كتابُ الطلاقِ
وهو في اللُّغَةُ: التَّخْلِيَةُ، يُقالُ: طَلَقَتِ النَّاقةُ. إذا سَرَحَتْ حيثُ شَاءَتْ، والإطلاقُ: الإرسالُ، وشَرْعاً: حَلُّ قَيْدِ النكاحِ أو بَعْضِه، (يُباحُ) الطلاقُ (لِلْحَاجَةِ)؛ كسُوءِ خُلُقِ المرأةِ والتضرُّرِ بها معَ عدمِ حُصُولِ الغَرَضِ، (ويُكْرَهُ) الطلاقُ (لِعَدَمِها)؛ أي: عندَ عدمِ الحاجةِ؛ لحديثِ: ((أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللهِ الطَّلاَقُ))؛ ولاشتمالِهِ على إزالةِ النكاحِ المُشْتَمِلِ على المصالِحِ المندوبِ إليها، (ويُسْتَحَبُّ للضررِ)؛ أي: لِتَضَرُّرِها باستدامةِ النِّكاحِ في حالِ الشِّقاقِ وحالِ تَحَوُّجِ المرأةِ إلى المُخَالَعَةِ؛ لِيَزُولَ عنها الضررُ، وكذا لو تَرَكَتْ صلاةً أو عِفَّةً أو نَحْوَهما، وهي كالرجلِ، فيُسَنُّ أنْ تَخْتَلِعَ إنْ تَرَكَ حَقًّا للهِ تعالَى، (ويَجِبُ) الطلاقُ (للإيلاءِ) على الزوجِ المُولِي إذَا أَبَى الفَيْئَةِ.
(ويَحْرُمُ للبِدْعَةِ), ويأتي بيانُه، (ويَصِحُّ من زَوْجٍ مُكَلَّفٍ و) زوجٍ (مُمَيِّزٍ بعَقْلِهِ)؛ أي: الطلاقُ؛ بأَنْ يَعْلَمَ أنَّ النِّكَاحَ يَزُولُ به؛ لِعُمُومِ حديثِ: ((إِنَّمَا الطَّلاَقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ)) وتَقَدَّمَ. (ومَن زالَ عَقْلُه معذوراً) كمجنونٍ ومُغْمًى عليهِ، ومن به بِرْسَامٌ أو نشافٌ, ونَائِمٍ، ومَن شَرِبَ مُسْكِراً كُرْهاً, أو أَكَلَ بِنْجاً ونَحْوَه لِتَدَاوٍ أو غيرِهِ (لم يَقَعْ طَلاقُه)؛ لقولِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كُلُّ الطلاقِ جائزٌ إلاَّ طَلاَقَ المَعْتُوهِ). ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ في صحيحِهِ، (وعكسُه الآثِمُ), فيَقَعُ طلاقُ السكرانِ طَوْعاً، ولو خَلَطَ في كلامِه أو سَقَطَ تَمْيِيزُه بينَ الأعيانِ، ويُؤَاخَذُ بسائرِ أقوالِه، وكلُّ فعلٍ يُعْتَبَرُ له العقلُ؛ كإقرارٍ, وقَذْفٍ, وقتلٍ, وسَرِقَةٍ. (ومَن أُكْرِهَ عليهِ)؛ أي: على الطلاقِ (ظُلماً)؛ أي: بغيرِ حقٍّ, بخلافِ مُولٍ أَبَى الفَيْئَةَ, فأَجْبَرَهُ الحاكِمُ (بإيلامٍ)؛ أي: بعُقوبةٍ؛ مِن ضربٍ أو خَنْقٍ أو نَحْوِهما، (له)؛ أي: للزوجِ، (أو لِوَلَدِهِ, أو أَخْذِ مالٍ يَضُرُّه، أو هَدَّدَهُ بأَحَدِها)؛ أي: أحدِ المذكوراتِ من إيلامٍ له أو لولدِه، أو أخذِ مالٍ يَضُرُّه, (قادِرٌ) على ما هَدَّدَهُ بهِ بسُلْطةٍ أو تَغَلُّبٍ؛ كلِصٍّ ونحوِهِ، (يَظُنُّ) الزوجُ (إيقاعَه)؛ أي: إيقاعَ ما هَدَّدَهُ (به، فطَلَّقَ تَبَعاً) لقولِهِ - لم يَقَعِ الطلاقُ؛ حيثُ لم يُرْفَعْ عنه ذلكَ حتى يُطَلِّقَ؛ لحديثِ عَائِشَةَ مرفوعاً: ((لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ)). رَوَاهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ وابنُ ماجَهْ. والإغلاقُ: الإكراهُ.
ومَن قَصَدَ إيقاعَ الطلاقِ دونَ دفعِ الإكراهِ, وَقَعَ طلاقُه، كمَن أُكْرِهَ على طَلْقَةٍ, فطَلَّقَ أكثرَ، (ويَقَعُ الطلاقُ) بائناً- لا الخُلْعُ- (في نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فيهِ)؛ كبِلاَ وَلِيٍّ, ولو لم يَرَهُ مُطَلِّقٌ، ولا يَسْتَحِقُّ عِوَضاً سُئِلَ عليه، ولا يَكُونُ بِدْعِيًّا في حَيْضٍ، (و) يَقَعُ الطلاقُ (مِن الغضبانِ) ما لم يُغْمَ عليهِ كغيرِهِ.
(ووكيلُه)؛ أي: الزوجِ في الطلاقِ (كهو)، فيَصِحُّ توكيلُ مكلَّفٍ ومُمَيِّزٍ يَعْقِلُه، (ويُطَلِّقُ) الوكيلُ (واحدةً) فقطْ، (و) يُطَلِّقُ في غيرِ وقتِ بِدْعَةٍ (مَتَى شاءَ، إلاَّ أنْ يُعَيِّنَ لَهُ وَقتاً وعَدَداً), فلا يَتَعَدَّاهما، ولا يَمْلِكُ تعليقاً إلاَّ بجَعْلِهِ له. (وامْرَأَتُه) إذا قالَ لها: طَلِّقِي نَفْسَكِ. (كوكيلِهِ في طلاقِ نفسِها)، فلها أنْ تُطَلِّقَ نفسَها طَلْقَةً متَى شَاءَتْ، ويَبْطُلُ بِرُجُوعٍ.