"لا نفرق بين أحدٍ من رسله"؛ وذلك لأن الله -جلا وعلا- أثنى على عباده بعدم التفريق بين الرسل؛ لأن الرسل جميعاً جاءوا بشيء واحد. قال جلا وعلا: ] لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [. وهذا قول أهل الإيمان والرسل، بثناء الله –جلا وعلا- عليهم, وكذلك قول الله جلا وعلا: ] إِنَّ الَّذِينَ [يَكْفُرُونَ][1] بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ [.وهذا فيه الذم الشديد لهؤلاء اليهود,"نصدقهم كلهم على ما جاءوا به". يعني: أن الرسول الذي بعث إلى قومه برسالة فكل ما قاله عن الله –جلا وعلا- حق, ما علمنا منه وما لم نعلم، فلم يقل رسول من لدن نوح -u- إلى محمد r قولاً ينسبه إلى الله [–جلا وعلا- ويجعله من شريعته من دينه، ويكون في ذلك، ولا يكون في ذلك محقاً بل كل ما قالته الرسل فيما بَلَّغوا عن الله - جلا وعلا- يجب التصديق به إجمالاً فيما لم نعلم، وتفصيلاً فيما علمنا وعُلِمنا, والرسل –صلوات الله وسلامه عليهم- دينهم واحد، كما سيأتي في المسألة التالية.
يريد الطحاوي بذلك أن نفس أهل السنة وأهل القبلة سليمة تجاه رسل الله جلا وعلا, فيؤمنون بالجميع, ويسلمون للجميع, خلافاً لأهل الملل الباطلة الزائغة، الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً, على هذه الجملة بعض المسائل الأولى الرسل دينهم واحد والله -جلا وعلا- لم يبعث رسولاً إلا بدين الإسلام، ولكن الشرائع تختلف][2]، كما قال جلا وعلا: ] لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [ وقال: ] إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [ وقال: ] وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ يعني: سواء أكان من قبل محمد عليه الصلاة و السلام أم كان بعد محمد r,لا يقبل الله من أحد إلا الإسلام، فالرسل جميعاً دينهم واحد, كما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((الأنبياء أخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى)). وهذا يبين لك أن أهل الإسلام وخاصة أهل السنة والجماعة لا يقولون ولا يعتقدون بأن الأديان التي جاءت من السماء متعددة، كما يقول الجاهل: الأديان السماوية, فالسماء التي فيها الرب -Y- وتقدس في علاه ليس منها.. ليس منها إلا دين واحد، وهو الإسلام, جاء به آدم -u- وجاء به نوح, وجاء به جميع المرسلين إلى نبينا محمد r ,فدين موسى -u- الإسلام، ودين عيسى -u- الإسلام، ودين إبراهيم -u- الإسلام، وهكذا فجميع المرسلين جاءوا بدين الإسلام الذي لا يقبل الله -جلا وعلا- من أحد سواه: ] إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [. ومن الباطل قول القائل: الأديان السماوية ففي هذا القول تفريق بين الرسل؛ لأن الرسل دينهم واحد، نصدقهم كلهم على ما جاءوا به، لم يأتوا بعقائد مختلفة, ولا بأخبار مختلفة غيبية، فكل الرسل يصدق بعضهم بعضاً, فيما أخبروا به عن غيب الله –جلا وعلا- ما يتعلق بأسماء الله –جلا وعلا- بصفاته، بذاته العلية –جلا وعلا- بالجنة بالنار، الأخبار ليس فيها نسخ، الأخبار ليس فيها تغيير ما بين رسولٍ ورسولٍ، فالأمور الغيبية كل ما جاءت به الرسل فيها حق، لهذا نصدق إجمالاً بكل ما جاءت به الرسل، ونحبهم جميعاً, ونتولاهم جميعاً, وننصرهم جميعاً، ننصر دينهم دين الإسلام، الذي جاءت به الرسل جميعاً.
المسألة الثانية: شرائع الرسل تختلف, وهي التي تضاف إليها الملة، فيقال: اليهودية، يقال: النصرانية ونحو ذلك، هذا باعتبار الشرائع، باعتبار اختلاف الشرائع، والشريعة هي ما لا يختص بأمور الغيب، مما يتعلق بالأمور العملية الله –جلا وعلا- يشرع ما يشاء, بما يوافق حكمته البالغة, تقدس ربنا وجل في علاه, فإذن الفرق ما بين الدين العام والشريعة أن الشريعة.. الدين العام هو ما يتصل بالغيب، والشريعة هي ما يختلف به من جهة العمل, ولهذا تجد بين الرسالات ربما كان في الشرائع اختلاف في بعض وسائل، في بعض الوسائل, مثلاً: وسائل الشرك, ففي بعضها ما يباح، وفي بعضها منعت, مثلا:ً اتخاذ التماثيل كان مباحاً في شريعة موسى, سليمان: ] يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ [.
كذلك بعض أنواع التوسل، بعض أنواع الانحناء والتحية، هذه وسائل راجعة إلى جهة العمل، ليس على جهة الاعتقاد الغيبي وما يختص الله جلا وعلا به، هذه منعها منع وسائل، فهذه راجعة إلى الشرائع, وما يشرعه الله -جلا وعلا- لكل أمة, أما العقيدة المتصلة بالغيب فها هو الدين العام، دين الإسلام العام الذي بعث الله -جلا وعلا- به جميع المرسلين, محمد r له خصوص، وهو أن رسالته جمعت دين الإسلام وشريعة الإسلام، فالاسم اسم الإسلام الكاملالأحق به محمد عليه الصلاة و السلام؛ لأن شريعته سماها الله الإسلام، ولأن الدين الذي جاء به الإسلام, كما جاءت به جميع الرسل, فجمع الله له ما بين شريعة الإسلام ودين الإسلام, فصار مختصاً بهذا الاسم, دون غيره.
المسألة الثالثة: لا نفرق بين أحد من رسله، خلافاً لكل أهل الملل والديانات، ويجوز أن نقول: ديانات؛ لأن لكل أمة دين، لكن ما نضيفها إلى السماء, يعني: ما نقول: ديانات سماوية، ديانات اليهودية, والنصرانية… إلخ، باعتبار ما هي عليه هنا، هذه جميعاً فرقت بين الرسل, ولهذا في الحقيقة من فرق بين الرسل فليس له حظ في الإيمان بالرسل، حتى إن رسولهم الذي أرسل إليهم ما دام أنهم فرقوا ليس لهم حظ في الإيمان به, فإذن نقول: حقيقة النصارى لم يؤمنوا بعيسى، حقيقة اليهود –بعد تحريف الدين- لم يؤمنوا بموسى u, وإنما أحبوا وآمنوا بشيء وضعوه في أذهانهم, سموه عيسى, وسموه موسى, وسموه داود, وسموه سليمان، وإلا فالرسل متبرئون ممن عبدهم, أو ممن لم يؤمن بكل رسول, من الذي آمن؟! المسلمون آمنوا بكل رسول، لهذا الأحق بحماية ميراث الأنبياء جميعاً والرسل والدفاع عنهم وبأن يرث ما ورثوه هم أهل الإسلام، ولهذا جعل الله –جلا وعلا- القرآن مهيمناً على كل كتاب.
[1] هذه الكلمة خطأ والصواب{كفروا} [سورةالنساء :150]
[2] ربما يكون هذا الجزء مقطوع من الشريط