المركب إما مهمل، وهو موجود خلافا للإمام، وليس موضوعا.
(ش) لا خلاف أن المهمل يوجد في المفردات أما المركبات بأن يكون المدلول لفظا مركبا مهملا – فقال الإمام: الأشبه أنه غير موجود، لأن التركيب إنما يصار إليه لغرض الإفادة، فحيث لا إفادة لا تركيب وخالفه البيضاوي ومثله بلفظ الهذيان فإن موضوعها ألفاظ مركبة مهملة فيقال لضرب من الهوس أو غيره لا يقصد بها الدلالة على شيء، وجرى عليه المصنف، وحكى الهندي كلام الإمام ثم قال: وهذا حق، إن عنى بالمركب ما يكون جزؤه دالا على جزء المعنى حين هو جزؤه وإن عنى به ما يكون لجزئه دلالة في الجملة ولو في غير معناه، وما يكون مؤتلفا من لفظين كيف كان التأليف، وإن لم يكن لشيء من أجزائه دلالة فهو باطل أما الأول فمثل: عبد الله، إذا كان علما فإن اسم العلم يدل عليه، وهو لفظ مركب على هذا التقدير غير دال على المعنى المركب، وأما الثاني: فلفظ الهذيان، فإنه يدل على المركب من مهملتين، أو من لفظة مهملة ومستعملة وهو غير دال على المعنى المركب، هذا إن أراد بعدم دلالته على معنى المعنى المركب، أما إن أراد به لا يدل على معنى أصلا، وأراد باللفظ المركب المعنى الثاني – فينتقض بالثاني دون الأول. انتهى. (وليس موضوعا) أي: للعرب بلا خلاف.
(ص) وإما مستعمل والمختار أنه موضوع.
(ش) يشير إلى الخلاف في أن المركبات موضوعة أم لا؟ والراجح – كما قاله القرافي وغيره – أنها موضوعة، لأن العرب حجرت في التراكيب كما حجرت في المفردات، فعلى هذا تكون دلالة المركب على معناه بالمطابقة لكن الذي رجحه النحويون، كابن مالك، وابن الحاجب وغيرهما، أنها ليست موضوعة، وإلا لكان استعمال الجمل يتوقف على النقل عن العرب كما في المفردات.
(ص) والكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته.
(ش) (ما تضمن من الكلم): بيان لجنس الكلام، وأنه ليس خطأ ولا رمزا ولا إشارة، وإطلاق الكلام عليها مجازا، و(ما) بمعنى شيء فيصلح للواحد فما فوقه وقوله: (من الكلم) يخرج به الواحد وهو أحسن من قول (المفصل): ( ما تركب من كلمتين) لشموله ذات الكلمات، فإن بعض الكلام تكثر أجزاؤه حتى يصير خمسين كلمة وستين كلمة وثمانية كلمة، كقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى {يعقلون} وقوله تعالى: {إذا الشمس كورت} إلى {أحضرت} وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} إلى {ما ملكت أيمانكم} وأحسن من قول ابن الحاجب: ما تضمن من كلمتين (لأنه إن سلم من عدم تناول ذي الكلمتين – لكن لم يتناول ذا الكلمات، لأن ما تضمن كلمتين) لا بد من كونه، ذا أجزاء من جملتها الكلمتان، فإن التضمن غير المتضمن، والشيء لا يتضمن نفسه، والمراد بالإسناد: تعليق خبر بمخبر عنه، كزيد قائم أو طلب مطلوب عنه، كاضرب فيخرج النسبة التقيدية، كنسبة الإضافة في: غلام زيد، ونسبة النعت في نحو: الرجل الخياط (من قولنا: جاء الرجل الخياط) واحترز بالمفيد من نحو: السماء فوق الأرض والواحد نصف الاثنين، فلا يسمى كلاما إلا مجازا، وبالمقصود: عن كلام النائم (والساهي والطيور والقابلة للتلقين، وبالذات: عن المقصود لغيره كجهله للشرط قبل جوابها فإنها ليست بكلام) لأنها لم تقصد لذاتها، بل المقصود لذاته هو الجواب، والشرط مذكور لأجله فإن قولك: إن يقم زيد أقم، لم تقصد الحديث عن زيد، بل عن نفسك بالقيام مشروطا بقيام زيد، وكذا الجمل الموصول بها، من: جاء أبوه، من قولنا: الذي جاء أبوه، لأن من شرط صحة الوصل بها كون معناها معهودا عند السامع، وإنما يقصد بها إيضاح معنى الموصول، لأنها منزلة منزلة جزء كلمة، والكلمة التامة ليست كلاما فكيف بما هو جزء منها؟
تنبيهات:
الأول: هذا التعريف ذكره ابن مالك في (التسهيل)، وهو لا يخلو عن إشكال، ولك أن تنازع في عدم تسمية نحو: السماء فوق الأرض – كلاما، لأنه خبر بدليل أن يقال فيه: صدقت أو كذبت، ومتى كان خبرا كان كلاما، لأنه قسم منه، ولا حاجة لقوله: مقصودا فإن ذكر الإسناد يغني عما احترز به عنه لما سبق في تفسير الإسناد وهو منتف في النائم ونحوه، وكذا لا حاجة للقيد الأخير، لأنهم شرطوا في جملة الصلة، والصلة كونها خبرية، وهو قسم من الكلام والظاهر أنه أخذ القيد هنا بالمعنى الأعم، لا ما يحسن السكوت عليه، وإلا فمتى أخذناه بهذا المعنى الخاص، فركنا الكلام، التركيب والإفادة ولهذا قال في (شرح الكافية): وفي الاقتصار على (مفيد) كفاية.
الثاني: هذا بالنسبة لاصطلاح النحاة، وقد سبق أول الاستثناء أن القاضي أبا بكر يشرط فيه صدوره من ناطق واحد، وسبق ما فيه في (الارتشاف) وليس من شرط الكلام، قصد الناطق به، ولا كونه صادرا من ناطق واحد، ولا إفادة المخاطب شيئا يجهله، خلافا لزاعمي ذلك بل إذا حصل الإسناد كان كلاما ولو من غالط أو ساه أو مخطئ أو من ناطقين أو تركيب لا يستفيد المخاطب منه شيئا أو تركيب محال. انتهى. وهذا اعتبار كثير من النحويين – أعني اعتبار التركيب الإسنادي فقط – وأما في اصطلاح الفقهاء فيطلق على الكلمة الواحدة، وأقل ما تكون من حرفين، أو حرف مفهم، ولهذا أبطلوا الصلاة به، قال ابن مالك في (التسهيل): ولهذا انتهى الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن الكلمة فما فوقها حين نهوا عن الكلام في الصلاة وهو شائع في اللغة، وفي (الصحاح) الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، فيقع على الكلمة الواحدة وعلى الكلام بخلاف الكلم فإنه لا يكون أقل من ثلاث كلمات.
الثالث: قال النحاة: لا يتركب الكلام إلا من اسمين، أو اسم وفعل، لأنه يستدعي محكوما عليه ومحكوما به، والمحكوم عليه لا يكون إلا اسما، والمحكوم به يصح أن يكون اسما وأن يكون فعلا.
ونقضه المنطقيون بالقضية الشرطية قالوا: ولا محيص عنه إلا بتخصيص المدعي بالقول الجازم ونقض أيضا بالنداء فإنه كلام مركب من اسم وحرف وأجيب بأن النداء في تقدير الفعل، وقيل عليه: لو كان في تقدير الفعل لكان محتملا للصدق والكذب، وجاز أن يكون خطابا مع الثالث، لأن الفعل الذي قدر النداء به كذلك وجوابه منع الملازمتين، وإنما يصدقان لو كان الفعل المقدر به إخبارا لا إنشاء، غاية ما في الباب أنه في بعض موارد الاستعمال إخبار، لكن لا يلزم منه أن يكون إخبارا في جميع الموارد، لجواز أن يكون من الصيغ المشتركة بين الإخبار والإنشاء كألفاظ العقود.
(ص) وقالت المعتزلة: إنه حقيقة في اللساني: (وقال الأشعري مرة: في النفساني وهو المختار ومرة: مشترك، وإنما يتكلم الأصولي في اللساني).
(ش) والكلام يطلق بثلاثة اعتبارات:
أحدها: اللفظي التام، وهو اصطلاح النحاة.
وثانيها: اللفظ الناقص وهو الكلمة الواحدة وهو اصطلاح اللغويين، وقد سبقا.
والثالث: النفسي، وهو الفكر التي يدبرها الإنسان في نفسه قبل أن يعبر عنها باللسان، وعبر عنه ابن مالك بالمعنوي فقال: وهو الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه، إذ قال: وكنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر ومن الدليل على إثباته قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم} وقوله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} ومعلوم أن الله تعالى ما كذبهم في قوله: {إنك لرسول الله} لأنهم صدقوا فيه، بل في القول القائم بنفوسهم وهو قولهم في أنفسهم: ما أنت برسول. وقوله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} فأخبر أن ما يسره قول، وأيضا فإن قول القائل: افعل، يريد به الإيجاب أو الندب أو الإباحة، وصورة اللفظ واحد، فيعلم أن الإيجاب: معنى في النفس يتميز بالقرائن.
إذا علمت هذا، فاختلف في أنه حقيقة في ماذا على أقوال.
أحدها: أنه حقيقة في اللساني خاصة، وإنما خصه المصنف بالمعتزلة، لأنه لم يصر إليه أحد من أئمتنا.
والثاني: أنه حقيقة في النفساني، مجاز في اللفظي الدال عليه، تسمية للدليل باسم المدلول، فيطلق عليها كلام مجازا، لدلالتها على الكلام الحقيقي، كما تسمي علما في قولك: سمعت علما، وإنما تريد العبارات الدالة على المعلوم، والمجاز قد يشتهر اشتهار الحقائق، وهو أحد قولي الأشعري، واختاره إمام الحرمين في باب الأوامر من (البرهان) قال: لكون النفسي جنسا ذا حقيقة لا يتغير والعبارات تختلف فما لم يتغير الاسم له حقيقة وأنكر عليك ذلك، فإنه لا يتلقى معرفة الحقيقة والمجاز مثل ذلك، قال الهندي: ولا شك أن الاشتقاق لا يشهد لهم في أنه حقيقة في هذا المعنى، قلت: مرادهم في القديم لا يطلق الكلام، فإنهم يوافقونا على أنه في الحادث حقيقة في اللفظ، وإنما صار الأشعري في أحد قوليه إلى هذا فرارا من قول المعتزلة المؤدي إلى خلق القرآن، ومن قول الحشوية بأنه الحرف والصوت المؤدي إلى أن تكون الذات المقدسة محلا للحوادث، ولم يرد الأشعري أنه حقيقة لغوية، وقد قال الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي في كتاب (الحدود): الكلام نوعان: قديم، ومحدث: فالمحدث كلام المخلوقين، وينقسم إلى: معنى في النفس يجده كل عاقل بالضرورة قبل أن ينطق به، وإلى ما يكون أصواتا مترتبة، وكلاهما كلام على الحقيقة، والقديم: هو كلام الله سبحانه، قائم بذاته المقدسة لا يشبه كلام المخلوقين، فليس بحرف ولا صوت، لأن الكلام صفته (ومن شأن الصفة أن تتبع الموصوف، فإذا كان الموصوف لا يشبه شيئا فكذلك) صفاته لا تشبه صفات غيره، وإنما غلط الخصوم في إلحاقهم الغائب بالشاهد قال: فحصل أن كلام الخلق ينقسم إلى نفسي ولفظي بخلاف القديم وهو كما تقول: علم المخلوق ينقسم إلى ضروري وكسبي، بخلاف القديم فكما أن علمنا لا يشبه علمه، فكذلك كلامنا لا يشبه كلامه، وإن كان الكلام في الجملة حد جامع، وهي الصفة التي يستحق من قامت به أن يشتق منها اسم المتكلم لكن يختلفان في التفصيل، قال: ومن أصحابنا من قال: كلام الخلق في الحقيقة هو ما في النفس، وما يوجد بالنطق يسمى كلاما مجازا، قال: والأول أصح، لما قلناه ولأنه أحسم للشغب. انتهى.
والثالث: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك، وعزاه الهندي للأكثرين، وقال إمام الحرمين: إنه الطريقة المرضية عندنا وهو معنى كلام الأشعري، وكذا قال ابن القشيري والشيخ أبو إسحاق وغيرهما، وقالوا: إنها تدرأ تشعب الخصوم، وحكاه في (المحصول) عن المحققين وقال الآمدي في (غاية المرام): إنكار تسمية النفسي كلاما لا يستقيم نظرا إلى إطلاق الوضع اللغوي، فإنه يصح أن يقال: في نفسي كلام، وفي نفس كلام ومنه قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم} قال: ولا نظر إلى كونه أصليا فيه أو فيما يدل عليه من العبارات أو فيهما كيف، وحاصل هذا النزاع ليس إلا في قضية لغوية، وإطلاقات لفظية، ولا حرج فيها بعد فهم المعنى، وكذا قال الأبياري في (شرح البرهان): المسألة لغوية محضة، والقطع بأحدهما لم يثبت عندي وأهل العربية مطبقون على إطلاق الكلام على الألفاظ.
(ص) فإن أفاد بالوضع طلبا، فطلب ذكر الماهية استفهام وتحصيلها أو تحصيل الكف عنها أمر ونهي، ولو من ملتمس وسائل.
(ش) فاعل أفاد هو المركب وأراد بالوضع أنه يفيده إفادة أولية، وعدل عن قول (المنهاج): بالذات للتنبيه على صواب العبارة واحترز عما يفيد الطلب باللازم، كقولك: أنا أطلب منك أن تذكر لي حقيقة الإنسان، فإنه لا يسمى استفهاما وأن تسقيني الماء فإنه لا يسمى أمراً لأنهما وإن دلا على الطلب لكن ليس بالصيغة، لأن صيغة الخبر لم توضع للطلب، وعدل عن قول (المنهاج): الطالب للماهية إلى قوله: (طلب ذكر الماهية) لأنها أحسن لموافقتها المقصود والحاصل أن المركب إن أفاد طلبا لذاته فإن كان الطلب لذكر ماهية الشيء فهو استفهام كقولك: ما هذا؟ ومن هذا؟ أو إن كان لتحصيل أمر ما من الأمور – فأمر، أو الكف عنه فنهي، وزاد المصنف هذا على قول (المنهاج): ولتحصيل أمر، فإنه إن أراد تحصيل الفعل الذي ليس بكف، فالتقسيم غير حاصر لخروج طالب الكف بالمنهي عنه وإن أراد تحصيل الفعل مطلقا كفا كان أو غيره، لزم دخول النهي في حد الأمر، وهما حقيقتان مختلفتان، فلهذا استوفى المصنف القسمين بالحصر، وهو بناء على أن الكف فعل وهو المختار. ومثال الملتمس: قول القائل لمماثله: افعل كذا، أو السائل هو المشتغل كقول من يجعل نفسه دون المطلوب منه وهو سؤال سواء كان دونه في نفس الأمر أم لا وما صرح به المصنف من دخولهما في الأمر بناء على ما سبق منه في باب الأوامر إن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء واستند إلى قول ابن دقيق العيد في شرح العنوان (أن تسمية التساوي بالالتماس اصطلاح خاص وقال الأبياري في شرح (البرهان): اختلف في تسمية الدعاء أمرا، فأباه النحويون وأكثر الأصوليين، ومنهم من قال: يصح أن يأمر الأدنى الأعلى، وهذا غير متحقق في التحريم والإيجاب، فإن قيل: كلامه إنما هو في المركب، وصيغة الأمر مفردة، لأن جزء لفظها لا يدل على جزء معناها – قلنا: في صيغة الأمر ضمير مستكن في حكم اللفظ به، بدليل توكيده وتثنيته وجمعه فقم، قم أنت قوما وقوموا.
(ص) وإلا فما لا يحتمل الصدق والكذب تنبيه وإنشاء ومحتملها الخبر.
(ش) أي وإن لم يفد بالوضع طلبا، أي لا يدل على طلب الفعل دلالة أولية، لكنه يدل عليه باللازم، فإما أن يحتمل الصدق والكذب أولا، فما لا يحتملها يسمى تنبيها، أي نبهت به على مقصودك بالكلام، ويندرج في التنبيه التمني، كـ(ليت) الشباب يعود والترجي نحو: لعل لي مالا فأنفقه، والقسم والنداء فإنه لا يحسن أن يقال لقائلها: صدقت أو كذبت، وهو في هذا متابع للمحصول فإنه جعل هذه الأقسام مما لا يدل على الطلب بالوضع لكن البيانيون أطلقوا عليها اسم الطلب وقالوا: إنه يتنوع إلى طلب حصول ما في الخارج أن يحصل في الذهن كالاستفهام أو طلب حصول ما في الذهن أن يحصل في الخارج، وقالوا: إنه ينحصر بالاستقراء في خمسة أقسام: الاستفهام والأمر، والنهي، والنداء، والتمني، وادعاء القرافي في (الفروق) الإجماع على أن الأمر و النهي والقسم والترجي والتمني والنداء من قسم الإنشاء – لا يخالف ما نقلناه عن البيانيين، لأنهم جزموا بأن الطلب من الإنشاء، وقسموا الإنشاء إلى طلب وغيره نعم الأمر والنهي ليسا من الإنشاء على طريقة الرازي، وتابعه المصنف، وقوله: وإنشاء أي ويسمى أيضا إنشاء من قولهم: أنشأ يفعل كذا، أي ابتدأ ثم نقل إلى إيقاع لفظ لمعنى يقارنه في الوجود، وقوله: ومحتملهما: أي وإن احتمل الصدق والكذب فهو الخبر، وزعم قوم منهم الغزالي أن التعبير بالتصديق والتكذيب أحسن من الصدق والكذب، لأن من الأخبار ما لا يحتمل إلا الصدق كخبر الصادق، وما لا يحتمل إلا الكذب، كما لو قال: الواحد نصف العشرة ولم يرتضه المصنف فإن احتماله لهما بحسب المفهوم، والخبر من حيث هو محتمل لذلك، وتعين أحد الاحتمالين في بعض الأفراد بحسب الخارج لخصوصية ومزية – لا يخرج احتمال ماهية الخبر، من حيث هي محتملاتها، ثم إن التصديق والتكذيب عبارة عن الإخبار بكون الكلام صدقا أو كذبا فتعريفه دور.
(ص) وأبى قوم تعريفه كالعلم والوجود والعدم، وقد يقال: الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه أي ماله خارج صدق أو كذب.
(ش) ذهب قوم – منهم الإمام الرازي – إلى أن الخبر لا يحد، لأنه ضروري لأن كل واحد يعلم أنه موجود، والخبر جزء من هذا الخبر وقيل: يعسر الحد، وهو كالخلاف في تعريف العلم والوجود والعدم، والصحيح خلافه، ثم اختلف القائلون بتحديده، فقيل: ما يحتمل الصدق والكذب، وقد سبق ومنهم من قال:
يعرف بتعريف مقابله فقال: الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام، كبعت وتزوجت وطلقت فإنه إذا وردت من المكلف رتب عليها الشرع مقتضياتها، إما مع اللفظ أو آخر حرف منه على الخلاف المشهور، والمراد بالخارج ما هو خارج عن كلام النفسي المدلول عليه بذلك اللفظ، والخبر بخلافه، أي ما يقال له في الخارج صدق أو كذب، والحاصل أن النسبة في الإنشاء وجودها مع وجود اللفظ لا وجود لها قبله والنسبة في الخبر خارجية قبل وجود اللفظ ثم اللفظ يخبر عنها وهو معنى قولهم: الإنشاءات يتبعها مدلولها، والأخبار تتبع مدلولاتها قال القرافي: وليس المراد التبعية في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط، فإن الحاضر مقارن، والمستقبل وجوده بعد الخبر، بل المراد أنه تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا وقد أورد على هذا التعريف الإخبار عن المستقبلات نحو: سيقوم زيد فإنه عند النطق به ليس له خارج صدق ولا كذب، فلا يمكن وصفه بذلك وعند وجود المخبر ليس الخبر موجودا حتى يصفه بصدق، ولا شك أن الإخبار عن المستقبلات بوصف للصدق والكذب، قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} فلو قال: إن كان محكوما فيه بنسبة خارجية فهو الخبر – كما فعل ابن الحاجب – كان أولى، وكان بعض مشايخنا يقول: التحقيق أن لكل من نسبة الإنشاء والخبر العقليين نسبة في الخارج غير أن النسبة العقلية في الخبر تابعة للنسبة الخارجية، وأخرج الكلام تابعا لها في الظاهر والنسبة الخارجية في إنشاء تابعة للنسبة العقلية، أخرج الكلام ليوقع على حسبه.
تنبيهات:
الأول: قوله: (وقد يقال): إشارة إلى قول آخر خلاف ما ذكره أولا من التقسيم إلى ثلاثة: طلب وإنشاء وخبر، وهذا القائل قسمه إلى قسمين: خبر أو إنشاء وجعل الطلب داخلا في الإنشاء، لأنه ردد الكلام بين ما له خارج وبين ما لا خارج له، وجعل الإنشاء ما ليس له خارج، وذلك يشمل الطلب والإنشاء، وذهب ابن مالك إلى قول ثالث، وهو انقسامه إلى خبر وطلب، ويرد عليه أن من الكلام ما ليس خبرا ولا طلبا كالشرط في الإنشاء نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه ليس بخبر، إذ لا يحتمل الصدق والكذب ولا بطلب لانحصار الطلب عندهم في الأقسام الخمسة السابقة واعلم أن من حصره في ثلاثة أقسام (فسر الإنشاء بإيقاع لفظ بمعنى يقاربه في الوجود، كإيقاع البيع ببعت، ومن حصره في قسمين) فسر الإنشاء بما لا نسبة له في الخارج، وبهذا ينحل الإشكال المشهور في أن الطلب لا يدخل في الإنشاء، إذ الإنشاء لا بد فيه من المقارنة، والطلب بخلافه فإن هذا اعتراض مركب على المذهبين، فإن من قسمه قسمين لم يفسر الإنشاء بهذا التفسير.
الثاني: قوله: والخبر بخلافه أي ماله خارج، جعله هذا قسيما لما قبله – فيه نظر، فإن من فسر الإنشاء بما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام فسر الخبر بما يحصل وجوده في الخارج بغيره مثل: زيد منطلق فإنه يمكن علمه بالمشاهدة بخلاف الأمر والنهي فإنه لا يمكن استفادته إلا من المتكلم ومن فسر الخبر بما له خارج يطابقه أولا، فسر الإنشاء بما ليس له خارج أصلا، ولم يفسر أحد الطرفين، كما فصل المصنف، وقد أورد على القائلين) بما له خارج أن الخبر قد يكون متعلقه ذهنيا فلا يشترط في الخبر مطابقته لما في الخارج، بل مطابقته لما في نفس الأمر.
الثالث: وهو سؤال على قولهم: إن صدق الخبر ومطابقته للواقع فإن المخبر بالواقع قد أكذبه الله تعالى في القذف في قوله: {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وقال العلماء: لا تصح توبته إلا بإكذابه نفسه (ولا شك قد يكون صادقا في نفس الأمر، فكيف يكون كاذبا ويؤمر بتكذيب نفسه)؟ وأجيب بأن القاذف كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان خبره مطابقا لمخبره، أي أنه يعاقب معاقبة المفتري الكذاب، فلا تتحقق توبته حتى يعترف بأنه كاذب عند الله، كما أخبر به عنه، فإذا لم يعترف بذلك وقد جعله الله كاذبا، أي قوله له، مع إصراره على مخالفة حكم الله عليه بالكذب.
(ص) ولا مخرج له عنهما، لأنه إما مطابق للخارج، أو لا وقيل بالواسطة فالجاحظ: إما مطابق مع الاعتقاد ونفيه، أولا مطابق مع الاعتقاد ونفيه، فالثاني فيهما واسطة، وغيره: الصدق: المطابقة لاعتقاد المخبر، طابق الخارج أولا وكذبه عدمها، فالساذج واسطة، والراغب الصدق: المطابقة الخارجية مع الاعتقاد فإن فقدا فمنه كذب وموصوف بهما بجهتين.
(ش) ذهب الجمهور إلى أن الخبر لا يخرج عن كونه صدقا أو كذبا، لأنه إما أن يطابق المخبر عنه أو لا، والأول صدق، والثاني كذب، والعلم باستحالة حصول الواسطة بينهما على هذا التفسير – ضروري، وقيل: بينهما واسطة، واختف القائلون به على مذاهب: أحدها: قول الجاحظ صدق المخبر مطابقته للخارج، مع اعتقاد مطابقته وكذبه: عدم مطابقته مع اعتقاد المخبر عدم مطابقته وغيرهما ليس بصدق ولا كذب، فأثبت الواسطة في أربع صور، وهي ما إذا كان مطابقا وهو غير معتقد لشيء أو مطابقا وهو معتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق وهو يعتقد المطابقة، أو غير مطابق ولا يعتقد شيئا، فالأربعة ليس بصدق ولا كذب وإليها أشار أولا بقوله: أو لا مطابق مع الاعتقاد ونفيه أي وما ليس معه الاعتقاد والمطابقة هو الواسطة، وقوله (مع الاعتقاد) أي (أو الظن) كذا حكاه عنه أبو الحسين في (المعتمد) قال: وقد أفسده عبد الجبار، بأن ظن المخبر واعتقاده يرجع إليه لا إلى الخبر، فلم يكن شرطا في كونه كذبا.
الثاني: صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر، سواء طابق الخارج أو لا، وكذبه عدمهما ولو كان صوابا وعلى هذا فالساذج واسطة ونعني بالساذج: الخبر الذي لا اعتقاد معه، أو معه اعتقاد العدم، ولكن صاحب الإيضاح البياني صرح بأن صاحب هذا القول لا يثبت الواسطة، وعلى هذا يدخل في قوله: (عدمها) ما لا اعتقاد معه أو معه اعتقاد العدم بل يدخل فيه خبر الشأن، والكل عنده كذب، وما فهمه المصنف في حكاية هذا القول – ذكره الخطيب، احتمالا في كلام صاحب (التلخيص) وهو اشتراط الاعتقاد فقط في كل من الطرفين، ليكون خبر غير المعتقد واسطة، لكنه لم يثبت عن أحد، بل أصل هذا القول غريب، قيل: إنه لم يحكه سوى صاحب (الإيضاح) وإن كان ظاهر عبارة ابن الحاجب تقتضيه إلا أن المحققين من شراحه حملوه على خلافه.
الثالث: وهو قول أبي القاسم الراغب في كتاب (الذريعة): أن الصدق التام هو المطابقة للخارج والاعتقاد معاً، فإن انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما بل إما أن لا يوصف بالصدق والكذب كقول المبرسم الذي لا قصد له: زيد في الدار، فلا يقال له: إنه صدق ولا كذب، وأما أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب بنظرين مختلفين إذا كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد كقول الكفار: {نشهد إنك لرسول الله} فإن هذا يصح أن يقال فيه: صدق، لكون المخبر عنه كذلك، ويصح أن يقال كذب، لمخالفة قوله ضميره فلهذا كذبهم الله تعالى، وكذلك إذا قال: من لم يعلم كون زيد في الدار، إنه في الدار، يصح أن يقال: صدق وأن يقال: كذب بنظرين مختلفين. انتهى.
إذا علمت هذا فما نقله المصنف عنه لا يطابق كلامه، لأنه لم يعرف مطلق الصدق بما ذكره، بل الصدق التام والصدق عنده قسمان. وكذا قوله: فإن فقدا فمنه كذب إنما تكلم على ما إذا فقد أحدهما ثم وصفه بالجهتين، إنما يكون في هذه الحالة لا في حالة فقدهما.
فائدة: الساذج بذال معجمة: قال في (المحكم): أي أصله ساده فمعرب.
(ص) ومدلول الخبر، الحكم بالنسبة لا ثبوتها، وفاقا للإمام وخلافا للقرافي وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا.
(ش) قال الإمام في (المحصول): إذا قلت: العالم حادث فمدلول هذا الكلام حكمه بثبوت الحدوث للعالم، لا نفس ثبوت الحدوث للعالم إذ لو كان مدلوله نفس ثبوت الحدوث للعالم لكان حيثما وجد قولنا: العالم محدث، كان العالم محدثا لا محالة، فوجب أن لا يكون الكذب خبرا ولما بطل ذلك علمنا أن مدلول الصيغة هو الحكم بالنسبة لا نفس النسبة. انتهى واعترض عليه بأنه توهم أن يكون الكذب متحققا لا بصفة الخيرية=، والواقع على هذا التقدير انتفاء الكذب وتوهم جماعة أن هذا انقلب على الإمام، وغيره في (التحصيل)، فقال: وإلا لم يكن الخبر كذبا وهو أيضا عبارة فاسدة لما توهم من أن كل خبر كذب، والحق أن عبارة الإمام صحيحة وتقريرها أن مدلول النسبة لو كان ثبوتا كان الكذب غير خبر، لكن اللازم منتف ضرورة أن الكذب أحد قسمي الخبر الذي هو صدق وكذب، فالملزوم مثله، وبيان الملازمة أن ثبوت النسبة وقوعها في الخارج، فلا يكون إلا خارجا عنه كذبا، وأوضح منها عبارة المصنف، ومن محاسنه أنه أخر التعليل عن ذكر الإمام لينبه على أن هذا التعليل لم يذكره الإمام والغرض منه وقوع الخطأ لقوم في فهمه، ومنهم من نازع الإمام في الدليل، وقال: إنه غير لازم، لأن اللفظ دليل على وجوب النسبة وقد لا تكون موجودة، لأن الخبر دليل بمعنى المعرف، وقد يتأخر المعرف عن (المعرف لأمر ما، ثم ما قاله قد يعكس، فيقال: لو كان مدلول النسبة الحكم لم يكن خبره كذبا) لأن كل من قال: قام زيد، فقد حكم بقيامه فيكون خبره مطابقاً سواء كان في الخارج أو لا ولا سيما والإمام قائل بأن الألفاظ وضعت بإزاء المعاني الذهنية ثم يقول: لو كان المدلول الحكم بالنسبة لكان الخبر إنشاء ولم يكن ثم خارج يطابقه، وإما أن العرب لم تضع الخبر إلا للصدق، قال: وظن جماعة من الفقهاء أن احتمال الخبر للصدق والكذب مستفاد من الوضع اللغوي، وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق، لاتفاق اللغويين والنحاة على أن معنى قولنا: قام زيد – حصول القيام منه في الزمن الماضي ولم يقل أحد منهم: إن معناه صدور القيام أو عدمه، وإنما احتمله من جهة المتكلم لا من جهة الوضع اللغوي، وعلى هذا يستقيم قول محمد بن الحسن في (الجامع): إن أخبرتني أن فلانا قدم، يحنث بالصدق والكذب، لأنه يستعمل فيهما من جهة المتكلم والمخاطب، وقلت: وكذا قال أصحابنا لكن نضعف مذهب القرافي بأمور:
أحدها: القول بأن المركبات ليست موضوعية.
ثانيها: ما ذكره المصنف من القاعدة.
ثالثها: لا نسلم أن مدلول: قام زيد، حصول القيام، وإنما مدلوله الحكم بحصوله القيام، وذلك يحتمل الصدق والكذب.
رابعها: اتفاق الناس على أن الخبر أعم من الصدق والكذب.
(ص) ومورد الصدق والكذب النسبة التي تضمنها ليس غير كقائم، في: زيد ابن عمرو قائم، لا بنوة زيد، ومن ثم قال مالك وبعض أصحابنا الشهادة بتوكيل فلان ابن فلان فلانا – شهادة بالوكالة فقط، والمذهب، بالنسب ضمنا والوكالة أصلا.
(ش) مورد الصدق والكذب في الخبر هو النسبة التي تضمنها الخبر لا واحد من طرفيها، فإذا قيل: زيد بن عمرو قائم، فقيل: صدقت أو كذبت فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى بنوة زيد وقوله: ومن ثم، أي من هناك وهو أن الثابت النسبة فقط، قال مالك وبعض أصحابنا إذا شهد شاهدان بأن فلان بن فلان وكل فلانا، كانت شهادة بالتوكيل، ولا يستفاد منها، أنهما شهدا بالبنوة، فليس له في محاكمة أخرى في البنوة أن يقول: هذان شهدا لي بالبنوة لقولهما في شهادة التوكيل: إني فلان ابن فلان، والمذهب الصحيح عندنا أنه شهادة بالوكالة أصلا، وهذا واضح لأنه مورد الكلام ومقصده وبالنسب ضمنا، وهذا قد يستشكل على هذا الأصل، ولا إشكال فيه، لأنا لما صدقنا الشاهدين كان قولهما متضمنا لذلك، وهذه المسألة مذكورة في (الإشراف) للهروي و(الحاوي) للماوردي، و(البحر) للروياني واعلم أن هذه القاعدة مهمة، وقد أهملها الأصوليون وذكرها البيانيون كالسكاكي ومنهم أخذ المصنف وقد أورد عليهم ما رواه البخاري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقال للنصارى يوم القيامة ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد)) وكذلك استدل الشافعي رضي الله عنه وغيره من الأئمة على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون} وينبغي أن يخرج الفرع الذي ذكره المصنف تفصيلا في المسألة، وهو يدل على نسبة المحمول للموضوع بالمطابقة وعلى غيره بالالتزام قال بعضهم: وهذا هو الحق, وينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو كانت صفة المسند إليه مقصودة بالحكم بأن يكون المحكوم عليه في المعنى الهيئة الحاصلة من المسند إليه كقوله عليه الصلاة والسلام: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) فإنه لا يخفى أن المراد الذي جمع كرم نفسه وآبائه وهو يوسف وليس المراد الإخبار عن الكريم الذي اتفق له صفة الكرم كما في قولك: زيد العالم قائم وكذلك الصفات الواقعة في الحدود نحو: الإنسان حيوان ناطق فإن المقصود الصفة والموصوف معا، ولو قصدت الإخبار بالموصوف فقط لفسد الحد، ولم يقف والد المصنف على نقل في المسألة، فقال في (فتاويه): إنه لا يدل على ذلك في كلام الآدميين, وإن دل فبالالتزام وهو غير نافع، بل لا بد أن يصرح به الشاهد بخلاف كلام الله تعالى، فإنه محتج به وبما يدل عليه مطابقة كان أو التزاما فافهم الفرق بين الموضعين فهذا كلامه.
فائدة: يجوز في قوله: ليس غير، أربعة أوجه: فتح الراء وضمها بلا تنوين فيهما على إضمار الاسم، وبالتنوين فيهما، وعدل عن قول غيره من المصنفين: لا غير لأن بعضهم لحنهم في ذلك، وقال: إنها تقطع عن الإضافة لفظا إذا تقدمت (كلمة ليس، خاصة ونازع في ذلك آخرون منهم ابن بري وقال: ويجوز بناؤها على الضم، مع لا، لانقطاعها) عن الإضافة كما فعل بقبل وبعد، والتقدير: لا غير ذلك، فلما منعت الإضافة رفعت.