فَصْلٌ
يَتَمَيَّزُ الاسْمُ عَن الْفِعْلِ والحرفِ بِخَمْسِ عَلامَاتٍ:
إِحْدَاهُا: الْجَرُّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَرْفَ الْجَرِّ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَا لَيْسَ بِاسْمٍ، نَحْوُ: ( عَجِبْتُ مِنْ أَنْ قُمْتَ ) ([1])، بَل الْمُرَادُ بِهِ الكسرةُ الَّتِي يُحْدِثُهَا عَامِلُ الْجَرِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حَرفاً، أَمْ إِضَافَةً، أَمْ تَبَعِيَّةً.
وَقَدِ اجْتَمَعَتْ فِي البَسْمَلَةِ ([2]).
الثَّانِيَةُ: التنوينُ، وَهُوَ نُونٌ سَاكِنَةٌ تَلْحَقُ الآخِرَ ([3]) لَفْظاً لا خَطًّا لِغَيْرِ تَوْكِيدٍ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ (السكونِ) النُّونُ فِي (ضَيْفَنٍ) لِلطُّفَيْلِيِّ، وَ (رَعْشَنٍ) لِلْمُرْتَعِشِ، وَبِقَيْدِ (الآخِرِ) النُّونُ فِي (انْكَسَرَ) وَ (مُنْكَسِرٍ )، وَبِقَوْلِي: ( لَفْظاً لا خَطًّا ) النُّونُ اللاحقةُ لآخرِ الْقَوَافِي، وَسَتَأْتِي، وَبِقَوْلِي: ( لِغَيْرِ توكيدٍ ) نُونُ نَحْوِ: {لَنَسْفَعاً} ([4])، وَ ( لَتَضْرِبُنْ يَا قَوْمُ )، وَ ( لَتَضْرِبِنْ يَا هِنْدُ ).
وَأَنْوَاعُ التَّنْوِينِ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: تَنْوِينُ التَّمْكِينِ، كَزَيْدٍ وَرَجُلٍ، وَفَائِدَتُهُ: الدلالةُ عَلَى خِفَّةِ الاسْمِ وَتَمَكُّنِهِ فِي بَابِ الاسميَّةِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشْبِهِ الحرفَ فَيُبْنَى، وَلا الْفِعْلَ فَيُمْنَعَ مِنَ الصرفِ.
الثَّانِي: تَنْوِينُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ اللاحقُ لِبَعْضِ المَبْنِيَّاتِ للدلالةِ عَلَى التنكيرِ، تَقُولُ: (سِيبَوَيْهِ )، إِذَا أَرَدْتَ شَخْصاً مُعَيَّناً اسْمُهُ ذَلِكَ، وَ ( إِيهِ ) إِذَا اسْتَزَدْتَ مُخَاطَبَكَ منْ حَدِيثٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ شَخْصاً مَا اسْمُهُ سِيبَوَيْهِ، أَو اسْتِزَادَةً مِنْ حَدِيثٍ مَا نَوَّنْتَهُمَا ([5]).
الثَّالِثُ: تَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ، وَهُوَ اللاحِقُ لِنَحْوِ: ( مُسْلِمَاتٍ ) جَعَلُوهُ فِي مقابلةِ النُّونِ فِي نَحْوِ: مُسْلِمِينَ.
الرابعُ: تَنْوِينُ التَّعْوِيضِ، وَهُوَ اللاحقُ لنحوِ: غَوَاشٍ ([6])، وَجَوَارٍ عِوَضاً عَن الْيَاءِ، وَلـ(إِذْ) فِي نَحْوِ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} ([7])
عِوَضاً عَن الجملةِ الَّتِي تُضَافُ (إِذْ) إِلَيْهَا ([8]).
وَهَذِهِ الأنواعُ الأربعةُ مُخْتَصَّةٌ بالاسمِ.
وَزَادَ جَمَاعَةٌ تَنْوِينَ التَّرَنُّمِ، وَهُوَ اللاحقُ للقَوَافِي المُطْلَقَةِ؛ أَي: الَّتِي آخِرُهَا حَرْفُ مَدٍّ، كَقَوْلِهِ:
1 - أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَنْ = وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أَصَابَنْ
الأَصْلُ: (الْعِتَابَا) وَ (أَصَابَا)، فَجِيءَ بالتنوينِ بَدَلاً من الأَلِفِ؛ لِتَرْكِ التَّرَنُّمِ.
وَزَادَ بَعْضُهُم التنوينَ الغالِيَ، وَهُوَ اللاحقُ للقَوَافِي المُقَيَّدَةِ زِيَادَةً عَلَى الوزنِ، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ غَالِياً، كَقَوْلِهِ:
2 - قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْنْ = كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً قَالَتْ وَإِنْنْ
وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا نُونَانِ زِيدَتَا فِي الْوَقْفِ، كَمَا زِيدَتْ نُونُ ( ضَيْفَنٍ ) فِي الْوَصْلِ وَالوَقْفِ، وَلَيْسَا منْ أنواعِ التنوينِ فِي شَيْءٍ؛ لِثُبُوتِهِمَا مَعَ ( أل )، وَفِي الْفِعْلِ، وَفِي الحرفِ، وَفِي الْخَطِّ والوَقْفِ، وَلِحَذْفِهِمَا فِي الْوَصْلِ، وَعَلَى هَذَا فَلا يَرِدَانِ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الاسْمَ يُعَرَفُ بالتَّنْوِينِ، إِلاَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُسَمِّيهِمَا تَنْوِينَيْنِ، أَمَا بِاعْتِبارِ مَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ فَلا.
الثَّالِثَةُ: النِّدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ دخولَ حَرْفِ النداءِ؛ لأَنَّ ( يَا ) تَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَا لَيْسَ بِاسْمٍ، نَحْوُ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} ([9]). ( أَلا يَا اسْجُدُوا) ([10]) فِي قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ ([11])، بَل الْمُرَادُ كَوْنُ الْكَلِمَةِ مُنَادَاةً، نَحْوُ: (يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، ويا فُلُ، ويا مَكْرَمَانُ ) ([12]).
الرابعةُ: (أل) غَيْرُ المَوْصُولَةِ، كالفَرَسِ والغلامِ، فَأَمَّا الموصولةُ، فَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ، كَقَوْلِهِ:
الْخَامِسَةُ: الإسنادُ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الفائدةُ، وَذَلِكَ كَمَا فِي ( قُمْتُ ) ([13])، وَ ( أَنَا ) فِي قَوْلِكَ: (أَنَا مُؤْمِنٌ ).
([1]) وَمِنْ ذَلِكَ عِنْدَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ بُشِّرَ بِأُنْثَى: وَاللهِ مَا هِيَ بِنِعْمَ الوَلَدُ، وَقَوْلُ آخَرَ، وَقَدْ سَارَ إِلَى مَحْبُوبَتِهِ عَلَى حِمَارٍ بَطِيءٍ: نِعْمَ السيرُ عَلَى بِئْسَ الْعِيرُ. وَسَيَأْتِي تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذَا المَذْهَبِ فِي بابِ ( نِعْمَ، وَبِئْسَ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا)، وَذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ ( نِعْمَ ) و ( بِئْسَ ) اسْمَانِ بِمَعْنَى: المَمْدُوحِ وَالمَذْمُومِ مُسْتَدِلِّينَ بِدُخُولِ حَرْفِ الجرِّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْكَلامِ ونحوِهِ، وَلَيْسَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِسَدِيدٍ، وَسَتَعْرِفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي البابِ الَّذِي وُضِعَ لَهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
([2]) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ ( اسْمِ ) مَجْرُورٌ بالحرفِ، وَهُوَ الْبَاءُ، ولفظَ الجلالةِ مَجْرُورٌ بإضافةِ لفظِ اسْمِ إِلَيْهِ، وَلَفْظَ (الرَّحْمَنِ) مَجْرُورٌ بالتَّبَعِيَّةِ؛ لأَنَّهُ نَعْتٌ.
([3]) المرادُ بالآخِرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ التنوينُ: مَا كَانَ آخِراً حَقِيقَةً، كالدالِ مِنْ ( زَيْدٍ )، والراءِ مِنْ ( عَمْرٍو )، أَوْ كَانَ آخِراً [لعل هنا كلمة سقط: حُكْماً] كالدالِ مِنْ ( يَدٍ ) و ( غَدٍ )، والميمِ مِنْ ( دمٍ )، والخاءِ مِنْ ( أَخٍ )، والباءِ مِنْ ( أبٍ )؛ فَإِنَّ لامَ هَذِهِ الكلماتِ قَدْ حُذِفَتِ اعْتِبَاطاً؛ أَيْ: لغيرِ عِلَّةٍ، وَبَقِيَتْ عينُ هَذِهِ الكلماتِ أَوَاخِرَ لَهَا حُكْماً.
([4]) سُورَةُ الْعَلَقِ، الآيَةُ: 15.
([5]) وَمِمَّا جَاءَ مِن اسْمِ الفعلِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْنَا فَقُلْنَا إِيهِ عَنْ أُمِّ سَالِمٍ وَمَا بَالُ تَكْلِيمِ الدِّيَارِ الْبَلاقِعِ
وَكَانَ الأَصْمَعِيُّ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اسْمَ الفعلِ لا يَكُونُ إِلاَّ مُنَوَّناً، وَيُخَطِّئُ ذَا الرُّمَّةِ فِي الإِتْيَانِ بـ (إِيهِ) غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ فِي هَذَا البيتِ، وَلَكِنَّ الأَثْبَاتَ مِنَ العُلَمَاءِ لَمْ يُقِرُّوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَهَبُوا إِلَى مَا قَرَّرَهُ المُؤَلِّفُ هُنَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ( وَالصحيحُ أَنَّ هَذِهِ الأصواتَ إِذَا عُنِيَتْ بِهَا المعرفةُ لَمْ تُنَوَّنْ، وَإِذَا عُنِيَتْ بِهَا النكرةُ نُوِّنَتْ، وَإِنَّمَا اسْتَزَادَ ذُو الرُّمَّةِ هَذَا الطَّلَلَ حَدِيثاً مَعْرُوفاً، كَأَنَّهُ قَالَ: حَدِّثْنَا الحديثَ، أَوْ خَبِّرْنَا الْخَبَرَ. اهـ.
([6]) المرادُ بِنَحْوِ ( غَوَاشٍ ): كُلُّ اسْمٍ مَمْنُوعٍ مِنَ الصرفِ، وَهُوَ مُعْتَلُّ الآخرِ، سَوَاءٌ أكانَ مَنْعُهُ مِن الصرفِ، لِكَوْنِهِ عَلَى صِيغَةِ مُنْتَهَى الجُمُوعِ، نَحْوَ ( غَوَاشٍ، وَجَوَارٍ، وَدَوَاعٍ، وَنَوَاهٍ ) أَمْ كَانَ مَنْعُهُ مِنَ الصرفِ للعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الفعلِ نَحْوَ: ( أُعَيْمِي، وَيُعَيْلِي ) أَصْلُهُمَا تَصْغِيرُ (أَعْمَى) وَ(يَعْلَى)، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِمَا فَصَارَا عَلَمَيْنِ مُوَازِنَيْنِ، لِنَحْوِ: أُبَيْطِرَ وَيُبَيْطِرُ مُضَارِعَيْ: بَيْطَرَ.
([7]) سُورَةُ الرومِ، الآيَةُ: 4.
([8]) أكثرُ النُّحَاةِ يَذْكُرُونَ ( إِذْ ) لَفْظاً وَاحِداً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ التنوينَ اللاحقَ لهذا اللفظِ عِوَضٌ عَن الجملةِ الَّتِي مِنْ حَقِّ (إِذْ) أَنْ تُضَافَ إليها، وَالتقديرُ فِي الآيَةِ الكريمةِ: وَيَوْمَ يَغْلِبُ الرُّومُ فَارِساً يَفْرَحُ المؤمنونَ، فَحُذِفَت الجملةُ الأُولى، وَهِيَ: يَغْلِبُ الرومُ فَارِساً، وَعُوِّضَ عَنْهَا التنوينُ، وَبَقِيَتْ إِذْ مَبْنِيَّةً؛ لِشَبَهِهَا بالحرفِ فِي الوضعِ عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ فِي الافْتِقَارِ افْتِقَاراً مُتَأَصِّلاً إِلَى جملةٍ تُضَافُ إليها.
وَيَذْكُرُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ( إِذَا ) أَيْضاً، فَقَدْ تُحْذَفُ الجملةُ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُضَافَ إليها وَيُعَوَّضُ عَنْهَا التنوينُ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً}، وَقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ}، وَقَوْلِهِ تَبَارَكَتْ كَلِمَتُهُ: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ}، وَقَوْلِهِ سبحانَهُ: {إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ}. وَلِهَذا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ (إِذاً) الناصبةَ للمضارعِ، بَلْ هِيَ الظرفيَّةُ الشرطيَّةُ.
1 - هَذَا البيتُ مَطْلَعُ قصيدةٍ طويلةٍ لِجَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ الخَطَفَي، أَحَدِ شُعَرَاءِ العصرِ الأمويِّ.
اللغةُ: (أَقِلِّي) فِعْلٌ أَمْرٌ مِنَ الإقلالِ، وَهُوَ فِي الأصلِ جَعْلُ الشيءِ قَلِيلاً، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الشيءِ بَتَّةً، وَهُوَ المرادُ هَهُنَا. (اللَّوْمَ) هُوَ العَذْلُ وَالتَّوْبِيخُ. (عَاذِلَ) هُوَ مُرَخَّمُ (عَاذِلَةٍ)، وَهُوَ اسْمُ فاعلٍ مُؤَنَّثٌ مِنَ العَذْلِ، وَهُوَ اللومُ والتوبيخُ، ( والعِتَابَ ) هُوَ مُخَاطَبَةُ الإِدْلالِ وَمُذَاكَرَةُ الغَضَبِ، وَالمرادُ هُنَا اللومُ فِي تَسَخُّطٍ. (أَصَبْتُ) يُرْوَى بِضَمِّ التاءِ عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ التاءِ عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ المُخَاطَبَةِ المُؤَنَّثَةِ.
الإعرابُ: (أَقِلِّي) فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ، وَيَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فَاعِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ. ( اللومَ ) مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ. ( عَاذِلَ ) مُنَادًى مُرَخَّمٌ بِحَرْفِ نِدَاءٍ مَحْذُوفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّ الحَرْفِ المحذوفِ، فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، وجملةُ النداءِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ؛ لأَنَّهَا مُعترضةً بَيْنَ المعطوفِ والمعطوفِ عَلَيْهِ. ( وَالْعِتَابَا ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، الْعِتَابَ: مَعْطُوفٌ عَلَى (اللومَ)، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والألفُ للإطلاقِ. (وَقُولِي) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ، قُولِي: فِعْلُ أَمْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى حذفِ النُّونِ، وَيَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فاعلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، والجملةُ معطوفةٌ عَلَى جملةِ (أَقِلِّي اللَّوْمَ)، وَكِلاهُمَا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ: أَمَّا الأُولَى فَلِكَوْنِهَا ابْتِدَائِيَّةً، وَأَمَّا الثانيةُ فَلأنَّ المعطوفَ كالمعطوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ الإِعْرَابِيِّ. (إِنْ) حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، (أَصَبْتُ) فِعْلٌ مَاضٍ فِعْلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ المُقَدَّرِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ، وَالتاءُ فَاعِلٌ، وَجَوَابُ الشرطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ، وَالتقديرُ: إِنْ أَصَبْتُ فَقُولِي... إلخ، وجملةُ الشرطِ وجوابُهُ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ مُعْترضةٌ بَيْنَ فِعْلِ الأَمْرِ ومفعولِهِ، (لَقَدْ) اللامُ واقعةٌ فِي جوابِ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: واللهِ لَقَدْ، وَ(قَدْ): حَرْفُ تَحْقِيقٍ. (أَصَابَا) فِعْلٌ مَاضٍ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعلِهِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ، جَوَابُ الْقَسَمِ المحذوفِ، وجملةُ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ بِهِ لِـ (قُولِي).
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (الْعِتَابَنْ)، وَقَوْلُهُ: (أَصَابَنْ)، حيثُ دَخَلَ تنوينُ التَّرَنُّمِ عَلَيْهِمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا التنوينَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالاسمِ، فَلا يَكُونُ علامةً عَلَى اسْمِيَّةِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ كَتَنْوِينِ التنكيرِ مَثَلاً، وآيَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الفعلِ الْمَاضِي فِي (أَصَابَنْ)، ودَخَلَ عَلَى الاسمِ المُقْتَرِنِ بـ (ألْ) فِي (الْعِتَابَنْ). وَالمُخْتَصُّ بالاسمِ لا يَدْخُلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ فِي الداخلِ عَلَى الفعلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الداخلِ عَلَى المُقْتَرِنِ بـ (ألْ)؛ فَلأنَّ التنوينَ المُخْتَصَّ بالاسمِ يُنَافِي ( أل )؛ لأَنَّ (أل) تَدُلُّ عَلَى تَعَرُّفِ الاسمِ وَتَعَيُّنِهِ، وَأَمَّا التنوينُ المُخْتَصُّ بالاسمِ، فَيَدُلُّ عَلَى شياعِهِ وعدمِ اختصاصِهِ بِفَرْدٍ معُيَّنٍ مِنْ أفرادِ جِنْسِهِ، فلو كَانَ تَنْوِينُ التَّرَنُّمِ مِن الأنواعِ الخاصَّةِ بالاسمِ لكانَ فِي الكلمةِ الواحدةِ عَلامَتَانِ، كُلُّ واحدةٍ مِنْهُمَا تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَهَذَا مِمَّا لا يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ الْعَرَبُ فِي كلامِهِم الْفَصِيحِ.
ومِن أمثلةِ تنوينِ التَّرَنُّمِ قَوْلُ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ:
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا = لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ
فَقَدْ لَحِقَ هَذَا التنوينُ ( قَدْ ) وَهُوَ حَرْفٌ، فَدَلَّ لَحَاقُهُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالاسمِ، وَهُوَ ظاهرٌ.
2 - يَنْسُبُ النحاةُ هَذَا البيتَ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَيُنْشِدُونَ قَبْلَهُ:
قَالَتْ سُلَيْمَى: لَيْتَ لِي بَعْلاً يَمُنّ = بِغَسْلِ جِلْدِي وَيُنَسِّينِي الْحَزَنْ
وَقَدْ رَاجَعْتُ ديوانَ أَرَاجِيزِ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ المَطْبُوعَ فِي مدينةِ ليبسكَ، فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الرجزَ فِي أَصْلِ الديوانِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ نَاشِرُهُ فِي مُلْحَقٍ جَمَعَ فِيهِ مَا أُضِيفَ إِلَى رُؤْبَةَ مِن الرجزِ فِي كُتُبِ الأدبِ واللغةِ ونحوِهَا، وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الديوانِ الَّذِي نُشِرَ عنهُ.
اللغةُ: ( سُلَيْمَى ) تَصْغِيرُ (سَلْمَى)، وَهُوَ اسْمُ امرأةٍ، ( بَعْلاً ) زَوْجاً، ( مُعْدِماً ) اسْمُ الفاعلِ مِنْ مَصْدَرِ ( أَعْدَمَ الرجلُ ) إِذَا كَانَ فَقِيراً لا مَالَ لَهُ، وَمَعْنَى هَذَا البيتِ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي مثلِ: ( زَوْجٌ مِنْ عُودٍ خَيْرٌ مِنْ قُعُودٍ ).
الإعرابُ: (قَالَتْ) قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ، وَالتاءُ علامةٌ عَلَى تأنيثِ الفاعلِ، (بَنَاتُ) فَاعِلُ (قَالَ) مَرْفُوعٌ بالضمةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَ (العمِّ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (يَا) حَرْفُ نِدَاءٍ، (سَلْمَى) مُنَادًى مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، ( وَإِنْ ) الْوَاوُ عاطفةٌ عَلَى محذوفٍ، وَإِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، (كَانَ) فِعْلٌ مَاضٍ فِعْلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ، وَاسْمُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى البعلِ المذكورِ فِي البيتِ السابقِ، (فَقِيراً) خَبَرُ (كَانَ) الناقصةِ، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (مُعْدِماً) صِفَةٌ لـ (فقيرٍ)، وَجَوَابُ الشرطِ محذوفٌ يدلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ، وجملةُ الشرطِ وجوابِهِ معطوفةٌ بالواوِ عَلَى محذوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ أيضاً، وتقديرُ هَذِهِ المحذوفاتِ: قَالَتْ بَنَاتُ العمِّ: يَا سَلْمَى، إِنْ كَانَ غَنِيًّا مُوسِراً تَرْضَيْنَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً تَرْضَيْنَ بِهِ. (قَالَتْ) قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ، والتاءُ حَرْفٌ دالٌّ عَلَى تأنيثِ الفاعلِ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هِيَ، يَعُودُ إِلَى (سَلْمَى)، ( وَإِنْ ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى محذوفٍ، إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، وفعلُ الشرطِ وجوابُهُ مَحْذُوفَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا سِيَاقُ الْكَلامِ، والتقديرُ: قَالَتْ: إِنْ كَانَ غَنِيًّا مُوسِراً أَرْضَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً أَرْضَ بِهِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: ( وَإِنْ ) فِي المَوْضِعَيْنِ جَمِيعاً، حيثُ لَحِقَ التنوينُ فِيهِمَا القافيةَ المُقَيَّدَةَ، زِيَادَةً عَلَى الوزنِ، وَإِنْ حَرْفٌ بِغَيْرِ خلافٍ، وَلُحُوقُ هَذَا التنوينِ الحرفَ فِي هَذَا البيتِ دليلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِن التَّنْوِينِ لا يَخْتَصُّ بالاسمِ.
ومِن أمثلةِ هَذَا التنوينِ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ فِي أَوَّلِ قَافِيَتِهِ:
وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ = مُشْتَبِهِ الأَعْلامِ لَمَّاعِ الْخَفَقْنْ
والكلامُ فِي دلالةِ هَذَا عَلَى أَنَّ التنوينَ الغاليَ لَيْسَ خَاصًّا بالاسمِ مثلُ الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ بيتِ جَرِيرٍ السابقِ عَنْ قَوْلِهِ: ( الْعِتَابَنْ ) فَارْجِعْ إِلَيْهِ تَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ.
([9]) سُورَةُ يس، الآيةُ: 26.
([10]) سُورَةُ النملِ، الآيَةُ: 25.
([11]) قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ واردةٌ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهِيَ بِتَخْفِيفِ اللامِ فِي ( أَلا ) عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ ( أَلا ) حَرْفُ تَنْبِيهٍ، فيكونُ ( يَا ) حَرْفَ نِدَاءٍ، وَالْمُنَادَى بِهِ مَحْذُوفٌ، وَاسْجُدُوا فِعْلُ أَمْرٍ، وكأنَّهُ قِيلَ: أَلا يَا هَؤُلاءِ اسْجُدُوا، والدليلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التخريجِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنَّ الْكِسَائِيَّ الَّذِي رُوِيَتْ عنهُ يَقِفُ عَلَى (أَلا يَا)، ثُمَّ يَبْتَدِئُ: (اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ). وَقَرَأَ قَوْمٌ بِتَشْدِيدِ اللامِ فِي ( أَلا ) عَلَى أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ، الأُولى: (أَن) المَصْدَرِيَّةُ، والثانيةُ: ( لا ) النافيةُ؛ فَيَكُونُ بَعْدَهَا ( يَسْجُدُوا ) وَهُوَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ، والياءُ فِيهِ يَاءُ المضارعةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بـ (أن) المصدريَّةِ، وَالمصدرُ المُنْسَبِكُ مِنْ ( أَن ) المصدريَّةِ والمضارعِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ( أَعْمَالَهُمْ )؛ أَيْ: فَزَيَّنَ لَهُم الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُم، زَيَّنَ لَهُمْ عَدَمَ عِبَادَةِ اللَّهِ... إلخ، وَكِتَابَتُهَا فِي المُصْحَفِ {أَلاَّ يَسْجُدُوا} تُؤَيِّدُ ذَلِكَ.
([12]) إِنَّمَا خَصَّ المُؤَلِّفُ هَذِهِ الأسماءَ بالذِّكْرِ مع هَذِهِ العلامةِ؛ لأَنَّهَا مُلازِمَةٌ للنداءِ، ومعنَى هَذَا أَنَّهَا لا تَقْبَلُ مِن العلاماتِ الَّتِي ذَكَرَهَا إِلاَّ النداءَ، وَمَعْنَى (يَا فُلُ ): يَا رَجُلُ، أَوْ يَا امْرَأَةُ، وَنَظِيرُهُنَّ: (يَا مَلأَمَانُ ) و (يَا خَبَاثِ ) وَبَابُهُ، وَسَيَأْتِي فِي بابِ النداءِ.
3 - هَذَا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ الْبَسِيطِ، وَعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
ولا الأَصِيلِ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالْجَدَلِ
وهذا بيتٌ للفَرَزْدَقِ يَقُولُهُ فِي هِجَاءِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَكَانَ هَذَا الرجلُ قَدْ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَمْدَحُهُ، وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ جَرِيرٌ، والأَخْطَلُ، والفَرَزْدَقُ، وَهُوَ لا يَعْرِفُهُمْ، وَهُم الثلاثةُ الفحولُ مِنْ شعراءِ دولةِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَعَرَّفَ عَبْدُ الْمَلِكِ الأَعْرَابِيَّ بِهِمْ، فَقَالَ عَلَى الفَوْرِ:
فَحَيَّا الإِلَهُ أَبَا حَزْرَةَ = وَأَرْغَمَ أَنْفَكَ يَا أَخْطَلُ
وَجَدُّ الفَرَزْدَقِ أَتْعِسْ بِهِ = وَدَقَّ خَيَاشِيمَهُ الْجَنْدَلُ
فَقَالَ لَهُ الْفَرَزْدَقُ:
يَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ = يَا ذَا الْخَنَى وَمَقَالِ الزُّورِ وَالْخَطَلِ
وَمِنْ بَعْدِهِ البَيْتُ المُسْتَشْهَدُ بِصَدْرِهِ.
اللغةُ: ( أَبَا حَزْرَةٍ ) هِيَ كُنْيَةُ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ، ( الجَنْدَلُ ) الحَجَرُ، ( يَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ ) أَصْلُ (أَرْغَمَهُ) بِمَعْنَى: عَفَّرَهُ بالرَّغَامِ، وَهُوَ التُّرَابُ، وَذَلِكَ كنايةٌ عَن الإذلالِ والإهانةِ. ( الخَنَى ): الفُحْشُ. ( الخَطَل ) المَنْطِقُ الْفَاسِدُ المُضْطَرِبُ. ( الْحَكَمِ ): الَّذِي يُحَكِّمُهُ الخَصْمَانِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. ( الأَصِيلِ ): الحَسِيبِ. ( الْجَدَلِ ) شِدَّةُ الْخُصُومَةِ.
المَعْنَى: يَقُولُ: لَسْتَ بالرَّجُلِ الَّذِي يُؤْبَهُ لكلامِهِ أَوْ يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّا لَمْ نُحَكِّمْكَ فِيمَا بَيْنَنَا مِنْ خُصُومَةٍ، وَلا أَنْتَ بالرجلِ الشريفِ النسبِ، وَلا بِصَاحِبِ الرَّأْيِ، وَلا بِصَاحِبِ اللَّسَنِ الَّذِي يَقْوَى عَلَى الخُصُومَةِ.
الإعرابُ: (مَا) نافيةٌ، (أَنْتَ) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ، (بِالْحَكَمِ) الْبَاءُ حَرْفُ جَرٍّ زَائِدٌ، الْحَكَم: خَبَرُ المبتدإِ مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى آخرِهِ مَنَعَ ظُهُورَهَا اشتغالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرْفِ الجرِّ الزائدِ، (التُّرْضَى) أل: اسْمُ مَوْصُولٍ بِمَعْنَى الَّذِي، نَعْتٌ لـ(الحَكَمِ) مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي محلِّ رَفْعٍ تَبعاً لِمَحَلِّ الْحَكَمِ، أَوْ فِي مَحَلِّ جَرٍّ تَبَعاً للفظِهِ، تُرْضَى: فِعْلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، ( حُكُومَتُهُ ) حكومة: نائبُ فاعلِ تُرْضَى مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَضَمِيرُ الغائبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وجملةُ الفعلِ ونائبِ فاعلِهِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ صلةُ أل، ( وَلا ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، لا: حَرْفٌ زَائِدٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، ( الأَصِيلِ ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَكَمِ، ( وَلا ) الْوَاوُ عاطفةٌ، لا: زَائِدَةٌ لتأكيدِ النَّفْيِ أيضاً، ( ذِي ) مَعْطُوفٌ بالواوِ عَلَى الْحَكَمِ، مجرورٌ بالياءِ نيابةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ السِّتَّةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَ ( الرَّأْيِ ): مُضَافٌ إِلَيْهِ، ( وَالْجَدَلِ ) الْوَاوُ: حَرْفُ عطفٍ، الجَدَلِ: مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْيِ، وَالمَعْطُوفُ عَلَى المجرورِ مجرورٌ، وعلامةُ جَرِّهِ الكسرةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (التُّرْضَى)؛ حيثُ دَخَلَتْ ( أل ) الموصولةُ عَلَى الفعلِ المضارعِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ( أل ) الموصولةَ ليستْ علامةً عَلَى اسميَّةِ مَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهَا كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الاسمِ فِي نَحْوِ: القائمِ والمضروبِ، تَدْخُلُ عَلَى الفعلِ كَمَا فِي هَذَا البيتِ ونحوِهِ مِن الشواهدِ.
وَنَظِيرُ هَذَا البيتِ فِي دخولِ (أل) الموصولةِ عَلَى الفعلِ المضارعِ قَوْلُ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيِّ:
يَقُولُ الْخَنَى وَأَبْغَضُ الْعُجْمِ نَاطِقاً = إِلَى رَبِّنَا صَوْتُ الْحِمَارِ الْيُجَدَّعُ
وقولُ ذِي الْخِرَقِ أَيْضاً:
فَيَسْتَخْرِجُ اليَرْبُوعُ مِنْ نَافِقَائِهِ = وَمِنْ جُحْرِهِ بِالشَّيْخَةِ الْيَتَقَصَّعُ
وَقَوْلُهُ الآخَرُ:
مَا كَالْيَرُوحُ وَيَغْدُو لاهِياً فَرِحاً = مُشَمِّرٌ يَسْتَدِيمُ الحَزْمَ ذُو رَشَدِ
وَمِن ذَلِكَ قَوْلُ سَلامَانَ الطَّائِيِّ ( تَهْذِيبُ اللُّغَةِ 4/285 ):
أَخِفْنَ اطِّنَانِي إِنْ سَكَتْنَ وَإِنَّنِي = لَفِي شُغُلٍ عَنْ ذَحْلِيَ الْيُتَتَبَّعُ
وَقَدْ وَرَدَتْ شَوَاهِدُ كثيرةٌ تَدُلُّ لهذهِ المسألةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دخولَ ( أل ) الموصولةِ عَلَى الفعلِ المضارعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ النُّحَاةِ، فَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ وَجَمْهَرَةُ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الاختيارِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً، وَتَمَسَّكُوا بِمَا وَرَدَ مِن الشواهدِ عَن الْعَرَبِ كهذا البيتِ. ( انْظُرْ شَرْحَنَا عَلَى الأَشْمُونِيِّ 1 - 169 )، وَذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ضَرُورَةِ الشعرِ، وَقَالَ الشيخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الجُرْجَانِيُّ: إِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ.
فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ دخولَ (أل) الموصولةِ عَلَى المضارعِ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ علاماتِ الاسمِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ (أل) الموصولةَ لا تَدْخُلُ عَلَى المضارعِ إِلاَّ ضرورةً جَعَلَ (أل) بجميعِ أنواعِهَا مِنْ علاماتِ الاسمِ.
([13]) يُرِيدُ (وَذَلِكَ كالتاءِ الَّتِي فِي قَوْلِكَ:قُمْتُ)؛ وَذَلِكَ لأَنَّ نسبةَ القيامِ إِلَى التاءِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ التاءَ اسْمٌ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ تمثيلِ المُؤَلِّفِ بِهَذَيْنِ المِثَالَيْنِ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ إِلَيْهِ مُتَأَخِّراً كَمَا فِي ( قُمْتُ )، أَوْ يَكُونَ المُسْنَدُ إِلَيْهِ مُتَقَدِّماً كَمَا فِي (أَنَا مُؤْمِنٌ )، كَمَا أَنَّهُ أَشَارَ بِهِمَا إِلَى أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ فِعْلاً كَمَا فِي ( قُمْتُ ) أَوْ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ اسْماً كَمَا فِي ( أَنَا مُؤْمِنٌ ).