القارئ:وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) , ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )) , ولمسلم: (( أولاهن بالتراب)) .
الشيخ : في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبولن أحدكم في المال الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) , وفي الرواية الثانية: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) . في هذه الأحاديث الأمر بالمحافظة على النظافة والنزاهة والبعد عن الأقذار والنجاسات ؛ وذلك أن المياه يُحتاج إليها للشرب وللسقي وللطبخ وللطهارة , ولا شك أن البول فيها والانغماس فيها يفسدها وإما عاجلا وإما آجلا ؛ فنهيى عليه الصلاة والسلام عن البول في الماء الدائم.
الماء الدائم: هو الراكد الذي لا يجرى الذي لا يتحرك من موضعه كمياه السهبان والخزانات التي هي مستقرة ليس لها مادة وليست تستخلف وليست تجري ونحو ذلك , فهذا الماء الراكد الذي في هذا الخزان أو في هذه الجابية أو نحوه لا شك أنه راكد , البول فيه لأول مرة قد لا يظهر أثرة ولكن قد يكثر البول فيفسده ويظهر أثره , وقد يكرهه على النفوس فإن النفس تشمئز إذا رأى هذا الإنسان ولو صغيراً يبول في هذا الماء ولو كثيراً اشمئزت النفس منه وكرهته , وقد يكثرمن يبول فيه أو ينجسه فيظهر بعد ذلك أثر هذه النجاسة ويصير نجساً نجاسة عينية , ولا شك أن الإنسان مأمور بالإبعاد عن الأشياء التي تفسد عليه أو على غيره شيئاً محتاجاً إليه , ومعلوم أن الحاجة إلى الماء حاجة ضرورية ولو لم يكن إلا للدواب فالدواب قد تشم فيه روائح البول ونحوه فتتقزره عند الضرورة وما أشبه ذلك.
الحاصل أنه عليه الصلاة والسلام أدب الأمة بالنهي عن التبول في المياه الراكدة . المياه الراكدة عرفنا أنها هي المستنقعات ونحوها , هذه المستنقعات لا شك أنه إذا كثر التبول فيها أثر ذلك ولو بعد حين فحينئذ تكون نجسة , ولكن لو وقع مرة واحدة ولم يظهر تغير في ذلك الماء فإنه لا ينجس إن شاء الله ؛ لأن النجاسة إنما تكون بالتغير بظهور طعم البول في الماء أو ريحه أو لونه , ومع ذلك فإنه منهي عن استعماله في هذه الحال في قوله: ((ثم يغتسل منه)) أو فيه ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)) كأنه يقول إنه إذا اغتسل منه أو توضأ منه هو أو غيره بقي في نفسه حواز وحساسية أنه تطهر بغير طَهور فلا تطمئن نفسه في العبادة .
كذلك الرواية الثانيه التي فيها النهي عن الانغماس في الماء , إذا كان الانسان جنباً يقول: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) يعني إذا كنت جنباً فلا تنغمس في هذا الماء الراكد المستنقع وتقول قد طهرت , قد يمكن أنك تطهر ولكن مع كثرة الانغماس ينغمس هذا وينغمس هذا , قد يتغير الماء بعد حين فيسلب الطهورية .
قيل لأبي هريرة كيف أصنع ؟ فقال: يتناوله تناولاً . إذا كان ولابد ليس معه إناء فإنه يقف على حافته ويغترف منه لا ينغمس فيه , يغترف منه ويغسل بذلك جسده حتى لا يفسده على نفسه أو على غيره .
والصحيح أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو ريحه . ولكن بعض العلماء يقول بموجب هذا الحديث أن البول فيه ينجِّسه ولو لم يتغير , ولكن مادام أنه لم يتغير فنبقى على قوله عليه الصلاة والسلام: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)), وفي رواية: ((إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه)) .