بابُ: كيفَ تُرْمَى جمرةُ العقبةِ
الْحَدِيثُ الحادِي والأرْبَعُونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
عن عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ النَّخَعيِّ، أنَّهُ حَجَّ مَعَ ابنِ مَسْعُودٍ رضِيَ اللَّهُ عنهُ، فرآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثمَّ قَالَ: هذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(40)
____________________
( 40 ) المعنَى الإجماليُّ:
رميُ الجمارِ في يومِ النحرِ وأيَّامِ التشريقِ عبادةٌ جليلةٌ، فيهَا معنَى الخضوعِ لِلَّهِ تعالَى، وامتثالِ أوامرِهِ، والاقتداءِ بإبراهيمَ الخليلِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، واستعادةِ ذكرياتِ قصَّتِهِ الرائعةِ مع ابنِهِ في صدقِ الإيمانِ، وطاعةِ الرحمنِ، حين عرَضَ لهُ الشيطانُ مُحاولاً وسوستَهُ عن طاعةِ ربِّهِ فحصبَهُ في تلك المواقفِ، بقلبِ المؤمنِ، وعزيمةِ الصابرِ، ونفسِ الراضِي بقضاءِ ربِّهِ.
فنحنُ نرمِي الشيطانَ متمثِّلاً في تلك المواقفِ إحياءً للذكرَى، وإرغامًا للشيطانِ الذي يُحاولُ صدَّنَا عن عبادةِ ربِّنا.
وأوَّلُ ما يبدأُ بِهِ الحاجُّ يومَ النحرِ هو رميُ الجمرةِ الكبرَى، لتكونَ فاتحةَ أعمالِ ذلك اليومِ الجليلةِ. فيقفُ مِنْهَا موقفَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حيثُ الكعبةُ المشرَّفةُ عن يسارِهِ، ومِنًى عن يمينِهِ، واستقبلَهَا ورماهَا بسبعِ حصياتٍ، يُكبِّرُ مع كلِّ واحدٍ، كما وقفَ ابنُ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنهُ هكذا، وأقسمَ أنَّ هذا هو مقامُ الذي أنزلتْ عليهِ سورةُ البقرةِ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- مشروعيَّةُ رميِ جمرةِ العقبةِ وحدَهَا يومَ النحرِ.
2- أنْ يرمِيَهَا بسبعِ حصياتٍ، واحدةً بعد أخرَى، ولا يُجزئُ رميُهَا دفعةً واحدةً، وهو مفهومٌ من الحديثِ.
3- يجوزُ رمْيُهَا من أيِّ مكانٍ بإجماعِ العُلماءِ. ولكنَّ الأفضلَ أنْ يجعلَ البيتَ عن يسارِهِ و ( مِنًى ) عن يمينِهِ، ويستقبلَهَا.
4- أنَّ هذا هو موقفُ الرسولِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ. وقد ذكرَ ابنُ مسعودٍ سورةَ البقرةِ؛ لأنَّ فيهَا كثيرًا من أحكامِ الحجِّ.
5- جوازُ إضافةِ السورةِ إلَى البقرةِ، خلافًا لمَن منَعَ ذلك, فابنُ مسعودٍ أعلمُ الناسِ بالقرآنِ.
6- تسميَةُ هَذِه المواقفِ بـ ( الجَمَراتِ ), لا ما يَفُوهُ بِهِ جُهَّالُ العامَّةِ من تسميتِها بـ ( الشيطانِ الكبيرِ ) أو ( الشيطانِ الصغيرِ ). فهذا حرامٌ، لأنَّ هذهِ مشاعرُ مقدَّسةٌ مُحترمةٌ، تعبَّدَنَا اللَّهُ تعالَى برمْيِهَا، والذِّكْرِ عندَهَا. وأعظمُ من ذلك ما يَسُبُّونَهَا بِهِ من ألفاظٍ قبيحةٍ مُنكَرةٍ، وما يأتونَ عندَهَا ممَّا يُنافِي الخشوعَ والخضوعَ والوَقارَ، من رميِهَا بأحجارٍ كبيرةٍ، أو رَصاصٍ، أو نِعالٍ.
كلُّ هذا حرامٌ منافٍ للشرعِ؛ لِمَا فيهِ من الغُلُوِّ والجفاءِ، ومخالفةِ الشارعِ.