم،يعني تكلم الله جل وعلا به في الأزل، ثم لما أراد إنزاله على محمد عليه الصلاة والسلام قام ما تكلم به في الأزل به معنى، فألقاه في روع جبريل، فنزل به جبريل وعبر عنه، وإلا فكلام الله عندهم ليس بالعربية، وليس بالسريانية، وليس بـ.. إلى آخره؛لتنزهه عندهم عن اللغة.
إذا تبين ذلك فمن أحسن الردود عليهم ما استشكله الآمدي،والآمدي من حذاق الأشاعرة المعروفين،ومن الأذكياء، قال: إني نظرت في هذا القول،وهو أن كلام الله قديم، وأن القرآن قديم، وأنه حين أوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام إنما أوحي بالعبارة،ولما ألقي في نفس جبريل،فأشكل علي أن القرآن فيه آيات كثيرة فيها التعبير عنه بلفظ الماضي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وهل كان ثم مجادلة؟ وهل كان ثم زوج؟ وهل كان ثم قول حتى يسمع الله؟ قال: {قد سمع الله} فإذا كان الله جل وعلا قال هذا القول في الأزل،ولا زوجة ولا مجادلة ولا قول،فما الذي سمع؟فيلزم منه أن قوله: {قد سمع}،وكل الأفعال الماضية في القرآن أنها (إيش؟) غير مطابقة للواقع،وهذا هو الكذب.
وهذا لا شك أنه رد منطقي جميل؛ لأنه يلزمهم على أصولهم،ولا فرار لهم منه. إذا تبين لك ذلك فنقول: خلاصة الرد على هذه الطوائف يكمن في أشياء:
الأول: الاستدلال باللغة في معنى كلم، في معنى الوحي.هذا واحد.
الثاني: الاستدلال بالنصوص من القرآن والسنة،التي فيها الإضافة،والقاعدة فرق ما بين إضافة التخصيص وإضافة.. إضافة المخلوقات وإضافة المعاني.
والثالث: أنه يستدل أو يرد الكلام،يرد ما استدلوا به من أنواع الأدلة،مثل ما أصلوه في أن الكلام يدل على المعنى فقط في اللغة، وأن الوحي يكون بالمعنى وإلقاء في الروع وغير ذلك من الاستدلالات، ومن مثل قولهم: يلزم التشبيه،يلزم التجسيم... إلى آخره، وأيضاً بقول الآمدي في التفريق ما بين الماضي والحاضر.
كنا أطلنا عليكم والكلام يطول؛ لأن هذه المسألة فيها طول، يعني وأكثر المسائل وأعظم المسائل بحثاً وتفصيلات هي هذه على العموم.نقف عند هذا؛ لأن الوقت تأخر،ونكمل إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى المسائل في الدرس القادم.
تجد دائماً إذا أوضحت،أو سردنا مثل هذا واحد يتألم من جهة؛وهو أن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يقرر في مثل مذاهب الفرق والأقوال، الأقوام،لكن لابد منه؛ لأنه مع الأسف المجتمعات،مجتمعات المسلمين،وبلادنا بخاصة،وكل من سيصلهم هذا الكلام عن طريق الأشرطة مجتمعات اختلطت، وصار فيها من أتباع الفرق جميعاً،ولا يحسن أن يبقى طالب العلم السني السلفي عريا عن قوة الحجة، وقوة الدليل، وعن فهم كلام الناس في ذلك؛ لأنه قد يقال: إنكم ما تفهمون،تقلدون... إلى آخره.
فإذن فهم المسائل وضبطها،واستطاع أن يرد على أولئك فقد نصر الحق، إضافة إلى أن كتب التفسير المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة أكثر من كتب التفسير السلفية، فأكثر كتب التفسير والحديث وإلى آخره شروح الحديث،يعني وكتب الأصول كلها على منهج الأقوال، لا تجد كتاباً في الأصول من الكتب المتقدمة إلا ما شذ،أثبت منهج أهل السنة والجماعة في مسألة الكلام، حتى كتب الحنابلةتجد فيها ضلال في هذه المسألة؛ لأنهم وافقوا الأقوام في أن القرآن عبارة أو معنى ونحو ذلك. نجيب عن بعض الأسئلة في ثلاث دقائق:
سؤال: أدلة المعتزلة كثيرة،يعني على، هذا يسأل عن أدلة المعتزلة ومرادهم؟
جواب: مما استدلوا به: أن إن الجعل إن الله جل وعلا قال: {إنا جعلناه قرآناً عربياً} ونحو ذلك، فذكر الجعل،والجعل قالوا: هو بمعنى الخلق {وجعل فيها زوجين اثنين} يعني: خلق وجعل فيها زوجين، يعني وجعل فيها زوجين اثنين،يعني خلق {وجعل منها زوجها} يعني خلق وهكذا.
والجواب على كلامهم معروف، وهو أن الجعل في اللغة إذا تعدى إلى مفعول واحد صار بمعنى خلق، وإذا تعدى إلى مفعولين صار بمعنى صير {إنا جعلناه قرآناً عربياً} يعني صيرناه قُرْآناً عربياً، يعني غير خلقناه، والآيات على هذا كثيرة؛ لأن هذا من أضعف حججهم، لأنها منقوضة في اللغة. نعم.
ردا على سؤال غير مسموع: العلم، كيف العلم؟
ـ.....................
ـأقول: ما العلاقة بينهما عندك في هذا الموضع (إيش) العلاقة بين العلم والكلام النفسي؟
ـ.....................
ـ ما فهمت، يعني ما فهمت السؤال (إيش) العلاقة بينهما في هذا الموضع؟
ـ.....................
ـ ما الفرق؟ يعني قصدك ما يعلمه الله جل وعلا وما يتكلم به.
ـ.....................
ـ يعني من هذه الجهة،هذه الجهة ما في فرق عندهم، ما في فرق،يعني كل ما قام بالنفس فهو معنى قائم بالنفس، ولكن العلم فرق بينه وبين الكلام؛ لأن العلم راجع إلى المعلومات، وأما الكلام راجع إلى ما سينسب إليه كلاماً عندهم، إن ما قام بالنفس من الكلام هذا موافق لما تكلم به، فإذن هو تكلم في الأزل بكلام بالقرآن، والآن يعني حين أراد الوحي قام بنفسه المعنى الذي تكلم به فأوحى إلى جبريل هذه المعاني في نفسه،فعبر عنها جبريل.واضح؟
سؤال: ما رأيكم في من قاس الكلام على الاستواء؟
جواب: ذكرت لكم في إشارة،أو ربما إني ما ذكرتها لكن منهج السلف في الكلام أن الكلام قديم النوع حادث الآحاد، يعني:أصل صفة الكلام لم يزل الله جل وعلا متصفا بها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واتصافه بالكلام أول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، اتصافه بالكلام أزلي، لذلك يقولون: كلام الله جل وعلا قديم النوع حادث الآحاد، وكلامه نوعان جل وعلا: كلام كوني قدري، وهو الذي به تكون الأشياء، ويتصرف سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ملكه، وهو الذي جاءت فيه الاستعاذة ((أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة،ومن كل عين لامة، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق))،وفي مثل قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} ونحو ذلك من الآيات هذه الكلمات الكونية القدرية.
والنوع الثاني من كلام الله جل وعلا: الكلام الشرعي الديني، وهو الذي تعبد الناس جل وعلا أن يعملوا به في العمليات، وأن يصدقوا بأخباره، ومع هذا مذهب الأشاعرة يقولون: هذا قديم،كله قديم.
سؤال: هل القرآن الكريم حروفه ومعانيه مكتوب في اللوح المحفوظ؟
جواب: نعم،كما قال سبحانه: {إنه لكتاب مجيد في لوح محفوظ}, وقال جل وعلا: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون}،الله جل وعلا جعل القرآن في اللوح المحفوظ مكتوباً قبل أن يتكلم به، فما في اللوح المحفوظ هذه مرتبة الكتابة، مرتبة الكتابة لا علاقة لها بالكلام، كما أنه سبحانه جعل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وفيه ثم تقدير سنوي، وتقدير عمري، وتقدير يومي إلى آخره. فكذلك جعل الله جل وعلا كلامه الذي هو القرآن جعله في اللوح المحفوظ؛تكرمة له ويصان، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعني محموعاً كاملاً،ثم هو جل وعلا تكلم به فسمعه منه جبريل.
ولهذا نقول: إن ترتيب الآيات في السور توقيفي، وكذلك ترتيب السور توقيفي،ما يجوز أن نقول: الترتيب اجتهادي، وهذا اجتهادي؛لأنه هكذا أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءت به العرضة الأخيرة الموافقة لما في اللوح المحفوظ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في أول الأمر البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، كما جاء في حديث حذيفة وغيره، هذا في الأمر الأول، ثم لما كمل القرآن وتمت آياته،وعرض على النبي عليه الصلاة والسلام عرضه النبي عليه الصلاة والسلام على جبريل في العرضة الأخيرة على هذا الترتيب والصحابة... سقط... لهذا كان إذا جاءت آية قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها بعد آية كذا،وقبل آية كذا كما هو معروف.
سؤال: هل نزل القرآن من الله إلى جبريل منطوقاً أم مكتوباً؟
جواب: لا، منطوقاً يعني مسموعاً سمعه جبريل، أما المكتوب فلا علاقة لجبريل عليه السلام به، هذا من أقوال الأشاعرة؛ أنهم قالوا: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ،وقاله السيوطي وغيره،هذا باطل؛ لأن الكتاب لا علاقة لجبريل بها، جبريل سمع فأدى.
سؤال: لو رتبت كتب العقائد لمن أراد الاستفادة قراءة وشرحاً؟
جواب: لعلها ما رتبت في القرون،فنبقى كما بقوا.
( كلام غير مسموع )
سؤال: من سأل النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو له،وأن يطلب له المغفرة من الله بعد موته،هل هذا شرك؟
جواب: الجواب تم هو شرك أكبر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يدعى بعد موته، فطلب الدعاء من الميت،طلب الدعاء من الميت، طلب الدعاء بالإغاثة أو الاستسقاء، يعني أن يدعو الله أن يغيث، أن يدعو الله أن يغفر، أن يدعو الله أن يعطي ونحو ذلك، هذا كله داخل في الدعاء،في لفظ الدعاء، والله جل وعلا قال: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}
والذي يقول: إن هذه الصورة،وهي طلب الدعاء تخرج عن الطلب الذي به يكون الشرك شركاً فإنه ينقض أصل التوحيد كله، ينقض أصل التوحيد كله في هذا الباب، فكل أنواع الطلب؛طلب الدعاء،طلب يعني طلب الدعاء من الميت، طلب المغفرة من الميت، أو طلب الدعاء من الميت،أن يدعو الله، أن يغفر، أو طلب الإغاثة من الميت، أو طلب الإعانة أو نحو ذلك،كلها باب واحد،هي طلب، والطلب دعاء، فداخلة في قوله تعالى: {ومن يدعو مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}،وفي قوله: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}, وفي قوله: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} ونحو ذلك من الآيات.
فتفريق مضاف للدليل، ومن فهم من كلام بعض أئمتنا التفريق،أو أن هذا طلب الدعاء من الميت بدعة، لا يعني إنه ليس بشرك، بل هو بدعة شركية، يعني ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، وإنما كانوا يتقربون ليدعو لهم، لكن أن يطلب من الميت الدعاء هذا بدعة،ما كانت أصلاً موجودة لا عند الجاهلين ولا عند المسلمين، فحدثت، فهي بدعة ولا شك، ولكنها بدعة شركية كفرية، وهي معنى الشفاعة (إيش) معنى الشفاعة؟ (اللي) من طلبها من غير الله فقد أشرك؟ الشفاعة طلب الدعاء، طلب الدعاء من الميت هو الشفاعة.
نكتفي بهذا القدر ونلتقي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وفقكم الله لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على محمد ( كلام غير مسموع ) طيب القدرة أليست مثل الكلام؟القدرة (ليش؟) ما ( كلام غير مسموع ) أليس المخلوق متصف بالقدرة (هه)؟ ـ السائل: نعم ـأليست القدرة تأتي،أنت تقدر على الشيء وتفعل ولا تقدر، يعني بمعنى تنفذ قدرة ولا تنفذ تريد ولا تريد (كلام غير مسموع من السائل) يعني بمعنى أنها....
الشيخ:...والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،اللهم إنا نسألك علما نافعا،وعملا صالحا، وقلبا خاشعا، ودعاء مسموعا،اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا،وزدنا علما وعملا يا أرحم الراحمين. وكالعادة فيما يجتمع الإخوة نجيب عن بعض الأسئلة:
سؤال: ما حكم سب الدهر؟
جواب: سب الدهر محرم؛ لأنه إيزاء لله جل وعلا،كما قال جل وعلا في الحديث القدسي:((يؤذيني ابن آدم؛يسب الدهر، وأنا الدهر،أقلب الليل والنهار)).
فسب الدهر، بمعنى أن يتنقصه، أوأن ينسب إليه الأفعال القبيحة وأشباه ذلك هذا في الواقع لا يتوجه إلى الدهر؛ لأن الدهر يقلب الدهر، ليس يفعل شيئا وإنما يتوجه إلى من جعل الدهر على هذه المثابة، ومن جعل الدهر بهذه الصفة وهو الله جل وعلا،لهذا قال:((يؤذيني ابن آدم؛يسب الدهر، وأنا الدهر،أقلب الليل والنهار))، فمسبة الدهر حرام، وإيزاء لله جل وعلا.
وقوله جل وعلا في الحديث القدسي: ((وأنا الدهر)) لا يفهم منه أن الدهر اسم من أسماء الله جل وعلا، بل يعني: أن الذي سب الدهر وقعت مسبته على الله جل وعلا؛لأن الله سبحانه هو الذي يصرف الدهر كيف يشاء.
إذا تبين ذلك، وقد ذكرنا مرارا أن وصف الدهر بأوصاف مما يقع فيه من الأوصاف المشينة ليست مسبة للدهر،كقول القائل: هذا يوم أسود، أو هذا شهر نحس، أو نحو ذلك فإن هذا ليس بمسبة للدهر؛ لأن هذا وصف لما يقع في الدهر, لما يقع في اليوم، أو لما وقع فيه،لما يقع في الشهر، أولما وقع فيه،وهذا كما قال جل وعلا: {في يوم نحس مستمر}، وقال سبحانه: {في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} فوصف الله جل وعلا الأيام التي عذب فيها الكفرة أنها أيام نحيسة، فمثل هذا ليس بسب للدهر؛ لأنه هذا وصف لما وقع فيه بالإضافة إلى المخلوق.
سؤال: قال: هل يدخل في سب الدهر قول القائل:الدهر باق، والزمان غدار،ونحو ذلك؟
جواب: نعم؛ لأن هذا من التنقص، وهذا من سب الدهر؛ لأن الدهر لا يقضي على أحد، ولكن الذي دبر الدهر،وقدر فيه ما قدرهو الله جل جلاله.
سؤال: هل آية الرجم المعروفة تعتبر من كلام الله غير أنها منسوخة، ولا يجوز التعبد بتلاوتها؟
جواب: الجواب أن كل آية نزلت على النبي _ عليه الصلاة والسلام _ فهي من كلام الله جل وعلا،سواء كانت باقية، أم كانت منسوخة،كما قال جل وعلا: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} وفي القراءة الأخرى: {ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْهَا نأت بخير منها أو مثلها} فالآيات التي نسخت قرآن، ولكنه نسخت تلاوتها، والتعبد بذلك، وحكمها منسوخ، وهذا إذا كانت منسوخة، وأما إذا لم تكن الآية منسوخة فإنه قد تترك آية لغير النسخ كما قال:{نأت بخير منها أو مثلها}.
سؤال: يستخدم بعض الكتاب ألفاظا منسوبة إلى القرآن،كقولهم: قال القرآن أو تحدث القرآن، فند القرآن،هذه الشبهة،هل يصح الحكم عليها بأنها متفرعة عن القول بخلق القرآن؟
جواب: الجواب لا؛ لأن هذه الكلمات جرت على ألسنة كثير من أئمة أهل العلم السابقين،يقولون: وقال القرآن, وورد القرآن ونحو ذلك،فينسبون الفعل إلى القرآن.ومعلوم أن القرآن كلام الله جل وعلا،ففي الحقيقة القائل هو الله جل وعلا،كأنهم قالوا: قال الله في القرآن، تحدث الله في القرآن، وورد الله في القرآن وأشباه ذلك.
سؤال: ما حكم تقليد الأئمة أثناء قراءة الإمام في الصلاة،بلغنا عنك أنك تحرم ذلك، ونريد التأكد؟
جواب: هو المشكلة في بعض الشباب أنه يأخذ الحكم، وما يفهم الصورة (اللي) جرى الكلام عليها تقليد الأئمة، (إيش) معنى تقليد الأئمة؟ماله معنى،سمع مرة البحث في الموضوع بحثناه هنا في المسجد، وما فهم المسألة وقال: بلغنا أنك تحرم تقليد الأئمة،ولو سألناه ما معنى تقليد الأئمة؟ ما عرف الجواب،لهذا دائما أوصيكم بأن تحرص على فهم المسألة قبل الحكم؛ لأنك قد تنزل الحكم من حل، أو تحريم على غير المسألة التي تكلم فيها العلماء.
فالكلام ينبغي أن يفهم أولا تفهم الصورة،ما الذي يتحدث عنه،قبل أن تعرف الحكم والدليل،حتى إذا اتضحت الصورة بعد ذلك يأتي الدليل، ويأتي الحكم،وقد ذكرنا لكم في كيفية دراسة الفقه، وكيفية دراسة العقيدة أن أول مرحلة في فهم أو في دراسة العقيدة، وفي دراسة الفقه أن تعرف ألفاظ الكلام،لغة أهل العقيدة، لغة أهل الفقه التي يتحدثون بها، ثم ثانيا: أن تفهم صورة المسألة التي يتحدث بها،ذكرنا لكم سبع نقاط في الفقه، وفي العقيدة، التي من تدرج فيها أحسن تصور المسائل، وفهم الدليل، والتعليل، والخلاف إلى غير ذلك.
فهذه المسألة؛ تقليد الأئمة أثناء القراءة،قراءة الإمام في الصلاة هذه بغير واضحة، وإن كنت أعرف ماذا تحدثنا فيه تقليد الأئمة ما في تقليد الأئمة (إيش) معناه؟
تقليد الأئمة (اللي) تكلمنا عنه التلفيق، التلفيق بين قراءة القراء في الصلاة الواحدة،يعني أن يقرأ قارئ بحرف عاصم، أو بقراءة عاصم برواية حفص، ويقرأ أيضا بورش،هذا تلفيق ولا يصح،يقرأ بقراءة تامة حتى وهو منفرد،ليس شرطا في الجماعة إذا صار منفردا، ما يجوز له أن يلفق،يقرأ آية برواية حفص عن عاصم، ثم يقلب قالون عن نافع، ثم يقلب إلى كذا،هذا تلفيق، والقراءة سند قال الله جل وعلا: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} إذا قرأناه فاتبع قرآنه،فأنت تتبع قراءة القارئ التي نقلها عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولا تلفق في القراءة،التلفيق في القراءة لا يجوز.
ـ.................
ـ نعم.
ـ.................
ـ تقليد الأئمة يقصد (إيش؟)
ـ.................
ـ إذا كان يقصد أنه،يقصد يعني الأئمة يعني محاكاة الصوت،أن يقرأ مثلا بقراءة الشريم، أو بقراءة السديس، أو بقراءة (غير مسموع) هذا ما مر، أن تكلمت فيها بحل، أو بحرمة.
سؤال: كان من الردود على المعتزلة في الدرس الماضي،أنهم إذا أرادوا تأويل صفة الكلام فإنه يترتب عليه نفي الصفات التي أثبتها المعتزلة،مع أنه قد تقرر في كثير من الدروس أن المعتزلة لا يثبتون أي صفة من الصفات فما الجواب؟
جواب: الجواب أن الذي قررناه، وهو المعروف أن المعتزلة يثبتون ثلاث صفات، وأما الذين لا يثبتون إلا صفة الوجود المطلق بشرط الإطلاق هم الجهمية،وكل من أثبت صفة من الصفات ونفى الباقي فإنه يطعن بإثباته على ما نفاه مثلا يقال لمن أثبت صفة الوجود قال: إن الله جل وعلا ليس له إلا صفة الوجود فقط،الوجود المطلق،يقال له: لم نفيت غيرها من الصفات؟ لم نفيت صفة العلم؟ لم نفيت صفة الكلام؟ لم نفيت صفة المحبة؟
فسيقول: إن هذه الصفات تستلزم المشابهة،التمثيل، أو التشبيه فيقال: لم؟يقول: لأن المخلوق يتكلم،فكيف نقول: إن الله يتكلم، والمخلوق يتكلم معناه في تشبيه نقول: إن الله يحب والمخلوق،يحب معناه أن هذا فيه تشبيه فيقال له، وكذلك الصفة التي أثبتها وهي الوجود أيضا مشتركة فالمخلوق موجود،وتقول: الله جل وعلا موجود،المعتزلة يقولون.. يثبتون القدرة،والله جل وعلا يثبتون القدرة لله جل وعلا،والمخلوق عنده قدرة،فما الفرق ما بين ما أثبت وما بين ما نفى؟
الوجود أيضا مشترك فيه تشبيه،إذا قلنا: إن وجود الصفة من حيث هي في المخلوق وفي الله جل وعلا، أن هذا تشبيه،فإذن الوجود فيه تشبيه،فالله جل وعلا موجود والبشر موجودون،إذن ثَم تشبيه،فالصفة التي أثبتها فيها تشبيه،وهو يريد أن ينفي التشبيه،أن ينفي الصفات الأخرى لأجل التشبيه.
كذلك نأتي للأشاعرة ونقول: أنتم أثبتم سبع صفات؛السمع والبصر،والعلم والكلام، والإرادة... إلى آخره،فنقول: لم أولتم صفة الوجه؟لم أولتم صفة اليدين؟لم أولتم صفة الغضب؟صفة الرضا؟صفة المحبة؟صفة الرحمة؟إلى غير ذلك،يقولون: لأن هذه تستلزم التشبيه.فنقول: كذلك صفة السمع تستلزم التشبيه، كذلك صفة البصر تستلزم التشبيه، كذلك صفة الإرادة،الله جل وعلا يريد،والإنسان يريد،لماذا ما قلنا: إن هذا فيه تشبيه؟ يجيب الجميع منهم على اختلاف فرقهم بأن إرادة الله جل وعلا مختلفة عن إرادة المخلوق؛ لأن قدرة الله جل وعلا مختلفة عن قدرة المخلوق،نقول إذن نقول في باقي الصفات مثل هذا الأصل فكلام الله جل وعلا يختلف عن كلام المخلوق، ورحمة الله تختلف عن رحمة المخلوق، فإثبات الصفات إثبات وجود،إثبات لفظ ومعنى،لا إثبات كيفية، فلا اشتراك في الكيفية.
الله جل وعلا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فكما أن سبحانه له سمع يليق بجلاله وعظمته، فكذلك له بصر يليق بجلاله وعظمته،له كلام يليق بجلاله وعظمته. وسمع الإنسان، وبصر الإنسان،وكلام الإنسان هذا يليق بحال الإنسان،فإذن الاشتراك في أصل الصفات، أما الكيفية، وتمام المعنى فهذه لااشتراك فيها،فإذن كل مؤول للصفات من الفرق يلزمه التناقض،كل من أول يلزمه التناقض، بل سيما أهل البدع دائما التناقض؛ لأنه يتناقض،ولو أعملوا القاعدة أننا نسلم للقرآن والسنة،وما قاله السلف الصالح لما صار تناقض في أبواب الاعتقاد أبدا، ولكنهم تارة يثبتون، وتارة يتأولون بعقولهم؛ لأنهم خلطوا قولا سنيا وآخر عقليا.
سؤال: هل معنى قول من قال: إن القرآن مخلوق، أنه مثل أعضائنا وغير ذلك من المخلوقات؟
جواب: الجواب لا يقولون:القرآن مخلوق،يعني أن الله سبحانه خلق هذا الكلام وسماه قرآنا، أو أن الله خلقه في نفس جبريل،فعبر جبريل بذلك،ليس أن ثم شيء مخلوق يعني له صفة وجود، أو يمس ويحس مثل الأعضاء،لا،خلق هذا الشيء، يعني أنه ليس صفة له،خلقه في نفس جبريل وعبر جبريل عما وجده في نفسه.
سؤال: كيف نوفق بين كون الله تكلم بالقرآن،وأن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ؟
جواب: الجواب أن مرتبة الكتابة أو جهة الكتابة للقرآن غير جهة الكلام؛فالله جل وعلا يعلم ما سينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} والله سبحانه يعلم أن هذا القرآن،هذا الكلام سينزله على عبده محمد _ عليه الصلاة والسلام _ فجعل هذا الذي سينزله مكتوبا في القرآن؛تشريفا له، وتعظيما لمكانته،لمكانة هذا القرآن، ولأنه حجة الله الباقية إلى قيام الساعة، أما التكلم فكلام الله جل وعلا بالقرآن إنما هو حين أراد أن يبعث محمدا_ عليه الصلاة والسلام _ أو حين أراد أن ينبهه،أما نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا فهذا أيضا عند من قال به نزول مكتوب لا نزول مسموع.
سؤال: هذا يقول: إذا خلوت بنفسي تراودني نفسي على فعل المعصية،وأحاول المجاهدة،لكنها تغلبني،مع أن ظاهري الصلاح،فهل يعد هذا من الخلوة بمحارم الله، علما بأني أستر على نفسي؟
جواب: الجواب أن العبد المؤمن إذا من الله عليه بنفس لوامة فإنه على خير،النفس التي تلومه على فعل الذنب، وتحسن له فعل الخير،وقد جاء في الأثر: ((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت المؤمن))، أو ((المؤمن من تسره حسنته وتسؤْه سيئته)) وإذا ابتلى الله جل وعلا العبد بذنب،فإنه إذا عمله في خلوة أيسر مما إذا عمله في علن، أو جهر به؛ لأن الله جل وعلا يستر على عبده.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((كل أمتي معافى)) يعني يغفر له بالأسباب ((إلا المجاهرون))،((كل أمتي معافى إلا المجاهرون)) قالوا: ومن المجاهرون يا رسول الله؟قال:((من يصبح وقد ستر الله عليه ذنبه فيصبح يتحدث للناس بما فعل في ليلته)).
فالعبد إذا ابتلي بمعصية فإن المعصية إذا كانت سرا لم تضر إلا صاحبها،ويمن الله جل وعلا على عبده المنيب بالمغفرة، وأما إذا تحدث بها فإن هذا مجاهرة بمعصية الله،يتحدث فعلت وفعلت من باب الاستعلاء، وعدم رعاية حق الله في المعصية، والاستهانة بالمعصية، والتهاون بها،لهذا قال بعض أهل العلم: إن العبد قد يعمل كبيرة من الكبائر، فتظل نفسه تلومه، وتلومه وتلومه حتى يغفر الله جل وعلا له تلك المعصية الكبيرة باستغفاره، وبإنابته، وإن العبد ليفعل المعصية من الصغائر،فيظل يتهاون بها،يتهاون بها،ولا يراها شيئا،حتى تؤول به إلى كبيرة.
وقد ثبت في الصحيح: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الرجل الكافر، أو قال: المنافق إذا عمل بالمعصية فكأنما مر على أنفه ذباب،فقال به هكذا يعني ليست بشيء تطير كأنه،وبعد ذلك قليل، ولا كأنه عمل شيئا، وإن العبد المؤمن، أو قال الصالح إذا فعل معصية فكأنما على رأسه جبل،يخشى أن يقع عليه. فالعبد المؤمن إذا كانت تسره حسنته وتسوؤه... سقط...
ثم يصبح يتحدث فعلت وفعلت، وقابلت، ونظرت وغشيت وكذا وكذا وإلى آخر ذلك متفاخرا بذلك،متهاونا به،نسأل الله جل وعلا للجميع المغفرة، والتوبة، والإنابة، وأن يمن علينا بالعمل الصالح،وبمغفرة الذنوب جميعها.اقرأ.