دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 محرم 1438هـ/9-10-2016م, 03:19 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب الحجاج

تطبيقات على درس أسلوب الحجاج
الدرس (هنا)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 محرم 1438هـ/9-10-2016م, 12:43 PM
نبيلة الصفدي نبيلة الصفدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 508
افتراضي

الأسلوب الحجاجي
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23، 24].
تضمنت هذه الآيات رد دعاوي المكذبين في اختلاف دعاويهم ، فإن منهم من قال : القرآن كلام بشر . ومنهم من قال : هو مكتتب من أساطير الأولين ، ومنهم من قال : إنما يعلمه بشر .
فرد عليهم القرآن بهذه الآيات بوجوه عدة :
- إن كان كلام بشر فأتوا بمماثله أو بمثله ، وإن كان من أساطير الأولين فأتوا أنتم بجزء من هذه الأساطير ، وإن كان يعلمه بشر فأتوا أنتم من عنده بسورة فما هو ببخيل عنكم إن سألتموه .
- إن زعمت أن هذا القرآن من قول محمد صلى الله عليه وسلم افتراه على ربه، فهاتوا برهانكم على ذلكم، وصحِّحوا دعواكم بإقامة الحجة، وإلا فهي باطلة عند كل عاقل، محمد أُمي ما تعلَّم في حياته كتابة، ولا قرأ شيئًا من أخبار الماضين، ولا سِيَر السابقين
- عبر عن كون الريب بــ ( ( إن ) ) للإيذان بأن من شأن هذا التنزيل أن لا يرتاب فيه ؛ لأن الحق فيه ظاهر بذاته ، يتلألأ نوره في كل آية من آياته . وقد علم في فن المعاني اختصاص "إن" بمقام عدم الجزم بوقوع الشرط ، لأن مدلول هذا الشرط قد حف به من الدلائل ما شأنه أن يقلع الشرط من أصله بحيث يكون وقوعه مفروضا، فيكون الإتيان بإن مع تحقق المخاطب علم المتكلم بتحقق الشرط توبيخا على تحقق ذلك الشرط ، كأن ريبهم في القرآن مستضعف الوقوع
- ووجه الإتيان ب "في" الدالة على الظرفية الإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف ، واستعارة ( في ) لمعنى الملابسة شائعة في كلام العرب كقولهم : هو في نعمة .
- محمد صلى الله عليه وسلم جاءكم بهذا القرآن العربي المبين، مركب من كلمات عربية مبنية من الحروف التي تبنون منها كلامكم، وهو الأُمي الذي لم يتعلَّم،وأنتم الفصحاء الخطباء البلغاء، فأين فصاحتكم وبلاغتكم التي تفوقتم بها على من حولكم من كل الأمم .
- أيها المعرضون إن كان يمنعكم من الاهتداء بالقرآن ، زعمكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم تقوَّله على ربه، ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ﴾ تجمع ما جمعت أقصر سورة من القرآن، فإن عجزتُم عن سورة بتمامها - وأنتم لا شك عاجزون - فائتُوا بآية فيها كذلك ما في آي القرآن، فإن عجزتم فاجمعوا من تستطيعون من نصرائكم وأعوانكم، واستعينوا بهم على صنع آية،
- والتنكير "بسورة "للإفراد أو النوعية . أي بسورة واحدة من نوع السور ، وذلك صادق بأقل سورة ترجمت باسم يخصها ، وأقل السور عدد آيات ، سورة الكوثر . وقد كان المشركون بالمدينة تبعا للمشركين بمكة وكان نزول هذه السورة في أول العهد بالهجرة إلى المدينة ، فأعيد لهم التحدي بإعجاز القرآن الذي كان قد سبق تحديهم به في سورة يونس وسورة هود وسورة الإسراء .
وقال في سورة سبحان : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ الإسراء : 88 ] وقال في سورة هود : أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين [ هود : 13 ] وقال في سورة يونس : وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين [ يونس : 37 ، 38 ] .

- جملة "من دون الله "قد تكون بين يدي الله أو بمعنى من دون حزب الله وهم المؤمنون ، أي أحضروا شهداء من الذين هم على دينكم فقد رضيناهم شهودا ، فإن البارع في صناعة لا يرضى بأن يشهد بتصحيح فاسدها وعكسه ، إباءة أن ينسب إلى سوء المعرفة أو الجور ، وكلاهما لا يرضاه ذو المروءة ، وقديما كانت العرب تتنافر وتتحاكم إلى عقلائها وحكامها فما كانوا يحفظون لهم غلطا أو جورا
- جملة ( إن كنتم صادقين ) تكريرا للتحدي . وفي هذه الآية إثارة لحماسهم إذ عرض بعدم صدقهم فتتوفر دواعيهم على المعارضة
- فإن لم تفعلوا -يعني فيما مضى- ولن تفعلوا - فيما يأتي - وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها ، لأنها لم تقع المعارضة من أحد الكفرة في أيام النبوة وفيما بعدها وإلى الآن

- فإن لم تفعلوا يعني فيما مضى ولن تفعلوا أي تطيقوا ذلك فيما يأتي ، وتبيَّن لكم عجزكم عن المعارضة ، فسارعوا بإنجاء أنفسكم ووقايتها مما أعده الله لكل معرض عن هذا القرآن الحكيم وهدايته، واتخذوا من الإيمان بالله ورسوله إيمانًا صادقًا والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه ، وقايةً وجُنة تقيكم وتُجنِّبكم النار التي بلغ من شدة إحراقها، وقوة اتِّقادها أن الله جعل ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾،

وهذا التحدي مازال قائما ، والتهديد والوعيد لكل المعترضين عن هداية القرآن بكل زمان ومكان كذلك،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 محرم 1438هـ/9-10-2016م, 05:02 PM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

أسلوب الحجاج :
قال تعالى : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ، إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ، ألا لله الدين الخالص ، والذين اتخذوا من دزنه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ، لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، سبحانه هو الله الواحد القهار ) الزمر
بدأ الله تعالى هذه الآيات –السورة – بإخباره بـ ( تنزيل الكتاب ) فهو الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الكتاب الذي بلغ من العظمة والمكانة أنه لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، وهو الكتاب الذي نزل بالحق ومشتملا على الحق ، وهو تتنزيل العزيز الحكيم الذي له العزة الكاملة والحكمة البالغة تعالى جل في علاه .
( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) فهو بالحق نزل ونزوله حق ، فما كان فيه من أوامر وجب اتباعها ، وما نهى عنه وجب اجتنابه ، هو الذي من تمسك به هداه الله ورفعه ، وممن أعرض عنه قصمه الله وبتره .
قال صاحب البحر المحيط : ( بالحق ) : ملتبسا بالحق ، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف ، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل به ، أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند الله ، وهو عجز الفصحاء عن معارضته .
وقال ابن عطية أي : متضمنا الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره ، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله . ا .
قال أبو حيان : و لما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق ، وكان الحق إخلاص العبادة لله ، أمره تعالى بعبادته ، فقال : ( فاعبد الله ) ، وكأن هذا الأمر ناشئ عن إنزال الكتاب ، فالفاء فيه للربط ، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره ).

( مخلصا ) أي : ممحضا ، ( له الدين ) : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده .- قاله صاحب البحر المحيط -
و في هذه الآية وجوب اخلاص النية ، قال ابن العربي : ( هذه الآية على وجوب النية في كل أمر )
(ألا لله الدين الخالص ) فهو الدين الخالص من الشرك ، ولا تشوبه شائبة ، والدين الذي لا يماثله دين ، قال ابن الجوزي : ( وما سواه ليس بدين الله أمر به ) ، وهو القائم على لا إله إلا الله فهي مفتاحه وأصله ومبدأه ومنتهاه .
قال الطاهر بن عاشور : (استئناف للتخلص إلى استحقاقه تعالى الإفراد بالعبادة وهو غرض السورة وأفاد التعليل للأمر بالعبادة الخالصة لله لأنه إذا كان الدين الخالص مستحقا لله وخاصا به كان الأمر بالإخلاص له مصيبا محزه فصار أمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - بإخلاص العبادة له مسببا عن نعمة إنزال الكتاب إليه ومقتضى لكونه مستحق الإخلاص في العبادة اقتضاء الكلية لجزيئاتها . )
ومما يتفرع على معنى الآية : إخلاص المؤمن الموحد في عبادة ربه ، أي : أن يعبد الله لأجله ، أي : طلبا لرضاه وامتثالا لأمره وهو آيل إلى أحوال النية في العبادة المشار إليها بقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات ....) ا.ه
فجاءت هاتان الآيتان تمهيدا للرد على شبهة المشركين وزعمهم ( والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) فهما بمثابة الأصل الذي يقوم عليه ما بعده ، وهو :
أولا : اثبات تنزيل الكتاب –القرآن – من الله تعالى
ثانيا : جاء بصيغة المضارع – تنزيل – الذي يفيد التجدد والاستمرار ، فكل ما في الكتاب عند تلاوته في أي عصر من العصور كأنه يتنزل على كل ما فيه النفع والهدى مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة .
ثالثا : قرن هذا التنزيل من عند الله بصفتي الحكمة والعلم ، فهو سبحانه تعالى أعلم بما يحتاجه عباده وما هو أصلح لهم ، وأساس صلاحهم ونفعهم .
رابعا : أكد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وانزال القرآن ممن الله ، حيث قال : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب) وجاء بأداة التوكيد ( إنَا ) ونون العظمة في قوله ( أنزلنا)
خامسا : جاء بالأصل الأول والهداية العامة للقرآن ( الاخلاص لله تعالى ) ( فاعبد الله مخلصا له الدين )
سادسا: تأكيد نزول الكتاب بالحق وما اشتمل عليه حق : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق)
سابعا : تأكيد المنة بنزول الكتاب وواجب الشكر ، قال تعالى ( فاعبد الله )
ثامنا: حقيقة العبودية بتحقيق الاخلاص ( فاعيد الله مخلصا )
( ألا لله الدين الخالص ) : قال الماوردي : (ففي الكشف: لما كان قوله تعالى: لله الدين الخالص بمنزلة التعليل لقوله سبحانه: فاعبد الله مخلصا كان الأصل أن يقال: فلله الدين الخالص، ثم ترك إلى: ألا لله الدين الخالص مبالغة لما عرفت من أنه أقوى الوصلين، ثم صدر بحرف التنبيه زيادة على زيادة وتحقيقا بأن غير الخالص كالعدم، فلو قدر الاستئناف التعليلي أولا من دون الوصف المطلوب الذي هو الأصل في العلة، ومن دون حرف التنبيه للفائدة المذكورة، كان كلاما متنافرا، ويلزم زيادة التنافر من وصف الدين بالخلوص ثانيا لدلالته على العي في الأول، إذ ليس فيه ما يرشد إلى هذا الوصف حتى يجعل من باب الإجمال والتفصيل،)اهـ.
قال الطاهر بن عاشور : ( واللام في لله الدين الخالص لام الملك الذي هو بمعنى الاستحقاق ، أي : لا يحق الدين الخالص ، أي : الطاعة غير المشوبة إلا له على نحو الحمد لله .
وتقديم المسند لإفادة الاختصاص ؛ فأفاد قوله لله الدين الخالص أنه مستحقه وأنه مختص به .
والدين : الطاعة. والخالص : السالم من أن يشوبه تشريك غيره في عبادته ، فهذا هو المقصود من الآية .)
( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وهنا جاءت الشبهة عند المشركين بإشراك آالهة مع الله تعالى : وهو ما حكاه الله عنهم :

( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، فهم يعبدونهم لاعتقادهم – الموروث عن الآباء – أن هذه الأصنام تضر وتنفع ولها جناب عند الله تعالى وحالهم هو اشراكها مع الله بالعبادة.
قال قتادة ، والسدي ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وابن زيد : ( إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) أي : ليشفعوا لنا ، ويقربونا عنده منزلة .
قال ابن كثير : أي : إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم ، فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ; ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم ، وما ينوبهم من أمر الدنيا ، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به .
ثم جاءت الآيات التالية لدحض هذه الشبهة إلزام الخصم بالحق من وجوه :
الأول : تبكيتهم في الآيات السابقة ( الآمرة بالاخلاص لله ) وفيها تقريع لهم على مازعموه ، فعندما نقرأ الآيات الأوَل يتهيأ في النفس تعظيم الله تعالى ووجوب اخلاص العبادة والدين له سبحانه ، ثم تأتي شبهة المشركين المناقضة لما أوجبه الله وتقبلته النفس فنفرت من مقالتهم وشنعتها أيما تشنيع !!!
الثاني : قال تعالى : ( إن الله يحكم بينهم يوم القيامة ) بين المتخاصمين ، قد تحمل على من أشرك في الدين ، وأو من وحّد وأخلص ، ويمكن حملها على المخاصمة التي تكون يوم القيامة بين المشركين وبين من أشركوهم مع الله سواء أكانوا ملائكة ، أو أنبياء أو صالحين أو فجار ، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن تصف هذه المخاصمة ، قال تعالى في شأن من عبد عيسى عليه السلام وجعله ابنا لله تعالى – تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا- : (( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب ) –المائدة
وفي شأن الملائكة ومن عبدهم وزعموا أنهم بنات الله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - :
( ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مشركون ) سبأ
بل الشيطان نفسه يوم القيامة يتبرأ من اتباع المشركين له ، قال تعالى حكاية عن ذلك الموقف : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستبجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما انتم بمصرخي ، إن يكفرت بما أشركتمون من قبل )
وقال تعالى حكاية عن حال الصالحين الذين زعم المشركون أنهم يقربونهم من الله لمكانتهم عند ربهم ، قال تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه )
فقوله تعالى : ( إن الله يحكم بينهم يوم القيامة ، فيها تهديد وتشنيع لحال هؤلاء المشركين ، وأن الله تعالى عالم بهم وأنه الحاكم بينهم وبين من يدعون أنهم يقربونهم إليه سبحانه .
قال صاحب التفسير الكبير : أنه اقتصر في الجواب على مجرد التهديد ، فقال : ( إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ) ، واعلم أن الرجل المبطل إذا ذكر مذهبا باطلا وكان مصرا عليه ، فالطريق في علاجه أن يحتال بحيلة توجب زوال ذلك الإصرار عن قلبه ، فإذا زال الإصرار عن قلبه ، فبعد ذلك يسمعه الدليل الدال على بطلانه ، فيكون هذا الطريق أفضى إلى المقصود ، والأطباء يقولون : لا بد من تقديم المنضج على سقي المسهل ، فإن بتناول المنضج تصير المواد الفاسدة رخوة قابلة للزوال ، فإذا سقيته المسهل بعد ذلك حصل النقاء التام ، فكذلك ههنا سماع التهديد والتخويف أولا يجري مجرى سقي المنضج أولا ، وإسماع الدليل ثانيا يجري مجرى سقي المسهل ثانيا ، فهذا هو الفائدة في تقديم هذا التهديد)
الثالث : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) : فيها وصف لهؤلاء في افترائهم على الله اتخاذ هذه الآلهة المزعومة ، وأنها لها شافعتها عند الله ، قال الامام فخر الدين الرالزي : والمراد أن من أصر على الكذب والكفر بقي محروما عن الهداية ، والمراد بهذا الكذب - وصفهم بهذه الأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة ، وهم نحتوها وتصرفوا فيها ، والعلم الضروري حاصل بأن وصف هذه الأشياء بالإلهية كذب محض ، وأما الكفر فيحتمل أن يكون المراد منه الكفر الراجع إلى الاعتقاد ، والأمر ههنا كذلك ، فإن وصفهم لها بالإلهية كذب ، واعتقادهم فيها بالإلهية جهل وكفر .
ويحتمل أن يكون المراد كفران النعمة ، والسبب فيه أن العبادة نهاية التعظيم ، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام ، وذلك المنعم هو الله سبحانه وتعالى ، وهذه الأوثان لا مدخل لها في ذلك الإنعام ، فالاشتغال بعبادة هذه الأوثان يوجب كفران نعمة المنعم الحق .)ا.ه والكفر الثاني جزء من الأول .

الرابع : ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ) :
رد الله عليهم بهتان قولهم الذي زينوه بحجج واهية ودعوى أن آلهتهم تقربهم إلى الله ، فنبههم أن الله لو أراد أن يتخذ ولدا لأصطفى سبحانه من خلقه ما يشاء ، فكيف يزعمون أن هذه الألهة شفعاء عند الله وما لهم عليها دليل ولا برهان !!! فلو كانت حقا لها شفاعة عند الله لنبه الله إليها ، فمن أين جاؤوا بما لا يعلمون ؟؟؟!!!! .
وبين لهم أن الله – الذي له صفات الكمال ليس كمثله شيئ – لايكون له والد ولا ولد
قال الفخر الرازي : والمراد من هذا الكلام - إقامة الدلائل القاهرة على كونه منزها عن الولد ، وبيانه من وجوه :

الأول : أنه لو اتخذ ولدا لما رضي إلا بأكمل الأولاد وهو الابن ، فكيف نسبتم إليه البنت .

الثاني : أنه سبحانه واحد حقيقي ، والواحد الحقيقي يمتنع أن يكون له ولد ، أما أنه واحد حقيقي فلأنه لو كان مركبا لاحتاج إلى كل واحد من أجزائه ، وجزؤه غيره ، فكان يحتاج إلى غيره ، والمحتاج إلى الغير ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يكون واجب الوجود لذاته ، وأما أن الواحد لا يكون له ولد فلوجوه :

الأول : أن الولد عبارة عن جزء من أجزاء الشيء ينفصل عنه ، ثم يحصل له صورة مساوية لصورة الوالد ، وهذا إنما يعقل في الشيء الذي ينفصل منه جزء ، والفرد المطلق لا يقال ذلك فيه .

الثاني : شرط الولد أن يكون مماثلا في تمام الماهية للوالد ، فتكون حقيقة ذلك الشيء حقيقة نوعية محمولة على شخصين ، وذلك محال ، لأن تعيين كل واحد منهما إن كان من لوازم تلك الماهية لزم أن لا يحصل من تلك الماهية إلا الشخص الواحد ، وإن لم يكن ذلك التعيين من لوازم تلك الماهية كان ذلك التعيين معلوما بسبب منفصل ، فلا يكون إلها واجب الوجود لذاته ، فثبت أن كونه إلها واجب الوجود لذاته يوجب كونه واحدا في حقيقته ، وكونه واحدا في حقيقته يمنع من ثبوت الولد له ، فثبت أن كونه واحدا يمنع من ثبوت الولد .

الخامس : ( هو الله الواحد القهار )
وهنا جاء تعالى بالاسمين الكريمين ، الواحد ، القهار ، ردا على دعوى أن الواحد القهار يحتاج أن يكون له ولد أو أنه تعالى بحاجة إلى واسطة بينه وبين خلقه ، فقد توحد سبحانه في ذاته وصفاته ، وليس كمثله شيء ، وهو قهر مخلوقاته ، وكلهم عبيد عنده ، حتى الملائكة الأطهار قال فيهم : ( لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) ، وقال تعالى : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي يالرحمن عبدا ) ، فهو سبحانه القهار المتحكم في خلقه ، وكلهم إليه مفتقرون من جميع جوانب الفقر والحاجة إليه سبحانه .
قال الفخر الرازي تتمة لما سبق :
الثالث : أن الولد لا يحصل إلا من الزوج والزوجة ، والزوجان لا بد وأن يكونا من جنس واحد ، فلو كان له ولد لما كان واحدا ، بل كانت زوجته من جنسه ، وأما أن كونه قهارا يمنع من ثبوت الولد له ، فلأن المحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيحتاج إلى ولد يقوم مقامه ، فالمحتاج إلى الولد هو الذي يكون مقهورا بالموت ، أما الذي يكون قاهرا ولا يقهره غيره كان الولد في حقه محالا ، فثبت أن قوله : ( هو الواحد القهار ) ألفاظ مشتملة على دلائل قاطعة في نفي الولد عن الله تعالى .
وقال ابن كثير : وقوله : ( سبحانه الواحد القهار ) : تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد ، فإنه الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي كل شيء عبد لديه ، فقير إليه ، وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت له وذلت وخضعت

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 محرم 1438هـ/18-10-2016م, 04:46 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تطبيق اسلوب الحجاج
الآية قوله تعالى "سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الظن وان أنتم الا تخرصون,
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين, قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون."
هذه الآية اخبار عما سيقوله المشركون مستقبلا وقدقالوه وهو قولهم "لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا...."
قال تعالى "وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا.... النحل.
وفي الآية رد على المشركين الذين يحتجون بقدر الله ومشيئته على شركهم وتحريمهم ما أحل الله وتحليل ما حرم
والرد عليهم من عدة أوجه:
لو كانت الحجة صحيحة لما حل بهم العقاب لأنه لا يحل بأسه الا بمن استحقه.
ومنها أن من قبلهم من الأمم كذبوا مثل تكذيبهم حتى أذاقهم الله عذابه.
منها هل أطلعهم الله على الغيب فيعرفون بمقتضى اطلاعهم أن الله كتب عليهم أن يكونوا مشركين.
ومنها أن يقال لهم هل عندكم علم صحيح استندتم عليه فعرفتم بمقتضى ذلك العلم أن الله لو شاء لم تشركوا.
ومنها ان لم يكن لديكم علم صحيح استندتم عليه فلا أقل من أن تكون تلك الحجة مبنية على الظن ومن بنى كلامه على ظن فهو مبطل خاسر فكيف اذا بناها على البغي والعناد والفساد.

ومنها أن للله البالغة التي لم تبق لأحد عذر وهكذا اتفقت الكتب الالهية والآثار النبوية والفطر السليمة فعلم أن من خالف الحق فهو مبطل.
ومنها أن الله أعطى كل مخلوق قدرة وارادة لفعل ما كلفهم بهفلم يوجب على أحد ما لا يقدر على فعله ولم يحرم على أحد ما لا يقدر على الامتناع منه.

ومنها أن الله لم يجبر العباد على أفعالهم بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم.
وأخيرا فان الله أمرهم أن يحضروا الشهداء الذين يشهدون معهم على تحريم ما أحل الله وهذا يقتضي أمرين أما ألا يشهد معهم أحد فتكون دعواهم باطلة
وأما أن يحضروا أحد يشهد بذلك ولا يكون هذا الا أثيم غير مقبول الشهادة.
ولهذا نهى الله نبيه عن الشهادة معهم واتباع أهواءهم.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 07:19 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

قال جلّ شأنه: (لَوْ كَانَ فيهِمَا آلَهةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا‏ يَصِفُونَ((66)

هذه الاية الكريمة تمثل الدليل العقلي على وحدانية الله تعالى .
قال الرماني: "وهذا أبلغ ما يكون في الحجاج، وهو الأصل الذي عليه الاعتماد في صحّة التوحيد؛ لأنّه لو كان إلاه أخر لبطل الخلق بالتمانع بوجودهما دون أفعالهما"
فلو قُدِّر إلهان فإما أن يتَّفقا أو يختلفا، فإن اتَّفقا على الشيء المعيّن فهو مقدور لهما، ومراد لهما، فيلزم وقوعه بهما وهو محال. وإن اختلفا فإما أن يقع المرادان أو لا يقع واحد منهما؛ أو يقع أحدهما دون الآخر والكلّ محال. فاتَّضح من كلّ أنّ الفساد لازم على كل التقديرات ،فلو تعدّدت الآلهة لما وقع الاتِّفاق؛ بل سيعمّ الفساد، وهذا ما أثبته الله تعالى في القرآن الكريم، قال جلّ شأنه: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلاَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كلُّ إِلاَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُون((73)، وقال أيضاً: (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ إِذَاً لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً((74)، فالله سبحانه وتعالى منزّه عمّا يقولون، فهو الواحد الأحد المنزّه عن الشريك والولد.‏
والفساد : هو اختلال النظام وانتفاء النفع من الأشياء . ففساد السماء والأرض هو أن تصيرا غير صالحتين ولا منتسقتي النظام بأن يبطل الانتفاع بما فيها . فمن صلاح السماء نظام كواكبها ، وانضباط مواقيت طلوعها وغروبها ، ونظام النور والظلمة . ومن صلاح الأرض مهدها للسير ، وإنباتها الشجر والزرع ، واشتمالها على المرعى والحجارة والمعادن والأخشاب ، وفساد كل من ذلك ببطلان نظامه الصالح .
وقيل أن المراد بالفساد في هذه الاية الكريمة :
*قال
القرطبي في تفسيره للآية: أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا.
*وقال الفراء: إلا ـ هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها.
وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير، لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا.
وقيل: معنى: لَفَسَدَتَا ـ*أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. انتهى مع حذف.
وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {المؤمنون:91}.
*قال القرطبي: والمعنى: لو كانت معه آلهة لانفرد كل إله بخلقه ـ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ـ*أي ولغالب وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وكان الضعيف المغلوب لا يستحق الإلهية.
وقال ابن كثير: أي: لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود.
والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ.
*ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض.
قال أبو عبد الله الرازي : لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لذاتهما فلا بد أن يشتركا في الوجود ولا بد أن يمتاز كل واحد منهما عن الآخر بمعيته وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، فيكون كل واحد مشاركا للآخر وكل مركب فهو مفتقر إلى آخر ممكن لذاته ، فإذا واجب الوجود ليس إلا واحدا فكل ما عدا هذا فهو محدث ، ويمكن جعل هذا تفسيرا لهذه الآية لأنا لما دللنا على أنه يلزم من فرض موجودين واجبين أن لا يكون شيء منهما واجبا ، وإذا لم يوجد الواجب لم يوجد شيء من هذه الممكنات ، فحينئذ يلزم الفساد في كل العالم.

وبذلك يتبين أن هذه الآية استدلال على استحالة وجود آلهة غير الله بعد خلق السماوات والأرض ؛ لأن المشركين لم يكونوا ينكرون أن الله خالق السماوات والأرض ، قال تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله في سورة الزمر ، وقال تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم في سورة الزخرف . فهي مسوقة لإثبات الوحدانية لا لإثبات وجود الصانع ؛ إذ لا نزاع فيه عند المخاطبين ، ولا لإثبات انفراده بالخلق ؛ إذ لا نزاع فيه كذلك ، ولكنها منتظمة على ما يناسب اعتقادهم الباطل لكشف خطئهم وإعلان باطلهم .

قال ابن عاشور :والاستثناء في قوله تعالى : " إلا الله " استثناء من أحد طرفي القضية ، لا من النسبة الحكمية ، أي هو استثناء من المحكوم عليه لا من الحكم ، وذلك من مواقع الاستثناء ؛ لأن أصل الاستثناء هو الإخراج من المستثنى منه ، فالغالب أن يكون الإخراج من المستثنى باعتبار تسلط الحكم عليه قبل الاستثناء ، وذلك في المفرغ وفي المنصوب ، وقد يكون باعتباره قبل تسلط الحكم عليه ، وذلك في غير المنصوب ولا المفرغ ، فيقال حينئذ : إن " إلا " بمعنى غير ، والمستثنى يعرب بدلا من المستثنى منه
وفرع على هذا الاستدلال إنشاء تنزيه الله تعالى عن المقالة التي أبطلها الدليل بقوله تعالى : فسبحان الله رب العرش عما يصفون أي عما يصفونه به من وجود الشريك .
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار لتربية المهابة .
ووصفه هنا برب العرش للتذكير بأنه انفرد بخلق السماوات ، وهو شيء لا ينازعون فيه ، بل هو خالق أعظم السماوات وحاويها - وهو العرش - تعريضا بهم بإلزامهم لازم قولهم بانفراده بالخلق أن يلزم انتفاء الشركاء له فيما دون ذلك .
ومما سبق تتضح دلالة الآية على اتصاف الإله الحق وانفراده بالعلو والقهر ونفوذ المشيئة والإرادة.
وأما الطغيان فلا يتأتى في حقه، إذ الطغيان هو مجاوزة الحد، والإله الحق سبحانه أن يكون محدودا بحد، فإن الكل ملكه، ومهما فعل فهو إنما يتصرف في ملكه، فكيف يمكن وصفه بمجاوزة الحد؟ هذا مع أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، وكتب على نفسه الرحمة، ومن صفاته: العدل والحق.
وبذلك تبطل فرضية وجود أكثر من إله في هذا الكون .
فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 09:07 AM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
التطبيق الرابع : (أسلوب الحِجَاج)
قوله تعالى: {قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين (81) سبحان ربّ السّموات والأرض ربّ العرش عمّا يصفون ( 82)}. سورة الزخرف


الحمد لله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، نحمده حمد العابدين ، ونعوذ به من شرك المشركين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
لما جرى ذكر الذين ظلموا بادعاء بنوة الملائكة فيما سبق هذه الآيات، وأعقب بما ينتظرهم من أهوال القيامة وما أُعد للذين انخلعوا عن الإشراك بالإيمان ، أمر الله رسوله أن ينتقل من مقام التحذير والتهديد إلى مقام الاحتجاج على انتفاء أن يكون لله ولَد ، جمعاً بين الرد على بعض المشركين الذين عبدوا الملائكة ، والذين زعموا أن بعض أصنامهم بنات الله مثل اللاتِ والعُزَّى ، فأمره بقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}أي قل لهم جدَلا وإفحاماً ،وقد اختلف المفسرون في تفسير الآية على خمسة أقوال ، ذكرها ابن جرير الطبري وغيره :
أولها: أي قل يا محمّد إن كان للرّحمن ولدٌ في قولكم وزعمكم أيّها المشركون، فأنا أوّل المؤمنين باللّه في تكذيبكم، والجاحدين ما قلتم من أنّ له ولدًا.وهذا قول مجاهد
الثاني: أن إِنْ بمعنى ما، ويكون الكلام على هذا تاما، ثم تبتدى بقوله- تعالى- فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ. أي قل ما كان للرّحمن ولدٌ، فأنا أوّل العابدين له بذلك.وهذا قول ابن عباس والحسن وغيرهما
الثالث: وقيل أن معنى ذلك نفي، ومعنى إن الجحد، وتأويل ذلك ما كان ذلك، ولا ينبغي أن يكون. وهو قول قتادة وابن زيد بن أسلم وغيرهما
الرابع: أن معنى ذلك: قل إن كان للرّحمن ولدٌ، فأنا أوّل الآنفين من ذلك، ووجّهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين، من قول العرب: قد عبد فلانٌ من هذا الأمر إذا أنف منه وغضب وأباه، فهو يعبد عبدًا، كما قال الشّاعر:
ألا هزئت أمّ الوليد وأصبحت = لما أبصرت في الرّأس منّي تعبّد. وممن قال بهذا ابن وهب و سفيان الثوري وحكاه البخاري.
الخامس: أن معنى (إن) في هذا الموضع معنى المجازاة، قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرّحمن ولدٌ، كنت أوّل من عبده بذلك.وهو قول السدي ورجحه ابن جرير
وعلى كلٍ فمن تأمل هذه الآيات وجد فيها الحجة الدامغة والبيان العظيم على بطلان من ادعى أن لله سبحانه ولد ، وبيان ذلك من وجوه ذكرها الله سبحانه في هذه الآيات وغيرها رداً على هذه الدعوى الشنيعة.
فأول الوجوه : أسلوب الآية ونظمها قال تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}، إِنَّ مرادها الشرط الذي يقتضى الجزاء. ومعنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك، الزاعمين أن الملائكة بنات الله، إن كان للرحمن ولد- على سبيل الفرض- فأنا أول العابدين. ولكنه لا ولد له فأنا أعبده لأنه لا ينبغي أن يكون له ولد، ومع علم السامعين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يروج عنده ذلك، ومعرفتهم بحاله وأنه لا ولم يعبد إلا الله وحده.
وثانيها وأعظمها: قوله : { فأنا أول العابدين}أيأنه صلى الله عليه وسلم وهو رسول من الله وأقرب الخلق إليه ، وأول الخلق انقيادا للأمور المحبوبة للّه، لو يَعلم أن لله أبناءَ لكان أول من يعبدهم ، أي أحق منكم بأن أعبدهم، ولكني أول المنكرين لذلك، وأشدهم له نفيا، فعلم بذلك بطلانه، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفى الولد، والإطناب فيه.. وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد، وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالا مثلها.
وثالثها: تنزيهه نفسه سبحانه عما يصفه به المشركون، وجاء هذا التنزيه والتقديس بلفظ سُبْحانَ، لا بلفظ الفعل سبح أو يسبح، لأن النقص الذي أرادوا إلصاقه به شنيع، فكان من المناسب أن يؤتى بأقوى لفظ في التنزيه والتقديس.
ورابعها: إثبات صفة الربوبية لنفسه ،قال تعالى { ربّ السّموات والأرض }فهو وحده رب السماوات ورب الأرض ، والمعروف المعقول عند الناس أن لو كان له ولد لنوه على أن شريكه في ملكه أو أنه معه إله وهو سبحانه المتعالي عن كل ما وصفه الكافرون والفاسقون من صفات لا تليق بجلاله.
وخامسها: قوله تعالى { ربّ العرش} ، ومن المعلوم أن العرش هو أعلى المخلوقات وأعظمها ، فإن الله سبحانه ربه فهو رب كل شيء ، مع أنه سبحانه وتعالى لم يستثن هنا شيء ، لا ولد ولا صاحبة ولا غيرهما، وهذا من أكبر الأدلة على بطلان دعواهم الكاذبة التي من جملة قولهم أن لله ولد ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وسادساً: بيان غناه التام وعدم حاجته للولد ، لأن طلب الولد ووجوده يكون لحاجة ، ويكون من دليل افتقار الوالد إليه ، وهذا منتفً عن{ربّ السّموات والأرض ربّ العرش} ، فبين أنه هو الذي يربي ويطعم ويرزق ويصمد إليه كل من في السموات والأرض.
ومن الآيات الكريمة التي نفت عن الله- عز وجل- الولد قوله تعالى: { بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وفي هذه الآية الكريمة إبطال لأن يكون لله ولد من أربعة وجوه:
-أحدها: قوله تعالى: { بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ } فبين سبحانه أنه مبتدع السموات والأرض وهي أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة.
· قال ابن عاشور: والاستدلال على انتفاء البنوة عن الله تعالى بإبدَاع السّماوات والأرض لأنّ خلْق المحلّ يقتضي خلق الحالّ فيه.
-والثاني: أسلوب الإنكار في قوله { أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ }.
· قال ابن عاشور: وجملة {أنَّى يكون له ولد } تتنزّل منزلة التّعليل لمضمون التنزيه مِن الإبطال ، وإنّما لم تعطف على الّتي قبلها لاختلاف طريق الإبطال لأنّ الجملة الأولى أبطلتْ دعواهم من جهة فساد الشّبهة فكانت بمنزلة النقْض في المناظرة . وهذه الجملة أبطلت الدّعوى من جهة إبطال الحقيقة فكأنّها من جهة خطأ الدّليل ، لأنّ قولهم بأنّ الملائكة بنات الله والجنّ أبناءُ الله يتضمّن دليلاً محذوفاً على البنوّة وهو أنّهم مخلوقات شريفة ، فأبطل ذلك بالاستدلال بما ينافي الدّعوى وهو انتفاء الزّوجة الّتي هي أصل الولادة ، فهذا الإبطال الثّاني بمنزلة المعارضة في المناظرة . و{أنّى}بمعنى من أيْن وبمعنى كَيْف.
-والثالث: أن الولادة لا تكون إلا لمن له صاحبة والله- تعالى- لا صاحبة له فلم تصح الولادة.
-والرابع : قوله تعالى: { وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } أي أنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به، ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج، وهو الذي لا نظير له فأنى يكون له ولد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وقوله عز وجل: {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً}
وفي هذه الآية الكريمة إبطال لأن يكون لله ولد من خمسة وجوه:
-الأول: التشنيع عليهم وتفظيع قولهم في قوله {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً}، وليس هذا إخبار عنهم أو تعليم دينهم ، فصريح الكلام رد على المشركين ، وكنايته تعريض بالنّصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله.
-الثاني: توبيخهم والتصريح الشديد ببطلان قولهم ، قال تعالى: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا}،وهنا التفات لقصد إبلاغهم التوبيخ على وجه شديد الصراحة لا يلتبس فيه المراد.
- الثالث: بيان بطلان قولهم بالمبالغة في أنه يبلغ إلى الجمادات العظيمة فيُغيّر كيانها، قال تعالى:{ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّاروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس ، في قوله: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا)قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال ، وجميع الخلائق إلا الثقلين ، فكادت أن تزول منه لعظمة الله ، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك ، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله ، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة " . قالوا : يا رسول الله ، فمن قالها في صحته ؟ قال: " تلك أوجب وأوجب " .ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن ، وما بينهن ، وما تحتهن ، فوضعن في كفة الميزان ، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى ، لرجحت بهن "
-الرابع: التأكيد على شناعة قولهم وبطلانه ورفض حتى الجمادات له وتأثرهم به ، قال تعالى: { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً}.
-الخامس: قوله تعالى:{ وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} ، بين سبحانه أنه لايصلح أن يكون له ولد لأنه غني عن ذلك ، وسبحانه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات، وتضطرّهم اللذّات إلى جماع الإناث، ولا ولد يحدث إلا من أنثى، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه.
هذا ما يسره الله ومن به ، فله الحمد في الأولى والآخرة.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 10:18 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

رسالة تفسيرية فى قوله تعالى{وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولاحرمنا من شىء ،كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ،قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين،قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون}

هذه آيات كريمة جاءت بعد عدة آيات فى مجادلة المشركين وقطع حجتهم فى شأن تحريم ما حرموه وقسمة ما قسموه ؛فاستقصى ما بقى لهم من حجة وهى :حجة المحجوج المغلوب الذي أعيته المجادلة ولم تبق له حجة إذ يتشبث بالمعاذير الواهية لترويج ضلالة ،بأن يقول هذا أمر قد قضي وقدر

وحاصل هذه الحجة أنهم يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم بأن ما هم عليه من اتخاذ الأولياء والشفعاء من الملائكة والبشر وتعظيمهم تماثيلهم وسائر ما يذكر به-لو لم يكن يرضي الله لصرفهم عنه ولما يسره لهم فقالوا لكنه شاء أن نشرك هؤلاء الأولياء به وشاء أن نحرم من البحائر والسوائب ما حرمنا فهذا دليل رضاه وأمره به أيضا كما فى الأعراف حكاية عنهم {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} ، وفى معناه قوله فى سورة الزخرف {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}
وهذه شبهة من لا يفرقون بين تصرف الله تعالى بالخلق والتقدير {المشيئة والإرادة}وبين تصرفه بالأمر والنهى{الرضا والمحبة}؛فهم يحسبون أن تمكنهم من وضع قواعد الشرك ومن التحريم والتحليل بأن الله خلق فيهم التمكن من ذلك فلما لم يمسك عنان أفعالهم كان قد رضي بما فعلوه وأنه لو كان لا يرضى لسلبهم تمكنهم ،وهذا ما يتوهمه أهل العقول السخيفة غير ملتفتين إلى جانب مخالفهم فإنهم حين يقولون {لو شاء الله ما أشركنا} غافلون عن أن يقال لهم من جانب الرسول {لو شاء الله ما قلت لكم إن فعلكم ضلال، فيكون الله تعالى على حسب شبهتهم قد شاء الشىء ونقيضه إذ شاء أنهم يشركون وشاء أن يقول لهم الرسول لا تشركوا

وسبب هذه الضلالة العارضة :الجهل بأن حكمة الله فى وضع نظام هذا العالم اقتضت بأن يجعل حجابا بين تصرفه سبحانه فى أحوال المخلوقات وبين تصرفهم فى احوالهم بمقتضى إراداتهم وذلك الحجاب هو ارتباط الأسباب بالمسببات ،وقد وهب الله تعالى الإنسان عقلا يمكنه من تغيير أحواله حسب احتياجه ووضع له فى عقله وسائل الإهتداء إلى الخير والشر كما قيض له دعاة الخير تنبهه إليه إن اعترته غفلة أو حجبته شهوة فإن هو لم يرعو فقد خان بساط عقله وبهذا يخلط أهل الضلال بين مشيئة الله ومشيئة العباد.

وقصدهم من هذه الشبهة تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فرد الله عليهم شبهتهم فقال:
{كذلك كذب الذين من قبلهم} فسمى الله تعالى استدلالهم هذا تكذيبا لأنهم ساقوه مساق التكذيب والإفحام لا لأن مقتضاه لا يقول به الرسول والمسلمون فإنا نقول كما قال تعالى {ولو شاء الله ما أشركوا } نريد به معنى صحيحا فكلامهم من باب الحق الذي أريد به باطل
والمعنى :أى تكذيب مشركي مكة كتكذيب من قبلهم من الأمم بالتوحيد وحق الله فى التشريع والتحليل والتحريم ،وهو تكذيبا جهليا غير مبنى على أساس من العلم ،والرسل قد أقاموا الحجج العلمية والعقلية على التوحيد وغيره وأيدهم الله بالآيات البينات ولكن المكذبين لم ينظروا فى هذه الآيات نظر إنصاف لإستبانة الحق بل أعرضوا وأصروا على جحودهم حتى ذاقوا بأس الله

وقوله {حتى ذاقوا بأسنا} بيان للبرهان الفعلي الدال على صدق الرسل وبطلان شبهات المشركين ؛فلو كانت حجة صحيحة لأما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم وأدال عليهم رسله الكرام وأذاق المشركين أليم الإنتقام .
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يطالب المشركين بدليل علمي على زعمهم فقال{قل هل عندكم من علم} وهذا الإستفهام ب{هل}التى تدل على طلب تحقيق دعواهم ؛فكأنه يغريهم بإظهار الدليل حتى إذا عجزوا كان قطعا لدعواهم
هذا الإستفهام الغرض منه الإفحام والتهكم وقرينة التهكم بادية لأنه لا يظن بالرسول والمؤمنين أن يطلبوا العلم من المشركين وهو يصارحهم بالتجهيل والتضليل صباح مساء.

ولما كان الإستفهام للتعجيز والتوبيخ أتبع ذلك ببيان حقيقة حالهم فقال {إن تتبعون إلا الظن }أى لستم على شىء من العلم بل ما تتبعون إلا الظن بل أدنى درجات الظن وهو الخرص فقال {وإن انتم إلا تخرصون} والخرص الحزر والتخمين الذي لا يمكن أن يستقر عنده الحكم
وبعد أن نفى عنهم أدنى ما يقال له علم وحصر ما هم عليه من الدين فى أدنى مراتب الظن مع أن أعلاها لا يغنى من الحق شيئا أثبت لذاته العلية مقابلة ذلكوهى الحجة العليا التى لا تعلوها حجة فقال {قل فلله الحجة البالغة}
والحجة فى اللغة هى الدلالة المبينة للحجة أى المقصد المستقيم
والحجة البالغة هى ما بينه الله تعالى فى هذه السورة وغيرها من الآيات البينات ولكن لمن أراد الحق فلا يهتدي بها إلا المستعد للهداية المحب للحق الحريص على طلبه دون من أطفأ باتباع الهوى نور فطرته ،أو استخدم عقله لكبريائه وشهوته ،المعرض عن النظر فى الآيات استكبارا عنها ،أو حسدا لمن جاء بها ؛ فإنما الحجة علم وبيان لا قهر وإلزام

وإلا فلو شاء هدايتكم بغير هذه الطريقة التى أقام البشر عليها وهى التعليم والإرشاد بطريق النظر والإستدلال -لهداكم أجمعين بجعلكم كذلك بالفطرة كما خلق الملائكة مفطورين على الحق والخير وبخلق الطاعة فيكم بغير شعور منكم كجريان الدم فى عروقكم وحينئذ لا تكونون من نوع الإنسان الذى قضت الحكمة وسبق العلم بأن يخلق مستعدا لإتباع الحق والباطل وعمل الخير والشر وكونه يرجح بعض ما هو مستعد له على بعض بمشيئته لا ينفي مشيئة الله ولا يعارضها فإنه تعالى هو الذى شاء أن يجعله فاعلا باختياره؛فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصى بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلة السمع والعقل وراء ظهره

ثم إنه تعالى أمر رسوله{قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا} أن يطالب المشركين بإحضار من عساهم يعتمدون عليه من الشهداء الذين يخبرون عن علم شهودى فى إثبات تحريم الله عليهم ما ادعوه من المحرمات أو ما اتخذوه من الشركاء ؛فأحضروهم كي يدلوا بحجتهم
ثم قال فإن فرض احضار شهداء فلا تشهد معهم أى لا تقبل شهادتهم ولا تسلمها لهم بالسكوت بل بين لهم بطلان زعمهم الذي سموه شهادة ولذلك قال {ولا تتبع اهواء الذين كذبوا بآياتنا} فوضع الظاهر موضع الضمير إذ لم يقل ولا تتبع أهواءهم لبيان أن المكذب بهذه الآيات والحجج الظاهرة إنما يكون صاحب هوى وظن لا صاحب علم وحجة
{والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون}أى والذين لا يؤمنون بالآخرة فيحملهم إيمانهم على سماع الحجة إذا ذكروا بها وهم مع ذلك يشركون بربهم فيتخذون له مثلا وعدلا يشاركه فى جلب الخير ودفع الضر إن لم يكن باستقلاله.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 11:04 AM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

قال تعالى :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4(

هذه الآيات للاستدلال على بطلان عبادتهم لأوثانهم وعدم استحقاقها لصفة الإلهية ،
وجاء هذه الاستدل على عدة أوجة:
أولا : جاء هذا الاستدلال بأسلوب المناظرة والمحاجة فقال تعالى :( قل أرأيتم) وهذا أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء الدليل على إبطال شركهم في عبادة الله ، مواجهة لهم ليكون أشد وقعا عليهم مما يلجؤهم إلى الاعتراف بالعجز عن معارضة هذه الحجج وتبكيتهم .فقال:{ أرأيتم } وهذا استفهام تقريري وهو كناية عن معنى : أخبروني ،أي :أخبرونى عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله- تعالى
ثانيا : حاجهم وناظرهم بطريقة التعجيز بقوله { أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أيتوني بكتاب } الآية
ثالثاً:بدأ المحاجة والتعجيز أولاً بالدليل العقلي القاطع على أن كل من سوى الله فعبادته باطلة فقال:(أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات)
(أَرُونِي )للتعجيز والتبكيت.{ ماذا } بمعنى ما الذي خلقوه ، ف ( ما ( استفهامية ، و ( ذا) بمعنى الذي . وأصله اسم إشارة ناب عن الموصول . وأصل التركيب : ماذا الذي خلقوا ،والاستفهامُ في { ماذا خلقوا } إنكاري.أى شيء في الأرض أوجدته وخلقته هذه الآلهة؟ وقطعاً لم تخلق شيئاً، وإذا لم يكن شيء من الأرض مخلوقاً لهم بطل أن يكونوا آلهة لِخروج المخلوقات عن خَلقهم ، وإذا بطل أن يكون لها خلق بطل أن يكون لها تصرف في المخلوقات كما قال تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسَهم ينصرون } في سورة الأعراف ( 191 ، 192 ( .
قال ابن عاشور :والأمر في { أروني ماذا خلقوا من الأرض } مستعمل في التسخير والتعجيز كناية عن النفي إن لم يخلقوا من الأرض شيئاً فلا تستطيعوا أن تُروني شيئاً خلقوه في الأرض ، وهذا من رؤوس مسائل المناظرة ، وهو مطالبة المدّعي بالدليل على إثبات دعواه .
(أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) أم للاضراب بعد أن اضرب أن يكونوا خلقوا شيئاً في الأرض انتقل إلى نفي أن يكون لهم شرك في السموات أي مشاركين لله في خلق السموات. أي ؛ ليس لهم شرك مع الله في السموات والاستفهام للتوبيخ والتقريع .
قال ابن عاشور :وإنما أوثر انتفاء الشِركة بالنسبة للشركة في السماوات دون انتفاء الخلق كما أوثر انتفاء الخلق بالنسبة إلى الأرض لأن مخلوقات الأرض مشاهدة للناس ظاهر تطورها وحدوثها وأن ليس لما يدعونهم دون الله أدنى عمل في إيجادها ، وأما الموجودات السماوية فهي محجوبة عن العيون لا عهد للناس بظهور وجودها ولا تطورها فلا يحسن الاستدلال بعدم تأثير الأصنام في إيجاد شيء منها ولكن لمّا لم يدّع المشركون تصرفاً للأصنام إلا في أحوال الناس في الأرض من جلب نفع أو دفع ضر اقتصر في نفي تصرفهم في السماوات على الاستدلال بنفي أن يكون للأصنام شركة في أمور السماوات لأن انتفاء ذلك لا ينازعون فيه .
رابعاً : بعد أن فنّد زعمهم بألوهية أصنامهم بالادلة العقلية انتقل إلى تفنيدها ودمغها بالادلة النقلية .فقال :(ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ)
قال ابن عاشور: ومناط الاستدلال أنه استدلال على إبطال دعوى المدعي بانعدام الحجة على دعواه ويسمى الإفحام . والمعنى : نفي أن يكون لهم حجة على إلهية الأصنام لا بتأثيرها في المخلوقات ، ولا بأقوال الكتب ، فهذا قريب من قوله في سورة فاطر ( 40 ( { أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه }
(ائتوني بكتاب من قبل هذا ) أي : هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، يأمركم بعبادة هذه الأصنام.
والإشارة في قوله : {من قبل هذا } إلى القرآن لأنه حاضر في أذهان أصحاب المحاجة فإنه يُقرأ عليهم معاودة .
قال ابن عاشور :
ووجه تخصيص الكتاب بوصف أن يكون من قبل القرآن ليسد عليهم باب المعارضة بأن يأتوا بكتاب يُصنع لهم ، كمَا قالوا : { لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } [ الأنفال : 31 ] .
ثم وسع عليهم أنواع الحجة ليكون عجزهم عن الإتيان بشيء من ذلك أقطع لدعواهم فقال :(أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك,
- فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق ( أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) بالألف, بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم.
- ورُوي عن أبي عبد الرحمن السلميّ أنه كان يقرؤه " أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ"، بمعنى: أو خاصة من علم أوتيتموه, وأوثرتم به على غيركم, والقراءة التي رجحها ابن جرير ( أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) بالألف, لإجماع قرّاء الأمصار عليه.
والمعنى : أو بقية بقيت عندكم تروونها عن أهل العلم السابقين غير مسطورة في الكتب.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما تزعمونه من أنكم على الحق.إلهاب وإفحام لهم بأنهم غير آتين بحجة لا من جانب العقل ولا من جانب النقل المسطور أو المأثور ، وقد قال تعالى في سورة القصص ( 50 ( { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . }
وهكذا أبطل القرآن حججهم في إتخاذ الاصنام آله من دون الله وذلك بالادلة العقلية والادلة النقلية ، فبان زيفهم وكذب دعواهم باستحقاق آلتهم العبادة من دون الله .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 07:18 PM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم أجمعين أما بعد :
فهذا نموذج لإسلوب الحجاج القرآني مع المشركين ليفند ويبطل آلهتهم التي يدعون من دون الله بطريق الأدلة العقلية :
- أمر الله عز وجل الرسول أن يوجه أنظار المشركين في حال استمرارهم علي الشرك ثم طرأت عليهم أحوال معينة إلى من يلجأون , وأتى ب(من) للاستفهام التقريري ليلجأ السامع للنظر في جوابه , وهو أن الله هو المستحق للإلوهيه.
- فهددهم وعنفهم بسلب نعمة السمع والبصر والفهم والإدراك فأغلق عليهم ,أي آلهة يدعونها فتستطيع ردها لهم ؟فلا يوجد لإن ذلك معلوم عندهم إنه لا أحد يخلق غير الله (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) وكان هذا السلب لما صدر منهم من إعراض عن المنعم والموجد الحقيقي وعدم استخدامهم لها فيما يرضي الله فاستحقوا بذلك التهديد (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها)
- ولما لم يكن عندهم إجابة ووقفوا متحيرين تولى الله الرد عنهم فقال (من إله غير الله يأتيكم به)فليس هناك إجابة أخرى .
- ثم كرر الله الأمر بالنظر وقد يقصد منه التعجب من إعراضهم مع كثرة الآيات وتنوعها من حيث مخاطبتها للعقل ومعنوي ومحسوس وترغيب وترهيب إلا أنهم لا يزدادون إلا إعراضا وعنادا وعبر بالفعل بصيغة المضارع ليدل على تجدد الإعراض منهم .
- ثم جدد الله تعالى التهديد والتوبيخ الشديد في الآية التي تلتها( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ) (47)
وأتى بكاف الخطاب ليكون أبلغ في خطاب التوبيخ لأن التهديد في هذه الآية بنزول العذاب عليهم فجأة وهذا مشاهد كثيرا وإمكانية حصوله كبيرة بخلاف أخذ الأسماع والأبصار .
- ثم بين لهم أن هذا العذاب قد يأتي جهرة وهو الذي يسبقه إعلام به كقوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا) وقوله ( فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ), أو يأتيهم بغتة وهو الذي لا يسبقه إعلام .
- ثم ختم الآية بالاستفهام الإنكاري ليبين أن هذا العذاب لا يهلك إلا من استحق ذلك بكفره وعناده وظلمه لنفسه وظلمه للرسول وللمؤمنين .
وفي هذا مالا يخفى من الوعيد لهم إن استمروا على كفرهم .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 10:42 AM
عائشة أبو العينين عائشة أبو العينين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 600
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ............ )

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
( فاطر 39-41)

تضمنت هذه الآيات الكريمات من الحجج القاطعة، والآيات البينات ما أظهر الله به بطلان ما اعتقده الكفار فى أصنامهم والاحتجاج عليهم في بطلان إلهية آلهتهم
وقبل أن نذكر بعض وجوه ذلك الأحتجاج نعرض تفسيراً مجملاً مختصراً لآيات الكريمات
يخبر تعالى بعلمه غيب السموات والأرض، وأنه يعلم ما تكنه السرائر وتنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بعمله.
ثم قال: { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ } أي: يخلف قوم لآخرين قبلهم، وجيل لجيل قبلهم { فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي: فإنما يعود وبال ذلك (1) على نفسه (2) دون غيره، { وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا } أي: كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله، وكلما استمروا فيه خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بخلاف المؤمنين فإنهم كلما طال عمر أحدهم وحَسُن عمله، ارتفعت درجته ومنزلته في الجنة، وزاد أجره وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين وتركيب جملة ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً } تركيب عجيب لأن ظاهره يقتضي أن الكافرين كانوا قبل الكفر ممقوتين عند الله فلما كفروا زادهم كفرهم مقتاً عنده ، في حال أن الكفر هو سبب مقت الله إياهم ، ولو لم يكفروا لما مقتهم الله

ومن اوجه الآحتجاج عليهم

فى قوله تعالى : { قل أرأيتم شركاءكم }
الأولى
افتتح الله الآية الكريمة ب { قل }
وفيها خطاب للنبى وقفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه على أصنامهم وطلب منهم أن يعرضوا عليه الشيء الذي خلقته آلهتهم لتقوم حجتهم التي يزعمونها ، ولما وقفهم على ذلك اتضح عجزه
الثانى
الآستفهام التقريرى فى قوله تعالى: { أرأيتم شركاءكم } يعني : إن كنتم رأيتموهم فلا سبيل لكم إلا الإِقرار بأنهم لم يخلقوا شيئاً فبنيت الحجة على مقدمة مُشاهدة انتفاء خصائص الإِلهية عن الأصنام ، وهي خصوصية خلق الموجودات وانتفاء الحجة النقلية بطريقة الاستفهام التقريري والمستفهم عن رؤيته هنا هو أحوال المرئي وإناطة البصر بها


الثالث
أن الله تعالى أضاف الشركاء إليهم من حيث جعلوهم شركاء لله ، أي ليس للأصنام شركة بوجه إلا بقولكم فالواجب أضافتها إليكم
الرابع
في قوله : { الذين تدعون من دون الله }

والموصول والصلة للتنبيه على الخطإ في تلك الدعوة كقول عبدة بن الطبيب
الخامس
فى قوله تعالى : { أروني ماذا خلقوا من الأرض }

فالتعقيب بهذه اية قرينة التخطئة ، فإنه أمر للتعجيز إذ لا يستطيعون أن يُرُوه شيئاً خلقته الأصنام ، فيكون الأمر التعجيزي في قوة نفي أن خلقوا شيئاً مّا
السادس

لما كان مقرُّ الأصنام في الأرض كان من الراجح أن تتخيَّل لهم الأوهام تصرفاً كاملاً في الأرض فكأنهم آلهة أرضية ، وقد كانت مزاعم العرب واعتقاداتهم أفانين شتى مختلطة من اعتقاد الصابئة ومن اعتقاد الفُرس واعتقاد الروم فكانوا أشباها لهم فلذلك قيل لأشباههم في الإِشراك { أروني ماذا خلقوا من الأرض }أي فكان تصرفهم في ذلك تصرف الخالقية
السابع
فى قوله تعالى : { أم لهم شرك في السماوات }
فالمشركين لم يدعوا فى مزعمهم لأصنام كونها فى الآرض خلق فى السماء ولكن قد يحتمل ان يتصوروا لها شرك فى السماء فجاءت الآية مَجيء تكملة الدليل على الفرض والاحتمال ، كما يقال في آداب البحث «فإن قلتَ» . وقد كانوا ينسبون للأصنام بنوة لله تعالى قال تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللَّه بها من سلطان } [ النجم : 19 23 ] .
فمِن أجل ذلك جيء في جانب الاستدلال على انتفاء تأثير الأصنام في العوالم السماوية بإبطال أن يكون لها شرك في السماوات لأنهم لا يدَّعُون لها في مزاعمهم أكثر من ذلك .
الثامن

فى قوله تعالى { أم آتيناهم كتاباً فهم على بينات منه }
لما قضي حق البرهان العقلي على انتفاء إلهية الذين يدعون من دون الله انتقل إلى انتفاء الحجة السمعية من الله تعالى المثبتة آلهة دونه لأن الله أعلم بشركائه وأنداده لو كانوا ، فقال تعالى : { أم آتيناهم كتاباً فهم على بينات منه } المعنى : بل آتيناهم كتاباً فهم يتمكنون من حجة فيه تصرح بإلهية هذه الآلهة المزعومة .
التاسع
القراءات فى البينات
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم { على بينات } بصيغة الجمع . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب { على بَينة } بصيغة الإِفراد . فأما قراءة الجمع فوجهها أن شأن الكتاب أن يشتمل على أحكام عديدة ومواعظ مكررة ليتقرر المراد من إيتاء الكتب من الدلالة القاطعة بحيث لا تحتمل تأويلاً ولا مبالغة ولا نحوها على حدّ قول علماء الأصول في دلالة الأخبار المتواترة دلالة قطعية ، وأما قراءة الإِفراد فالمراد منها جنس البينة الصادق بأفراد كثيرة .
العاشر
فى وصف البينات أو البينة ب { منه }
للدلالة على أن المراد كون الكتاب المفروض إيتاؤه إياهم مشتملاً على حجة لهم تثبت إلهية الأصنام . وليس مطلق كتاب يُؤتَوْنه أمارة من الله على أنه راضضٍ منهم بما هم عليه كدلالة المعجزات على صدق الرسول ، وليست الخوارق ناطقة بأنه صادق فأريد : أآتيناهم كتاباً ناطقاً مثل ما آتينا المسلمين القرآن .
الحادى عشر
فى الإبطال ب { بل }
ذكرّ على ذلك كله الإِبطال بواسطة { بل } ، بأن ذلك كله منتف وأنهم لا باعث لهم على مزاعمهم الباطلة إلا وعد بعضهم بعضاً مواعيد كاذبة يغرّ بعضهم بها بعضاً .
الثانى عشر
قول الله تعالى بعد آيات الإحتجاج
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
لما ذكر تعالى ما يبين فساد أمر الأصنام وقف على الحجة على بطلانها عقب ذلك بذكر عظمته وقدرته ليبين الشيء بضده ، وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله تعالى ، فأخبر عن إمساكه السماوات والأرض بالقدرة وهو انتقال من نفي أن يكون لشركائهم خلق أو شركة تصرف في الكائنات التي في السماء والأرض إلى إثبات أنه تعالى هو القيّوم على السماوات والأرض لتبقَيَا موجودتَيْن فهو الحافظ بقدرته نظام بقائهما

هذا ما تيسر لى والامر يحتاج مذيد بحث رزقنا الله واياكم تدبر كتابه ، وفقه حججه، والعمل به

ملاحظة
التفاسير التى تم الإطلاع عليها بفضل الله
تفسير القرآن العظيم - بن كثير (700 - 774هـ).
تفسير المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز - بن عطية (481 - 542 هـ
تفسير التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»- بن عاشور (المتوفى: 1393هـ)

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 12:16 PM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى : (لو كان هؤلاء ألهة ما وردوها وكل فيها خالدون)

نزلت الآية خطابا لأهل مكة المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأصنام والأوثان والشمس والقمر وغيرهم .
يقول الله سبحانه للمشركين : أيها المشركون إنما وما تعبدون من دوني واردوا جهنم ، ولو كان ما تعبدون من دوني آلهة ما وردوها ، بل كانت تمنع ما أراد أن يُدخلكم طالما أنكم كنتم تعبدونها في الدنيا ، ولكنها لا تملك لأنفسها جلب نفعا ، ولا تملك دفع ضرا ، فهي من باب أولى لا تنفعكم .
وفي هذه الحجة تبكيت لهم وتوبيخ ، وإظهار خطئهم في عبادتهم لتلك الآلهة المزعومة التي ستسبقهم إلى جهنم ، وقطع لأي أمل لهم في النجاة ، فربما حين يرون العذاب يوم القيامة تذكروا هؤلاء الآلهة ، وفكروا في اللجوء إليهم وقد سبق قولهم : (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ، وقولهم : (هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، لذلك جمعهم الله جميعا في جهنم ليقطع عنهم الآمال ، ويظهر خيبة العابدون لها حين يأتون النار فيجدوهم قد سبقوهم إليها ، كما قال في شأن فرعون : (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) .
فمن كان هذا حاله فلا يصح أن يعبد وأن يكون إلها ، لأن الإله الحق هو الذي يقدر على كل شيء .

وقوله (وكل فيها خالدون) : يعني الآلهة ومن عبدها ماكثون في النار أبدا بغير نهاية ، وهذا أيضا تبكيتا لهم ، إذ المعنى : انظروا إلى حالها وما آلت إليه ، لأنه يُمتنع عقلا أن الإله يدخل النار فضلا على أن يكون مخلدا فيها .

الحكمة في أنهم قرنوا بآلهتهم :
ذكر الزمخشري أن الحكمة في ذلك :
1- أنهم لا يزالوا لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة لأنهم وقعوا في ذلك العذاب بسببهم ، والنظر إليهم يزيد من عذابهم .
2- أنهم قدَّروا أن آلهتهم تشفع لهم في الآخرة لدفع العذاب ، فإذا وجدوا الأمر على عكس ذلك لم يكن شيء أبغض إليهم منهم .
3- أن إلقاء هذه الآلهة في النار يجري مجرى الاستهزاء بعابديها .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 14 محرم 1438هـ/15-10-2016م, 12:05 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

﴿وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ كَفَروا لِلحَقِّ لَمّا جاءَهُم هذا سِحرٌ مُبينٌ ۝ أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَلا تَملِكونَ لي مِنَ اللَّهِ شَيئًا هُوَ أَعلَمُ بِما تُفيضونَ فيهِ كَفى بِهِ شَهيدًا بَيني وبَينَكُم وَهُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ ﴾
[الأحقاف: 7-8].

-ذكر الله في هذه الآية حجة باطلة من حجج المكذبين المعرضين المعاندين ورد عليهم بأوجز خطاب وأبلغ عبارة فقال سبحانه حاكيًا قولهم (وإذا تتلى عليهم ) أي: على المكذبين ( آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ) وهو القرآن بحيث تكون على وجه لا يمترى بها ولا يشك في وقوعها وحقها ، لم تفدهم خيرا بل قامت عليهم بذلك الحجة.
ومما احتجوا به وافتروا به على الله وكتابه ونبيه ﷺ :
1-قولهم أنه سحر بين ظاهر لا شك فيه ، قال تعالى: ( قال الذين كفروا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ).
وقولهم هذا من باب قلب الحقائق الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة أعظم مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق -الذي علا وارتفع ارتفاعا على الأفلاك وفاق بضوئه ونوره نور الشمس وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة- بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس خبيث العمل؟! فهو مناسب له وموافق لحاله وهل هذا إلا من البهرجة؟

2-قولهم أن رسول الله ﷺ افتراه من عند نفسه ، قال تعالى:(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ).

فرد الله عليهم بقوله:
( قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا )
أي إن كان قولكم حقيقة بأني افتريت هذا الكتاب من عند نفسي وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك ، فإن الله علي قادر، وبما تفيضون فيه من قولكم الباطل في كتاب الله عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي الذي زعمتم؟
ولو كنت متقولا عليه لأخذ مني باليمين ولعاقبني عقابا يراه كل أحد لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولا .
فلا أنتم ولا غيركم يستطيع أن يجيرني منه، وذلك كقوله: ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ ) [الجن: 22 ، 23] ، وقال تعالى: ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) [الحاقة: 44 -47] ؛ ولهذا قال هاهنا: ( قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) ، هذا تهديد لهم ، ووعيد أكيد ، وترهيب شديد.

فحجتهم باطلة ليس فيها من الحق شيء لأن القرآن لو كان افتراء من عند محمد ﷺ لبين الله ذلك ولانتصر لنفسه وكتابه فلن يدع أحد يكذب عليه وهو القوي القادر على كل شيء المالك لكل شيء سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.


-ومع ما افتروه وادعوه من الدعاوى الفاسدة دعاهم إلى التوبة ورغبهم فيها فقال: ( وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي: فتوبوا إليه وأقلعوا عما أنتم فيه يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم فيوفقكم للخير ويثيبكم جزيل الأجر.
وهذه الآية كقوله في سورة الفرقان: ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) [الفرقان: 5 ، 6] .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 14 محرم 1438هـ/15-10-2016م, 05:04 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

رسالة تفسيرية :{أسلوب الحجاج}
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم ،
أما بعد ؛ فهذه الآيات الكريمة جاءت في سياق سورة الملك التي تقرر مظاهر كمال قدرة الله عزوجل ؛ حثاً على خشيتة وتحذيراً من عقوبته سبحانه، فتضمنت هذه الآيات الكريمات من الحجج القاطعة، والآيات البينات ما أظهر الله به بطلان عبادة غير الله وأوضح ذلك بالمثال ،فهذا مثلاً ضربه الله سبحانه للمشرك والمؤمن ليدحض به شبهة المشركين المكذبين، فقال تعالى {أفمن يمشي مكباً على وجهه } أفمن يمشي واقعاً على وجهه منكباً عليه وهو المشرك ،أهدى أم المؤمن الذي يمشي مستقيماً على طريق مستقيم ؟ وعلم الله رسوله الرد لأقامة الحجة عليهم فقال:{ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} أي قل يا أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين ،الله الذي جعل لكم سمعاً تسمعون به وبصراً تبصرون به ،وقلوباً تعقلون بها ،ولكن قليل ما تشكرون هذه النعم فتستعملونها في طاعته وهو بمثابة شكر هذه النعم،
{قل هوالذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} وقل لهم أيضا الله الذي خلقكم في الأرض لا أصنامكم التي لا تخلق شيئاً ،وهو وحده الذي يجمعكم يوم القيامة للحساب والجزاء لا أصنامكم ،فخافوه واعبدوه وحده.
وبيان هذا التقرير من وجوه:
أحدهم: وهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبّا على وجهه، أي: يمشي منحنيًا لا مستويًا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؟ بل تائهٌ حائرٌ ضالٌّ، أهذا أهدى {أمّن يمشي سويًّا} أي: منتصب القامة {على صراطٍ مستقيمٍ} أي: على طريقٍ واضحٍ بيّنٍ، وهو في نفسه مستقيمٌ، وطريقه مستقيمةٌ. هذا مثلهم في الدّنيا، وكذلك يكونون في الآخرة. فالمؤمن يحشر يمشي سويًّا على صراط مستقيم، مفض به إلى الجنّة الفيحاء، وأمّا الكافر فإنّه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنّم، {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون اللّه فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنّهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}وهذا المثل يقرب المعنى ويوضحه ،ويمثل الصورة المعنوية بالصورة الحسية ،فيحدث الغرض منها التي تستقبحه النفس وتنفر منه.
الثاني :{أفمن} أن الإستفهام في هذه الآية للتقرير .
الثالث: {أفمن }الفاء التي صدرت بها الآية للتفريع على ما سبق من أول السورة من الدلائل والبراهين على البعث والحساب والجزاء.
الرابع:{أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدي } المقابلة بين مكب وأهدى فلا وجة مقارنة بينهم لأن يمشي مكباَ على وجهه لا شئ عنده من الأهتداء ،وهذا يفيد التهكم والتبكيت لهم،وبيان قدرة الله عليهم ؛قيل: يا رسول اللّه، كيف يحشر النّاس على وجوههم؟ فقال: «أليس الّذي أمشاهم على أرجلهم قادرًا على أن يمشيهم على وجوههم»وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين من طريق [يونس بن محمّدٍ، عن شيبان، عن قتادة، عن أنسٍ، به نحوه].
الخامس:{قل هو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ...} فيها تبصير المشركين بالحجج والدلائل على بطلان عبادة غير الله،والسمع والبصر من أدوات الإدراك التي لم ينتفعوا بها ولم يكونوامن شاكرين عليها .
السادس : { .....قليلا ما تشكرون}هو المستحق للعبادة الذي أنعم عليكم بهذا النعم في حال أهمالكم شكرها ،وفيها من التهديد والوعيدلهم ضمناً.
السابع: {قل } وتكرارها مشعر بالاهتمام بالغرض التي سيقت إليه تلك الأقوال .
الثامن :{ وإليه تحشرون } تقديم المعمول للاهتمام والرعاية على الفاصلة ،لأنهم لم يكونوا يدعون الحشر أصلا ،فضلاعن أن يدعو ه لغير الله.
التاسع: {قل هو الذي ذرأكم} فوجود الأنسان أصلاً وهو أرفع المخلوقات وأقدرها ،وهو لم يوجد نفسه –(أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون)-
فلا بد أن يكون هناك من هو أرفع منه وأقدر ،إذا فلا مفر من الأعتراف بالخالق ،فوجود الإنسان وخلقه وذرأه دليل علي وجود الخالق.
العاشر : على كل الهبات العظيمة من الله التي أعطاها للإنسان قليل ما يشكر ،فهذا يثير الخجل والحياء عند التذكير به، وأيضاً يفيد لؤم وسوء من لم يشكر .ِ
هذا ما تيسر لي والله تعالى أعلى وأعلم.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 15 محرم 1438هـ/16-10-2016م, 12:49 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

{ مَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } الأنعام

لأهل البدع والضلال شبهات في تلك الآيه وأمثالها في القرآن ، فلا بد أن نفهم تلك الشبهات والرد عليها جيداً وسنتناول في رسالتنا هذه بمشيئة الله احدى تلك الشبهات وهي :

إذا كان الله تعالى هو الذي يهدي وهو الذي يضل فلماذا يحاسبني الله ويلومني الناس على عدم الاهتداء .


ونرد على تلك الشبهة بعون الله تعالى بالأدلة العقلية الواقعية :
- سلمنا باستدلالك بالآية الكريمة على قولك أنك مؤمن بكل ما جاء بالقرآن فقد قال الله تعالى {وإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ }
ومعنى الآية الكريمة أن الله تعالى أشهد ذرية آدم جميعًا أنه هو الله ربهم وهذه هي الفطرة التى خلق الله تعالى الخلق عليها توحيد ربهم قال تعالى{فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}الروم
فلماذا لم تلتزم فطرة ربك التى خلقك عليها فطرة التوحيد ؟ أم هل نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ؟ فتسلم بآية وتتخذها حجة وتكفر بأخرى ؟

- سلمنا بقولك أنك مجبر على الضلال وليس لك اختيار في ذلك لأن الله تعالى أراده لك منذ خلقك فهل عندما يعرض عليك مشروب تحبه ولكن فيه سم تقبل شربه ، بالطبع لا وهذا لعلمك بعظيم خطره عليك مهما اختلط بما تحب فترفض تناوله حرصًا على حياتك فهذا دليل على إرادة اختيارك تبع ما تحب وتكره .
و لقد بين الله تعالى لنا الخير والشر بإرسال الرسل قال تعالى { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } الحديد
فعلمنا الحلال والحرام وعلمنا حقوق الله تعالى علينا وحقوق الخلق وعلمنا عاقبة المطيع وعاقبة المسىء ، فهذا اختيارك أن تكون من احدى الفريقين ، فإن سلبت نفسك القدرة على الاختيار فاثبت لي أنك لم تختار النجاة من الموت لما عرض عليك الشراب المسموم .

فأقول وبالله التوفيق :
لقد خلق الله تعالى الإنسان فيه جوانب خير وفيه جوانب شر وجعل له الإرادة والاختيار ثم أرسل الرسل وبين طرق الحق للناس وبين طرق الضلال وهذا هو النوع الأول من الهداية وهو هداية البيان والإرشاد فمن يستجيب لتلك الهداية ويريدها بقلبه ويتمناها فالله تعالى يعينه عليها وييسرها له ويوفقه لها ويرزقه أبواب الخير ليزداد منها هداية وإيمانا,وهذا هو النوع الثاني من أنواع الهداية وهو هداية التوفيق ، وهذا هو معنى قوله تعالى { مَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ }كما قال ابن كثير في معنى يشرح صدره للإسلام : أي : ييسره له وينشطه ويسهله لذلك ، فهذه علامة على الخير.

وأما من كره بقلبه الهداية وتكبر عليها وكفر بها فالله تعالى يعاقبه على ذلك بتركه لطرق الضلالة وتيسيره للزيادة من أعمال الشر حتى يختم له به فيخلد في جهنم والعياذ بالله

وسنعرض مثال بسيط واقعي ولله المثل الأعلى :
من الأطفال من يعرض عليه الحليب في كل يوم صباحاً ومساءا وهو يكرهه ويرفضه فيكثر عليه والديه ببيان فوائده ويكثرون من نصحه وتزيين ذلك المشروب له ، فتارة يشربه وتارة يرفضه في حين أنه يقبل برغبة على غيره من المشروبات ، فهو على صغر سنه إلا أنه يملك حاسة التذوق وإرادة الاختيار فإن جبره والداه فترة من عمره فما يلبث أن يكبر فيختار بكامل حريته وليس للوالدين سلطان عليه حينئذ.
وكذلك الإنسان في اختيار دينه واختيار طريق الحق والضلال فتعرض عليه الأعمال في كل لحظة فيأتيه الواعظ بالخير في قلبه فطرته التى فطر عليها ويأتيه وساوس شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء فهو الذي يغلب احداهما على الآخر .


ودليل ذلك قوله تعالى ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (فصلت: 17)
فالله تعالى هداهم هداية البيان بإرسال نبي الله صالح لهم ولكنهم استحبوا الضلالة فاستحقوا عذاب ربهم .

وقوله تعالى (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (التغابن: 11

أي من تحقق في قلبه الإيمان والاستسلام أولًا زاده الله تعالى هداية وبصيرة بما يثبته .
وكذلك قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) (محمد: 17)

وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ) (الرعد: 11)
فلما غيروا نواياهم وفقهم الله لما أرادوا فالمهم لك أيها العبد أن يريد قلبك الهداية بصدق فحينها سيوفقك لها
فننبه هنا على أنك لا تأخذ آية واحدة من القرآن وتثير الشبهات حولها بل لا بد من فهم القرآن ككل كما قال تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخرمتشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأوويله } آل عمران
وأما العلماء فيفهمون القرآن ككل ويفسرون الآيات المتشابهة بالآيات المحكمة فيتضح المعنى المراد من الله تعالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 24 محرم 1438هـ/25-10-2016م, 04:54 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي إعادة

إعادة
قال تعالى :{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
في هذه الآية وجه الله خطابها للنبي صلى الله عليه وسلم آمراً له أن يناظر قومه الذين أدعوا الألوهيه لاصنامهم وعبدوها من دون الله
ويفند مزاعمهم بالأدلة القاطعة التي تبين عدم استحقاقها لصفة الإلهية وبالتالي بطلان عبادتهم لها . وجاء في الآية الاستدلال على عدة أوجة:
أولاً: جاء هذا الاستدلال بأسلوب المناظرة والمحاجة فقال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا ..} فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلقي عليهم الحجة والدليل مقابلة ومواجهة ليكون أشد وأقوى وقعاً عليهم ، فيعجزهم عن الرد ، مما يلجؤهم إلى الإذعان بالعجز عن الرد ، فيفحمهم ويكبتهم.
ثانيا: ناظرهم باسلوب التعجيز بقوله ( أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) فطلب يرونه شيء من الأرض خلقته آلهتهم ، ليستحقوا بذلك الإلهية أو كونهم شركاء مع الله في السموات لتستحق العبادة منكم.فالله خلق ما في الأرض جميعاً وله ملك السموات والأرض فماذا لآلهتكم.
ثالثاً:إنه بدأ اسلوب المناظرة والتعجيز أولاً بالدليل العقلي ليبطل استحقاق تلك الأصنام صفة الإلهية ويثبت استحقاق الله تعالى وحده الإلهية فقال :{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ
أَرُونِي : أرشدوني أو دلوني
{مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ.} : ما الذي خلقوه هذه الآلهه من الأرض طبعاً هي لم تخلق شيئاً ،وهو استفهام انكاري ,فإذا كانت لم تخلق شيئاً فهي لا تستحق العبادة وبهذا بطلت ألهيتها .
قال ابن عاشور :والأمر في { أروني ماذا خلقوا من الأرض } مستعمل في التسخير والتعجيز كناية عن النفي إن لم يخلقوا من الأرض شيئاً فلا تستطيعوا أن تُروني شيئاً خلقوه في الأرض ، وهذا من رؤوس مسائل المناظرة ، وهو مطالبة المدّعي بالدليل على إثبات دعواه .
{ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ } بعد أن أبطل أن يكونوا خلقوا شيئاً من الأرض انتقل إلى نفي أن يكون لهم شرك مع الله في تدبير السموات
بل الملك لله وحده فما يملكون من قطمير .والاستفهام للتوبيخ والتقريع .
وبعدأن فند مزاعمهم باستحقاق آلهتهم صفة الألهية بالأدلة العقلية ، انتقل لتفنيدها بالادلة النقلية فقال تعالى:{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ }أي: هاتوا كتاب من عند الله منزل على الأنبياء يأمركم بعبادتها.
من قبل هذا}:أي من قبل القرآن
وقرأت ( أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) بالألف, بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم.
- ورُوي عن أبي عبد الرحمن السلميّ أنه كان يقرؤه " أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ"، بمعنى: أو خاصة من علم أوتيتموه, وأوثرتم به على غيركم,
ورجح ابن جرير قراءة الألف لاجماع القراء عليها.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }في دعواكم بأنها آلهه تعبد من دون الله، وبما أنهم لم يأتوا بشيء مما طلب منهم فبهذا تبطل دعواهم باستحقاق آلهتهم صفة الألهية وعبادتها من دون الله ، فالله وحده خالق السموات والأرض ومالكهما وهو المستحق للعباده وحده دون من سواه
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد انه لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 26 محرم 1438هـ/27-10-2016م, 06:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تقويم التطبيق الرابع


نبيلة الصفدي: أ
- أحسنت بارك الله فيك، رسالتك قيّمة وفقك الله، ولو أنك اعتنينت باستعمال أدوات الحجاج وتقرير إلزام الحجة بها لكان أقوى لرسالتك وأنفع.

قولك: ( فأتوا أنتم من عنده بسورة فما هو ببخيل عنكم إن سألتموه) هذا القول فيه نظر؛ ولا يقتضيه ظاهر سياق الآية.
وقولك: (جملة "من دون الله "قد تكون بين يدي الله أو بمعنى من دون حزب الله وهم المؤمنون). هذا تأويل لا موجب له، والصواب أن جملة ( من دون الله ) جملة اعتراضية تضمنت عددا من الفوائد:
منها: بيان تنزّه الله تعالى عن أن يشهد على صحة شركهم؛ فهو بمعنى الاستثناء الدالّ على دونيتهم وعلوّ الله تعالى.
ومنها: بيان أن الله الذي يزعمون التقرّب إليه باتخاذ الوسائط يتنزّه عن الشهادة لهم بصحّة دينهم، وهذا إسقاط لمقصودهم من أصله؛ إذ لا جدوى من الاستشهاد مع تحقق أن الله لا يرضى دينهم.
ومنها: بيان أن كلَّ ما يستشهدون به فهو من دون الله ، والله تعالى قاهر فوقهم، وكلمتهم أعلى من كلمتهم، وشهادته أحقّ من شهادتهم، وقد شهد عليهم ببطلان دينهم.

كوثر التايه: ب
- أحسنت بارك الله فيك
- رسالتك فيها فوائد قيمة لكن ينبغي أن نتفطن إلى أمر مهم في أسلوب الحجاج
وهو أن نبيّن للقارئ الشبه التي يراد إبطالها، ثم ننظر في أدلة الخصم، وطرق إبطال حججه، وإلزامه بالحجة الصحيحة.
ففي الآيات التي ذكرتيها إبطال ثلاث دعاوى كبيرة لدى المشركين:
- الأولى: نفي أن يكون القرآن من عند الله.
- والثانية: قولهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
- والثالثة: ادعاؤهم أن الله اتّخذ ولداً سبحانه عما يقولون.
فلو أنك ذكرت دلالة الآيات على إبطال هذه الدعاوى بطريقة منظمة، واستعملت فيها ما أمكنك من أدوات الحجاج المبيّنة في الدرس لكان أقوى لرسالتك.
- (تنزيل) مصدر وليس فعلا مضارعاً.
- اعتني بمراجعة الرسالة قبل اعتمادها لتجنب الأخطاء الكتابية ، وخصوصاً ما كان في الآيات، ولعلك تطلبين من إحدى المشرفات تصويب تلك الأخطاء. ( من دزنه) (من دون الله)

فاطمة الزهراء: ج+
- اعتمادك على النقول المتسلسلة في هذه الرسالة ، وخصوصا عن المعتزلة والأشاعرة لا يظهر قدرتك على استعمال أدوات الحجاج والتعبير بأسلوبك
وكان الأولى بك الاستفادة من المعاني التي نبّه عليها المفسرون ثم الزيادة عليها والتعبير عن مجموع ما استفدتيه بأسلوبك مستعملة أدوات الحجاج استعمالاً ظاهراً في رسالتك.
- ولا بأس أن أن تنقلي من أقوال المفسرين من باب الاستشهاد والاعتضاد ما تتقوى به الرسالة لكن ليس بهذا الإكثار الذي يشعر باعتمادك على النسخ واللصق.

هلال الجعدار: أ
- أحسنت بارك الله فيك.

أمل يوسف: أ
- أحسنت بارك الله فيك
- رسالتك قيمة، وقد فاتك استعمال بعض أدوات الحجاج الظاهرة في الآية؛ كالتبكيت وسؤال المعارضة والقول بالموجب ونقض العلة.
- العبارات التي نقلتيها بنصها من كلام المفسرين يجدر بك عزوها إليهم بخلاف المعنى الذي يتحصل لك من مجموع اطلاعك على أقوال المفسرين ثم تعبيرك عنه بفهمك وألفاظك.

مضاوي الهطلاني: ب+
- أحسنت بارك الله فيك، وكانت بدايتك في أوّل الرسالة ممتازة لكنّك في آخرها أكثرت من النقل، وهذا لا يحسن في مقام التدريب، وكان الأولى بك أن تتأمّلي الأوجه التي ذكرها المفسرون، وأن توازني بينها ثم تعبري عنها بأسلوبك
ولا بأس أن تستأنسي بالنقل عن بعض المفسّرين ما يتستحسن من عباراتهم، لكن من غير أن يكون اعتمادك على مجرد النسخ واللصق.
- كان الأولى بك أن تستعملي في تفسيرك لهذه الآية طريقة نقض العلّة ، فهي ظاهرة في هذه الآية،
وبيان ذلك باختصار أن يقال: إن ما يعبدون من دون الله تعالى لا مسوّغ لعبادته إلا أن يكون خالقاً أو شريكاً في الملك أو يكون الله قد أذن أنْ يُعبد من دونه، وهذه العلل كلها منقوضة منتفية؛ فظهر بذلك أن عبادتهم لما عبدوا من دون الله باطلة.

عابدة المحمدي: أ
- أحسنت بارك الله فيك، رسالتك قيمة، وأسلوبك ممتاز، واصلي التدرب على استعمال أدوات الحجاج.


عائشة أبو العينين: هـ
أقدّر لك جهدك بارك الله فيك، لكن نقلك الكثير عن ابن عاشور بنص عباراته من غير عزو لا يقبل، ولا يفيدك في تنمية ملكتك في التفسير بهذا الأسلوب.
- من المهمّ قبل البدء في التفسير أن تقومي باستخلاص المسائل، وتعيين الدعاوى التي يراد إبطالها، وبيان الشُّبه باختصار، ثم النظر في أدوات الحجاج المناسبة لإبطال تلك الدعاوى، وكشف تلك الشبهات، ثم تقرير ما دلّت عليه الآيات من الحقّ في ذلك الأمر.
فإذا فعلت ذلك بنفسك ثم اطّلعت على أقوال المفسّرين استفدت أفكاراً إضافية بسبب الموازنة بينها وبين ما تحصّل لك من استخراج المسائل وإعمال الذهن، وأما أن يكون اعتمادك على عبارات المفسرين بنصها، ويكون جهدك شبه محصور في النسخ واللصق والترتيب؛ فهذا غير مقبول.
- وقد اخترت آيات سبقتك إليها إحدى زميلاتك.
- أودّ أن تعيدي هذا التطبيق وأن تتبعي خطوات إعداد الرسالة التفسيرية، وتراعي الملحوظات التي ذكرتها لك آنفاً.

هناء هلال محمد: ب
- هذه الآية مترتبة على ما قبلها وكان الأولى بك تفسير الآيتين جميعاً، وبيان ما فيهما من الحجج.
- لديك ملكة حسنة لكنها بحاجة إلى صقل وتنمية؛ فأوصيك بالعناية بمواصلة التدرب على استعمال أدوات الحجاج وفقك الله.

تماضر: أ
- أحسنت بارك الله فيك.

مها شتا: أ
- أحسنت بارك الله فيك
- ( المقابلة بين مكب وأهدى) المقابلة بين المكب على وجهه ومن يمشي سوياً على صراط مستقيم.
- (وإليه تحشرون) تقديم المعمول يفيد الحصر هنا .
-
الشيماء وهبه: أ
- سقط الفاء من أوّل الآية المفسَّرة.
- أحسنت بارك الله فيك ، ونفع بك.
- أسلوبك ظاهر في الرسالة مع تعبير حسن
- فاتك بيان ما دلّت عليه هذه الآية من أنّ إضلال الضالين وعقوبتهم بضيق الصدر والحرج كان بسبب عدم إيمانهم كما قال الله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون}
ولو أنَّهم آمنوا بما أنزل الله واتّبعوا هداه لهداهم وشرح صدورهم.
- وأيضا في قوله تعالى: {ومن يرد أن يضله..} لو بيّنت أنها إرادة قائمة على الحكمة ومرتبطة بأسبابها ليست إرادة مجردة عن الحكمة والعلم والعدل.

شيماء طه: ب+
- أحسنت بارك الله فيك.
- هذه الآيات سبقتك إليها إحدى زميلاتك، وكان الأولى بك اختيار آيات لم تسبقي إلى تفسيرها.
- أجدت في محاولة تتبع دلالات هذه الآيات على بطلان شبهة المشركين في التعلّق بالقدر، لكنك لو تولي الشبهة الأخرى العناية نفسها.
قولك: (ومنها أن يقال لهم هل عندكم علم صحيح استندتم عليه فعرفتم بمقتضى ذلك العلم أن الله لو شاء لم تشركوا)
ليس هذا هو متعلّق العلم المسؤول عنه فالعلم بأنه لو شاء الله ما أشركوا؛ حقّ قد دلت عليه النصوص، وكان الأولى بك تحرير القول في هذه المسألة حتى تتضح لك ثم تبني احتجاج على ما تحرر لك
فللعلماء قولان في هذه المسألة:
أحدهما: أن المراد هل عندكم من علم بأن الله يرضى عما وقعتم فيه من الشرك.
والثاني: هل عندكم من علم بأنّ الله شاء لكم أن تشركوا قبل أن تقعوا في هذا الشرك بإرادتكم واختياركم.


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 27 محرم 1438هـ/28-10-2016م, 12:09 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

اسلوب الحجاج
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (258)

الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان خلق له عقلاً يستنير به وأرسل إليه رسلاً يبلغون وحيه ، من اجابهم نجى وللخير اهتدى ، ومن أعرض عن نهجهم ضل وبغى
يذكر الله لنا في هذه الآية مثال لمجادلة المشركين لأهل التوحيد ،والغرض منه اثبات وحدانية الله عز وجل ،وإبطال إلاهية غيره لانفراده بالإحياء والإماتة ،وجميع أمور الخلق ،وهذا متواتر في القرآن
كقوله تعالى ((وحاجّه قومه قال أتحاجّوني في الله وقد هدان ))وقال عز من قائل : (( فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله )) ،وفيه دلالة على جواز المناظرة والمجادلة في إثبات العقائد، وهي من مقامات الرسل ،وينبغي لطالب العلم أن يتعلم طرقها لأنها وسيلة نافعة لإيصال العلم والدفاع عن الحق وإنما المنهي عنه الجدال بغير حقّ مكابرة وتعصبا وتلبيساًالباطل بالحق ،ولعظم هذا الأمر وبشاعة المقولة ،افتتحها الله تعالى بقوله (أَلَمْ تَرَ) وذلك لاستحضار المشهد في الذهن وهذا من بلاغة القرآن الكريم في عرض الأمور العجيبة معرض التقرير والإستفهام والمقصود به التعجب من أمر هذا الكافر الذي آل به غروره وبطره أن يجادل في أمرٍ لا مجال للتشكيك فيه وهو وجود الله عز وجل،فشبهةُ هذا المجادل واضحة حملها عليه طغيانه وتفرده بالملك مدة طويلة كما قال تعالى ((كلاّ إنّ الإنسان ليطغى * إن راه استغنى )) والذي ينبغي على المجادل أن يعلمه عن خصمه الشبه التي يثيرها ،هل هي عن علم واقتناع ، أم سبهها حبُ شهرة، أم طغيان ،ليكون الرّدُ عليه بما يناسبه ، ونلحظ هذا في موقف نبيّ الله ابراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، رد عليه بما يناسب حاله التي غلب عليها الطغيان حيث لم يمضي في نقض حجته التي ذكرهاحيث لا فائدة من ذلك، لأن من عنده ذرة عقل لايمكن إن يقبل بها،وإنما أنهى الحوار معه بحجة دامغة لا يستطيع ردها افحمه بها، وهي أن يأت بالشمس من المغرب ،فكان حاله كما ذكره الله تعالى (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ) أى غُلب وقهر وتحير وانقطع حجاجه ولم يستطع أن يتكلم لإنه فوجئ بما لايملك دفعه، وبمثل هذه الحجة الدامغة ينقطع الخصم وتبطل حججه ، وأورد هنا كلاماً لإبن القيم حول هذه الآية حيث قال ((تضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله " ، وفي ختام الآية بنفي الهداية عن القوم الظالمين إشارة إلى أن الظلم حائل بين صاحبه وبين التنازل إلى الحقّ وإلى النظر فيه ،وكذلك أن صاحب العدل حريٌّ إلى أن يُهدي ويسدد، ولهذا قال شيخ الإسلام "ابن تيمية" في العقيدة الواسطية (( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق))

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 04:56 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
اسلوب الحجاج
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (258)

الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان خلق له عقلاً يستنير به وأرسل إليه رسلاً يبلغون وحيه ، من اجابهم نجى وللخير اهتدى ، ومن أعرض عن نهجهم ضل وبغى
يذكر الله لنا في هذه الآية مثال لمجادلة المشركين لأهل التوحيد ،والغرض منه اثبات وحدانية الله عز وجل ،وإبطال إلاهية غيره لانفراده بالإحياء والإماتة ،وجميع أمور الخلق ،وهذا متواتر في القرآن
كقوله تعالى ((وحاجّه قومه قال أتحاجّوني في الله وقد هدان ))وقال عز من قائل : (( فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله )) ،وفيه دلالة على جواز المناظرة والمجادلة في إثبات العقائد، وهي من مقامات الرسل ،وينبغي لطالب العلم أن يتعلم طرقها لأنها وسيلة نافعة لإيصال العلم والدفاع عن الحق وإنما المنهي عنه الجدال بغير حقّ مكابرة وتعصبا وتلبيساًالباطل بالحق ،ولعظم هذا الأمر وبشاعة المقولة ،افتتحها الله تعالى بقوله (أَلَمْ تَرَ) وذلك لاستحضار المشهد في الذهن وهذا من بلاغة القرآن الكريم في عرض الأمور العجيبة معرض التقرير والإستفهام والمقصود به التعجب من أمر هذا الكافر الذي آل به غروره وبطره أن يجادل في أمرٍ لا مجال للتشكيك فيه وهو وجود الله عز وجل،فشبهةُ هذا المجادل واضحة حملها عليه طغيانه وتفرده بالملك مدة طويلة كما قال تعالى ((كلاّ إنّ الإنسان ليطغى * إن راه استغنى )) والذي ينبغي على المجادل أن يعلمه عن خصمه الشبه التي يثيرها ،هل هي عن علم واقتناع ، أم سبهها حبُ شهرة، أم طغيان ،ليكون الرّدُ عليه بما يناسبه ، ونلحظ هذا في موقف نبيّ الله ابراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، رد عليه بما يناسب حاله التي غلب عليها الطغيان حيث لم يمضي في نقض حجته التي ذكرهاحيث لا فائدة من ذلك، لأن من عنده ذرة عقل لايمكن إن يقبل بها،وإنما أنهى الحوار معه بحجة دامغة لا يستطيع ردها افحمه بها، وهي أن يأت بالشمس من المغرب ،فكان حاله كما ذكره الله تعالى (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ) أى غُلب وقهر وتحير وانقطع حجاجه ولم يستطع أن يتكلم لإنه فوجئ بما لايملك دفعه، وبمثل هذه الحجة الدامغة ينقطع الخصم وتبطل حججه ، وأورد هنا كلاماً لإبن القيم حول هذه الآية حيث قال ((تضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله " ، وفي ختام الآية بنفي الهداية عن القوم الظالمين إشارة إلى أن الظلم حائل بين صاحبه وبين التنازل إلى الحقّ وإلى النظر فيه ،وكذلك أن صاحب العدل حريٌّ إلى أن يُهدي ويسدد، ولهذا قال شيخ الإسلام "ابن تيمية" في العقيدة الواسطية (( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق))
الدرجة: أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
ولو فسّرتِ معنى كلام النمروذ بأنه يحي ويميت ليكون الكلام أكثر وضوحا، وسمّيتِ أدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآية.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 14 صفر 1439هـ/3-11-2017م, 09:20 AM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 727
افتراضي

رسالة تفسيرية بأسلوب الحجاج
قال تعالى :﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ۝ قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ ۝ قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ ۝ أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ ۝ أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ ۝ قالوا أَجِئتَنا لِنَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤُنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ۝ قالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلونَني في أَسماءٍ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ فَانتَظِروا إِنّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرينَ﴾ [الأعراف: 65-71]
ذكر الله قصص الأمم البائدة في القرآن الكريم لعدة أغراض منها :تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ،وليكون مصيرهم عبرة لمن خلفهم ، ولإظهار طريقة محاجة الباطل وكيف أن الباطل زاهق أمام الحق ؛ لينهج الدعاة نهج الأنبياء وكلهم ثقة أن الغلبة والنصرة لا تكون إلا للحق وأن الباطل يزول سريعاً بالحجة الدامغة له .ومن هذه القصص التي يظهر فيها اسلوب محاجة الباطل جليا :قصة هود .وردت هذه القصة في سورة الأعراف، وهود، والمؤمنون، والشعراء، والأحقاف. وفي سورة فصلت، والذاريات، والقمر، والحاقة، والفجر. وقد سميت سورة كاملة بسورة هود، ممايدل على أهمية تدبر هذه السورة وأخذ العبر منها .
وأحداث القصة كما وردت في الأعراف كالتالي :
-قوله تعالى :﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ۝ )
بعد أن ذكر الله تكذيب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم ،وبين لهم بالحجج والبراهين ما يدل على ألوهيته سبحانه ،بين لهم أن دعوة الرسل للتوحيد هي دعوة أزلية بعث بها الكثير من الرسل قبله صلى الله عليه وسلم وبين لهم مصير هذه الأمم المكذِّبة كأمة عاد .وهي أمة من مجموعة قبائل عربية شديدة قوية أصحاب حضارة .كانوا يعيشون في منطقة تسمى الأحقاف وتسميتهم نسبة إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح .
أغترت هذه الأمة بقوتها ،وبما وصلت اليه من الحضارة فسطت ،وتجبرت على الضعفاء من حولها ،وعبدت الأصنام فأرسل الله اليهم هوداً عليه الصلاة والسلام ليعيدهم إلى رشدهم وينذرهم عذاب ربهم فيتعظوا وينيبوا ،ودعاهم مدة طويلة من الزمن حاججهم فيها وبين لهم بطلان عبادتهم ،ونتائج أعمالهم ،وبذل في دعوتهم أقصى جهده ،واستخدم معهم شتى الأساليب فتارة يظهر لهم شفقته وخوفه عليهم (أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ )وجاءت كلمة أخاهم في بداية القصة لتعزز هذه الشفقة وتظهرها فهو من ذوي نسب قومه،وتارة يبكتهم بعد أن بين لهم العلة من بعثه لهم ؛ليعودوا لرشدهم ولتتحرك قلوبهم الميتة ،وتتنبه لما فيه خير لهم .فجملة (أفلا تتقون)استفهامية إنكارية ،ينكر عليهم شركهم ويتوعدهم بقوة الله وقدرته عليهم إذا لم يستجيبوا :(قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ).
فما كان جوابهم له إلاجواب العاحز الذي لايملك حجة غير الكبر والاستهزاء والسخرية حيث قالوا :( قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ)اتهموه بالسّفاهة وهي سخافة العقل.كما اتهموه بالكذب تعنتاً واستكباراً.وجملة (الملأ الذين كفروا )تدل بمفهوم المخالفة أن هناك ملأ مؤمنين. وكأن هذا خطاب لكفار قريش أن الإسلام لا يمنع من المكانة والوجاهة فإذا أمنتم كنتم ملأ مؤمنون .
فكان جواب هود عليه السلام بالمنع ونفي التهمة عن نفسه ولإبطال حجتهم الفاسدة الواهية ؛علل لهم كونه رسول رب العالمين ليبلغهم رسالة التوحيد ،وذكرهم بنعم الله عليهم ،وأنه صاحب الفضل المستحق وحده للعبادة :(أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ) ؛فهو ينقض لهم إنكارهم بإرسال رسول من البشر ويكشف لهم زيغهم أن هذا لطف الله بهم أنه منهم ليشعر بشعورهم ويشفق عليهم وليفهموا كلامه فيتعظوا بإنذار الله لهم فيتبعوا ما أنزل عليهم ليحققوا الفوز في الدنيا والآخرة .
لكن هذا التذكير لم يزيدهم إلا إصراراًفي تعنتهم وعناداً واستكباراً ؛فاحتجوا كعادة حججهم الواهية بتقاليدهم، ومن جهلهم المدقع أنهم أرادوا أن يكون عقابهم هو الحكم بينهم :(قالوا أَجِئتَنا لِنَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤُنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ).وتشابهت هذه الحجة مع حجة مشركي قريش حيث طلبوا إنزال العقوبة عليهم لبيان صدقه صلى الله عليه وسلم : ﴿وَإِذ قالُوا اللَّهُمَّ إِن كانَ هذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ [الأنفال: 32]
وعندما انقطعت به السبل ،ويأس منهم ،انتقل إلى توعدهم بالعذاب وأنه واقع لا محالة ،كما أبطل عبادتهم بأن هذه الأسماء التي سميتم بها أصنامكم أنتم من وضعها ؛فهي لا تملك شيء غير هذه الأسماء كما أنها غير قادرة على تحقيق أي من هذه الأسماء ،وواجههم بما سيؤول إليه مصيرهم :(قالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلونَني في أَسماءٍ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ فَانتَظِروا إِنّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرينَ﴾.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 09:37 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية بأسلوب الحجاج
قال تعالى :﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ۝ قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ ۝ قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ ۝ أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ ۝ أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ ۝ قالوا أَجِئتَنا لِنَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤُنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ۝ قالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلونَني في أَسماءٍ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ فَانتَظِروا إِنّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرينَ﴾ [الأعراف: 65-71]
ذكر الله قصص الأمم البائدة في القرآن الكريم لعدة أغراض منها :تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ،وليكون مصيرهم عبرة لمن خلفهم ، ولإظهار طريقة محاجة الباطل وكيف أن الباطل زاهق أمام الحق ؛ لينهج الدعاة نهج الأنبياء وكلهم ثقة أن الغلبة والنصرة لا تكون إلا للحق وأن الباطل يزول سريعاً بالحجة الدامغة له .ومن هذه القصص التي يظهر فيها اسلوب محاجة الباطل جليا :قصة هود .وردت هذه القصة في سورة الأعراف، وهود، والمؤمنون، والشعراء، والأحقاف. وفي سورة فصلت، والذاريات، والقمر، والحاقة، والفجر. وقد سميت سورة كاملة بسورة هود، ممايدل على أهمية تدبر هذه السورة وأخذ العبر منها .
وأحداث القصة كما وردت في الأعراف كالتالي :
-قوله تعالى :﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ۝ )
بعد أن ذكر الله تكذيب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم ،وبين لهم بالحجج والبراهين ما يدل على ألوهيته سبحانه ،بين لهم أن دعوة الرسل للتوحيد هي دعوة أزلية بعث بها الكثير من الرسل قبله صلى الله عليه وسلم وبين لهم مصير هذه الأمم المكذِّبة كأمة عاد .وهي أمة من مجموعة قبائل عربية شديدة قوية أصحاب حضارة .كانوا يعيشون في منطقة تسمى الأحقاف وتسميتهم نسبة إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح .
أغترت هذه الأمة بقوتها ،وبما وصلت اليه من الحضارة فسطت ،وتجبرت على الضعفاء من حولها ،وعبدت الأصنام فأرسل الله اليهم هوداً عليه الصلاة والسلام ليعيدهم إلى رشدهم وينذرهم عذاب ربهم فيتعظوا وينيبوا ،ودعاهم مدة طويلة من الزمن حاججهم فيها وبين لهم بطلان عبادتهم ،ونتائج أعمالهم ،وبذل في دعوتهم أقصى جهده ،واستخدم معهم شتى الأساليب فتارة يظهر لهم شفقته وخوفه عليهم (أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ )وجاءت كلمة أخاهم في بداية القصة لتعزز هذه الشفقة وتظهرها فهو من ذوي نسب قومه،وتارة يبكتهم بعد أن بين لهم العلة من بعثه لهم ؛ليعودوا لرشدهم ولتتحرك قلوبهم الميتة ،وتتنبه لما فيه خير لهم .فجملة (أفلا تتقون)استفهامية إنكارية ،ينكر عليهم شركهم ويتوعدهم بقوة الله وقدرته عليهم إذا لم يستجيبوا :(قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ ).
فما كان جوابهم له إلاجواب العاحز الذي لايملك حجة غير الكبر والاستهزاء والسخرية حيث قالوا :( قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ)اتهموه بالسّفاهة وهي سخافة العقل.كما اتهموه بالكذب تعنتاً واستكباراً.وجملة (الملأ الذين كفروا )تدل بمفهوم المخالفة أن هناك ملأ مؤمنين. وكأن هذا خطاب لكفار قريش أن الإسلام لا يمنع من المكانة والوجاهة فإذا أمنتم كنتم ملأ مؤمنون .
فكان جواب هود عليه السلام بالمنع ونفي التهمة عن نفسه ولإبطال حجتهم الفاسدة الواهية ؛علل لهم كونه رسول رب العالمين ليبلغهم رسالة التوحيد ،وذكرهم بنعم الله عليهم ،وأنه صاحب الفضل المستحق وحده للعبادة :(أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ) ؛فهو ينقض لهم إنكارهم بإرسال رسول من البشر ويكشف لهم زيغهم أن هذا لطف الله بهم أنه منهم ليشعر بشعورهم ويشفق عليهم وليفهموا كلامه فيتعظوا بإنذار الله لهم فيتبعوا ما أنزل عليهم ليحققوا الفوز في الدنيا والآخرة .

لكن هذا التذكير لم يزيدهم إلا إصراراًفي تعنتهم وعناداً واستكباراً ؛فاحتجوا كعادة حججهم الواهية بتقاليدهم، ومن جهلهم المدقع أنهم أرادوا أن يكون عقابهم هو الحكم بينهم :(قالوا أَجِئتَنا لِنَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤُنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ).وتشابهت هذه الحجة مع حجة مشركي قريش حيث طلبوا إنزال العقوبة عليهم لبيان صدقه صلى الله عليه وسلم : ﴿وَإِذ قالُوا اللَّهُمَّ إِن كانَ هذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ [الأنفال: 32]
وعندما انقطعت به السبل ،ويأس منهم ،انتقل إلى توعدهم بالعذاب وأنه واقع لا محالة ،كما أبطل عبادتهم بأن هذه الأسماء التي سميتم بها أصنامكم أنتم من وضعها ؛فهي لا تملك شيء غير هذه الأسماء كما أنها غير قادرة على تحقيق أي من هذه الأسماء ،وواجههم بما سيؤول إليه مصيرهم :(قالَ قَد وَقَعَ عَلَيكُم مِن رَبِّكُم رِجسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلونَني في أَسماءٍ سَمَّيتُموها أَنتُم وَآباؤُكُم ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِن سُلطانٍ فَانتَظِروا إِنّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرينَ﴾.


بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أثني على حسن أسلوبكِ وملكتكِ في الكتابة، زادكِ الله من فضله.
الملحوظة على الرسالة هي الاختصار في بيان الشبهة والردود عليها؛ فالشبهة هنا هي اتهام الرسول بالسفاهة والكذب، والرد كان في عدة نقاط منها :
1: أن الدعوة التي جاء بها هود عليه السلام ليست سفاهة وإنما هي رسالة رب العالمين إليهم.
2: إثبات وجود رب العالمين؛ فهو ليس خاصًا بفئة دون فئة وإنما هو ربي وربكم ورب العالمين واتضح ذلك من قول : { رب العالمين } { رسالات ربي } { ذكرٌ من ربكم }
3: كونه رب العالمين يقتضي أن يرسل رسولا ليبلغ عباده رسالاته إليهم؛ فهذا من مقتضى معنى الربوبية.
4: في اتهامهم لهم بالكذب، رد عليهم بأنه { وأنا لكم ناصحٌ أمين }؛ فكلامه لهم نصحٌ ، ويحمله عليه الأمانة؛ فإن كذبوا ذلك رده قوله :{ رجلٌ منكم } فهو منهم يعرفونه ويعرفون حاله قبل أن يأتي بهذه الرسالة.
5: أنه إن لم يحملهم الإقبال على رب العالمين على قبول رسالته فليحملهم قوله :{ لينذركم }
6: ما ذكرهم به من أحوال الأمم السابقة.
7: ما ذكرهم به من الآيات الملموسة لديهم في وقتهم هذا، ونعم الله عليهم.

التقويم : ج
بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir