القارئ: قال –رحمه الله تعالى-: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، ولا ننزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا، ولا نشهد عليهم بكفر, ولا بشرك, ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيءٌ من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى].
الشيخ: قال –رحمه الله تعالى-: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم] هذه الجملة يريد بها تقرير ما دلت عليه الأدلة العامة، والخاصة في أن الصلاة عند أهل الأثر، أتباع الصحابة –رضوان الله عليهم- تقام خلف كل إمام إمام عام, وهو ولي الأمر، أو إمام خاص, وهو إمام المسجد، سواء أكان براً أو كان فاجرًا, إذا كان من أهل التوحيد,
يعني: من أهل القبلة, وهذا يريد به مخالفة من ضلوا عن سبيل السلف، فيمن لم يصلوا إلا خلف من يماثلهم في العقيدة, أو يماثلهم في العمل، أو يكون سليماً من الفجور, يعني: لا يصلون إلا خلف من يعلمون بره وتقواه, ونحو ذلك. وهذا صنيع الخوارج, وكل أنواع المتعصبة من الضُّلاَّل من أهل الفرق جميعاً، وكل فرقة من الفرق، تكفر الفرقة الأخرى, أو تضللها, ولا يرون الصلاة خلف الآخرين، ولو كانوا مبتدعة أو كانوا فجارًا؛
فإنهم يقولون: لا نصلي إلا خلف من نعلم دينه, أو خلف من هو مثلنا في الاعتقاد, بل زاد الأمر حتى صار أصحاب المذاهب المتبوعة، الشافعية، الحنفية، والمالكية، لا يصلي أحدًا منهم إلا خلف من كان على مثل مذهبه الفقهي, وهذا مخالف لهدي السلف الصالح، في أعظم مخالفة في مسائل البدع والاعتقاد، ومسائل الفقه كذلك, مخالفتها شنيعة جداً, وكذلك يرون الصلاة على كل ميت من أهل القبلة, ما دام أنه مات على التوحيد، ولم يعرف بكفر أو نفاق, وتحت هذه الجملة مباحث
الأول: الصلاة خلف الإمام الأعظم أو الأمير الخاص هذه سنة ماضية, دلّ عليها كتاب الله جلا وعلا، دل عليها سنة النبي r, ودل عليها عمل السلف الصالح, أما السنة فقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- كما في البخاري وغيره، أنه ذكر الأئمة والأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فقال: ((يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)).
وكان السلف، إذا صلوا خلف من يعلمون فجوره فإنهم لا يفارقونه لأجل فجوره، كما صح عن ابن مسعود -t- أنه صلى خلف أمير الكوفة الفجر, وصلاها أربع، فقال ذاك الأمير: أزيدكم –يعني: هل أنا نقصت من الصلاة- وكان في سكره، فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك في زيادة، فلم يحمله فعل الكبيرة -شرب الخمر, وما ظهر من أمارتها من تضييع عدد الركعات- من ألا يصلي خلفه؛ لأن مصلحة الاجتماع وعدم التفرق عن الأمير أعظم من هذه المصلحة الخاصة, كذلك لما أُمِّر الحجاج بن يوسف الثقفي على الحج في سنة من السنوات من قبل خلفاء بني أمية, وحج بالناس، فجاء يوم عرفة, وكان ابن عمر هو مفتي الحج بأمر الأمير –بأمر ولي الأمر- فجاءه ابن عمر, جاء للحجاج, وقال له: اخرج إلى الصلاة، لما قرب الزوال؛ لأن هذه هي السنة أن يصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً في أول وقت الظهر، فقال: اخرج إلى الصلاة، فقال: أفي هذه الساعة يا أبا عبدالرحمن؟! يقولها الحجاج بن يوسف الثقفي، لعبدالله بن عمر، قال: نعم. أترغب عن السنة؟!
فخرج فصلى الحجاج، وصلى خلفه ابن عمر، وصلى وراءه المسلمون.
وهذه أيضًا ثبتت عن أنس في صلاته خلف الحجاج, وعدد من الصحابة –رضوان الله عليهم- وجمع كثير من التابعين صلوا خلف من يعلمون فجوره، ويعلمون إسرافه بقتل أو معاصٍ كبائر، ونحو ذلك.
فالصلاة خلف هؤلاء سنة ماضية, وعمل للسلف، لذلك صار من المتقرر في قواعد أهل السنة والجماعة أن يصلي المرء خلف الإمام، على أي حالٍ كان, ما دام أنه مسلم ويصلي خلف الأمير الأمير العام أمير البلد, ويصلي خلف الأمير المقيد–أيضا- أمير السفر أو أمير الحج، أو المسؤول، أو نحو ذلك؛ لأن مصلحة الاجتماع مطلوبة والخلاف شر.
وهذه صارت سنة ماضية لأهل السنة والجماعة.
المسألة الثانية: (مداخلة غير مهمة بخصوص عدد من المسائل)
المسألة الثانية: مما نص عليه السلف -أيضًا- في هذا الأصل أن الصلاة نراها ونفعلها خلف كل إمام بر أو فاجر, أو أيضًا ممن نجهل عقيدتهم,وقد بدع الأئمة الأربعة وأئمة السلف من قال: لا أصلي خلف أحد إلا بعد أن أعلم عقيدته، بل يصلي خلف مستور الحال ومن لا نعلم حاله, ولا نبحث، ولا نمتحن الناس في عقيدتهم قبل الصلاة، ونرى هل هو موافق أم ليس بموافق؟ هل هو مبتدع أم ليس بمبتدع؟! نرى ظاهر الأمر، وظاهر الأمر ما دام أنه السلامة؛ فإننا نصلي خلفه دون بحث. فإذن على هذا الأصل لا يجوز امتحان الناس في عقيدتهم عند إرادة الصلاة, ولا بحث أمر الباطن وإثارة الباطن؛ لأن الأصل الظاهر, وهذا هو الذي نص عليه الأئمة الأربعة وجماعة كثيرون من أئمة السلف, وقرره المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وجامعة.
المسألة الثالثة: قوله:"خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة". هذا إذا كان إماماً مرتباً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل, أما إذا كان في سعة في أن يختار من هو أمثل لصلاته وإمامته؛ فإنه يتعين عليه أن يصلي خلف الأقرأ ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)).
وهذا في حال الاختيار، يعني: جماعة موجودون من يقدموا؟! تقدم رجل يعرف عنه فجور, فيقال له: تأخر؛ لأنه ليس بإمام للمسلمين، وليس أميرًا وليس إماماً راتباً في هذا المسجد أوفي هذا المكان، فلم يتقدم, فتقديمه والرضا بذلك هذا نوع قصور، بل مخالفة لأمر النبي r، وهذه المسائل ما فيها حياء، ولا فيها مجاملات, يعني: إذا كان الأمر في الاختيار ما تجعل أحدًا يتقدم ممن هو معروف بفجور, أو بدعة, أو مخالفات, أو كبائر أو نحو ذلك من المسائل؛ لأن هذا الإمام هو بين يدي الله –جلا وعلا- وهو مقدم الوفد بين يدي الله -I-.
فهو الذي يدعو لهم، ويؤمهم, فلا يجامل في هذه المسائل.
مما يتصل بذلك أيضًا إذا كان.. إذا كانت صلاة الجماعة وإذا ترك هذا المسجد فإنه يجد مسجداً آخر فيه إمام أسلم له في دينه وأتبع؛ فإنه يذهب يصلي خلف الأسلم؛ لأن هذا مما فيه السعة, يعني: لم يتعين عليه, أو ليس ثم مفسدة أن يصلي خلف هذا, بخلاف ما إذا كان هذا الإمام أمير البلد, أو ولي الأمر أو نحو ذلك، فإن التخلف عنه يثير مفسدة, والأصل الجواز.
المسألة الرابعة: على قوله:"نرى الصلاة على من مات منهم". يعني من مات من أهل القبلة، أهل القبلة هم من يوصفوا بالإسلام، والذين يوصفون بالإسلام أنواع:
الأول: المؤمنون الصالحون.
والثاني: مسلم له فجور بمعاصٍ مختلفة.
والثالث: مسلم له فجور بمعاصٍ خاصة يأتي بيانها.
والرابع: المنافق.
أما القسم الأول: فالصلاة على من مات منهم قربة وحق، في أنه إذا مات المسلم المسدد أن يصلى عليه, وأن تشهد الصلاة عليه, وأن تشهد جنازته؛ لأن هذا من حق المسلم على المسلم.
والقسم الثاني: أن تكون الصلاة على من له فجور عام –يعني المعاصي [المختلفة-، وممن خلط عملاً صالحًا، وآخر سيئاً وعرف بذلك في معاصٍ مشهورة عنه, فهذا يصلى أيضًا عليه بإطلاق, ولا يشرع التخلف عن الصلاة عليه إذا كان غير داع ومعلنٍ لهذا الفجور بدعوة غيره إليه.
والحالة الثالثة أو القسم الثالث من أهل الإسلام: هو من له فجور بكبائر خاصة، وهي التي جاء الدليل بأن يترك طائفة الصلاة عليه، مثل: الغال, ومثل: من قتل نفسه، وأشباه هذه الذنوب, ومن أقيم عليه الحد حد القتل وأشباه ذلك, هذا يصلي عليه بعض المسلمين, ويترك الصلاة عليه أهل الشارة والعلم، كما جاءت بذلك السنة عن النبي r.
القسم الرابع: أهل النفاق، والنفاق قسمان؛ [نفاق يعلمه كل أحد][1], وهذا لا يكون في المسلمين؛ لأنه يكون زنديًقًا, يعني: معلن الاستهزاء بالله –جلا وعلا- في كتبه, أو في قصائده أو نحو ذلك، معلن عدم الإيمان بالقرآن ولا بالمعاد، وأشباه ذلك، فهذه زندقة ظاهرة.
والقسم الثاني نفاق خفي، يعلمه البعض ولا يعلمه البعض.
أما القسم الأول وهو الظاهر؛ فإنه لا يجوز الصلاة على من كان زنديقاً، أو منافقاً وذلك لقول الله -جلا وعلا-: ] اسْتَغْفِرْ لَهُمْ – في المنافقين- أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ… [ إلى آخر الآية.
وقال -جلا وعلا- أيضاً لنبيه: ] وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [.
ومن كان معلوماً ظاهرا النفاق منه الزندقة محاربة الدين، والزندقة الظاهرة، الكفر الظاهر، مما يكون معه المرء منافقاً خالص النفاق، فهذا لا يصلى عليه، ويجب على المسلمين ألا يصلوا عليه؛ لأنه حينئذ لا يكون من أهل القبلة في الوصف العام. والقسم الثاني من نفاقه ملتبس، هل هو منافق، أم ليس بمنافق؟!
فهذا من علم نفاقه بيقين، له ألا يصلي عليه, إذا حضر في المسجد أو نحو ذلك, فإنه إذا علم النفاق نفاقه بيقين؛ فإنه لا يصلي عليه, ويترك البقية، يصلون؛ لأن الصلاة عليه هي باعتبار الإسلام الظاهر, ولم يظهر منه ما يخالف هذا الأصل.
ويدل على ذلك أن عمر -t- كان لا يصلي على من لا يعلم حاله إلا إذا صلى عليه حذيفة؛ لأن حذيفة ابن اليمان -t- أخبره النبي r بأسماء المنافقين، فكان عمر ابن الخطاب الخليفة الراشد ينظر هل يصلي عليه حذيفة، أم لا يصلي عليه؟
فإن صلى عليه حذيفة أو توجه للصلاة عليه أو لم يحكم عليه؛ فإنه يصلي عليه، وهذا يدل على التفريق في هذه المسائل ما بين ما يعلم، وما لا يعلم، ما يعلم من حال المنافق وما لا يعلم, فمن علم حاله لم يصل عليه، ومن لم يعلم؛ فإنه يصلي عليه، ولا يلزم من علم أن يعلن وينهى الآخرين عن الصلاة عليه؛ لأن الأصل هو ظاهر الإسلام.
قد قرر الأئمة من أهل السنة أن المنافق له أحكام المسلمين؛ لأن له حكم الإسلام الظاهر، فيرث ويورث, ويصلي عليه من لا يعلم حاله، ونحو ذلك مما هو من آثار الإسلام الظاهر.
الشيخ: هل هو منافق، أم ليس بمنافق؟ فهذا من علم نفاقه بيقين، له ألا يصلي عليه , إذا حضر في المسجد أو نحو ذلك، فإنه إذا علم النفاق، نفاقه بيقين فإنه لا يصلي عليه , ويترك البقية يصلون؛ لأن الصلاة عليه هي باعتبار الإسلام الظاهر , ولم يظهر منه ما يخالف هذا الأصل , ويدل على ذلك أن عمر -t- كان لا يصلي على من لا يعلم حاله إلا إذا صلى عليه حذيفة؛ لأن حذيفة بن اليمان -t- أخبره النبي r بأسماء المنافقين، فكان عمر بن الخطاب الخليفة الراشد ينظر هل يصلي عليه حذيفة، أم لا يصلي عليه؟ فإن صلى عليه حذيفة، أو توجه للصلاة عليه , أو لم يحكم عليه، فإنه يصلي عليه.
وهذا يدل على التفريق في هذه المسائل ما بين ما يعلم، وما لا يعلم، ما يعلم من حال المنافق وما لا يعلم , فمن علم حاله لم يصل عليه، ومن لم يعلم فإنه يصلي عليه، ولا يلزم من علم أن يعلن وينهى الآخرين عن الصلاة عليه؛ لأن الأصل هو ظاهر الإسلام , قد قرر الأئمة من أهل السنة، أن المنافق له أحكام المسلمين؛ لأن له حكم الإسلام الظاهر، فيرث ويورث ويصلي عليه من لا يعلم حاله، ونحو ذلك مما هو من آثار الإسلام الظاهر , نقف عند هذا ونكمل إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم، وفقكم الله لما فيه رضاه.
سؤال: فإذن يكون مرتكب الكبيرة من أهل الوعيد , إلا في حالات , ذكرت منها بعض الذنوب يكون ثم حسنات ذكرتم منها القتل , وقول الله جل وعلا: {فمن تصدق به فهو كفارة له}؟ وجه... سقط... (غير مسموع).
جواب: وجهها الإطلاق , يعني: من تصدق بقتل القاتل فهو كفارة له , والقتل كبيرة , فكفارته كونها تكفر الصغائر غير مناسب , وتكفر ما يقابلها من كبيرة ما , ولهذا قال العلماء في تفسير {فمن تصدق به فهو كفارة له} يعني: فيما يناسب عظم العمل , فذاك قتل , والآن يستحق أن يقتل وأن يسفك دمه , فهو تصدق به , تصدق بتلك النفس , يعني: باستحقاقه القتل {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} واضح؟
سؤال: ثم تصدق صاحب الحق فيكون كفارة لما قبله؟
جواب: كفارة لمن قتل وكفارة للمتصدق , الكفارة هنا هل هي للصغائر؟ الصغائر تكفرها الصلاة الى الصلاة , لكن كفارة لما يناسب؛ لأن عظم الذنب يقابله عظم التكفير.
سائل: (غير مسموع) حق المقتول (غير مسموع)؟
جواب: هو القصاص في الحق يورث , يقول: يورث , يرثه الورثة , فهو حق طبعاً , القتل فلان , قتل فلان , الحق في قتل القاتل لمن؟ للمقتول ـ واضح؟ ـ وهذا الحق يورث كسائر الحقوق , يرثه الورثة , يتضح لك هذا في صورة , وهي ما إذا قتل لكنه ما زهقت نفسه في تلك اللحظة , مكث مثلاً ثلاث ساعات , ثم قال: اقتلوه , لا تعفوا عنه , أنا ما أعفو عنه , فهنا مات , فهل الورثة لهم حق العفو؟ هنا ما ورثوا الحق , فإذن ما ورثوا الحق كاملا , وإنما هذا هو الحق له , فالقتل يجتمع فيه حق الله جل وعلا وحق المقتول وحق الورثة؛ لأنه حق من جنس الحقوق الأخرى التي تورث , وهذا يحمل عليه عند طائفة من العلماء قتل الحسن بن علي رضي الله عنهما عبد الرحمن بن ملجم , عبد الرحمن بن ملجم قتل عليا رضي الله عنه , وباء بإثمه , ثم قتل , وكان في أولاد علي ورثة صغار , والأصل أن الحق يورث فيكون لجميع الورثة , فلابد أن ينتظر بهم , ينظر حتى يبلغوا هل يعفون أو لا يعفون؟ لأن الحق تقسم بين الجميع , فهنا الحسن رضي الله عنه قتل عبد الرحمن بن ملجم , وفي الورثة صغار ما انتظر بهم , لماذا قتل عبد الرحمن بن ملجلم؟ للعلماء فيه توجيهان:
أحدهما: أن عليا رضي الله عنه ما أسقط حقه , بل أمر بقتله قبل وفاته رضي الله عنه وأرضاه.
والقول الثاني: أن الحسن صار إماما , وله أن يعذر بالقتل , ولو بإسقاط حق الورثة.
سؤال: الصلوات الخمس والجمعة ورمضان , هل يكفر الله سبحانه بها الكبائر والصغائر؟ أم لا يكفر إلا الصغائر أما الكبائر فلابد لها من توبة؛ لأن من أهل العلم من يقول بذلك؟
جواب: لا , الحديث نص على أن الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إلى رمضان , أنها مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر , فتكفر الصغائر الصلاة في الجماعة إلى الصلاة في جماعة تكفر ما بينهما من الصغائر , لكن الكبائر لا بد فيها من توبة , وأما من قال: إن هذه الحسنات تكفر الصغائر والكبائر , كابن حزم وغيره فهذا قول باطل , ورد عليه ابن عبد البر في التمهيد رداً جيداً مطولا. نعم. لنكتفي بهذا القدر.
سائل: (غير مسموع) عدم الإصرار على الكبائر(غير مسموع)؟
جواب: لا (ليش)؛ لأن لو كانت الكبيرة تكفر بغير التوبة ما يبقى أحد من أهل القبلة يلحقه وعيد , ولهذا قال ابن رجب رحمه الله في معرض كلام له قال: ومن قال: إن الكبائر تكفر بمثل هذه الأمور , فهذا أشبه بقول المرجئة؛ لأن المؤمن يصلي ويصوم ويحج ويعتمر... إلى آخره , معناه أن كل هذه الأفعال تكفر الكبائر , ومعناه أن أهل الإسلام سيموتون , ولا كبائر معناه أنهم لا يلحقهم , لا يلحق مسلم (إيش؟) وعيد , وعيد , الوعيد ما يلحق مسلم , وهذا أشبه بقول أهل الإرجاء , فالصحيح أن الأحاديث التي فيها تكفير السيئات بفعل الطاعات أن هذا من السيئات الصغائر في بعض الأعمال , خلاف بعض الأعمال مثل الحج , قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) يعني: هذا التمثيل يدخل فيه الصغائر والكبائر.
ولذلك في طائفة من أهل العلم خصوا الحج , قالوا: الحج غير العمرة إلى العمرة , الحج , ((حج فلم يرفث ولم يفسق)) هذا تكفر الكبائر والصغائر , ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم الحج بالجهاد , والجهاد يمحو الله جل وعلا به السيئات؛ لأنه حسنة عظيمة , وهذه فيها خلاف لكن القاعدة أن الحسنات من الصلاة والصيام والجمعة والعمرة الى العمرة , أنها مكفرة للصغائر دون الكبائر , بشرط اجتناب الكبائر لقوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فجعل شرط التكفير اجتناب الكبائر.
ثم هنا اختلف العلماء هل ترك الكبيرة وحده تكفر بها السيئات , أم لابد أنه يترك الكبيرة مع عمل صالح يعني: ترك مع فعل أم الترك وحده مكفر؟ على قولين. والظاهر من قول المحققين أن ترك الكبيرة لا تكفر به السيئات وحده , بل لابد من فعل , يعني: ترك الكبيرة مع الصلاة إلى الصلاة , ترك الكبيرة مع عمرة إلى عمرة , ترك الكبيرة مع رمضان الى رمضان , هكذا , وهذا هو الذي تجتمع به الأدلة. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
سؤال: قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في قوله: شفاعة الشفاعتين شفاعة المنفية والمثبتة؟
جواب: يعني: الله جل وعلا أثبت شفاعة ونفى شفاعة , نفى شفاعة قال: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} , {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} هذه شفاعة منفية , وهناك شفاعة مثبتة وهي في قوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} , {وكم من ملك في السماوات ما تغنني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} , {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} فأثبت شفاعة ونفى شفاعة , فإذن الشفاعة المنفية هي عن أهل الكفر والشرك , والشفاعة المثبتة لمن بشرطين الإذن والرضا , هذا مراد الشيخ.
سائل: أحسن الله إليك يا شيخ , من قال بالقول هذا من حج ولم يرفث (غير مسموع)؟
جواب: له وجاهة (بس) ينبغي إبقاء الوعيد أحسن.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد..,
فهذه بعض الأسئلة بين يدي الدرس؟
سؤال: قال: كيف نجيب على الإشكال في الأحاديث النبوية، التي تذكر دخول الجنة والنار بالفعل الماضي , مثل حديث: ((عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت بها النار)) , هل المقصود عذاب القبر أم ماذا؟
جواب: ما ذكر من العذاب لمن أخبر الله جلا وعلا أنه يعذب في النار، أو يعذب مطلقاً، أو أنه عذب، هذا محمول عند أهل السنة والجماعة على حقيقته؛ فإن الجنة والنار مخلوقتان الآن، لا تفنيان ولا تبيدان , فمن شاء الله جلا وعلا أن يعذبه في النار، من أهل القبلة، أو من استحق النار، من أهل الشرك والضلال، فهو إذا مات في النار , وهو في قبره يكون معذباً في النار , والقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، قد قال جلا وعلا في سورة غافر، لما ذكر عذاب آل فرعون قال: ] النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [ , فدلت الآية على أن عذاب أولئك في النار حاصل في زمنين: الآن وبعد قيام الساعة , وكلها على حقيقتها يعذبون في النار؛ لأن الواجب الأخذ بالظاهر، وهذه أمور غيبية، والنار مخلوقة والجنة مخلوقة، والنعيم في الجنة حاصل الآن، والعذاب في النار حاصل الآن.
لكن ينبغي أن يفهم أن العذاب في البرزخ يختلف عن العذاب في الآخرة؛ وهو أن العذاب في البرزخ يقع على الروح، والبدن تبع , كما أن النعيم في البرزخ للروح، والبدن تبع , وأما بعد قيام الساعة، فإن النعيم والعذاب للإنسان بروحه وبدنه جميعًا في أكمل تعلق بينهما , ويوضح ذلك أن الأحاديث جاء فيها ذكر نسمة المؤمن، وروح المؤمن أنها في الجنة , وأن روح الكافر يؤخذ بها في النار , فالعذاب والنعيم في البرزخ يقع على الروح، ليس الروح فقط، ولكن الروح والبدن تبع , بعكس الحياة الدنيا , حياة الدنيا التنعم أو التعذب يكون على البدن، والروح أيضاً تتنعم وتتعذب لكن بالتبع , وبعد الموت عكس حالة الحياة الدنيا، هي على الروح والبدن تبع لها , وهذا هو ما قرره أئمة أهل الإسلام , وهذا خلاف قول من يقول: إن العذاب أو النعيم يكون للروح، النعيم للروح والعذاب على الروح فقط، وأن البدن في البرزخ لا يعذب، هذا غلط كبير، ولا ينبغي أن ينسب هذا إلى أحد من أئمة الإسلام , بل هو على الروح والبدن جميعا؛ وذلك أن الأدلة جاءت فيها أن الميت يعذب، وأن الإنسان يعذب، والميت والإنسان اسم لبدنه وروحه معًا , فمن ادعى الانفصال فلابد له من إقامة دليل على ذلك.
هذا من جهة في جواب السؤال , والجهة الأخرى هو أن ما جاء في الكتاب أو السنة من التعبير عن الشيء بالفعل الماضي له أنحاء:
الأولى: أن يعبّر أو يوصف الشيء الذي لم يتحقق، لم يأت بعد، بالفعل الماضي , أو الذي يكون دائم التحقق بالفعل الماضي.
مثال الأول: ] أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ [ أتى، هذا فعل أتى فعل ماض , ] أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [ يعني بقيام الساعة , ] فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ [ يعني كأنه من شدة التأكيد على حصوله، وأنه يقيناً حاصل لا محالة، ووقوعه لا شك فيه ولا ريب، كأنه قد وقع وانقضى , والناس يرون ما وقع وانقضى يقيناً؛ لأنهم شاهدوا ,جاء حصل الشيء، حصل أمس وشاهده الناس وانتهى، فيعبر عما يستقبل بالماضي إذا كان وجوده وتحصيله يقيناً بلا ريب ولا شك , وكأنه قد وقع وانقضى في حصول اليقين لمن علم به.
والوجهة الثانية أو الحالة الثانية: أن يكون الشيء منه ما وقع، ومنه ما يقع الآن، ومنه ما يقع في المستقبل , وهذا وصفه بالفعل الماضي، التعبير عنه بالفعل الماضي؛ لتحقق الاتصاف به، وللتأكيد على الاتصاف به , وهذا ما يحمل عليه، مثل قول الله جلا وعلا: ] وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً [، ] وَكَانَ اللَّهُ [ هذا فعل ماض، الله جلا وعلا سميع بصير صفة ذاتية في الماضي، والحال والاستقبال , هذا للتأكيد على تحقق هذا الاتصاف، وتحقق آثاره , ] وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً [] وَكَانَ أمر اللَّهِ مفعولا [ وهكذا في أمثالها مما يدل على هذا المعنى.
سؤال: هل الكتب السماوية التي نزلت قبل القرآن، جميعها من كلام الله وكتبت مثلما كتب القرآن الكريم، أم أنها لم تكتب حتى توفي الرسل الذين نزلت عليهم وكتبها من بعدهم؟
جواب: لا أعلم شيئاً يدل على تعميم إن الكتب السماوية جميعاً كتبت، أو أنها نقلت بعد ذلك، لكن الكتب السماوية بمعنى الكتب التي أنزلها الله جلا وعلا هي كلام الرب- -Y- أوحاه إلى الرسول البشري بواسطة جبريل -u- ومنها ما اختصه الله جلا وعلا بأن كتبه بيده، كصحف موسى -u-، قال جلا وعلا: ] وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ [ فالله جلا وعلا كتبها بيده الكريمة العظيمة , تبارك ربنا وتعالى وتقدس, فالأصل أن الكتب السماوية كلام الله جلا وعلا، وأنها كتبت.
سؤال: وهل هذا يعم كل كتاب؟ أم يستثنى منه بعضها؟
جواب: تحتاج المسألة إلى بحث وتحقيق , والله أعلم. نعم اقرأ.
القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد r، ـ الشيخ: قبلها قبلها ـ ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم , ولا ننزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيءٌ من ذلك , ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.
الشيخ: قال رحمه الله تعالى: "ولا ننزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا , ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيءٌ من ذلك , ونذر سرائره إلى الله تعالى".
يريد العلامة الطحاوي رحمه الله أن أهل السنة والجماعة يتبعون في الأمور الغيبية ما دل عليه الدليل من كتاب الله جلا وعلا، ومن سنة رسوله r , فلا يقفون ما ليس لهم به علم، ولا يقولون على الله جلا وعلا ما لا يعلمون , امتثالاً لقوله سبحانه: ] ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا [ , وامتثالا لقوله جل وعلا: ] وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [ , فحرم الله جلا وعلا القول عليه بلا علم , ومن القول عليه بلا علم، أن يُشْهَدَ في أمر غيبي أن الله جلا وعلا لا يغفر لفلان , أو أن فلاناً من أهل الجنة – يعني قد غفر له - أو أنه من أهل النار المعين، بأنه لم يشأ الله أن يغفر له.
فأصل هذه المسألة وهي ما قرره من أننا لا ننزل أحداً من أهل القبلة جنة ولا نارًا، هذه لأجل أن هذا الأمر غيبي , والله جلا وعلا حكمه في أهل القبلة قد يعذب وقد يغفر: ] فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ [ فمن نزل جنة أو نارً أحدًا من أهل القبلة، ممن لم يدل الدليل على أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار، فقد قال على الله بلا علم , وتجرأ على الرب -Y- فالواجب إذًا اتباع النص، وتقديس الرب جلا وعلا، وتعظيم صفات الرب -Y- , وألا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة جزمًا، أو من أهل النار جزمًا، إلا من أخبر الوحي بأنه في هذا الفريق أو في هذا الفريق.
وهذا نص علي خلافًا لأهل الضلال في مسائل الأسماء والأحكام، من المعتزلة والخوارج قبلهم، ومن يرون السيف ونحو ذلك ممن يشهدون لمن شاؤوا بالجنة، ولمن شاؤوا بالنار , بل قد شهدوا على بعض الصحابة بأنهم من أهل النار، وعلى بعضهم بأنهم من أهل الجنة بمحض أهوائهم وآرائهم , فأهل السنة يخالفون الفرق الضالة في هذا الباب، ويتبعون ما دل عليه الدليل، ويعظمون الله جلا وعلا ولا يتجاسرون على الغيب، ويعظمون صفة الرب سبحانه بأنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.
وتحت هذه الجملة مباحث:
الأول: أن هذا الحكم ذكر أنه مختص بأهل القبلة , فقال: "ولا ننزل أحدًا منهم –يعني من أهل القبلة- جنة ولا نارًا"؛ لأن أهل القبلة ظاهرهم الإسلام، والله جلا وعلا قد وعد المسلم بالجنة، وقد توعد من عصاه من أهل الإسلام بالنار , فهذا الحكم مختص بأهل القبلة، فمن مات من أهل الإسلام لا يشهد عليه بأنه من أهل النار، ولا يشهد له بالجنة إلا من شهد له رسول الله r كما سيأتي , وإذا تبين هذا فلا يدخل في كلامه من مات على الكفر، [وقد]* كان في حياته كافرًا , كان طول حياته نصرانياً أو كان طول حياته يهودياً أو كان طول حياته وثنيًا أو مشركًا الشرك الأكبر المعروف , يعني من أهل عبادة الأوثان , أو ممن لا دين له , فهؤلاء لا يدخلون في هذه العقيدة , بل يشهد على من مات منهم بأنه من أهل النار؛ لأنه مات على الكفر وهو الأصل.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي r قال: ((حيثما مررت بقبر كافر، فبشره بالنار)) يعني في الحديث الصحيح , ((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)) وهذا عموم وهو الموافق للأصل , هو أن من مات على الكفر نحكم عليه بالظاهر , ولا نقول: قد يكون مات على الإسلام؛ لأن هذا خلاف الأصل , والقواعد المقررة تقضي باتباع واستصحاب الأصل بهذ المسلم نستصحب أصله –كما سيأتي- فلا نشهد عليه بشرك ولا كفر ولا نفاق إذا مات، كذلك نستحب الأصل فيمن مات على الكفر من النصارى واليهود والوثنيين وأشباه هؤلاء.
ومن أهل العلم من أدخل الحكم على المعين الذي ورد في هذه الجملة، أدخل الحكم على المعين، أدخل الكفار بأنواعهم , فقال: حتى الكافر لا نشهد عليه إذا مات؛ لأننا لا ندري لعله أسلم قبل ذلك , وهذا خلاف الصواب، وخلاف ما قرره أهل التوحيد وأئمة الإسلام في عقائدهم؛ فإن كلامهم كان مقيدًا بمن مات من أهل القبلة , أما من لم يكن من أهل القبلة، فلا يدخل في هذا الكلام.
المسألة الثانية أو المبحث الثاني:
ذكرنا لك أن أصل هذا، هذه العقيدة تعظيم صفات الله جلا وعلا، وعدم الخوض في الأمور الغيبية , والعلماء في هذا الأصل، في إعمال هذا الأصل، في هذه المسألة لهم أقوال:
القول الأول: من قال: لا أشهد لأحد، ولا على أحد مطلقًا , وإنما نشهد للوصف للجنس دون المعين , فنقول: المؤمن في الجنة، والظالم في النار , والمؤمن المسدد في الجنة، ومرتكب الكبيرة متوعد في النار، ونحو ذلك من ذكر الجنس والنوع دون ذكر المعين؛ إعمالاً منهم للأصل الذي ذكرنا، وأن الحكم بالخاتمة أمر غيبي، لا ندري هل حصل الختام بالتوحيد، أم لا؟
القول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم، وأئمة أهل الحديث والسنة والأثر، أن هذه المسألة غيبية، فمجالها ومدارها على قاعدة الأمور الغيبية، أنه يقتفى فيها الدليل، دون تجاوز للقرآن والحديث , فلا ينزل أحد جنة ولا نار، إلا من أنزله الله جلا وعلا الجنة، أو أنزله النار بدليل من الكتاب أو من السنة، وسواء في هذا النوع الوصف، الجنس، أو المعين , فجاء.. فجاءت الشهادة لأبي بكر -t- بأنه من أهل الجنة في القرآن , وجاءت الشهادة لأهل البيت بأنهم مطهرون، وأنهم بالقرآن منهم علي -t-، وفاطمة، وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام، والذين قال الله جلا وعلا فيهم: [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُذْهِبَ عَنكُـمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً ]*، ونحو ذلك , وجاء في السنة الشهادة على معينين من الصحابة، بأنهم في الجنة، كما في العشرة المبشرين بالجنة، الخلفاء الأربعة، وطلحة بن عبيد الله، وأبوعبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد… إلى آخره , وكذلك الشهادة لبلال -t-، ونحو ذلك ممن جاء في الحديث أنه من أهل الجنة، وكذلك من شهد عليه بالنار ممن هو منتسب إلى القبلة، ما جاء في السنة، فإننا نشهد عليه بالنار , وهذا القول هو المراد بكلام الطحاوي هذا، وهو قول جمهور أهل الحديث والسنة.
أما القول الثالث: فهو مثل القول الثاني، لكنه زاد عليه، بأن الشهادة المستفيضة للإنسان من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة، أو أنه من أهل الوعيد، فإنه يُشْهَد للمعين، أو يشهد عليه بالشهادة المستفيضة، وهذا جاء رواية عن الإمام أحمد وعن غيره من الأئمة، واختارها الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمهم الله تعالى, وقال: دلت السنة على هذا الأصل؛ فإن النبي r مُرّ عليه بجنازة، فأُثني عليها خيرّا، فقال: ((وجبت)) , ثم مُرّ بجنازة أخرى فأَثنى الصحابة عليها شرًّا، فقال: ((وجبت)) , قالوا: يا رسول الله ما وجبت؟ قال: ((تلك أثنيتم عليها خيرًا فوجبت لها الجنة , وهذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار , أنتم شهداء الله في أرضه)).
وأيضاً جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار)) , قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((بالثناء الحسن، وبالثناء السيئ)) , فيدخل في هذا القول المعروفون الذين شهد لهم بقدم الصدق، من صحابة رسول الله r، وكذلك من شهد له من أئمة الإسلام بهذا المقام، كالإمام مالك مثلاً، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، ونحوهم من أئمة الإسلام , والأظهر هو القول الثاني، وهو قول الجمهور، بأن الشهادة بالاستفاضة هذه الدليل يتقاصر على أن يشهد له مطلقاً , ولكن يكون الرجاء فيه أعظم، ولهذا في الحديث الأول قال: ((وجبت)) فدل على أن شهادتهم له في مقام الشفاعة له؛ لأنه قال: ((أثنيتم عليها خيرًا فوجبت))، فدل على أن الوجوب له بالجنة، مترتب على الثناء عليه بالخير , وليس الثناء عليه بالخير نتيجة، وإنما هو سبب لوجوب الجنة، فكأنه في مقام الشفاعة له، والدعاء له , وليس هذا مطلقاً , والحديث الثاني أيضاً يحمل على هذا، بأنه في مقام الشفاعة، والدعاء له , بالإضافة إلى أن القول الأول هو قول الأكثر من أئمة أهل الإسلام.
المبحث الثالث:
أننا إذا لم نشهد لأحد، أو على أحد فإن المقصود المعين , أما الجنس والنوع فنشهد بالجنس والنوع , فنشهد على الظالم بالنار دون تنزيله على معين , ونشهد للمطيع بالجنة دون تنزيله على معين , والمقصود إذا مات على ذلك , إذا مات المطيع على الطاعة، وإذا مات الظالم على الظلم؛ لأن المسألة مبنية على ما يختم للعبد , وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح، أنه قال: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليها الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)) , وهذا يدل على أن الأعمال بالسوابق –سوابق الكتاب- وبالخواتيم , وهذا يمنع من الشهادة المعينة؛ لأن الأعمال بالسوابق والخواتيم , والله جلا وعلا خلق الجنة، وخلق لها أهلاً –وهذا غيبي-، وخلق النار وخلق لها أهلاً –وهذا أمر غيبي- فإذًا الشهادة على الجنس، أو للجنس، بالجنة أو على النوع بالنار، هذا المقصود من مات على ذلك , من مات على الطاعة فإننا نشهد لجنس الميتين على الطاعة , ولجنس من مات على الكبيرة بأنه متوعد بالعذاب , قد يغفر الله جل وعلا له، وقد يؤاخذه بذنوبه.
المبحث الرابع والأخير:
أننا مع ذلك كله، فإننا نرجوا للمحسن، ونخاف على المسيء أهل السنة أهل رحمة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان رحيماً بهذه الأمة , فيرث أهل السنة الرحمة من صفاته عليه الصلاة والسلام , فيرحمون هذه الأمة، ومن رحمتهم لها أنهم يرجون لأهل الإحسان، ويخافون على أهل الإساءة، ورجاؤهم لأهل الإحسان يحملهم على أن يدعوا لهم، وأن يصلوا عليهم إذا ماتوا؛ لأن حق المسلم على المسلم ست , ومنها أنه إذا مات يصلي عليه ويدعو له , وتحملهم الرحمة على.. للمسيء الرحمة للمسيء أنه إذا مات على الإساءة، أنه يخاف عليه الإساءة , فيُسأل الرب جلا وعلا أن يغفر له ذنبه، وأن يتجاوز عن خطيئته، وأن يبارك له في قليل عمله ونحو ذلك من آثار الرحمة , ولهذا يدعو المسلم لجميع المسلمين، لمن كان منهم صالحاً، ومن كان منهم غير صالح , بل من الدعاء الذي تداوله أهل السنة والعلماء، أن يسأل الرب جلا وعلا أن يشفع المحسن في المسيء، وأن يوهب المسيء للمحسن , مثلما في دعاء القنوت (اللي) يتداوله الأكثرون: (وهب المسيئين منا للمحسنين)، هب المسيئين، يعني من كان مسيئاً عاصيًا، عنده ذنوب هبه للمحسن فشفع المحسن فيه في هذا المقام بالدعاء، وهذا كله من آثار الرحمة التي كان عليها r؛ فإنه كان بهذه الأمة كان رحيمًا، بل كان رحمة للعالمين عليه الصلاة والسلام.
فإذًا نرجوا للمحسن، ونخاف على المسيء , ولرجائنا للمحسن آثار، ولخوفنا على المسيء آثار , فرجاؤنا للمحسن يحملنا على توليه، وكثرة الدعاء له ونصرته واقتفاء أثره، وخوفنا على المسيء بحملنا على الدعاء له والاستغفار ونحو ذلك , فكان أسيراً للشيطان ونسأل الله جلا وعلا له المغفرة والرضوان , نسأل الله سبحانه لنا جميعاً، أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يجزل لنا الأجر على قليل عملنا، وأن يغفر لنا كثرة الذنب والخطايا؛ فإنه سبحانه جواد كريم , اللهم فأجب واغفر جمّا، إنك على كل شيء قدير.
الجملة الثانية: قال رحمه الله: "ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى".
هذه الجملة مثل الأولى في تقرير هذه العقيدة المباركة؛ وهي أن الأمر ما دام تبع للخاتمة، والخاتمة مغيبة، وهذا أمر غيبي، فلا نقف ما ليس لنا به علم , ولا نتجرأ على الله جلا وعلا في وصف شيء، والحكم يتعلق به، والحكم على عباده بدون دليل , لهذا نعتبر الظاهر من كل أحد، فمن كان ظاهره السلامة في الدنيا، ومات على ذلك، فإننا نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر , ومن كان ظاهره الكفر أو ظاهره الشرك أو ظاهره النفاق، فإننا نحكم بالظاهر، ولأنه ظهر منه ذلك، وأمره إلى الله جلا وعلا.
وفيه بعض المسائل: الأولى:
الـوجـه الـثـانـي
قوله: "ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق" يعني: على المعين من أهل القبلة، وهذا يدل على أن المعين من أهل القبلة، قد يجتمع فيه إيمان وكفر , ويجتمع فيه إسلام وشرك , ويجتمع فيه طاعة وإسلام وإيمان ونفاق , وهذا هو المتقرر عند الأئمة، تبعاً لما دل عليه الدليل؛ فإن المعين قد يجتمع فيه الإيمان، فيكون مؤمناً ويكون عنده بعض خصال الكفر , يعني من الكبائر مما لا يخرجه من الإيمان , فمثلاً قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق , كما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) , فسباب المسلم فسوق، وقتاله كفر , فيجتمع في المسلم فسوق وطاعة , وكفر وإيمان , كذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((ثنتان في الناس من أمر الجاهلية، أو ثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت)) ونحو ذلك من خصال الكافرين , فلا يعني وجود بعض خصال الكفر في المعين أن يحكم عليه بالكفر , الحكم بغير ما أنزل الله، في حق القاضي أو في حق المعين، إذا حكم بغير ما أنزل الله، وهو لا يعتقد جواز ذلك، أو يعلم أنه بحكمه عاصٍ، يعني حكم وهو يعلم أنه بحكمه عاصٍ، ومخطئ، فإنه اجتمع فيه كفر وطاعة , فلا يخرج أحد من الإيمان بخصلة من خصال الكفر، وجدت فيه، أو خصلة من خصال الشرك وجدت فيه , أو خصلة من خصال النفاق وجدت فيه؛ فإن المؤمن يجتمع فيه هذا وهذا.
ولهذا قال: "لا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق" , إذا كان مستسرًا بذلك، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك , فإن ظهر تشهد عليه بقدر ما ظهر , والشهادة عليه جوازًا، لا وجوبًا , كما سيأتي في المسألة التي بعدها , كذلك الشرك يكون مؤمنا , ويكون عنده شرك أصغر , يكون عنده حلف بغير الله , مما هو من الشرك الأصغر، أو تعليق التمائم، واعتقاد أنها أسباب أو نسبة النعم إلى غير الله جلا وعلا، أو نحو ذلك من أمور الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي من يسير الرياء ونحوه، فيجتمع في المؤمن هذا وهذا , وكذلك بعض خصال النفاق، يكون المؤمن مطيعاً مسلماً، لكن عنده خصال النفاق , إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ونحو ذلك من خصال النفاق.
المبحث الثاني:
أن قوله: "لا نشهد عليهم ما لم يظهر منهم" يعني أنه إذا ظهر منهم فإننا قد نشهد عليهم يعني يجوز لنا الشهادة إذا ظهر منهم شيء من ذلك , وجواز الشهادة عليهم منوط بالمصلحة؛ لأنها من باب التعزير , فقد يجوز أن يشهد على معين ببعض خصاله، خصال الكبائر التي فيه، أو الشرك الأصغر الذي فيه، أو بعض خصال النفاق الذي فيه، إذا كانت الشهادة عليه بذلك علنًا، فيها مصلحة متعدية , أما إذا لم يكن فيها مصلحة، فإن الأصل على المسلم أنه لا يشهد عليه، بل يستر عليه , وهذا يدل على أن الأصل ـ اللهم اهدنا اللهم اهدنا ـ على أن الأصل في المسلم، في المؤمن ما دام اسم الإيمان باقيًا عليه، الأصل فيه أن يكون على اسم الإسلام، وعلى اسم الإيمان، وعلى اسم الطاعة، فلا ينتقل عن الأصل بالثناء عليه، وفي الشهادة له بالإسلام، والإيمان، والتسديد، إلا إذا كانت فيها مصلحة , فإذًا ليس الأصل الشهادة على المخالف، أو على من فيه كفر، خصلة من كفر أو شرك، نشهد عليه بهذه الأشياء، بل هذه منوطة بالمصلحة المتوخاة؛ لأنها من باب التعزير , ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام ما شهد على هؤلاء (اللي) فعلوا هذه الأشياء، إلا على معينين قلة , وأما الأكثر فإنه عليه الصلاة والسلام حملهم على الظاهر. وأهل النفاق، الذين باطنهم نفاق، ما أعلم أسماءهم عليه الصلاة والسلام ولا شهد عليهم لكل أحد؛ لأن المصلحة بخلاف ذلك.
المبحث الثالث والأخير:
هذا كله في أهل القبلة أما من خرج من الإسلام، بكفر أكبر أو بشرك أكبر، أو بردة قامت عليه الحجة في ذلك، فإنه يشهد عليه بعينه؛ لأنه ظهر منه ذلك واستبان. نقرأ (اللي) بعدها:
[1] ما بين المعقوفتين غير موجود بالشريط.
*ما بين المعقوفتين عير مسموع في الشريط ,
*صواب الآية: ] إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً [ الآحزاب: (33) ,