دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1430هـ/15-01-2009م, 08:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي شرح البردة (6/7): أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول


38- أُنْبِئْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ أَوْعَدَنِي = والعَفْوُ عندَ رسولِ اللهِ مَأْمُولُ
39- مَهْلاً هَداكَ الذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ = ـقرآنِ فيها مَواعِيظٌ وتَفصيلُ
40- لا تَأْخُذَنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولم = أُذْنِبْ وإن كَثُرَتْ فيَّ الأقاويلُ
41- لقد أَقومُ مَقامًا لو يَقومُ به = أَرَى وأَسْمَعُ ما لو يَسمَعُ الفِيلُ
42- لظَلَّ يُرْعَدُ إلا أن يكونَ له = مِن الرسولِ بإذْنِ اللهِ تَنويلُ
43- حتى وَضَعْتُ يَمِينِي لا أُنَازِعُهُ = في كَفِّ ذي نَقِمَاتٍ قِيلُه القِيلُ
44- لذاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إذ أُكَلِّمُهُ = وقِيلَ إنَّك مَنسوبٌ ومَسؤولُ
45- مِن خَادِرٍ مِن لُيُوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ = من بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دونَه غِيلُ
46- يَغْدُو فيُلْحِمُ ضُرْغَامَيْنِ عَيْشُهما = لَحْمٌ من القَوْمِ مَعفورٌ خَرَاذِيلُ
47- إذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ له = أن يَتْرُكَ الْقِرْنَ إلا وهو مَجدولُ
48- منه تَظَلُّ سِباعُ الجَوِّ ضَامِزَةً = ولا تمََشَّى بِوَادِيهِ الأَرَاجِيلُ
49- ولا يَزَالُ بوَادِيهِ أخو ثِقَةٍ = مُطَرَّحُ الْبَزِّ والدَّرْسَانِ مَأْكُولُ


  #2  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 08:45 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

38- أُنْبِيتُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عندَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ

أُنْبِئْتُ: أُخْبِرْتُ. والوَعْدُ في الخيرِ، والإيعادُ في الشرِّ، وقولُهُ:والعَفْوُ عندَ رسولِ اللَّهِ مَأْمُولُ؛ أي: العَفْوُ عندَهُ مَأْمُولٌ بعدَ الإِيعَادِ. ونحوٌ منهُ ما رُوِيَ عنْ أعرابيٍّ أنَّهُ قالَ في دُعائِهِ: يَا مَنْ إذا وَعَدَوَفَا، وإذا أَوْعَدَ عَفَا، ويُقَالُ: وعدَ خيراً وشرًّا، قالَ اللَّهُ تعالى: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وقيلَ: إنَّهُ لمَّا أنْشَدَهُ هذا البيتَ قالَ النبيُّ عليهِ السلامُ: ((الْعَفْوُ عِنْدَ اللَّهِ مَأْمُولُ)).

39- مَهْلاً هَدَاكَ الذي أعْطَاكَ نَافِلَةَ الْـ فُرْقَانِ فيها مَوَاعِيظٌ وتَفْصِيلُ

مهلاً: منصوبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ، والنافلةُ: أصْلُهُ الزيادةُ، ومنهُ النافلةُ في الصلاةِ، وهوَ ما كانَ زيادةً على الفرضِ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}
ويُقَالُ لولدِ الولدِ: نَافِلَةٌ؛لأنَّهُ زيادةٌ على الولدِ.

40- لا تَأْخُذْنِي بأَقْوَالِ الوُشَاةِ وَلَمْ أُذْنِبْ وَإِنْ كَثُرَتْ فيَّ الأَقَاوِيلُ

أيْ: لا تَأْخُذْنِي بأقوالِ الوشاةِ؛ أي: السُّعَاةِ فيَّ بالعداوَةِ،والواوُ في قولِهِ:ولمْ أُذْنِبْ، واوُ الحالِ، وتقديرُهُ : لا تَأْخُذْنِي بأقوالِ الوُشَاةِ غيرَ مُذْنِبٍ،وتُرْوَى: ولوْ كَثُرَتْ فيَّ الأقاويلُ، و(عَنِّي الأقاويلُ).

41- لَقَدْ أَقُومُ مَقَاماً لوْ يقُومُ بهِ أَرَى وأَسْمَعُ ما لوْ يَسْمَعُ الفِيلُ

ورُوِيَ: (إنِّي أَقُومُ مَقَاماً لوْ يقُومُ بهِ)، وتقديرُ البيتِ: إنِّي أقُومُ مقاماً هائلاً أرى فيهِ وأسمعُ ما لوْ رَآهُ الفيلُ وسَمِعَهُ لظلَّ يَرْعَدُ، وإنَّما ذكرَ الفيلَ هاهنا؛لأنَّهُ أرادَ بذلكَ العِظَمَ والتهويلَ، ولأنَّ الفيلَ أعظمُ الدَّوَابِّ شَأْناً.

42- لَظَلَّ يَرْعَدُ إلاَّ أنْ يكُونَ لهُ من الرَّسُولِ بإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ

أيْ: لوْ يقومُ الفيلُ مقاماً أقُومُهُ لظلَّ يَرْعَدُ من الفزعِ إلاَّ أنْ يُنَوِّلَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ العفوَ. وقولُهُ (بإِذْنِ اللَّهِ) يُشِيرُ إلى قَوْلِهِ تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}.والتنويلُ: تفعيلٌ من النَّوَالِ وهوَ العَطِيَّةُ.

43- حتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لا أُنَازِعُهُ في كَفِّ ذِي نَقَمَاتٍ قِيلُهُ القِيلُ

ويُرْوَى: (حتَّى جَعَلْتُ يَمِينِي)، وقولُهُ: ( لا أُنَازِعُهُ )؛ أيْ: لا أُجَاذِبُهُ، والمُنَازَعَةُ: المُجَاذَبَةُ، ونَقَمَاتٍ: جمعُ نِقْمَةٍ، وهيَ ضدُّ الرحمةِ، ويُقَالُ: نَقِمَةٌ ونِقْمَةٌ ونِقَمٌ، ونَقَمَ عليهِ ينْقُمُ، ونَقِمَ ينْقَمُ، ونَقَمَ بفتحِ القافِ أجْوَدُ وأفصحُ. وقولُهُ ( قِيلُهُ القيلُ )؛ أيْ: قولُهُ القولُ إذا قالَ شيئاً فعَلَهُ، والقِيلُ والقولُ والقالُ ثلاثَتُها تُسْتَعْمَلُ أسماءً، ومنهُ قولُ الشَّمَّاخِ:

وتَشْكُو بِعَيْنٍ ما أكَلَّ رِكَابُهَا وقالَ المُنَادِي: أصْبَحَ القومُ أَدْلِجِي

ويُرْوَى ( قِيلَ المُنَادِي )، و( قَوْلَ المُنَادِي )، حَكَاهَا لي أبو القاسمِ الرَّقِّيِّ وقتَ قِرَاءَتِي عليهِ.

44- لَذَاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إذْ أُكَلِّمُهُ وقيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ

ويُرْوَى: لَذَاكَ أَرْهَبُ عِنْدِي إذْ يُكَلِّمُنِي، وفي البيتِ تَضْمِينٌ، وذاكَ أنَّ هذا البيتَ لا يَتِمُّ إلاَّ بالآخَرِ الذي يَلِيهِ؛ أيْ:لذاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي منْ خَادِرٍ، فالأوَّلُ لا يَتِمُّ إلاَّ بالآخَرِ، وقولُهُ: ( إذْ أُكَلِّمُهُ ) جملةٌ في موضعِ الحالِ. وكذلكَ ( أَهْيَبُ عِنْدِي ) مُتَكَلِّماً ومَنْسُوباً ومسْئُولاً.

45- منْ خَادِرٍ منْ لُيُوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ مِنْ بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ

أيْ: منْ أسدٍ خادرٍ، ومعنى خادرٍ؛ أيْ: داخلٍ في الخِدْرِ، يُقَالُ: خَدِرَ الأسدُ وأَخْدَرَ فهوَ خادرٌ ومُخْدِرٌ. عَثَّرُ: موضعٌ ؛ وهوَ أحدُ ما جاءَ على فَعَّلَ، منها بَذَّرُ: موضعٌ، وبَقَّمُ وصَبَّغُ، وخَضَّمُ:لَقُبٌ لعَنْبَرَ بنِ عَمْرِو بنِ تميمٍ، وخَضَّمُ: اسمُ مَوْضِعٍ زَعَمُوا أنَّهُم إنَّما سَمَّوْا بذلكَ الخَضْمَ، وهوَ المَضْغُ بالأضراسِ،قالَ الشاعرُ:

لَوْلا الأعادِي ما سَكَنَّا خَضَّمَا ولا ظَلَّلْنَا بالمَشَائِيَ قُيَّمَا

يُرِيدُ ما سكَنَّا بلادَ خَضَّمَ؛ أيْ: بلادَ تَمِيمٍ، وخَضَّمُ منهم، والمَشَائِي: جمعُ مَشَاءَةَ، وهيَ الزبيلُ الذي يُطْرَحُ فيهِ الترابُ إذا خرجَ من البئرِ.
قالَ زُهَيْرٌ في عَثَّرَ:

لَيْثٌ بعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجَالَ إذا ما الليثُ كَذَّبَ عنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا

والغِيلُ : موضعُ الأسدِ، ويُرْوَى: (منْ ضَيْغَمٍ منْ ضَرَّاءِ الأُسْدِ). وضَيْغَمٌ، فَيْعَلٌ وهوَ من الضَّغْمِ، وهوَ العَضُّ، وضِرَاءٌ جمعُ ضَارٍ، يُقَالُ: أسدٌ ضَارٍ، والجمعُ ضِرَاءٌ، منْ قَوْلِهِم ضَرِيَ بكذا وكذا إذا لَهِجَ بهِ.

46- يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا لحمٌ من القومِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ

المَعْفُورُ: مفعولٌ من العَفَرِ وهوَ الترابُ، والخَرَاذِيلُ: المُقَطَّعُ، وكذلكَ الخَرَادِيلُ بالدَّالِ والذَّالِ، يُقَالُ: خَرْدَلَ اللحمَ وخرْذَلَهُ إذا قَطَّعَهُ، أيْ يَغْدُو هذا الأسدُ فيُلْحِمُ ولَدَيْهِ لحماً مُتْرَباً مُقَطَّعاً.

47- إذا يُسَاوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ لهُ أنْ يتْرُكَ القِرْنَ إلاَّ وَهْوَ مَفْلُولُ

المُسَاوَرَةُ. المُوَاثَبَةُ، والسِّوَرُ: الوثبُ.
والقِرْنُ: الذي يُقَاوِمُكَ في بطشٍ أوْ علمٍ أوْ غيرِ ذلكَ. قولُهُ: ( لا يَحِلُّ لهُ )؛ أيْ: لا يمْنَعُ عليهِ، وإلاَّ فالأسَدُ لا يعرفُ تحليلاً ولا تحريماً.
والمَفْلُولُ: المكسورُ والمُنْهَزِمُ.
ويُرْوَى: ( إلاَّ وَهْوَ مَجْدُولُ)، وهوَ المَرْمِيُّ بالجَدَالَةِ، وهوَ وجهُ الأرضِ.

48- منهُ تَظَلُّ سِبَاعُ الجَوِّ ضَامِزَةً ولا تَمَشَّى بِوَادِيهِ الأَرَاجِيلُ

الضَّمِيرُ....+ في (منهُ) للخَادِرِ. ضَامِزَةٌ، أيْ: مُمْسِكَةٌ، والضَّمْزُ : الإمساكُ. والأَرَاجِيلُ: الرَّجَّالةُ، وتمَشَّى بمعنى : يَمْشِي، قالَ الشاعرُ:

وخَيْفَاءَ أَلْقَى الليثُ فيها ذِرَاعَهُ فَسَرَّتْ وَسَاءَتْ كُلَّ مَاشٍ ومُصْرِمِ
تَمَشَّى بها الدَّرْمَاءُ تَسْحَبُ قُصْبَهَا كأنْ بَطْنُ حُبْلَى ذَاتِ أَوْنَيْنِ مُتْئِمِ

يصفُ روضةً كثيرةَ النباتِ. وخَيْفَاءُ: فيها ألوانُ الزهرِ، وكلُّ لوْنَيْنِ مُختلفَيْنِ فهوَ أَخْيَفُ. وقولُهُ: ( أَلْقَى الليثُ فيها ذِرَاعَهُ )، يعني: أنَّها مُطِرَتْ بنَوْءِ الأسدِ.والماشي: الذي معهُ مَاشِيَةٌ، يُقَالُ: أَمَشَّى الرجلُ فهوَ مَاشٍّ إذا كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ، والقياسُ مَمَشِّي، إلاَّ أنَّ الأكثرَ والمسموعَ مَاشٍّ، كما قالُوا: يَفِعَ الغلامُ فهوَ يَافِعٌ، ـ وَأَيْفَعَ الثمرُ فهوَ يافعٌ. وقالُوا: مُمْشٍ، وهوَ قليلٌ جِدًّا، والصِّرْمُ: الذي ذَهَبَتْ ماشِيَتُهُ، أيْ: فَسَرَّتْ هذهِ الروضةُ صاحبَ الماشيَةِ وسَاءَتْ الذي ذهَبَتْ ماشيتُهُ. وقولُهُ ( تَمَشَّى بِهَا الدَّرَمْاءُ )، تَمَشَّى بمعنى : مُمِشٍّ، والدَّرْمَاءُ: الأرْنَبُ، والقُصْبُ: المِعَا، والجمعُ أَقْصَابٌ.
يعني أنَّ الأرنبَ تَسْحَبُ بطْنَها في هذهِ الروضةِ كأنَّهْ بطنُ حُبْلَى. وقولُهُ: ذَاتِ أَوْنَيْنِ، أيْ ذاتِ ثِقْلَيْنِ، والأَوْنُ الثِّقَلُ. ومُتْئِمِ: في بَطْنِها وَلَدَانِ، أيْ تَظَلُّ سِبَاعُ الجوِّ منْ خوفِ هذا الأسدِ ممسكةً ولا يَقْرَبُ وَادِيَهُ أحدٌ، ويُرْوَى: منهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الوَحْشِ ضَامِزَةً.

49- ولا يَزالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ مُطَرَّحُ الْبَزِّ والدِّرْسَانِ مَأْكُولُ

البَزُّ: السلاحُ، والدِّرْسَانِ الخُلْقَانِ من الثيابِ، البَزُّ يقعُ على السيفِ والدرعِ والمِغْفَرِ، قالَ الشاعرُ:

ولا بِكَهَامٍ بَزُّهُ عنْ عَدُوِّهِ إذا هوَ لاقَى حَاسِراً ومُقَنَّعاً

فهذهِ تدلُّ على أنَّهُ أرادَ بهِ السيفَ.وقالَ الآخرُ:

فَوَيْلُ أُمِّ بَزٍّ جَرَّ شَعْلٌ على الحَصَى ووُقِّرَ بَزٌّ ما هُنَالكَ ضائِعُ

فالبَزُّ ها هنا الدرعُ والسيفُ، والشَّعْلُ: لَقَبُ تأَبَّطَ شَرًّا، وكانَ أَسَرَ هذا الهذلِيَّ فَسَلَبَهُ سلاحَهُ ودرعَهُ، وكانَ تَأَبَّطَ قَصِيراً فلَمَّا لَبِسَ الدرعَ سَحَبَهَا على الأرضِ، وكذلكَ السيفُ لمَّا تقلَّدَهُ طالَ عليهِ فسَحَبَهُ. وقولُهُ ( أَخُو ثِقَةٍ )؛ أيْ: رجلٌ يَثِقُ منْ نفسِهِ بالشجاعةِ؛ أيْ: لا يزالُ بِوَادِيهِ شجاعٌ، مُطْرِّحُ سِلاحٍ، مأكولٌ.

  #3  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:08 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

أُنْـبِئْـتُ أَنَّ رَسُــولَ اللهِ أَوْعَــدَنِـــي وَالْوَعْــدُ عِـنْـدَ رَسُـــولِ اللهِ مَـأْمُــولُ
أُنْبِئْتُ: أُخْـبِرْتُ. وأَوْعَدَنِي: أي: تَهَدَّدَنِي، من الإِيعادِ، ولا يكونُ إلاَّ في الشرِّ: وأَنْشَدَ:

أَوْعَــدَنِــي بِالسِّــجْـنِ وَالأَدَاهِـــمِ رِجْــلِي، وَرِجْــلِي شَثْـنَـةُ الْمَنَــاسِــمِ
وجاءَ في الحديثِ: أنه لما أَنْشَدَ هذا البيتَ قالَ الرسولُ صلواتُ اللهِ عليه: ((الْعَفْوُ عِنْدَ اللهِ مَأْمُولُ)).

مَـهْـلاً هَــدَاكَ الَّذِي أَعْـطَـاكَ نَـافِـلَةَ الْقُــرْآنِ فِــيـهِ مَوَاعِيــظٌ وَتَـفْصِــيـلُ
"نافِلَةَ الْقُرْآنِ": الزِّيَادَةُ، ومنه يُقَالُ لِمَا زِيدَ على الفرائِضِ مِن العباداتِ: نَافِلَةٌ، ويُقالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ: نَافِلَةٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}.

لاَ تَـأْخُــذَّنِّـي بِأَقْـوَالِ الْـوُشَـاةِ وَلَـمْ أُذْنِــبْ وَلَــوْ كَثُــرَتْ عَنِّــي الأَقَـاوِيـلُ
الْوُشَاةُ: السُّعَاةُ، واحِدُها: وَاشٍ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنه يَشِي الحديثَ ويُزَيِّنُه، ومنه سـُمِّيَ الوَاشِي وَاشِياً.

لَـقَدْ أَقُــومُ مَقَـامـاً لَـوْ يَـقُـومُ بِـهِ أَرَى وَأَسْــمَـعُ مَا لَــوْ يَسْــمَعُ الفِــيلُ
خَصَّ الفيلَ بالذِّكْرِ على سبيلِ التهويلِ؛ إذ كانَ أَعْظَمَ مِن غَيْرِه مِن الحيواناتِ.

لَـظَلَّ يُــرَعَـدُ إِلاَّ أَنْ يَـــكُـونَ لَـهُ مِنَ الرَّسُــولِ بِإِذْنِ اللهِ تَــنْــوِيـــلُ
يُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كذا، إذا فَعَلَه نَهَاراً، وباتَ يَفْعَلُ كذا، إذا فَعَلَهَ ليلاً. وقد يُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كذا، إذا فَعَلَهُ ليلاً أيضاً، ويُقَالُ: بَاتَ يَفْعَلُ كذا إذا فَعَلَهُ نهاراً. وتَنْوِيلُ: تَفْعِيلٌ مِن النَّوَالِ وهو العَطِيَّةُ.

حَــتَّـى وَضَـعْتُ يَــمِيـني لاَ أُنَـازِعُـهُ في كَـفِّ ذِي نَقِـمَـاتٍ قِـيلُـهُ القِــيــلُ
نَقِمَاتٍ: جَمْعُ نِقْمَةٍ. وقِيلُهِ القِيلُ: بمعنى أنه إذا قالَ شيئاً فَعَلَه. والقِيلُ والقَوْلُ والقَالُ بمعنًى. قالَ اللهُ تعالى: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} أي: قَوْلِه، وقالَ تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ}. وقدْ قُرِئَ: (قَالَ الْحَقِّ) أي: قَوْلَ الحَقِّ، ولذلك كانَ " الْحَقِّ " مجروراًً بالإضافَةِ.

لَذَاكَ أَهْـيَبُ عِــنْـدِي إِذْ أُكَــلِّـمُــهُ وَقِــيـلَ إِنَّــكَ مَنْــسُـوبٌ وَمَسْــئُولُ
أَهِيبُ: مِن الهَيْبَةِ. ويُرْوَى " أَرْهَبُ عِنْدِي " من الرَّهْبَةِ.

مِـن خَــادِرٍ مِنْ لُيُــوثِ الأُسْــدِ مَسْكَنُهُ بِبـَـطْنِ عَــثَّـرَ غِيــلٌ دُونَــهُ غِيـــلُ
مِن خَادِرٍ: أي: مِن لَيْثٍ خَادِرٍ. و " مِن" يَتَعَلَّقُ بـ " أَهْيَبُ " في البيتِ الذي قبلَه. وخادِرٍ: داخِلٌ في الخِدْرِ. ويقالُ: خـَدَرَ وأَخْدَرَ إذا (دَخَلَ) في الخِدْرِ. وعَثَّرَ: مَوْضِعٌ. والغِيلُ والخِيسُ، والزَّارَةُ، والخِدْرُ، والعِرِّيسُ والعِرِّيسَةُ والعَرِينُ والأَجَمَةُ بمعنًى.

يَـغْـدُو فَـيَلْحَـمُ ضِـرْغَـامَيْنِ عَيْشُهُمَا لَحْـمٌ مِنَ الْقَــوْمِ مَعْــفُـورٌ خَــرَادِيــلُ
مَعْفُورٌ: مَفْعُولٌ مِن العَفَرِ وهو التُّراُب. الخَرَادِيلُ: المُقَطَّعُ، ويُقالُ: خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ وخَرْذَلْتُه – بالذالِ المُعْجَمَةِ والدالِ غيرِ المُعْجَمَةِ – إذا قَطَّعْتَه.

إِذَا يُــسَاوِرُ قِـرْناً لاَ يَــحِـلُّ لَــهُ أَنْ يَــتْرُكَ الْقِــرْنَ إِلاََّ وَهْــوَ مَفْــلُولُ
يُسَاوِرُ: يُوَاثِبُ. والقِرْنُ: المُقَاوِمُ في شجاعةٍ أو عِلْمٍ. ومَفْلُولُ: مَكْسُورٌ، ومِنه يُقالُ: قَوْمٌ فَلٌّ: مُنْهَزِمُونَ. والفَلُّ: الكَسْرُ وجَمْعُهُ فُلُولٌ، قالَ الشاعِرُ:

" بِـهَا مِن قِـرَاعِ الدَّارِعِيــنَ فُـلُولُ "
أي: كُسُـورٌ.
مِنْــهُ تَــظَلُّ حَمِيـرُ الوَحْــشِ ضَــامِرَةً وَلاَ يُـمَشِّــي بَــوَادِيــهِ الأَرَاجِــيـلُ
"ضَامِرَةً": مُمْسِكَةٌ، ويُـمَشَّى: بمعنى يَمْشِي. والأراجيلُ والرِّجَالِيُّ= والرِّجْلُ، والرَّجَّالَةُ بمعنًى.

ولاَ يَـــزَالُ بِـوَادِيـهِ أَخُــو ثِــقَــةٍ مُــطَرَّحُ البَـزِّ والدِّرْسَـــانِ مَـأْكُــولُ
أخو ثِقَةٍ: أي: يَثِقُ بشَجَاعَتِهِ. و"البَزِّ": السِّلاحُ. والدِّرْسَانِ: الأخلاقُ= مِن الثِّيابِ.

  #4  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:31 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُـــولَ اللَّهِ أَوْعَـدَنِـي والعَـفْوُ عِنْـدَ رَسُـــولِ اللَّهِ مـَأْمُــولُ
هَذَا هو الغَرَضُ المَقْصُودُ مِن هذه القَصِيدَةِ، وسَائِرُها مَقْصُودٌ لِهَذَا البَيْتِ، وهو الْتِماسُ العَفْوِ، ومَا أَحْسَنَ مَا أَعَادَ " رَسُولَ اللَّهِ " في البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، وهَذَا بَلاغَةٌ فَائِقَةٌ، وفِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ أَقَامَ المُظْهَرَ مُقَامَ المُضْمَرِ للتَّفْخِيمِ والتَّعْظِيمِ، والآخَرُ: خَاصٌّ بِهَذَا المَوْضِعِ، وهو أَنَّ العَفْوَ مِن مَكَارِمِ الأَخْلاقِ ومِمَّا أُمِرَ بهِ رَسُولُ اللَّهِ –عليهِ السلامُ- في قَوْلِه تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} فَفِي التَّصْرِيحِ بقَوْلِه: " عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ " تَحْقِيقٌ لرَجَاءِ العَفْوِ، وتَوْكِيدٌ للأَمَلِ، وتَنْبِيهٌ عَنِ العِلَّةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: ولأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فأَنْتَ أَحَقُّ بأَنْ تَعْفُوَ وتَصْفَحَ. وفيه مَعْنًى آخَرُ لَطِيفٌ، وهو أَنَّ اعْتِرَافَهُ بأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِيمَانٌ وإِسْلامٌ، وهذا أَقْوَى مُجِيبٍ لاسْتِيجَابِ العَفْوِ وتَحْقِيقِ أَمَلِهِ مِنْهُ, وَقَالَ: " عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ " ولَمْ يَقُلْ "مِن رَسُولِ اللَّهِ "؛ لأنَّ "عِنْدَ" أَدَلُّ علَى التَّعْظِيمِ والرِّيَاسَةِ.

أَوْعَدَنِي: تَهَدَّدَنِي, و الإِيعَادُ خَاصٌّ بالشَّرِّ وهو الوَعِيدُ أيضاً: وأمَّا الوَعْدُ فيَكُونُ في الخَيْرِ والشَّرِّ جَمِيعاً. والوَعْدُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْجَزَ, ويُذَمُّ فِي الإِخْلافِ، وأمَّا الوَعِيدُ فيُسْتَحَبُّ فيهِ الإِخْلافُ ويُسَمَّى العَفْوَ.
و"أُنْبِئْتُ" مِن الأَفْعَالِ التي تَتَعَدَّى إِلَى ثَلاثَةٍ ومَفْعُولَيْنِ تَقُولُ: " أَنْبَأَ اللَّهُ زَيْداً رَسُولَ اللَّهِ مَوْعِداً "، فَلَمَّا بَنَاهُ للمَفْعُولِ أَقَامَ زَيْداً مُقَامَ الفَاعِلِ فرَفَعَهُ، وبَقِيَ المَفْعُولانِ بِحَالِهِمَا. وأَنَّ ومَعْمُولاهَا تَسُدُّ مَسَدَّ المَعْمُولَيْنِ؛ لأنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الجُمْلَةِ الخَبَرِيَّةِ التي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولَيْ " أُنْبِئْتُ ". ودَخَلْتْ لتَوْكِيدِ الكَلامِ, وَمَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَلاثَةِ مَفَاعِيلَ أَفْعَالٌ مَعْدُودَةٌ، ويَجُوزُ فِيهَا الاقْتِصَارُ عَلَى الأَوَّلِ ولا يَجُوزُ الاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي ولا الثَّالِثِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا خَبَرٌ عَنِ الآخَرِ. ولا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ الثَّانِي عَلَى الأَوَّلِ، ولا أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الفَاعِلِ غَيْرُ الأَوَّلِ، فإِنَّ الأَوَّلَ فَاعِلٌ فِي المَعْنَى وأَمَّا الثَّانِي والثَّالِثُ فَفِي مَعْنَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُمَا فِي الحَقِيقَِة جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ مُنْعَضدَةٌ مِن مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ، ولذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُوقَعَ مَكَانَهُمَا ذَلِكَ وتَدْخُلَ عَلَيْهِمَا أَنِ المَصْدَرِيَّةُ فتَسُدَّ مَسَدَّهُمَا؛ لأَنَّهُمَا هُمَا "كَذَا". ولَقَدْ تَعَسَّفَ مَن قَدَّرَ مَفْعولاً آخَرَ مَحْذوفاً، وجَعَلَ أَنَّ ومَا بَعْدَها فِي مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثَّانِي أَوِ الأَوَّلِ في بَابِ "ظَنَنْتُ" وكَادَ أَنْ يَكُونَ اسْتِقْصاؤُهُ مُفَارِقاً للصِّنَاعَةِ.
مَهْلاً هَـدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَـافِـلَةَ الْـ قُرْآنِ فِيـهَا مَـوَاعِـيظٌ وتَفْـصِيلُ
أَخَذَ يَسْتَعْطِفُهُ،() قَوْلُه, ويُصَرِّحُ بنِعَمِ اللَّهِ عِنْدَه المُوجِبَةِ عليهِ الشُّكْرَ والعَفْوَ، ويُقِرُّ بنُزُولِ الوَحْيِ عَلَيْهِ، ويَعْتَرِفُ بالقُرْآنِ، ويَذْكُرُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن الوَعْظِ وتَفْصِيلِ الحَلالِ والحَرَامِ، وفِي ذَلِكَ كُلِّه إِيمَانٌ منه بالنُّبُوَّةِ والقُرْآنِ، وارْتِجَازٌ منه بوَعْظِه، وانْتِهَاءٌ إِلَى أَمْرِه، وارْتِدَاعٌ عَنْ نَهْيِه، وإِقْرَارِه بحَلالَهِ وحَرَامِه. و"مَهْلاً " مَصْدَرٌ بمَعْنَى رِفْقاً، ووَصَلَهُ بالدُّعَاءِ لَهُ تَحَنُّناً وتَعَطُّفاً وتَلَطُّفاً وتَحَبُّباً، ودَعَا لَهُ بأَحَبِّ الأَشْيَاءِ إليه –عليهِ السَّلامُ- وجَمَعَ فِي الدُّعَاءِ لَهُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً جَمَّةً لو قَالَ: "هَدَاكَ اللَّهُ" لفَاتَتْ. وأَصْلُ النَّافِلَةِ مَا كَانَ زَائِداً علَى الفَرْضِ, مِن ذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}. أي: زَائِداً لَكَ دُونَ أُمَّتِكَ؛ لأنَّه وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً. ووَلَدُ الوَلَدِ يُقَالُ لَهُ: نَافِلَةٌ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}. والنَّفْلُ: الغَنِيمَةُ والجَمْعُ: يُقَالُ: أَنْفَالٌ، قَالَ لَبِيدٌ: " إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلٍ "

ويُرْوَى " فِيهِ مَوَاعِيظٌ". فتَكُونُ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِن القُرْآنِ، وتَكُونُ "نَافِلَةَ" في مَعْنَى عَطِيَّةٍ ومَوْهِبَةٍ. وفِيهِ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ لاخْتِلافِ جِهَتَيْهِ. ويَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بنَافِلَةِ القُرْآنِ: تَهَجُّدَ اللَّيْلِ. يَعْنِي قَولَه تعالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} كَأَنَّهُ يَقُولُ: النَّافِلَةُ المَذْكُورَةُ في القُرْآنِ. وإِنَّمَا جَعَلَ القُرْآنَ نَافِلَةً؛ فلأنَّها مَوْهِبَةٌ مِن اللَّهِ-تعالى- لَمْ يُعْطِهَا الأَنْبِياءَ قَبْلَهُ. مِثْلُ تَهَجُّدِ اللَّيْلِ الذي هو نَافِلَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وهِيَ نَافِلَةٌ عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ الوَاجِبَةِ عَلَى أُمَّتِهِ.
لا تـَأْخُذَّنِّي بأَقْوَالِ الوُشَــاةِ وَلَمْ أُذْنـِبْ، وَلَوْ كَثُــرَتْ فِـيَّ الأَقَـاوِيـلُ
" لا تَأْخُذَّنِّي" سُؤَالٌ وتَضَرُّعٌ فِي صُورَةِ النَّهْيِ، ووَكَّدَهَ بالنُّونِ؛ لأنَّهُ يَجرِي مَجْرَي النَّهْيِ، فإنَّ النَّهْيَ لِمَنْ هُوَ دُونَكَ، فإِنْ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِثْلُكَ سُمِّيَ طَلَباً والْتِمَاساً، وإِنْ كَانَ لِمَنْ هُوَ فَوْقَكَ سُـمِّيَ سُؤَالاً وتَضَرُّعاً ودُعَاءً.

وقَوْلُه: " لا تَأْخُذَّنِّي بأَقْوَالِ الوُشَاةِ". مَعْنَاهُ لا تَسْتَبِحْ دَمِي بأَقْوَالِ مَن يُزَوِّقُ الكَلامَ ويَقْصِدُ الإِفْسَادَ.
وقَوْلُه: "وَلَمْ أُذْنِبْ" تَنَصُّلٌ. والجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الحَالِ، وكَذَا "وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الأَقَاوِيلُ" يَعْنِي أَنَّ أَقَاوِيلَ الوُشَاةِ مَعَ كَثْرَتِهَا فإِنَّمَا هِيَ مُزَخْرَفَةٌ. والأَقَاوِيلُ: جَمْعُ أَقْوَالٍ. وجَوَابُ "لَوْ" مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، والأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى " لا تَأْخُذَّنِّي" أي: وَلَوْ كَثُرَتِ الأَقَاوِيلُ فإِنِّي غَيْرُ مُؤَاخَذٍ، أي: فإِنِّي ضَارِعٌ إِلَيْكَ أَلاَّ تُؤَاخِذَنِي، فامْتَنَعَتْ مُؤَاخَذَتُه لامْتِنَاعِ كَثْرَةِ الأَقَاوِيلِ. وفِي إِخْرَاجِ القَوْلِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَانٍ غَامِضَةٌ وأَغْرَاضٌ بَلاغِيَّةٌ لا يَلِيقُ التَّطْوِيلُ بـِهَا.
إِنِّـي أَقُـومُ مَقَـاماً لَـوْ يَقُـومُ بِـهِ أَرَى وأَسْـمَعُ مَا لَــوْ يَسْــمَعُ الفِـيلُ
لَظَـلَّ يـُرْعَـدُ إِلاَّ أَنْ يَكُـونَ لَــهُ مـِنَ الرَّسُــولِ بإِذْنِ اللَّهِ تـَـنْـوِيـلُ
يَصِفُ شِدَّةَ مَا مَلَكَ قَلْبَهُ مِن الرُّعْبِ، ودَاخَلَهُ مِن الهَيْبَةِ والذُّعْرِ، يَقُولُ: أَنَا في مَقَامٍ وعلَى حَالٍ لَوْ عَرَضَتْ للفِيلِ لأَرْعَدَ خِيفَةً ومَهَابَةً. يُقَالُ: أَرْعَدَ الرَّجُلُ: إِذَا أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ، وأَرْعَدَ إِذَا ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ عِنْدَ الفَزَعِ. إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِن الرَّسُولِ أَمَانٌ بإِذْنِ اللَّهِ، يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لا أَمْنَ إِلاَّ مِن جِهَةِ الرَّسُولِ، ولا أَمْنَ للرَّسُولِ إِلاَّ بإِذْنِ اللَّهِ.

وأَقُومُ فِعْلُ حَالٍ. يَقُولُ: إِنِّي قَدْ قُمْتُ مَقَاماً لَوْ كَانَ بِهِ الفِيلُ لأُرْعَدَ، يَصِفُ جَلالَةَ المَقَامِ وهَيْبَةَ المَجْلِسِ. "وأَرَى وأَسْمَعُ" حَالانِ مِن أَقُومُ أي: رَائِياً فِيهِ وسَامِعاً فِيهِ لو قَامَهُ الفِيلُ وَلَوْ سَمِعَهُ الفِيلُ. و"مَا" نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أو مَوْصُولَةٌ. "ولَوْ يَسْمَعُ" صِفَتُهَا أو صِلَتُهَا، أي: شَيْئاً لَوْ سَمِعَهُ الفِيلُ أَوْ رَآهُ الفِيلُ لظَلَّ يُرْعَدُ. وفِي الكَلامِ مَحَاذِيفُ كَثِيرَةٌ، كأَنَّهُ يَقُولُ: أَرَى مَا لَوْ رَآهُ الفِيلُ [و أَسْمَعُ مَا لَوْ سَمِعَهُ الفِيلُ] لظَلَّ يُرْعَدُ، فاجْتَزَأَ بـ لَوْ وَاحِدَةٍ عَنِ اثْنَتَيْنِ، وجُعِلَ جَوَاباً لثَلاثِ " لَوَاتٍ" وَاحِدَةٌ مَحْذُوفَةٌ واثنتانِ مَلْفُوظٌ بِهِمَا.
والفِيلُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ "يَقُومُ" وفَاعِلُ "يَسْمَعُ"، ففَاعِلُ أَيِّهِمَا كَانَ فِي الآخِرِ ضَمِيرُه، ويَكُونُ هَذَا مِن بَابِ قَوْلِهِم: قَامَ وَقَعَدَ زَيْدٌ. والكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ إِعْمَالَ الفِعْلِ الأَوَّلِ أَجْوَدَ، والبَصْرِيُّونَ يَرَوْنَ الأَجْوَدَ إِعْمَالَ الثَّانِي. وقَوْلُه: " إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ" اسْتِثْنَاءٌ مِن قَوْلِه: "لظَلَّ يُرْعَدُ" أي: إِنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ مِنَ الرَّسُولِ لَمْ يُرْعَدْ. و"بإِذْنِ اللَّهِ" يَتَعَلَّقُ بـ "تَنْوِيلُ", وهو مَصْدَرُ نَوَّلْتُه تَنْويلاً إِذَا أَعْطَيْتَهُ. والنَّوَالُ: العَطَاءُ، يُقَالُ: نِلْتُ لَهُ بالعَطِيَّةِ أَنُولُ نَوْلاً ونِلْتُهُ العَطِيَّةَ ونَوَّلْتُهُ أَعْطَيْتُه نَوَالاً. ويُرِيدُ بالعَطِيَّةِ الأَمَانَ واليَدَ.
حَتَّـى وَضَعْـتُ يَمِينِي لا أُنَـازِعُــهُ فِـي كَفِّ ذِي نَقِـمَـاتٍ قـِيـلُهُ القِيــلُ
لا أُنَازِعُه: لا أُجَاذِبُه. يَقُولُ: أَضَعُ يَمِينِي في كَفِّه وَضْعَ طَاعَةٍ لا وَضْعَ مُنَازَعَةٍ ومُجَاذَبَةٍ، ومَوْضِعُها النَّصْبُ عَلَى الحَالِ، وخَصَّ اليَمِينَ تَعْظِيماً لشأنِ النَّبِيِّ عليه السلامُ؛ لأنَّها التي تُعْطَى في العُهُودِ وتُلْمَسُ بِهَا العُظَمَاءُ. وخَصَّ الكَفَّ؛ لأَنَّها المَوْصُوفَةُ بالجُودِ والبَذْلِ والمُشَبَّهَةُ بالبَحْرِ. والنَّقِمَاتُ: جَمْعُ نِقْمَةٍ, وهِيَ العُقُوبَةُ مُجَازَاةً، الانْتِقَامُ: التَّعْذِيبُ مُجَازَاةً بِمَا سَبَقَ مِن سُوءِ العَمَلِ واسْتِحْقَاقاً مَعَ القُدْرَةِ والمَعْدَلَةِ.

وقَوْلُه: ذِي نَقِمَاتٍ: أي ذِي قُدْرَةٍ عَلَى المُجَازَاةِ عَلَى الإِسَاءَةِ والاسْتِقْصَاءِ فِي ذَلِكَ بِحَقٍّ ومَعْدَلَةٍ.
"قِيلُه القِيلُ": أي: إِذَا قَالَ فَعَلَ, وَصَفَهُ بالمَقْدِرَةِ والتَّصْمِيمِ ( ) للعَهْدِ، أي: قَوْلُه القَوْلُ المُحَقَّقُ المُعْتَدُّ بِهِ الذي هو بِمَنْـزِلَةِ الأَمْرِ الوَاقِعِ والخَبَرِ اليَقِينِ، وهِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ في مَوْضِعِ الخَفْضِ صِفَةٌ " لذِي نَقِمَاتٍ". وحَتَّى: لانْتِهَاءِ الغَايَةِ، وابْتِدَاؤُهَا مِن كَوْنِه يُرْعَـدُ.
وذَاكَ أَهْيـَبُ عِـندِي إِذْ يـُكلِّمُنـِي وقِـيلَ: إِنـَّكَ مَنْسُــوبٌ ومَسْــئُولُ
مِن خَـادِرٍ مِن لُيُـوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ ببَـطْنِ عَـثَّرَ غِيــلٌ دُونَــهُ غِيــلُ
ويُرْوَى: " لَذَاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ". وذَاكَ إِشَارَةٌ إِلَى الرَّسُولِ, "وإِذْ يُكَلِّمُنِي" حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ, "وقِيلَ إِنَّكَ"، أي: هو أَهْيَبُ عِنْدِي مُكَلَّماً ومَنْسُوباً ومَسْئولاً؛ لأَنَّهُ مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَوَقِّعاً أنْ يُكَلِّمَهُ وأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ نَفْسِه وحَالِه، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "وقِيلَ" مِن جُمْلَةِ حَدِيثِ الوُشَاةِ, كأَنَّهُم قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا مَثَلْتَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ نَسَبَكَ وسَأَلَكَ، فتَكُونُ "إِذْ أُكَلِّمُهُ" حَالاً مِن "أَهْيَبُ".

وقِيلَ حَالٌ مِن "أُكَلِّمُهُ" أي: أُكَلِّمُهُ فِي حَالِ مَا قِيلَ لِي كَيْتَ وكَيْتَ, وخُوِّفْتُ. "مِن خَادِرٍ" يَتَعَلَّقُ بـ "أَهْيَبُ", و"مِنَ الأُسْدِ" غَايَةٌ. وقَوْلُه:"مِن لُيُوثِ الأُسْدِ" كأَنَّهُ قَالَ: مِن أَشَدِّ الأُسُودِ, ومِن هَذِهِ للتَّبْعِيضِ. والخَادِرُ: الدَّاخِلُ في الخِدْرِ, وهِيَ الأَجَمَةُ، يُقَالُ خَدَرَ وأَخْدَرَ فَهُو خَادِرٌ ومـُخْدِرٌ. و"مَسْكَنُهُ غِيلٌ" جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ. والغِيلُ: مَوْضِعُ الأَسَدِ. وأَصْلُ الغِيلِ: الشَّجَرُ المُلْتَفُّ. يُقَالُ مِنْهُ تَغَيَّلَ الشَّجَرُ. و"دُونَهُ غِيلُ" جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ صِفَةٌ لـ"غِيلٌ" الأَوَّلِ، كأَنَّهُ فِي أَجْمَةٍ دَاخِلَ أَجَمَةٍ، وذَلِكَ أَشَدُّ لوَحْشِيَّتِه وقَسَاوَتِه, وهَذَا الغِيلُ "ببَطْنِ عَثَّرَ" وهو اسْمُ مَكَانِ مَأْسَدَةٍ، ولَيْسَ في الأَسْمَاءِ مَا جَاءَ عَلَى "فَعَّلَ" إلاَّ بذَّرَ اسْمُ مَاءٍ، وعَثَّرَ، وبَقَّمَ للصِّبْغِ، وشَلَّمَ لبَيْتِ المَقْدِسِ، وخَضَّمَ مَكَانٌ أو مَاءٌ, ويُرْوَى "مِن بَطْنِ عَثَّرَ".
يَغْـدُو فيَلْحَـمُ ضِرْغَامَيْـنِ عَيْشُــهُمَا لَحْمٌ مِنَ القَــوْمِ مَعْــفُـورٌ خـَرَادِيـلُ
يَصِفُ الأَسَدَ بالضَّرَاوَةِ والقَسْوَةِ. وقَوْلُه: "يَغْدُو" أي: يَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ يَطْلُبُ صَيْداً لشِبْلَيْهِ. وقَوْلُه "فيَلْحَمُ" أي: يُطْعِمُهُمَا لَحْماً. ويُقَالُ: لَحَمْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَطْعَمْتَهُ اللَّحْمَ. والأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: أَلْحَمْتُ. والضِّرْغَامَانِ: أَسَدَانِ، ويُرِيدُ شِبْلَيْهِ. و"عَيْشُهُمَا لَحْمٌ" أي: قُوتُهُمَا لَحْمُ بَنِي آدَمَ.

مَعْفُورُ: أي مُتْرَبٌ، والعَفْرُ: التُّرَابُ. والخَرَادِيلُ: القِطَعُ. يُقَالُ: خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ، خَرَادِلَ وخَرَادِيلَ أي: قِطَعاً. ومِنْهُ سُـمِّيَ الخَرْدَلُ لِهَذَا الصِّبَاغِ؛ لأَنَّهُ يَقْطَعُ ويَجْلُو. ويُقَالُ: خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ إِذَا قَطَّعْتَهُ بالدَّالِ والذَّالِ جَمِيعاً.
إِذَا يُسـاوِرُ قِـرْناً لا يـَحِـلُّ لَــهُ أَنْ يَــتْرُكَ القِـرْنَ إِلاَّ وَهْــوَ مَــجْـدُولُ
أي: إِذَا كَانَ يُسَاوِرُ. والمُسَاوَرَةُ: المُوَاثَبَةُ. والسَّوْرُ: الوَثْبُ. القِرْنُ: المُقَاوِمُ في حَرْبٍ أو عِلْمٍ. والقَرْنُ بالفَتْحِ: المُمَاثِلُ في السِّنِّ. والمَجْدُولُ: المُلْقَى بالجَدَالَةِ وهي وَجْهُ الأَرْضِ.

ويُرْوَى "مَفْلُولُ" أي: مَكْسُورٌ مَهْزُومٌ. وقَوْلُه: "لا يَحِلُّ لَهُ " مَعْنَاهُ لا يُفَارِقُه ولا يَخْلُصُ مِن يَدَيْهِ، فكأنَّ نَجَاتَهُ مِنْهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لأنَّه ظَفَرَ بقِرْنٍ حَرُمَ عَلَيْهِ تَرْكُه، يُرِيدُ شِدَّةَ بأْسِه. "وهو مَجْدُولُ" جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الحَالِ.
مِنْـهُ تَـظَلُّ سِـباعُ الجَـوِّ ضَـامِـزَةً وَلاَ تُمَشِّــي بــوَادِيــهِ الأَرَاجِـــيلُ
يَصِفُ الأَسَدَ بأَنَّ السِّبَاعَ تَخَافُهُ، والرِّجَالَ لا تَقْرُبُ مَكَانَهُ خِيفَةً مِنْهُ. والجَوُّ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ. والجَوُّ: البَرُّ الوَاسِعُ. وضَامِزَةً: سَاكِتَةً مُمْسِكَةً: يُقَالُ: ضَمَزَ يَضْمِزُ ضَمْزاً وضُمُوزاً إِذَا سَكَتَ، وضَمَزَ البَعِيرُ:إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الجِرَّةِ، وكُلُّ مَا سَكَتَ ضَامِزٌ وضَمُوزٌ.

ولا تُمَشِّي أي: لا تَمْشِي وشَدَّدَ للتَّكْثِيرِ. وسِبَاعُ الجَوِّ: قَدْ يُرِيدُ بها ذَوَاتِ الرِّيشِ, وقَدْ يُرِيدُ بِهَا ذَوَاتِ الأَرْبَعِ، فإِنْ أَرَادَ بِهَا الطَّيْرَ فَعَلَى وَجْهِ المُبَالَغَةِ. والأَرَاجِيلُ: جَمْعُ أَرْجَالٍ جَمْعِ رِجْلٍ, وكأَنَّهُ جَمَعَ الرِّجَّالَةَ، يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ لا يَتَحَامُونَ مَكَانَهُ، والسِّبَاعُ تَمْسِكُ خِيفَةً. ويُرْوَى: " مِنْهُ تَظَلُّ جَمِيعُ الوَحْشِ"، وذَكَرَ تُمَشِّي بلَفْظِ التَّكْثِيرِ؛ لأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ ( )= وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ.
ولا يـَزَالُ بـوَادِيـهِ أَخُـو ثِـقَـــةٍ مـُطَّرَحُ البـَـزِّ والدِّرْسَـانِ مـَأْكُــولُ
البَزُّ: السِّلاحُ, والدِّرْسَانُ: الخُلْقانُ مِن الثِّيَابِ, وأَخُو ثِقَةٍ: هو الشُّجَاعُ الوَاثِقُ بشَجَاعَتِه، فهو يُخَاطِرُ بمُهْجَتِهِ ويَجُوزُ بوَادِيهِ، فيَفْتَرِسُه، ويُبْقِي سَلاحَهُ وثِيَابَهُ مُطَّرَحَةً, وجَعَلَهُ إِنَّمَا يَصِيدُ الشُّجَاعَ الشَّاكِي السِّلاحَ.

  #5  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 06:58 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
38- أُنْبِئْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ أَوْعَدَنِي = والعفْوُ عندَ رَسولِ اللهِ مَأْمُولُ
جَميعُ ما تَقَدَّمَ تَوْطِئَةٌ لهذا البيتِ؛ فإنَّ غَرَضَه مِن القَصيدةِ التنَصُّلُ والاستعطافُ.
ومعنى " أُنْبِئْتُ ": أُخْبِرْتُ خَبرًا صادِقًا، ويُرْوَى: " نُبِّئْتُ " وهو بمعناهُ، وتَرَكَ ذِكْرَ الفاعِلِ هنا لأمرينِ :
أحدُهما: أنه لا يَتَعَلَّقُ بتَعيينِه غَرَضٌ، ومِثلُه قولُه تعالى: { إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا }, { وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا }, { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ }.
والثاني: أنَّ مَقامَ الاستعطافِ يُناسِبُهُ أن لا يُحَقَّقَ الخبرُ بالوعيدِ، بل أنْ يُؤْتَى به مُمَرَّضًا، كما يُقالُ: رُوِيَ كذا.
و"أنَّ "وَصِلَتُها: إمَّا على تقديرِ الباءِ وهو الأَصْلُ، مثلُ: { أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ }, { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ }، وإمَّا سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولينِ على تَضمينِ أَنْبَأَ ونَبَّأَ معنى أَعْلَمُ أو أَرَى.
والوعْدُ في الخيرِ، والإيعادُ في الشرِّ، ولهذا قالَ بعضُ فُصَحَاءِ العَرَبِ في دُعائِه: يا مَن إذا وَعَدَ وَفَى، وإذا أَوْعَدَ عَفَا، وقالَ الشاعِرُ: ( البحر الطويل )
وإني وإنْ أَوْعَدْتُه أو وَعَدْتُهُ = لَمُخْلِفٌ إِيعادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدِي
وما أَحسَنَ قولَ ابنِ الفارِضِ رَحِمَه اللهُ تعالى: ( البحر الطويل )
متى أَوْعَدَتْ أَوْلَتْ وإن وَعَدَتْ لَوَتْ = وإن أَقسَمَتْ لا تُبْرِئُ السُّقْمَ بَرَّتْ
وإنما يُستعمَلُ وَعْدٌ في الشَّرِّ مُقَيَّدًا كقولِه تعالى: { النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }.
وفي البيتِ إعادةُ ذِكْرِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإظهارِ التضخيمِ والتعظيمِ، ولهذا أَتَى بـِ "عِنْدَ"، ولم يَأْتِ بِـ "مِنْ"؛ لأنَّ " عندَ " أَدَلُّ على التضخيمِ ولِتقويةِ الرجاءِ؛ لأنَّه قد ثَبَتَ وتَواتَرَ أنَّ الصَّفْحَ مِن أخلاقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لا يَجْزِي بالسَّيِّئَةِ، ولكن يَعْفُو ويَغْفِرُ، ففي ذِكْرِ صَريحِ اسْمِه ما ليس في الضميرِ، ولأنَّ فيه تَكرارَ الاعترافِ بالرسالةِ الذي هو مُقْتَضٍ للعَفْوِ، ومُستَجْلِبٌ للرِّضَى، ويُذْكَرُ أنه عليه الصلاةُ والسلامُ لَمَّا سَمِعَ هذا البيتَ، قالَ: العفوُ عندَ اللهِ.
ثم قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:

39- مَهْلًا هَدَاكَ الذي أَعطاكَ نَافِلَةَ = القُرآنِ فيها مَواعيظٌ وتَفْصِيلُ
هذا البيتُ وما بعدَه تَتميمٌ للاستعطافِ، والاستعطافُ فيه مِن جِهاتٍ:
أحدُها: ما اشْتَمَلَ عليه مِن طَلَبِ الرِّفْقِ به، والأناةِ في أَمْرِه، بقولِه: مَهْلًا، وأَصْلُه: إِمهالًا، وهو مَصْدَرٌ أُنيبَ عن فِعْلِه، وحُذِفَ زائداه الهمزةُ والألِفُ.
والثاني: الدُّعاءُ في قولِه: هَداكَ الذي، فإنه خبرٌ لَفْظًا، ودُعاءٌ معنًى، ومِثْلُه: غَفَرَ اللهُ لك، +++وصَلَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مُحَمَّدٍ، وهو أَبْلَغُ مِن صِيغةِ الطلَبِ.
والثالثُ: التذكيرُ بنِعمةِ اللهِ تعالى عليه ليكونَ ذلك أَدْعَى إلى العَفْوِ شُكْرًا للنِّعمةِ، ووَجْهُ اشتمالِه على التذكيرِ بالنعمةِ أَمرانِ:
أحدُهما: أنَّ مَعنى " هداكَ " زادَكَ هُدًى، فاقْتَضَى ذلك هُدًى سابِقًا، وطَلَبَ هُدًى مُتَجَدِّدٍ.
والثاني: أنَّ في قولِه: " نافِلَةَ القُرآنِ " إشارةً إلى أنَّ اللهَ تعالى أَنْعَمَ على رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعُلومٍ عَظيمةٍ عَلَّمَه إيَّاهَا، وجَعَلَ الكتابَ زِيادةً له على تلك العُلومِ، وهذا أَحْسَنُ ما يَظهَرُ في تفسيرِ قولِه تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } أي : زيادةً على العِلْمِ الذي أَحْسَنَه، أي: أَتْقَنَ مَعرِفَتَه، والذي دَلَّ على إِرادتِه ذلك قولُه: " نافِلَةَ " إذ النافِلَةُ: العَطِيَّةُ الْمُتَطَوَّعُ بها زِيادةً على غَيْرِها، ومنه قِيلَ لِمَا زِيدَ على الفرائضِ مِن العِباداتِ: نافِلَةٌ، وقالَ اللهُ تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } ولذلك أيضًا سُمِّيَ ابنُ الابنِ نافِلَةً، قالَ اللهُ تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً }.
والرابعُ: الإقرارُ بالتنزيلِ وما اشْتَمَلَ عليه مِن الْمَواعِظِ والتفصيلِ.
والخامسُ: التذكيرُ بما جاءَ في التنزيلِ مِن قولِه تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } رُوِيَ أنها لَمَّا نَزَلَتْ سَأَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبريلَ عنها، فقالَ: لا أَدْرِي حتى أَسْأَلَ، فمَضَى ثم رَجَعَ، فقالَ: " يَا مُحَمَّدُ إنَّ ربَّكَ أَمَرَك أن تَصِلَ مَن قَطَعَكَ، وتُعْطِيَ مَن حَرَمَك، وتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ " وعن جَعفرٍ الصادِقِ رَضِيَ اللهُ عنه: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِمَكارِمِ الأخلاقِ. قيلَ: وليس في التنزيلِ آيةٌ أَجْمَعَ لِمَكارِمِ الأخلاقِ منها، قيلَ: وليس الْمُرادُ بالقرآنِ القِراءةَ، وليس بشيءٍ، وإنما الْمُرادُ: الكتابُ الْمُنَزَّلُ على الرسولِ المكتوبُ في الْمَصاحِفِ، والْمَنقولُ عنه نَقْلًا مُتواترًا، والإضافةُ في نَافِلَةِ القرآنِ مِثْلُها في أَخلاقِ ثِيابٍ، أو بمعنى (في) على تَقديرِ مُضافٍ أي: نافِلَةَ القرآنِ، والْمُضافُ مُقْحَمٌ كإقحامِه في قولِ لَبيدٍ: ( البحر الطويل ).

تَمَنَّى ابنتاي أن يَعيشَ أَبُوهُما = وهل أنا إلا مِن رَبيعةَ أو مُضَرْ
فإنْ حالَ يومًا أن يَموتَ أَبُوكُما = فلا تَخْمِشَا وَجْهًا ولا تَحْلِقَا شَعَرْ
وقُولَا هو الْمَرْءُ الذي لا صَدِيقَه = أَضاعَ ولا خانَ الصديقَ ولا غَدَرْ
إلى الْحَوْلِ ثم اسْمُ السلامُ علَيْكُمَا = ومَن يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فقدِ اعْتَذَرْ
أي: ثم السلامُ عليكما، ويَجوزُ نَصْبُ القرآنِ على أن يكونَ حَذْفُ التنوينِ مِن نافِلَةٍ ليس لإضافةٍ بل لالتقاءِ الساكنينِ كما في قولِ أبي الأسودِ: ( المتقارِب )
فأَلْفَيْتُه غيرَ مُسْتَعْتَبٍ = ولا ذَاكرِ اللهَ إلا قليلًا
وتكونُ " نافِلَةً " حينئذٍ إمَّا حالًا تَقَدَّمَتْ، وإمَّا مَفعولًا ثانيًا، والقرآنُ بَدَلٌ.
وقولُه: " وتَفصيلُ " أي: تَبيينُ ما يُحتاجُ إليه من أَمْرَيِ الْمَعاشِ والْمَعادِ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
40- لا تَأْخُذَنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولَمْ = أُذْنِبْ وإن كَثُرَتْ فيَّ الأقاويلُ
"لا تَأْخُذَنِّي": سؤالُ تَضَرُّعٍ، لا نَهْيٌ، وأُكِّدَ بالنونِ كما أَكَّدَ كعبُ بنُ مالِكٍ فِعلَ الدُّعاءِ بالنونِ في قولِه: ( بحر الرجَز )
لاهُمَّ لولا أنتَ ما اهْتَدَيْنَا = ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنَا
فأَنْزِلَنْ سَكينةً عَلَيْنَا = وثَبِّتِ الأقدامَ إن لَاقَيْنَا
والمعنى: لا تَسْتَبِحْ دَمِي بأقوالِ مَن يُزَوِّقُ الكلامَ قَصْدًا للإفسادِ.
وقولُه: " ولم أُذْنِبْ " تَنَصُّلٌ، والجملةُ حالِيَّةٌ، أي: لا تَأْخُذَنِّي بأقوالِ الوُشاةِ غيرَ مُذْنِبٍ، وليست الْجُملةُ مَعطوفةً؛ لأنَّه خِلافُ المعنى، ولأنَّ الخبَرَ لا يُعْطَفُ على الطلَبِ، وأَمَّا قولُه: ( البحر الطويل )
بأيدي رِجالٍ لَمْ يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ = ولم تَكْثُر القَتْلَى بها حينَ سُلَّتِ
فلا مانِعَ في اللفظِ مِن العَطْفِ؛ لأنَّ الْجُملتينِ خَبريَّتانِ، وإنما المانِعُ فَسادُ المعنى، إذ الْمُرادُ أنهم لم يُغْمِدُوا سُيوفَهم في حالةِ انتفاءِ كَثرةِ القَتْلَى بها، بل في حالةِ ثُبوتِ كَثْرَتِهم، وليس الْمُرادُ الإخبارَ عنهم بقِلَّةِ قَتْلَاهُم.
وقولُه: " وإن كَثُرَتْ " شَرْطٌ حُذِفَ جَوابُه مَدلولًا عليه بقولِه: "لا تَأْخُذَنِّي"؛ لأنَّ الْمُتَقَدِّمَ هو الجوابُ، خِلافًا للمُبَرِّدِ وأبي زَيْدٍ والكُوفِيِّينَ.
والأقاويلُ: جَمْعُ أقوالٍ، والأقوالُ جَمْعُ قولٍ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:

41- لقد أَقومُ مَقامًا لو يَقومُ بهِ = أَرَى وأَسمَعُ ما لو يَسمعُ الفيلُ
في هذا البيتِ حَذْفُ سبعةِ أمورٍ:
أحدُها: جُملةُ قَسَمٍ؛ لأنَّ " لقد " لا يكونُ إلا جَوابًا لقَسَمٍ مَلفوظٍ، نحوَ: { تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا }, أو مُقَدَّرٍ، نحوَ: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }، ويُرْوَى: إني أقومُ مَقامًا.
الثاني: مفعولُ أَرَى: أي: أَرَى ما لو يَراهُ الفيلُ.
والثالثُ والرابعُ: ظَرفانِ مَعمولانِ لأَرَى أَسْمَعُ إن قُدِّرَا صِفتينِ ثانيةً وثالثةً لِمَقامِهِ، أي: أَرَى به، وأَسْمَعُ به، فإن قُدِّرَ "أرى" حالًا مِن ضَميرِ "أَقومُ"، سَقَطَ هذانِ الْحَذفانِ.
والخامسُ والسادسُ: جَوابانِ لـِ "لو" الثانيةِ، و"لو" الثالثةِ؛ لأنَّ قولَه في البيتِ بعدَه: " لظَلَّ يُرْعَدُ " جوابٌ للأُولَى: وهو دَالٌّ على جَوابِ " لو " الثانيةِ الْمُقَدَّرَةِ في صِلَةِ مَعمولِ "أَرَى"، و"لو" الثالثةِ الواقعةِ في صِلَةِ مفعولِ "أَسْمَعُ".
والسابعُ: مَفعولُ "يَسْمَعُ"، وهو عائدُ " ما ".
وانتصابُ " مَقامًا " على الظرفيَّةِ الْمَكانيَّةِ، والْجُملةُ بعدَه صِفةٌ، والرابِطُ بينَهما مجرورُ الباءِ.
وبينَ أَقومُ وأَسمَعُ تَنازُعٌ في الفاعِلِ، وهو الفِيلُ، فأَيُّهُما أَعْمَلْتَه أَعْطَيْتَ الآخَرَ ضَمِيرَه، وقالَ الفَرَّاءُ: العَمَلُ لهما معًا. وقالَ الكِسائيُّ: إذا أَعْمَلْنَا الأَوَّلَ أَضْمَرْنا في الثاني؛ لأنَّه إضمارٌ بعدَ الذكْرِ في الحقيقةِ، وإذا أَعْمَلْنَا الثانيَ حَذَفْنَا فاعلَ الأَوَّلِ؛ لأنَّه لا يُجيزُ ما يَراهُ البَصرِيُّونَ مِن الإضمارِ قبلَ الذِّكْرِ ولا ما يُجيزُه الفَرَّاءُ مِن تَوارُدِ العاملينِ على مَعمولٍ واحدٍ، وعلى قولِه ففي البيتِ حَذْفٌ، وليس بينَ أَرَى وأَسْمَعُ تَنازُعٌ في المفعولِ، وهو ما لو يَسمعُ إذ ليس المرادُ: أرى ما لو سَمِعَهُ الفيلُ، بل المراد:ُ أَرَى ما لو رآهُ الفيلُ لظَلَّ يُرْعَدُ، وأَسمَعُ ما لو سَمِعَه لظَلَّ يُرْعَدُ، وفي البيتِ تَضمينٌ؛ لأنَّ الجوابَ في أَوَّلِ البيتِ الآتي قالَ:

لظَلَّ يُرْعَدُ أن يكونَ لهُ = مِن الرسولِ بإِذْنِ اللهِ تَنويلُ
اللامُ رابِطَةٌ للجوابِ الذي بعدَها بلو، وظَلَّ بمعنى صارَ.
وقولُه: " لظَلَّ يُرْعَدُ " يَقتضِي ثُبوتَ الفِعْلِ ودَوامَه، ولو قالَ: إلا رُعِدَ، لم يَقتضِ ذلك، ويُرْعَدُ مَبْنِيٌّ للمفعولِ، يُقالُ: أَرْعَدَ فُلانٌ، إذا أَخَذَتْهُ الرِّعدةُ، ولك في اللامِ أربعةُ أَوْجُهٍ.
أحدُها: أنَّ تَعَلُّقَها بـِ "يكونُ" إمَّا على أنها تَامَّةٌ، أو على أنها ناقصةٌ، وادُّعِي أنها دالَّةٌ على الْحَدَثِ، وأنَّ أَحَدَ الظرفينِ الباقِيَيْنِ خَبَرٌ.
والثاني: أنَّ تَعَلُّقَها باستقرارِ محذوفٍ مَنصوبٍ، إمَّا على الْخَبريَّةِ على تقديرِ النُّقصانِ، أو على الحالِيَّةِ على تقديرِ التَّمامِ والنُّقصانِ، والخبَرُ غَيْرُها.
والثالثُ: أنَّ تَعَلُّقَها بـِ "تنويلُ"، وإن كان مَصْدرًا؛ لأنَّه لا يَنْحَلُّ لأنْ والفعلِ، ولهذا قالوا في قولِه: ( بحرَ الرجَز )

نُبِّئْتُ أَخوالِي بني يَزِيدِ = ظُلْمًا علينا لَهُمُ فَديدُ
إنَّ ظُلمًا يَجوزُ أن تكونَ مَفعولًا لأَجْلِه عامِلُه فَديدُ، وكثيرٌ مِن الناسِ يَذْهَلُ عن هذا، فيَمنَعُ تَقديمَ مَعمولِ الْمَصْدَرِ مُطْلَقًا، وهذه الأَوْجُهُ في كلٍّ مِن الظرفينِ، وحيث قَدَّرْتَ أحدَ الظروفِ حالًا، فهو في الأصْلِ صِفةٌ لـِ "تنويلُ"، والتنويلُ: العَطِيَّةُ، والْمُرادُ به هنا الأمانُ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
43- حتى وَضَعْتُ يَمِينِي لا أُنَازِعُهُ = في كفِّ ذي نَقِمَاتٍ قِيلُه القِيلُ
أي: لقد قُمْتُ فوَضَعْتُ يَمينِي وَضْعَ طاعةٍ.
والْمُنازَعَةُ: الْمُجَاذَبَةُ، وجُملةُ " لا أُنازِعُهُ " حالِيَّةٌ.
ونَقِمَاتٌ بفَتْحِ النونِ وكَسْرِ القافِ: جَمْعُ نِقمةٍ، نحوَ: كِلْمةٍ وكَلِمَاتٍ، وفِعْلُها كضَرَبَ يَضْرِبُ، بدليلِ قولِه تعالى: { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ } { هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا } وكعَلِمَ يَعْلَمُ.
والقِيلُ والقالُ والقَوْلُ بمعنًى، وقد قُرِئَ: { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ } وقالَ الْحَقِّ، ورُوِيَ بالأَوْجُهِ الثلاثةِ قولُ الشَّمَّاخِ: ( البحر الطويل )

وتَشْكُو بعينٍ ما أَكَلَّ رِكَابُها = وقِيلُ الْمُنادِي أَصبَحَ القومُ أَدْلِجِي
وفي هذا البيتِ سؤالٌ، وهو أنه يُقالُ: أَدْلَجَ القومُ: إذا سارُوا في أَوَّلِ الليلِ، فكيف يَجتَمِعُ الأمْرُ بالإدلاجِ، مع قولِه: أَصْبَحَ القومُ؟
والجوابُ: أنه كان يُنادِي مَرَّةً: أَصْبَحَ القومُ كم تَنَامُونَ، ومَرَّةً أَدْلِجِي.
ومعنى قولِه: " تَشْكُو بعينٍ ": أنها تَشْكُو بعينِها رَمْزًا وإيماءً؛ لأنها لا تَقْدِرُ على الكلامِ لأَجْلِ مَن حولَها. و"ما": مفعولٌ بمعنى الذي، وهي واقعةٌ على السَّيْرِ.
وقولُه: " قِيلُه القِيلُ ": جُملةٌ اسْمِيَّةٌ صِفةٌ لذي نَقِماتٍ، والمعنى: قولُه القولُ الْمُعْتَدُّ به بكونِه نافذًا ماضِيًا.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:

44- لَذاك أَهْيَبُ عِندِي إذ أُكَلِّمُه = وقِيلَ إنك مَنسوبٌ ومَسؤولُ
اللامُ للابتداءِ، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ قَبْلَها قَسَمٌ مُقَدَّرٌ، ولأنَّ الْمَقامَ يَقتضيهِ، والإشارةُ إلى الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويُرْوَى: أَرْهَبُ، وكِلاهما اسمُ تَفضيلٍ مَبْنِيٌّ مِن فَعَلَ الْمَفعولَ كقولِهم: أَشْغَلُ مِن ذاتِ النحيَيْنِ، وأَزْهَى مِن دِيكٍ. وفَصَلَ بينَ أَفعلَ ومِن بظَرْفِ مَكانٍ، وظَرْفِ زَمانٍ، وحالٍ، وعامِلُهُنَّ أَفْعَلُ، ويَحْتَمِلُ أنَّ عامِلَ الحالِ يُكَلِّمُني أو أُكَلِّمُه على اختلافِ الرِّوايتينِ، والحالُ مَحكِيَّةٌ على كلِّ تقديرٍ؛ لأنَّ القولَ مُتَقَدِّمٌ.
ومَنسوبٌ: مَسؤولٌ عن نَسَبِكَ، أي: لا مَثَلْتُ بينَ يَديهِ، وكنتُ قد قِيلَ لي قَبلَ ذلك: إنه باحِثٌ عنك، ومُسائِلُكَ عمَّا نُقِلَ عنك، حَصَلَ لي مِن الرَّهْبِ ما حَصَلَ، وفيه تَضمينٌ؛ إذ لا يَتِمُّ المعنى إلا بالبيتِ الذي بعدَه.
وقالَ التِّبريزيُّ: " إذ أُكَلِّمُه ": جُملةٌ في مَوْضِعِ الحالِ وكذا الواوُ في " وقيلَ إنك مَنسوبٌ ": واوُ الحالِ، والتقديرُ: لذاك أَهْيَبُ عِندِي مُكَلَّمًا ومَنسوبًا ومَسؤولًا . انتهى".
ونَسَخَه عبدُ اللطيفِ في كتابِه وهو مُعْتَرَضٌ مِن ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
أحدُها: أنَّ " إذ أُكَلِّمُه " ليس بجُمْلَةٍ، بل " إذ " مُفْرَدٌ مُضافٌ إلى جُملةٍ.
والثاني: أنه ليس في "أُكَلِّمُه" شيءٌ مُنْتَصِبٌ على الحالِ، بل " إذ " ظَرْفٌ، و " أُكَلِّمُه " مُضافٌ إليه، ولا يكونُ " إذ " حالًا أَعْنِي مُتَعَلِّقَةً بكونٍ منصوبٍ هو حالٌ؛ لأنَّ الزمانَ لا يكونُ حالًا مِن الْجُثَّةِ.
والثالثُ: أنَّ الْجُملةَ الْمَقرونةَ بالواوِ ليس تقديرُها مَنسوبًا ومَسؤولًا، بل مَقُولًا لي: إنك مَنسوبٌ ومَسؤولٌ.

  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 07:10 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
45- مِن خَادِرٍ مِن لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُه = مِن بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دونَه غِيلُ
أي: مِن لَيْثٍ خَادِرٍ، وهو بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ، والدالِ الْمُهْمَلَةِ، أي: داخلٍ في الْخِدْرِ، وهو الأَجَمَةُ، والظرْفُ صِفَةٌ لِخَادِرٍ، ومَسكنُه غِيلٌ جُملةٌ هي صِفةٌ ثانيةٌ، أو حالٌ.
والغِيلُ بكَسْرِ الغينِ الْمُعجمةِ: الشجَرُ الْمُلْتَفُّ، ثم إنه نُقِلَ لِمَوْضِعِ الأَسَدِ، ويُقالُ لبيتِ الأسَدِ أيضًا: خِدْرٌ وأَجَمَةٌ وخَيْسٌ وعَرينٌ وعَريسٌ وعَريسةٌ وزَأْرَةٌ -بفَتْحِ الزايِ وسُكونِ الهمزةِ ـ اشْتُقَّ اسمُ مَكانِه مِن اسمِ صَوْتِه وهو الزَّئيرُ. يُقالُ: زَأَرَ بالفَتْحِ يَزْئِرُ بالكَسْرِ، وقد يُعْكَسُ والوَصْفُ مِن هذا زَئِرٌ كفَرِحَ، ومِن الأَوَّلِ زائرٌ كضَارِبٍ , قالَ عَنترةُ: ( البحر الكامل )
حَلَّتْ بأرضِ الزائرينَ فأَصْبَحَتْ = عُسْرًا على طُلَّابِكِ ابنةُ مَخْرِمِ
أي: بأرضِ الأعداءِ.
وعَثَّرَ بفتْحِ المهمَلَةِ وتشديدِ المثَلَّثَةِ: اسمُ مكانٍ، وامتناعُه مِن الصرْفِ للعَلَمِيَّةِ، والوزنِ الخاصِّ بالفعْلِ، ونَظيرُه مِن الأسماءِ الآتيةِ على وَزْنِ فَعَّل خَصَّمَ لِمَكَانٍ قالَ: ( البحر الرجَز )

لولا الإلهُ ما سَكَنَّا خَصَّمًا = ولا ظَلَلْنا للمَشَائِي قَيِّمًا
وقيلَ: الصوابُ أنَّ خَصَّمَ لَقَبٌ لعَنْتَرِ بنِ عَمْرِو بنِ تَميمٍ، وأنَّ التقديرَ: ما سَكَنَّا بِلادَ خَصَّمَ، أي: بلادَ تَميمٍ؛ لأنَّ خَصَّمَ منهم، وبَدْرٌ: اسمٌ لماءٍ، وشَلَّمَ بالمعجمةِ: لبيتِ الْمَقْدِسِ، وبَقَّمَ: لنَبْتٍ يُصْبَغُ به، ووَقَعَ عَثَّر في شِعْرِ زُهيرٍ والدِ كَعْبٍ قال: ( البحر البسيط )

ليثٌ بِعَثَّرَ يَصطادُ الرجالَ إذا = ما الليثُ كَذَّبَ عن أَقرانِه صَدَقَا
وقولُه: " مِن بَطْنِ " يَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِن "غِيلٌ"، وكان في الأصْلِ صِفَةً له، ولا يَتَعَلَّقُ بِمَسْكَنِه؛ لأنَّ أسماءَ الزمانِ، وأسماءَ المكانِ، وأسماءَ الآلاتِ لا تَعْمَلُ شيئًا لا في ظَرْفٍ ولا مَجرورٍ وغيرِهما، فإن جَعَلْتَ الْمَسْكَنَ مَصْدَرًا، وقَدَّرْتَ مُضافًا، أي: مكانَ مَسْكَنِهِ مِن هذا المكانِ غَيلٌ صَحَّ ذلك، وفيه تَكَلُّفٌ، ويُرْوَى: ببَطْنِ، فيَحْتَمِلُ الحالِيَّةَ والْخَبَرِيَّةَ.
وغيلٌ الثاني: فاعلٌ بالظَّرْفِ؛ لأنَّه صِفةٌ أو مُبتدأٌ خَبَرُه الظرْفُ، والجملةُ صِفةٌ لـ "غِيلٌ"، أي: أنه في أَجَمَةٍ وذلك أَشَدُّ لتَوَحُّشِه وقَساوَتِه، ويُرْوَى: مِن ضَيْغَمٍ مِن ضِراءِ الأَسَدِ، والضَّيْغَمُ: فَيْعَلٌ مِن الضِّغْمِ وهو العَضُّ قالَ: أَنْشَدَه سِيبويهِ: ( البحر الطويل )

وقد جَعَلْتُ نفسي تَطيبُ لضِغْمَةٍ = لضِغِمهماها يَقْرَعُ العَظْمَ نابُها
والضِّراءُ بكَسْرِ الضادِ الْمُعْجَمَةِ: جَمْعُ ضارٍ على غيرِ قِياسٍ، وإنما حَقُّهُ ضُرَاءٌ كسَاعٍ وسُعاةٍ ورامٍ ورُماةٍ، وهو مِن قولِهم: ضَرِي بكذا: إذا أُولِعَ به.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:

46- يَغْدُو فيُلْحِمُ ضِرْغامينِ عَيْشُهُما = لَحْمٌ مِن القومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
يَصِفُ هذا الأسدَ الْمُشَبَّهَ بالضرورةِ , يَقولُ: يَذهَبُ هذا الأَسَدُ في أَوَّلِ النهارِ يَتَطَلَّبُ صَيْدًا لولَدَيْهِ، فيُطْعِمُهُما لَحْمًا.
ويَجوزُ في ياءِ " يَلْحُمُ " الفتْحُ راجِحًا، والضمُّ مَرجوحًا، حَكَى الجماعةُ: لَحَمْتُه، أي: أَطْعَمْتَه لحمًا، وحَكاهُ الأَصْمَعِيُّ: أَلْحَمْتُه، والحاءُ مَضمومةٌ إذا فَتَحْتَ الياءَ , مَسكورةٌ إذا ضَمَمْتَهَا.
والعَيْشُ هنا: القُوتُ, أي: قُوتُهما لَحْمُ بني آدَمَ.
مَعفورٌ, أي: مُلْقًى في العَفَرِ بفَتحتينِ وهو الترابُ.
والخراذيلُ: القِطَعُ يُقالُ: خَرْذَلْتُ اللحمَ بالذالِ الْمُعجَمَةِ وبالدالِ الْمُهمَلَةِ , إذا قَطَّعْتَه صِغارًا.
قالَ:

47- إذا يُساوِرُ قِرْنًا لا يَحِلُّ لَهُ = أن يَتْرُكَ القِرْنَ إلا وهو مَجدولُ
الْمُساوَرَةُ: الْمُواثَبَةُ، والقِرنُ بكَسْرِ القافِ: الْمُقامُ لك في شَجاعةٍ أو عِلْمٍ.
والسَّوَّارُ بتشديدِ الواوِ والوَثَّابُ الْمُعَرْبِدُ، ومِن هذا قيلَ للواحِدِ مِن فُرسانِ الفَرَسِ: إسوارٌ بكَسْرِ الهمزةِ، وأُسْوَارٌ بضَمِّها، وجَمْعُها: أَساوِرَةٌ.
والهاءُ عِوَضٌ مِن الياءِ كزَنادقةٍ.
وقولُه: " لا يَحِلُّ له " أي: لا يَتَأَتَّى له ذلك حتى كأنه مُحَرَّمٌ عليه، وفيه تَكرارُ الظَّاهِرِ.
والْمَجدولُ: الْمُلْقَى بالْجَدالةِ وهي الأَرْضُ، ويُرْوَى: مَفلولُ: أي: مَكسورٌ مَهزومٌ، وأَصْلُ الفَلِّ: الكسْرُ الْحِسِّيُّ قالَ ( النابِغةُ ) ( البحر الطويل )

ولا عَيبَ فِيهمْ غيرَ أنَّ سُيوفَهُمُ = بِهِنَّ فُلولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
48- منه تَظَلُّ سِباعُ الْجَوِّ ضَامِزَةً = ولا تُمَشَّى بِوادِيهِ الأَراجيلُ
والجوُّ: البرُّ الواسِعُ، وأخطأ مَن فسَّرَه هنا بما بينَ السماءِ والأرضِ. وضامزةٌ بالضادِ والزايِ المعْجَمَتَيْنِ: يُقالُ: ضَمَزَ الرجُلُ بالفتْحِ، يَضْمُزُ بالضمِّ ضَمْزًا: إذا سَكَتَ، والبعيرُ إذا أَمْسَكَ جَرَّتَه في فِيهِ، فلم يَجْتَرَّهَا، وكلُّ ساكتٍ فهو ضَامِزٌ، وضَموزٌ، قالَ الشاعِرُ يَصِفُ حِمارَ وَحْشٍ وأُتُنَهُ: ( البحر الطويل )
وَهُنَّ وُقوفٌ يَنْتَظِرْنَ قَضَاءَهُ = بضَاحِي عَذاةٍ أَمْرُه وهو ضَامِزُ
العذَاةُ بالعينِ الْمُهمَلَةِ والذالِ الْمُعجَمَةِ: الأرضُ الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ، والجمْعُ: عَذَوَاتٌ، وأَمْرُه مُنتَصِبٌ بقَضائِه مَحذوفًا مُبْدَلًا مِن قَضَائِه المذكورِ، ولا يَنْتَصِبُ بالمذكورِ؛ لأنَّ الباءَ ومَجرورَوها مُتعَلِّقَان بـ "يَنْتَظِرْن"، ولا يُفْصَلُ المصْدَرُ مِن مَعمولِه، وقالَ الراجِزُ يَصِفُ أَفْعَى: ( بحر الرجَز )
قد سالَمَ الْحَيَّاتِ منه القِدَمَا = الأَفْعَوانِ والشِّجاعَ الشَّجْعَمَا
وذاتَ قَرنينِ ضَمُوزًا ضَرْزَمَا = .......................
يُرْوَى برَفْعِ الْحَيَّاتِ، فالأَفْعَوان: إمَّا بتقديرِ فِعْلٍ مَحذوفٍ، أي: وسالَمَت القِدَمَ الأَفعوانُ، وإمَّا بَدَلٌ مِن الحيَّاتِ وإن كان مَرفوعًا لفظًا؛ لأنَّه منصوبٌ معنًى، ويُرْوَى بنَصْبِ الْحَيَّاتِ، فلا إِشكالَ في إِبدالِ الأَفعوانِ منه، ثم قِيلَ: القِدَمَا فاعلٌ مُثَنًّى حُذِفَتْ نُونُه للضرورةِ، وقِيلَ: إنه جاءَ على نَصْبِ الفاعلِ والمفعولِ معًا لأَمْنِ الإلباسِ، كما يَجوزُ رَفْعُهما كذلكَ، كقولِه: ( البحر الخفيف )
إنَّ مَن صادَ عَقْعَقًا لَمَشُومُ = كيفَ مَن صادَ عَقعقانِ وبومُ
وكما يَجوزُ عَكْسُ الإعرابِ عندَ أَمْنِ الإلباسِ أَيضًا، كقولِهم: كَسَرَ الزُّجاجُ الحجَرَ، وخَرَقَ الثوبُ الْمِسمارَ، وتَلَخَّصَ على هذا أنه سُمِعَ في إِعْرَابَي الفاعلِ والمفعولِ أَربعةُ أَوْجُهٍ: رَفْعُهما، ونَصْبُهما، ونَصْبُ الفاعلِ ، ورَفْعُ المفعولِ، وعَكْسُه، وهو الوَجْهُ، وما عَداهُ لا يَقَعُ إلا في الشِّعْرِ، أو في شاذٍّ مِن الكلامِ، بشَرْطِ أَمْنِ الإلباسِ.
وقولُه: " تُمَشَّى " بضَمِّ التاءِ وفَتْحِ الميمِ بمعنى: تَمْشِي بفتْحِ التاءِ وسكونِ الميمِ، قالَ: ( البحر الطويل )
وخَيفاءَ أَلْقَى الليثُ فيها ذِراعَهُ = فسَرَّتْ وسَاءَتْ كُلَّ مَاشٍ ومُصْرِمِ
تُمَشَّى بها الدَّرماءُ تَسْحَبُ قُصْبَها = كأنْ بَطنَ حُبْلَى ذاتِ أَوْبَيْنِ مُتْمِمِ

أي: ورُبَّ رَوْضَةٍ خَيفاءَ، أي: مُخْتَلِفَةِ أَلوانِ أَزَاهِيرِها، وكلُّ مُختلِفِ اللونِ فهو أَخْيَفُ، والليثُ: الأَسَدُ, أي: أنها مُطِرَتْ بنَوْءِ الأَسَدِ، والماشي: صاحبُ الْمَاشِيَةِ الكثيرةِ، يُقالُ: أَمْشَى، ومَشَّى بالتشديدِ: إذا كَثُرَتْ ماشِيَتُه، قالَ: ( البحر الوافِر )
وكلُّ فَتًى وإن أَثْرَى وأَمْشَى = ستَخْلُجُه عن الدنيا مُنونُ
وقِياسُ الوَصْفِ منه مُمْشٍ، وقد سُمِعَ، ولكنَّ الأَكْثَرَ، أَيْفَعُ فهو يافِعٌ، وأَينَعَ الثَّمَرُ فهو يانِعٌ، وأَبْقَلَ المكانُ فهو باقِلٌ , والْمُصْرِمُ: الذي ذَهَبَتْ ماشِيَتُه، والمعنى: فسَرَّتْ هذه الرَّوْضَةُ صاحبَ الماشيةِ، وساءَتْ الذي ذَهَبَتْ ماشِيَتُه، ولا بُدَّ مِن تقديرِ مُضافٍ، أي: وَكُلُّ مُصْرِمِ؛ إذ في البيتِ لَفٌّ ونَشْرٌ، ولا يَستقيمُ إلا بذلك.
والدَّرْمَاءُ بالدالِ الْمُهْمَلَةِ: الأَرْنَبُ، وسُمِّيَتْ بذلك لتَقَارُبِ خُطَاهَا، وإنما سُمِّيَ دارِمُ بنُ مَالِكٍ دارِمًا؛ لأنَّ أباهُ سُئِلَ في حَمَالَةٍ، فأمَرَه أن يَأتيَه بخَريطةٍ فيها مالٌ، فجاءَ وهو يَدْرِمُ تَحْتَها مِن ثِقَلِها.
والقُصْبُ بضَمِّ القافِ وإسكانِ الصادِ الْمُهْمَلَةِ: الْمِعَى. وفي الحديثِ: (( رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ )) وذلك لأنه أَوَّلُ مَن سَيَّبَ السوائبَ، وبَحَّرَ البحائرَ، والجمْعُ: أَقصابٌ، قالَ الأَعْشَى: ( البحر المتقارِب )
وشاهَدْنَا الْجِلَّ والياسمينَ والْمُسْمِعَاتِ بأقصابِها.
أي: بأَوْتَارِها، وهي تُتَّخَذُ مِن الأمعاءِ، يعني: أنَّ الأرْنَبَ تَسْحَبُ بَطْنَها في هذه الرَّوضةِ كأنه بَطْنُ حُبْلَى ذاتِ ثُقْلَيْنِ في بَطْنِها وَلدانِ.
والأراجيلُ: جَمْعُ أَرجالٍ، كالأناعيمِ: جَمْعُ أَنعامٍ، وأَرجالُ: جَمْعُ رَجْلٍ، كالأفراخِ: جَمْعُ فَرْخٍ، ورجْلٌ: اسمُ جَمْعِ راجِلٍ، كالصحْبِ اسمُ جَمْعِ صاحبٍ.
قالَ:

49- ولا يَزالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ = مُطَرَّحَ البَزِّ والدِّرسانِ مَأكولُ
هذا البيتُ في تَوَسُّطِه زَالَ بمنزلةِ قولِ ( ذي الرُّمَّةِ ) : ( البحر الطويل )
ألا يا اسْلَمِي يا دَارَ مَيَّ على البِلَى = ولا زَالَ مُنْهَلًّا بجَرْعَائِكِ القَطْرُ
وذلك لأنَّ الظرْفَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وأخو ثِقةٍ اسمٌ مُؤَخَّرٌ، والمرادُ به هنا: الشجاعُ الواثِقُ بشجاعتِه، ومُطَّرَحٌ صِفَةٌ له، وإن كان نَكِرَةً؛ لأنَّ إضافةَ مُطَّرَحٍ ليست مَحْضَةً، فهو نَكِرَةٌ أيضًا.
والْبَزُّ، بفتْحِ الباءِ وبالزايِ: مُشْتَرَكَةٌ بينَ أَمْتِعَةِ البَزَّازِ، وبينَ السِّلاحِ وهو المقصودُ هنا.
والدِّرسانِ: أَخلاقُ الثِّيابِ، وهو مَعطوفٌ على الْبَزِّ، وأَحْرُفُه مُهمَلَةٌ مَكسورةُ الأَوَّلِ، جَمْعُ دِرْسٍ بالكسْرِ أيضًا وهو الدَّريسُ، أي: الثوبُ الْخَلِقُ الذي قد دَرَسَ، ومِثْلُه في تكسيرِ فِعْلٍ على فِعلانَ صِنْوٌ وصِنوانٌ، وقِنْوٌ وقِنوانٌ.
ومأكولُ صِفةٌ ثانيةٌ لأخو ثِقَةٍ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir