دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > منتدى دراسة التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 شوال 1437هـ/20-07-2016م, 11:15 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي فهرسة المسائل العلمية وأثرها في البناء العلمي

بسم الله الرحمن الرحيم

فهرسة المسائل العلمية
وأثرها في البناء العلمي
..

تمهيد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، ما ترك من خيرٍ إلا دل الأمة عليه، ولا شرٍ إلا حذرها منه، حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك


أما بعد
فإنَّ حاجة الأمة إلى العلماء ماسة، وإنّ العناية بإعداد العلماء وتهيئة السبل المعينة لطلاب العلم على حسن التحصيل وقوة التأصيل من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة؛ فإنّ العلماء هم رؤوس الناس؛ يصدرون عن أقوالهم وبيانهم وفتاويهم، فإن أرشدوهم بما بيّنه الله من الهدى رشدوا وأفلحوا، وإن كتموا الحقّ ولبّسوا عليهم ضلّوا وأضلّوا.
ولذلك اشتدّ الوعيد على نوعين من العلماء:
النوع الأول: الذين يكتمون الحقّ عند الحاجة إلى بيانه، كما قال الله تعالى: {إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}
قال ابن جرير رحمه الله: (وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاصٍّ من النّاس؛ فإنّها معنيٌّ بها كلّ كاتمٍ علمًا فرض اللّه تعالى بيانه للنّاس).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار). رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.

والنوع الآخر: الذين يلبسون الحقّ بالباطل؛ فيضل بتلبيسهم بعض الناس، فيكون هؤلاء الملبّسون المضلّون ممن يصد عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون}.

وحاجة الناس إلى من يرشدهم ويبصّرهم حاجة ماسّة لا بدّ لهم منها، فإذا لم يجدوا علماء صالحين مصلحين يرشدونهم إلى الحقّ ؛ عظّموا بعض المتعالمين وصدروا عن رأيهم، ويدلّ لذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتّخذ الناس رؤوساً جهّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )). رواه البخاري ومسلم.
فلمّا كانت حاجة النّاس للسؤال حاجة دائمة باقية ما بقوا ولم يجدوا علماء يسألونهم اتّخذوا رؤوساً جهّالاً فسألوهم.
وهذا يفيدنا أن حاجة الأمّة إلى من يرشدها ويبصّرها ويبيّن لها الحق حاجة ملحّة باقية، ولا سيّما في الفتن ومدلهمّات الأمور وما تبرأ به الذمّة.
ولهذا كان من أهمّ الواجبات العامّة على الأمّة إعداد العلماء الذين يسدّون هذه الحاجة، ويقومون بهذا الواجب الكفائي.

ومما يعين على ذلك ويمهّد الطريق إليه إعداد طلبة علم يحسنون فهم مسائل العلم، والاستدلال لها، ويعرفون الأدلة وأقوال العلماء في أبواب العلم ويضبطون أصول دراسة المسائل العلمية، ويتمكّنون من دعوة الناس لما ينفعهم ويرشدهم، ويكون لديهم من العلم بأصول ردّ الشبهات ما ينفعهم وينفعون به الأمّة – بإذن الله – فيثبُتُون عند ورود فتن الشبهات، ويثبّتون غيرهم، ويبصّرونهم بما تنجلي به تلك الشبه.

وأصل بلاء الشبهة ناتج عن آفتين خطيرتين وقد تجتمعان:
الآفة الأولى: الجهل.
والآفة الثانية: اتّباع الهوى.
وأكثر من يثير الشبهة من يتّبع الهوى، وأكثر من يتأثّر بها الجهلة، وقد قال الله تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إنّ الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.
والشبه خطّافة، ويزيّنها بعض الفاتنين من شياطين الإنس والجنّ بزخرف القول ليغرّوا بها الجهلة الذين لا يميّزون صحيح القول من فاسده، ولا حقّه من باطله.
وقد يتركّب مع الجهل حماس شديد يؤدّي بصاحبه إلى الظلم والعدوان، فيظلم نفسَه ويظلم غيره؛ ويجتمع بهذه الفتنة عليه وعلى الأمّة أنواع من الشرور، والعياذ بالله.

ومن تأمّل الأحداث التي ابتليت بها الأمّة ، وافتراق الفرق واختلاف الأهواء، ونشوء الأحزاب التي أُشرب أصحابها الفتن في قلوبهم حتى جرّ ذلك بعضهم إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات، والموالاة والمعاداة على الأحزاب، والغلو في تعظيم بعض الأشخاص، والتهاون في شأن التكفير، وتسويغ موالاة الكفار ، كلّ ذلك سببه الجهل واتّباع الهوى في الأصل.
وعلاج هاتين الآفتين: بالصبر واليقين، واليقين لا يُنال إلا بالعلم.
واليقين مُعينٌ على الصبر ؛ فإنّه يسهل منه على صاحب اليقين ما لا يسهل على غيره ممن ضعف يقينه.
ولذلك كانت الحاجة إلى إحسان التعلّم حاجة ملحّة.

معايير إحسان التحصيل العلمي:
ملاك العلم بثلاثة أمور:

1: حسن الفهم.
2: وقوة الحفظ.
3: وسَعَة الاطلاع

وطلاب العلم يتفاوتون في هذه الأمور تفاوتاً كبيراً، فمن كان محسناً فيها جميعاً كان من العلماء الكبار، ولكل واحد من هذه الأمور الجليلة مقوّمات تعين على الإحسان فيها، ويعين بعضها على بعض.

- فحسن الفهم ملكة من رُزقها فقد أوتي خيراً كثيراً، فإنه يستجلب بها من البركة في مسائل العلم شيئاً عظيماً إذا صلحت نيّته وزكت نفسه واستقامت طريقته.
وحسن الفهم له أمور تعين عليه، من أهمّها أن تكون دراسة طالب العلم على منهج صحيح يراعى فيه التدرّج العلمي، وملاءمة المنهج لحال الطالب، وأن يضبط أصول العلم الذي يدرسه، وأن تكون دراسته تحت إشراف علمي من عالم أو طالب علم متمكّن ليرشده إلى ما ينفعه ويجيب على ما يشكل عليه من الأسئلة .
لأنّ طالب العلم إذا ضبط أصول العلم الذي يدرسه وعرف قواعده، وكيف تُبحث مسائله، وعرف أئمّة ذلك العلم وقرأ بعض كتبهم وعرف مناهجهم وشيئا من سيرهم وأخبارهم فإنّه يزداد بصيرة بذلك العلم، ويكون أقرب إلى النجاة من فتن الشبهات التي تثار في ذلك العلم إذا سلم من اتّباع الهوى.
ثم في كلّ مسألة تثار فيها الشبهة أو يحتاج الطالب إلى دراستها مقوّمات تعين على حسن الفهم فيها وإزالة الإشكالات التي ترد على بعض الطلاب ، وكشف الشبهات التي يثيرها من يثيرها من أصحاب الأهواء.
فمن ذلك أن يدرس تلك المسألة دراسة واعية وافية غير مجتزأة ولا متعجلة فيطّلع على ما قيل في تلك المسألة من كتب أهل العلم من مصادرها الأصلية أو البديلة، وكلما ازداد الطالب بصيرة بالعلم الذي يدرسه ازداد معرفة بمظان المسائل التي يبحث فيها.
والخلاصة أن الباحث إذا جمع أقوال العلماء في تلك المسألة واجتهد في تقصّيها واستيعابها وميّز المتقدّم منها عن المتأخّر، وعرف ترتيب أقوال العلماء وكيف تناقلوا الحديث في تلك المسألة؛ فإنّه يسهل عليه بإذن الله أن يعرف أقوال الأئمة في تلك المسألة والقول الصواب فيها، ويعرف منشأ الإشكال وسبب إثارة الشبهة، ويتعرّف على أسباب انتشار بعض الأقوال الخاطئة.
وهذا الكلام إنما أقوله لكم في هذا الوقت لا أريد منه أن تقوموا بجمع أقوال العلماء وتقصّيها في تلك المسائل، فإنّ هذا الأمر يحتاج فيه إلى عمل مؤسّسي أو تأهّل علمي حسن بحيث يكون الباحث واسع الاطلاع صاحب خبرة وجلد على بحث المسائل العلمية.
وإنما المطلوب هو أن يتدرّب الطالب على فهرسة المسائل العلمية من مصادر معدودة ليتعرّف الطريقة ويتقنها، وينتفع بها في دراسته لمسائل العلم فيما يدرس من الكتب، حتى يتمهّر بهذه الطريقة ويتفنّن فيها؛ حتى إذا ما تجاوز مرحلة التأسيس العلمي أمكنه الانطلاق في بناء أصل علمي كبير متقن في العلم الذي يرغب أن يتخصص فيه.

-وأما قوة الحفظ فيتفاوت فيها الطلاب تفاوتاً ظاهراً، لكن مما يعين على قوّة الحفظ: تنظيم الدراسة، ومداومة النظر ، وكثرة التكرار ، وأن يكون للطالب أصل مختصر في العلم الذي يدرسه إما أن ينتقي كتاباً مختصراً أو يتّخذ لنفسه ملخّصاً جامعاً يدمن النظر فيه حتى ترسخ مسائله في قلبه.
قال ابن أبي حاتم سألته [أي البخاري]: هل من دواء يشربه الرجل، فينتفع به للحفظ ؟
فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي، وقال: (لا أعلم شيئا أنفعَ للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر).
وقد كان رحمه الله من شدّة نهمته وإدامة نظره في الكتاب ربّما استيقظ من نومه في الليلة الواحدة مراراً ويضيئ السراج فيراجع حديثاً أو مسألة أو يدوّن شيئاً.
وبمثل هذه النهمة وإدامة النظر يحصل للدارس قوّة الحفظ بإذن الله تعالى بلا كدّ ذهني.
وسأضرب لكم مثالاً يوضّح هذه القضيّة ويبيّن تيسّر الحفظ لمن نظّم دراسته لمسائل العلم، وذلك باعتبار حفظ عناوين المنازل؛ فإذا دُفعت إليك ورقة فيها عنوان منزل من المنازل ، وكان في وصف ذلك العنوان طول ، وطُلب منك أن تحفظ الوصف المكتوب في ورقة فإنّك قد تجد في حفظه مشقة، وقد يفوتك بعض الجمل المهمة بحيث لو نقلت لغيرك ما حفظته لضلّ الطريق.

لكنّك إذا ذهبت إلى المكان وعاينته وعرفت الطريق إليه ؛ فإنّك تكاد تحفظه من أوّل مرّة ، ثم إذا ترددت عليه مرتين وثلاث مرات وأكثر من ذلك سهل عليك حفظه بلا مشقّة، بل تجد أنك تستطيع وصفه لغيرك بطرق متعددة.
فكذلك مسائل العلم، إذا أحسن طالب العلم تنظيمها، وعرف مظانّ بحثها، وعرف أقسام العلوم، وما يتضمّنه كلّ علم من الأبواب ، وما يتضمّنه كلّ باب من المسائل، وخلاصة القول في كلّ مسألة؛ فهو كمثل الرجل ينزل في قرية فيها بيوت كثيرة ، ويتعرّف كلّ يوم على منازل حيّ من الأحياء فإنّه لا يلبث زماناً طويلاً حتى يعرف منازل القرية معرفة جيّدة لا يجد في تحصيلها ولا تثبيتها كدّا ذهنياً ، ولا مشقّة غير مشقّة المداومة على تعاهد أحياء القرية بالزيارة.
وهذا مثال للتقريب.
ولو أنّك عمدت إلى علم من العلوم ودرست فيه كتاباً مختصراً واستخلصت مسائله ونظّمتها في ملخّصك وذكرت في كل مسألة خلاصة القول فيها ثمّ تعاهدت هذا الملخّص بالقراءة والإضافة والتصحيح، ثم نظّمت القراءة في كتب ذلك العلم؛ فستجد نفسك بعد سنوات يسيرة قد حصّلت علماً غزيراً متقناً شاملاً لأبواب ذلك العلم.
ومن طلاب العلم من يشتغل بحفظ المنظومات والمتون ليستذكر بها أبواب العلم الذي يدرسه ومسائله وبعض قواعده وضوابطه وتحريراته، والمداومة على مراجعة المحفوظات، وإدمان مطالعة الأصول العلمية مما يعين على رسوخ المعرفة بمسائل العلم.

وأمّا سعة الاطلاع فتنال بتنظيم القراءة والتوسّع فيها بعد بناء أصل علمي حسن في العلم الذي يطلبه، وأما التوسّع على غير أصل متين فإنّ ثمراته محدودة وقد ينتج لصاحبه أنواعاً من الخلل في التصوّر والمعرفة لأنّ كثيراً مما يقرأ يحتاج فيه القارئ إلى تمحيص وتمييز صوابه من خطئه، وحقّه من باطله، والقفز إلى هذه المرتبة قبل إتقان ما قبلها كان من أسباب انحراف كثير من أهل الأهواء مع ما هم عليه من مخالفة الاتّباع والنزعة إلى الابتداع.

وتحصيل سعة الاطلاع مع الإتقان وحسن المعرفة يحتاج فيه طالب العلم إلى معاناة القراءة الكثيرة المنظّمة سنوات عديدة، وفي تلك المرحلة تظهر له أدوات علمية تعينه على اختصار كثير من الجهد والوقت، وتزيد من حسن تحصيله ومعرفته وسعة اطّلاعه، ومن ذلك أن يحسن فهرسة المسائل العلمية، وأن يحسن الاستفادة من الأعمال الموسوعية التي قام بها جمع من العلماء.

والدأب على القراءة وحسن التحصيل من أبرز أسباب النبوغ العلمي، وكان من العلماء من ينقطع للقراءة سنوات من عمره؛ فانتفع بتلك المرحلة انتفاعاً كبيراً يكون له أثره البالغ في مسيرته العلمية.
فيذكر عن شيخ العربيّة في زمانه الأستاذ محمود شاكر رحمه الله أنه اعتزل الناس وانقطع للقراءة الواسعة ثلاث عشرة سنة، وكان رحمه الله صاحب جلد على القراءة، حتى إنه لما طلب منه شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ أن يختار له كتاباً في متن اللغة ليضبط منه مفردات اللغة أوصاه بلسان العرب لابن منظور؛ فقال الشيخ صالح: لكنه في عشرين مجلداً !!
فقال: وأيّ شيء عشرون مجلداً!! قرأناه على شيخنا مرتين، وقرأناه في المرة الثالثة ولم نتمّه.
وقال الشيخ محمّد عبد الخالق عضيمة رحمه الله: (عرفنا الأستاذ محمود على البعد، إلى أن قاربنا نهاية الدراسات العليا، واجتمعنا في منزل شيخنا محمود نور الحسن لقراءة درس التعيين سنة 1940م، ومعنا أربعة من كبار شيوخنا، وكان موضوع درس التعيين توابع المنادى، ثم فاجأنا الأستاذ محمود بزياته ونحن نقرأ: (يا زيد عائد الكلب) فسألنا: أعائد الكلب بالدال أم عائذ الكلب بالذال؟
فقلنا: الذي في كتابنا عائد الكلب بالدال.
فأجاب على الفور: عائد الكلب جماعة، منهم فلان وفلان.. وسمي عائد الكلب لقوله:
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
وعائذ الكلب بالذال جماعة.. ثم تركنا واتجه إلى مكتب الشيخ نور، وحينئذ علت وجوهنا الدهشة، وتملكنا البهر من روعة هذه المفاجأة، وملأ نفوسنا الإعجاب به، والإكبار له)ا.هـ.
فهذه المعرفة الموسوعية المبهرة إنما حصلت له بمكابدة القراءة سنوات عديدة بنهَمٍ وهمّة عالية، وتنظيم حسن تمكّن به من ربط المعلومات بعضها ببعض.

وكذلك الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله كان مبهراً في سعة اطلاعه وحسن تدقيقه في مسائل العربية، وهو الذي ألّف الموسوعة الجليلة في دراسات أساليب القرآن الكريم، وأمضى في إعدادها أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقال في كلمة الختام: (فقد أذن الله لهذا البحث أن يكتمل وأن يرى النور بعد أن أمضيت في إعداده وطباعته ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً تابعت فيها الدرس، وواليت البحث من غير كلل ولا ملل، فجاء في أحد عشر جزءاً ضخماً ، ولقد كنت أخشى أن يحول الأجل دون الأمل، فالحمد لله والشكر له على أن مدَّ في عمري وهيأ لي الأسباب التي مكنتني من طباعته).
وقال: (وما من شك في أن هذه الدراسات قد أثرت الدراسات النحوية إثراء عظيماً، وحفلت بالكثير من الطرائف والفوائد والفرائد.
وما ذلك إلا لكثرة المراجع التي اعتمدت عليها وتنوعها.
لم أقتصر على كتب النحو وحدها، ولا على كتب الإعراب وحدها، ولا على كتب التفسير وحدها، وإنما شملت القراءات كثيراً من الكتب المختلفة. كما ارتكزت هذه الدراسات على استقراء أسلوب القرآن وقراءاته المتنوعة).ا.هـ.
وموسوعته هذه من أعاجيب العصر، وقد يسّر الله لنا نسخها وإدراجها في موقع جمهرة العلوم وتنسيقها ووضع أدلّة مقرّبة لمسائلها، وقد قام بذلك إخوانكم وأخواتكم من طلاب المعهد والمشرفين.
وتجدون روابط أدلتها في دليل جمهرة العلوم ( هنا)

والأستاذان الجليلان محمود شاكر ومحمد عبد الخالق عضيمة لهما إسهامات جليلة في الفهرسة العلمية.
فالأستاذ محمود شاكر فهرس مسائل كتابي دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني فهرسة علمية دقيقة.
وقال في هذين الكتابين: ( فهما أصلان جليلان أسّسا قواعد النظر في علم بلاغة الألسنة عامّة، وبلاغة اللسان العربي المبين خاصة).
كتاب أسرار البلاغة: ( هنا ) [يبدأ الفهرس من ص 472 إلى صفحة 548]
ومن قرأ فهرسة الأستاذ محمود شاكر لهذا الكتاب فسيجد أنّها كاشفة لمحتوى الكتاب مبرزة لمسائله تفيد من يكرر مطالعة هذا الفهرس حسن الإلمام بهذا الكتاب الجليل واستظهار مسائله.
-وكذلك فعل في كتاب دلائل الإعجاز ( هنا ). [يبدأ الفهرس فيه من صفحة 671 إلى صفحة 684]

-وكتاب المقتضب للمبرد بتحقيق عضيمة (هنا)
وقد قال رحمه الله في مقدّمة الطبعة الثالثة: (إذا كان نشر المقتضب قد حقق لي أمنيّة من أعزّ أمانيّ ؛ فقد انشرح صدري إلى أنني جعلت مسائل المقتضب على حبل الذراع بما صنعته من الفهارس؛ فإنّ فهارس المقتضب خطوة في سبيل تيسير النحو.
لقد كانت هناك فواصل وحواجز تمنع كثيراً من المثقّفين وتحول بينهم وبين الرجوع إلى كتب النحو؛ فرفعت فهارس المقتضب هذه الحواجز ، وجعلت قواعد النحو مطروحة في الطريق وعلى طرف الثمام لكل قارئ مهما كانت ثقافته، وهذا ما استهدفته في وضع الفهارس)ا.هـ.

والمقصود بعرض هذه الأمثلة الثلاثة بيان فائدة الفهرسة المفصّلة لمسائل العلوم، وأنّها تختصر على الدارس شيئاً كثيراً بإذن الله تعالى، وتعين على حسن فهم المسائل العلمية وتصوّرها وحفظها.

وهذه أيضاً نماذج لبعض الكشافات التحليلية لشروح المتون العلمية ( هنا ) كنت قد عملت عليها قبل أكثر من عشر سنوات، وهي متفاوتة في درجة التفصيل، ولعل أجودها من حيث الصنعة العلمية كشاف الأربعين النووية، والقواعد الفقهية، والآجرومية، ونخبة الفكر، والورقات.

والفهرسة العلمية لها أنواع،وقد تكلّم في بيان أهميّتها جماعة من أهل العلم، وحاول بعضهم أن يقوم بمشروعات علمية في الفهرسة لكن أعاقتهم عوائق، وكثير من تلك العوائق قد زالت في هذا العصر بما أنعم الله علينا من نعمة تقنية المعلومات.
ومن أراد أن يطّلع على شيء من ذلك فليقرأ مقدّمة تحقيق الأستاذ الجليل أحمد شاكر لسنن الترمذي.
فقد أطنب في الحديث عن الفهرسة العلمية ثم قال في خاتمة حديثه عنها: (وقبل أن أختم هذا البحث أرى واجبًا عليَّ –لمناسبة الكلام في الفهارس- أن أُنَوِّه برجلٍ نابغة مدهش، مجهول مغمور في هذا البلد، هو الأستاذ الشيخ مصطفى علي بيومي. هذا الرجل قد نبغ في فن الفهارس وصناعتها نبوغًا عجيبًا، وأنا أشهد له –شهادة خالصة لله- أنه قد فاق في هذا كلّ مَن علمناه، ممن تقدم أو تأخر. هذا الرجل لو كان في بلد لم يُبْتَلَ بتقديس الأجانب، وعلمِ الأجانب، وعمل الأجانب، ولغة الأجانب-: لكان له شأن أي شأن، ولعُهِد إليه بوضع الفهارس لدور الكتب، ولما فيها من علوم ومعارف، وتراجم وتواريخ. ولو كان لي شيء من السلطان لعرفتُ كيف أُظهر علمه ونبوغه، ولعرفت كيف أُنظِّم عمله، وكيف أوجِّهه التوجيه الصحيح، ولكن ....).
وترك الأذهان حائرة في مدلول هذه النقط.
وقد قال رحمه الله لما رأى كتاب "مفتاح كنوز السنّة" : (لو وجد بين يدي مثل هذا المفتاح لسائر كتب الحديث لوفّر عليَّ أكثر من نصف عمري).
والأمّة اليوم فيها من النوابغ والنوابه ما يكفون حاجة الأمّة إذا وجدوا من يدلّهم على الطريق، ويدرّبهم على فهرسة المسائل العلمية، ويعينهم على القيام بالمشروعات العلمية التي تنفع الأمّة بإذن الله.


أنواع الفهرسة العلمية:
مما ينبغي أن يُعلم أن الفهرسة العلمية على أنواع كثيرة متعددة، وكلّ نوع له فوائده المعتبرة:
- فمنها: فهرسة المحتوى: كفهارس الأبواب والعناوين والمسائل.
- ومنها: فهارس الآيات والأحاديث والآثار والشواهد الشعرية والأماكن وغيرها.
- ومنها: فهارس الكتب والمؤلفين، ولها أنواع متعددة، وطرق في التصنيف والترتيب.
- ومنها: فهارس العلوم، ولها أنواع وطرق مختلفة في التصنيف والترتيب كذلك.
- ومنها: الفهارس النوعية، وهي الفهارس التي يُعنى فيها المفهرس بنوع معيّن من المواد العلمية في كتاب يتضمن أنواعاً من تلك المواد العلمية، ومن أمثلة ذلك:

أ- فهرسة المسائل العقدية في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ب- فهرسة المسائل الفقهية في أحكام القرآن للقرطبي.
ج- فهرسة المسائل النحوية في تفسير أبي حيان.

والنوع الذي يعنينا في هذا البرنامج هو ما يتعلق بفهرسة المسائل العلمية سواء أكانت فهرسة شاملة أم نوعية.

الفرق بين التلخيص وفهرسة المسائل العلمية
فهرسة المسائل العلمية قد يتوسّع فيها المفهرِس فيذكر أسماء المسائل وتنظيم ما يتّصل بها من تفصيلاتها، كالأدلّة والأقوال والتقسيمات والاعتراضات وغيرها حتى يكون فهرسه ملخّصاً علمياً، وقد يقتصر على رؤوس المسائل ويرتّبها ترتيباً موضوعياً؛ فيكون فهرساً خاصّا بأسماء المسائل.
والتفصيل في الفهرسة أنفع لطالب العلم، لكن اعتماد التفصيل في جميع ما يقرأ الطالب من الكتب العلمية يستغرق وقتاً كثيراً وجهداً كبيراً، ربّما يعوّق بعض الطلاب عن مواصلة القراءة، أو يؤخّرهم فيها، ولذلك يوصى الطالب بأن يجمع بين ثلاثة طرق في فهرسة المسائل العلمية ليحسن بناء أصله العلمي:
الطريقة الأولى: الفهرسة التفصيلية لمسائل الكتب المهمّة التي تعدّ عمدة في التعلّم؛ لأنّ تلك الكتب من أصول العلم الذي ينبغي لطالب العلم أن يحسن دراسة مسائلها.
والطريقة الثانية: الفهرسة المختصرة التي يقتصر فيها على رؤوس المسائل والتنبيهات المتّصلة بها، وذلك يكون لعامة الكتب التي يقرؤها في ذلك العلم قراءة منظّمة.
والطريقة الثالثة: الفهرسة النوعية لمسائل الكتب الكبار التي لها صلة بالعلم الذي يطلبه فيفهرس منها ما يتعلّق بعلمه.
ويجمع ما يتحصّل له من هذه الطرق الثلاث في أصله العلمي الكبير، ويعتني بتنظيمه وتهذيبه، ومداومة الاطّلاع عليه والإضافة إليه حتى ينمو أصله بنموّ تحصيله العلمي.

فوائد فهرسة المسائل العلمية:
الفهرسة العلمية لها فوائد بالغة الأهمية لطلاب العلم والباحثين، ومن أبرز تلك الفوائد:
1. تقريب الوصول إلى المعلومة بدلالة الفهرس عليها، ولعل هذه الفائدة هي أبرز الفوائد وأجلّها، فكم من معلومة في بطون الكتب لم يصل إليها الباحثون إلا بدلالة تلك الفهارس، ولذلك فإنّ البرامج الإلكترونية لا تغني عن الفهرسة العلمية، لأن كثيراً من المسائل يعبّر عنها بألفاظ مختلفة، ومن اقتصر على البحث النصي فاته كثير من مواضع ذكر المعلومة التي يحتاج إلى البحث عنها.
2. أن الفهرسة تعين المفهرس على التيقظ للمسائل العلمية التي يفهرسها، وكم من موضع تضمّن مسألة علمية قد يغفل عنها من لا يقرأ بتلك اليقظة فيفوته موضعها والوصول إليها عندما تطرأ الحاجة إليها؛ لأن قراءته لم تكن متقنة منظّمة، ولم يضبط مسائل الكتاب الذي قرأه.
وهذا أمر مجرّب؛ فإنّ من قرأ كتاباً أو درس درساً ثم تطاول عليه الزمن نسي غالبه إلا أن يجد ما يذكّره به، بل ربما لخّص كتاباً ثمّ رجع إليه بعد مدّة طويلة فإذا بكثير مما يجده في ملخّصه كأنما يقرأه لأوّل مرة، وهو قد كتبه بيده، واستخلصه بفهمه، وذلك بسبب طول العهد به؛ ومن كان كذلك فنسيانه للمسائل التي لم يفهرسها أولى.
وقد تعرض لطالب العلم حاجة إلى بحث مسألة قد قرأها في كتاب فلم يتفطّن لوجودها فيه لما حضرته الحاجة إلى بحثها، وذلك راجع إلى أنّه لم يفهرس تلك المسألة أو لم يضمّ فهرسه إلى أصله العلمي الذي يدمن مراجعته وتهذيبه.
3. ومن فوائد فهرسة المسائل العلمية أن طالب العلم يحصل به بعد استخلاص أسماء المسائل وتصنيفها والموازنة بينها فوائد جليلة القدر تعينه على إدراك التناسب بين تلك المسائل ، واكتمال دائرة مسائل الباب الذي يبحثه، واكتشاف ما قد يلحظه من النقص والإغفال، ووصول طالب العلم إلى هذه المرحلة من أعظم أسباب توسيع مداركه، واكتساب الخبرة بطرق بناء العلوم على المسائل، وأنواع نشأة المسائل العلمية، وتنوّع طرق تناول العلماء لها، وعوارض تلك المسائل، إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة التي هي من شأن خواصّ أهل العلم.

خطوات عمل فهرسة المسائل العلمية
إذا أراد طالب العلم أن يفهرس مسائل درس من الدروس أو كتاب من الكتاب؛ فينبغي أن ينظّم طريقة فهرسته على خطوات متسلسلة حتى يتقنها، وتخفّ عليه فيما بعد لاعتياده طريقة منظّمة في الفهرسة.
وأقترح لتنظيم فهرسة المسائل العلمية الخطوات التالية:

أولاً: استخلاص عناصر الدرس
وهي الجمل العريضة التي تندرج تحتها مسائل متعددة، والعنصرة مهارة ينبغي لطالب العلم أن يتدرّب على إتقانها لأهميتها وكثرة فوائدها، لأنها تعين الطالب على معرفة الخريطة الإجمالية للدرس، وتفيده في أخذ تصوّر شامل لأهم محتوياته، وتهيّئه لتناول كلّ عنصر بالتفصيل.
وفي حالة فهرسة المسائل من كتاب فإن كان الكتاب كبيراً مقسماً إلى أبواب فيعامل كل باب معاملة الدرس الواحد، وإن كان الكتاب صغيراً غير مبوّب فيجتهد في وضع عناصر له.
ثانياً: استخلاص المسائل المندرجة تحت كلّ عنصر.
وكل مسألة لها رأس وتفصيل؛ ونعني برأس المسألة اسمها الذي تعرف به، وتفصيلها ما يتصل بها من بيان وتقسيمات وأقوال وأدلة وعلل واعتراضات.
فإذا أراد الطالب التفصيل في فهرسته احتاج إلى الخطوات التي سبق بيانها في دورة تلخيص الدروس العلمية ( هنا )
وإذا أراد الاختصار اكتفى بذكر رؤوس المسائل.
وطالب العلم بحاجة إلى التمرن على تسمية المسائل، والاشتغال بهذا مدّة من عمره يعينه على التعرف على طرق العلماء في تسمية المسائل واكتساب ملكة حسنة في اكتشاف المسألة وتسميتها.
ثالثاً: ترتيب العناصر والمسائل ترتيباً موضوعياً
، ولو كان على خلاف الترتيب الأصلي للكتاب، وهذا الترتيب يفيد الطالب في تصور مسائل الدرس بتسلسل جيّد وتنظيم حسن، يعينه على الفهم والضبط.

أمثلة
المثال الأول: فهرسة مسائل شرح حديث تميم الداري رضي الله عنه مرفوعاً: (الدين النصيحة...). وهو مثال على فهرسة مسائل درسٍ علمي من شروح متعدّدة.
المثال الثاني: فهرسة مسائل رسالة "أمراض القلوب وشفاؤها" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو مثال على فهرسة المسائل العلمية في كتاب من كتب أهل العلم.
المثال الثالث: فهرسة مسائل أنواع جمع القرآن، وهو مثال على فهرسة المسائل العلمية في باب من أبواب العلم من كتب متعددة يختار منها ما يتعلّق بهذا الباب.

تطبيقات
التطبيق الأول: فهرسة مسائل مقدمة تفسير ابن جرير. | المقدمة: هنا
التطبيق الثاني: فهرسة مسائل مقدمة التفسير لابن تيمية. | المقدمة: هنا




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 شوال 1437هـ/24-07-2016م, 02:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

المثال الأوّل: فهرسة مسائل شرح حديث تميم الداري رضي الله عنه مرفوعاً: (الدين النصيحة).
الدرس: هنا



اقتباس:
عن تميم بن أَوس الدَّاريِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ).
قُلْنَا: لِمَنْ؟
قالَ: (للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواهُ مسلمٌ.

تخريج الحديث
- هذا الحديث رواه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري، ورواه الترمذي من حديث سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة.
- من العلماء من صحح الحديث من الطريقين جميعاً، ومنهم من قال: إن الصحيح حديث تميم، والإسناد الآخر وهم.
- روي هذا الحديث أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وثوبان وابن عباس.
- وروي في معنى هذا الحديث وبعض معناه أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.

موضوع الحديث

- الحثّ على النصيحة وبيان عظم شأنها وشمولها لمسائل الدين.

منزلة الحديث

- ذكر أبو داوود السجستاني أنّ هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.
- وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين.

ترجمة الراوي
· تميم بن أوس الداري رضي الله عنه
- هو أبو رقيّة تميم بن أوس الداريّ نسبة إلى جدّه الدار.
- أسلم سنة تسع للهجرة، وهو راوي حديث الجسّاسة المشهور.
- كان من قرّاء الصحابة وعلمائهم، قدّمه عمر مع أبيّ بن كعب ليصلّي بالناس التراويح في رمضان.
- وهو أوّل من أسرج السرج في المساجد.
- كان له مجلس وعظ في عهد عمر يعظ فيه ويذكّر.
- مات سنة أربعين في قرية من قرى الخليل في فلسطين.


شرح معاني الحديث
· معنى الدين لغة وشرعاً
- يطلق الدين على الملّة كما في قوله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا}، وعلى الجزاء كما في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}، وعلى غير ذلك من المعاني.
- المراد بالدين في هذا الحديث المعنى الأول.
· معنى النصيحة لغة وشرعا
- النصح في اللغة: التصفية والإصلاح، يقال نصح العسل إذا خلص من شوائبه، ونصحتُ الثوبَ إذا أصلحته.
- النصح في الشرع معنى جامع للصدق والإخلاص؛ والناصح هو الصادق المخلص الذي لا يغشّ ولا يخادع.
- يقال: نصحتُه ونصحت له؛ نصحته أي أوصيته بما يُصلِحه، ونصحت له أي: أخلصت وصدقت فيما أريده له فلم أغشّ ولم أخادع.
- قال ابن الصلاح: (النَّصيحةُ: كلمةٌ جامعةٌ تَتَضَمَّنُ قيامَ النَّاصحِ للمنصوحِ لَه بوُجوهِ الْخَيْرِ إِرَادَةً وفِعْلاً).
- وقال محمدُ بنُ نَصْرٍ: (قال بعضُ أَهْلِ العِلْمِ: جِماعُ تَفْسِيرِ النَّصيحةِ هو عِنايةُ القلبِ للمَنْصوحِ له كائِنًا مَنْ كان).
- النصح يكون بالقلب والقول والعمل
· معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)
- هذا أسلوب حصر، لأن المبتدأ معرفة والخبر معرفة.
- هذا التعبير يدلّ على قيام الدين على النصيحة.
- قال ابن رجب: (وقد أَخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، فهذا يَدُلُّ على أنَّ النَّصِيحةَ تَشْمَلُ خِصالَ الإِسلامِ والإِيمانِ والإحسانِ التي ذُكِرَت في حديثِ جِبْرِيلَ).
· معنى اللام في قوله: (لمن؟)
- اللام هنا للاستحقاق.
- في السؤال حرص الصحابة على التعلّم، ومعرفة من تجب له النصيحة.
· معنى النصيحة لله
- النصيحة لله تعالى تكون بالإخلاص له جلّ وعلا، والصدق معه.
- الإخلاص يقتضي إفراده جلّ وعلا بالعبادات.
- والصدق يقتضي طاعته بعزيمة واجتهاد من غير تردّد.
- الصدق يكون في حديث المرء، وفي عزيمته وعمله، وفي حاله مع الله؛ فإذا كان العبد صادقاً في هذه الأمور الثلاثة كان من الصادقين.
- بالصدق والإخلاص يبلغ العبد مرتبة الإحسان، قال الله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}.
- سُئل ابن المبارك: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: (النصح لله).
- النصيحة لله تعالى منها فرض واجب: وهو محبّته تعالى وتوحيده وتصديق خبره وطاعة أمره واجتناب نهيه.
- ومن النصيحة لله نافلة مستحبة وهي الاجتهاد في اتّباع رضوانه فيما ندب إليه من غير فرض.
- المسلمون يتفاضلون في نصحهم لله تعالى، حتى أهل الإحسان منهم يتفاضلون في إحسانهم.
· معنى النصيحة لكتاب الله تعالى
- النصيحة لكتاب الله تعالى تتضمّن الإيمان به، ومحبّته وتعظيمه، وتصديق ما فيه، وإحسان تلاوته واتّباع هداه.
- من النصيحة لكتاب الله تعالى الحرص على تفهّمه والتفقّه فيه ومعرفة تفسيره.
- قال ابن رجب: (النَّاصحُ مِن العِبادِ يَفْهَمُ وَصِيَّةَ مَن يَنْصَحُهُ، وإنْ وَرَد عليه كِتابٌ منه، عُنِيَ بفَهْمِهِ لِيَقُومَ عليه بما كُتِبَ به فيه إليه، فكذلك الناصحُ لِكتابِ رَبِّه، يُعْنَى بفَهْمِهِ لِيَقُومَ للهِ بما أَمَرَ به كما يُحِبُّ ويَرْضَى).
- من أعظم النصيحة لكتاب الله حسن الاعتقاد فيه واجتناب ما أحدثه أهل الأهواء والبدع، والتحذير من بدعهم وأهوائهم.
- من النصيحة لكتاب الله تعالى نشر فضائله والترغيب في تلاوته واتّباع هداه، ودعوة الناس إليه.
- من النصيحة لكتاب الله تعالى الذبّ عنه وردّ شبهات الطاعنين فيه.
- المسلمون يتفاضلون في النصيحة لكتاب الله تعالى فأعلاهم من تخلّق بالقرآن وتأدّب به ظاهراً وباطناً.
- مما يقدح في النصيحة لكتاب الله تعالى: هجر القرآن هجر تلاوة أو عمل، والجفاء والغلو فيه، والمراءاة بقراءته، وطلب الدنيا به.
· معنى النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
- النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمّن الإيمان به، ومحبّته، وتوقيره، وتجريد المتابعة له، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع.
- من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق أخباره، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاعتصام بسنّته.
- من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نشر سنّته ونصرها، وتبليغ دعوته، وموالاة من ينصر سنّته، ومعاداة من يعاديه.
- ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذبّ الكذب عنه، وتمييز صحيح ما ينسب إليه من ضعيفه، وتعليم سنّته، ومحاربة البدع والمحدثات.
- من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة الصلاة والسلام عليه، والترضّي عن أصحابه ومحبّتهم، واتّباعهم بإحسان.
- من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حفظ حقّه في أهل بيته بمحبّة محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم، وإحسان صلتهم.
- يقع التفاضل في النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق التنبيه لذلك.
- يقدح في النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كلّ ما يقدح في محبّته أو تصديقه أو اتّباعه.
· معنى النصيحة لأئمّة المسلمين
- أئمة المسلمين هم العلماء والأمراء؛ لأنّهم القادة المتبوعون.
- النصيحة لعلماء المسلمين تكون بمحبّتهم، وإعانتهم على التعليم والدعوة، ونشر علومهم، والذبّ عن أعراضهم، والتثبّت فيما ينسب إليهم ولا سيما ما يُستنكر، والتأدّب في مخاطبتهم، وعدم الغلوّ فيهم، وتنبيههم على ما قد يقع منهم من خطأ بأدب وإنصاف.
- والنصيحة لأمراء المسلمين تكون بطاعتهم في المعروف، وعدم الخروج عليهم، ولا ممالأة من يخرج، ودلالتهم على الخير، وإعانتهم عليه، وستر معايبهم، ونشر محاسنهم، ومؤازرة بطانته الصالحة، والتحذير من بطانة السوء.
- من النصيحة لأمراء المسلمين الدعاء لهم، وحبّ صلاحهم ورشدهم وعزّتهم بطاعة الله، ومحبّة اجتماع الكلمة عليهم، وكراهة غوايتهم وضلالهم، وكراهة التنازع فيهم.
- الخروج على الحاكم لا يجوز إلا أن يرى منه كفرٌ بواح، وتحقّقت القدرة على عزله.
- إذا تغلّب حاكم كافر على بلد من بلاد المسلمين وليس للمسلمين قدرة على دفعه؛ فإنّ تقدير طاعته راجع إلى ما تتحقّق به المصلحة الشرعية للمسلمين في ذلك البلد، وتندفع به عنهم المفاسد.
- إذا وقع الحاكم في منكر غير معلن، فيناصح سراً ويتلطّف معه.
- وإذا أشهر الحاكم المنكر وأشاع فيبيّن للناس أنه منكر، ويناصح سراً وعلانية، ويجتهد في إصلاحه وإعانته على إزالة المنكر، وإعزاز بطانة الخير ليتقووا على نصحه.
- مما يقدح في النصيحة لأئمّة المسلمين: تتبع عوراتهم، وتصيّد عثراتهم، والفرح بزلاتهم، وإشاعة أخطائهم وسيّئاتهم، وجحد فضلهم وإحسانهم، وتأليب العامّة عليهم.
· معنى النصيحة لعامّة المسلمين
- النصيحة لعامّة المسلمين تكون بمحبّتهم في الله، وكفّ الأذى عنهم، وبذل حقوقهم الواجبة، وإرادة الخير لهم، ومعاونتهم على البرّ والتقوى.
- مما يقدح في النصيحة للمسلمين: البغضاء والحسد، والغشّ والخداع، والبغي والعدوان، والغيبة والنميمة، والمكر السيء، وكتمان بيان العلم.
· حكم النصيحة
- النصيحة في أصلها واجبة لأنّ مبنى الدين على النصح، وهو الصدق والإخلاص وإرادة الخير.
- في تفصيل أعمال النصح نجد أنّ منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحبّ.
- الدين عبادة ومعاملة ؛ فالعبادات منها فرائض ونوافل، والمعاملة منها أداء الحقوق الواجبة، وبذل الإحسان المستحبّ، وكلّ ذلك من النصيحة.
- يقع التقصير والتفريط في أداء النصح الواجب من بعض المسلمين في العبادات والمعاملات.
- إذا وحّد العبد ربّه وكفر بالطاغوت واجتنب نواقض الإسلام فقد أقام أصل النصح، وشمله اسم الإسلام وإن وقع في ذنوب ومعاصٍ تخاف النصح الواجب.
- وكذلك في بقيّة الأنواع يكون للنصح أصل قائم مَن حَفِظَه فله نصيب من اسم النصح وثواب الناصحين، وإن وقع منه تقصير وتفريط فيما دونه، ومن ضيّعه فقد ضيّع النصيحة.
- تختلف واجبات النصح باختلاف أهلية المكلّف؛ فيجب من النصيحة على العلماء من بيان الحقّ وتعليمه والدعوة إليه، والردّ على أهل الضلال، وكشف تلبيسهم ما لا يحب على من هو دونهم، وهكذا في أصحاب كلّ صنعة.
- من النصيحة أن يعرف المرء قدره، وأن يؤدّي ما يحسن من أعمال النصح، وأن يدع تكلّف ما لا يحسن؛ حتى لا يفسد من حيث أراد الإصلاح، ويضرّ من حيث أراد النفع.

مسائل وأحكام
- الرفق زينة النصح، ومن حرم الرفق حرم الخير.
- إنكار المنكر من النصيحة إذا روعيت شروطه وآدابه.
- إسرار الإنكار والجهر به راجع إلى فقه ما تتحقّق به المصلحة الشرعية، وتندفع به المفسدة.
- أمير الجماعة في السفر تجب له الطاعة بالمعروف فيما يتعلّق بشؤون السفر.
- قال الإِمامُ أحمدُ رَحِمَه اللَّهُ: (ليس على المُسْلِمِ نُصْحُ الذِّمِّيِّ، وعليه نُصْحُ المسلمِ)
- وهذا لا يقتضي ظلم الذمّي ولا غشّه ولا مخادعته.

من فوائد الحديث
- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بالبدء بالإجمال ثم التفصيل.
- حرص الصحابة رضي الله عنهم على التعلم.
- عظم شأن النصيحة.
- البداءة بالأهم فالأهم في ترتيب المنصوح لهم.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 شوال 1437هـ/26-07-2016م, 10:54 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

المثال الثاني: فهرسة مسائل رسالة "أمراض القلوب وشفاؤها" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
الكتاب:
هنا



مقدمات في أحوال القلوب
· القلوب إنما خلقت لأجل حبّ الله تعالى وعبادته، وهذه هي الفطرة التي فُطر الناس عليها.
· إذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفاً بالله محبّا له عابداً له وحده.
· إذا كان القلب محبّا لله تعالى وحده لم يُبتل بحبّ غيره أصلاً.
· فساد الفطرة يكون بسبب مرض القلب أو موته؛ ثمّ قد يعود القلب إلى فطرته إذا يسّر الله تعالى لعبده السعي في إعادته لفطرته.
· القلب له موت وحياة ومرض وشفاء، وهو أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه.
· للقلب عوارض وأدواء، ومن العوارض ما يؤذيه ويؤلمه كالغيظ والغمّ، ومنها ما يفتنه إذا كان في القلب مرض.
· القلب يحيا، ويخشع، ويخبت، وينيب، ويصلح، ويمرض، ويُشفى، ويقسو، ويفسد، ويموت، ويتقلّب.
· اعتنى العلماء ببيان أحوال القلوب وأمراضها وشفائها فيما كتبوا من التفاسير وشروح الأحاديث والوصايا والسير، ومنهم من أفردها بالتصنيف كما فعل الخرائطي في كتابه "اعتلال القلوب".

أنواع القلوب
· قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: (القلوب أربعة:
- قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن.
- وقلب أغلف؛ فذاك قلب الكافر.
- وقلب منكوس؛ فذاك قلب المنافق.
- وقلب فيه مادتان: مادة تمده الإيمان ومادة تمده النفاق؛ فأولئك قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا).

صحة القلب
· صحّة القلب هي سلامته من الآفات والعلل، وارتواؤه بما يغذّيه ويقوّيه.
· صحّة القلب تقوّيه وتحميه من التأثر بكثير من العوارض التي يُفتن بها مريض القلب.
· يصحّ القلب ويقوى ويتزكّى بتعدّد أسباب قوّته وسلامته من الأمراض والعلل.
· عماد صحّة القلب وقوّته على أمرين: البصيرة التي تحصل بها صحّة العلم، والرشاد الذي يكون بسبب صحّة الإرادة.

مرض القلب
· مرض القلب هو نوع فسادٍ في تصوّره وإرادته.
- أ: فساد التصوّر يحصل به الافتتان بالشبهات.
- ب: وفساد الإرادة يحصل به الافتتان بالشهوات.
· من فساد التصوّر أن لا يبصر الحقّ فيحتار ويتردد، أو يرى الحقّ باطلاً والباطل حقّا.
· مرض القلب يضعفه ويُنهكه حتى يتأثر بعوارض يسيرة، ويفتتن بأدنى فتنة.
· مرض القلب يكون بالغفلة عن غذائه، أو إصابة القلب بشعبة من شعب الفسق أو الكفر أو النفاق.
· يزداد المرض بتعدّد أسبابه وتزايد آثاره.
· قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة} مرضى القلوب لم تمت قلوبهم كموت قلوب الكفار والمنافقين، وليست صحيحة كصالح قلوب المؤمنين، بل فيها مرض شبهة وشهوات.
· قوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} دليل على أنّ صحيح القلب لو تعرّضت له المرأة لم يلتفت إليها، بخلاف القلب المريض بالشهوة؛ فإذا خضعت المرأة بالقول حرّكت شهوته.
· مرض القلب منه ما يكون بسبب ذنب يقع فيه العبد، ومنه عقوبة كما قال الله تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً} .
· إذا وردت الفتنة على قلب مريض كان ذلك أسرع في فتنته؛ كما قال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم}.

قسوة القلب
· قسوة القلب يُبسه وعدم انتفاعه بمواعظ الله وآياته، وذلك بسبب استفحال مرضه، وقحطه مما يغذّيه من العلم النافع والمواعظ الحسنة والأعمال الصالحة.
· القلب القاسي كالأرض الجرداء لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ.
· قسوة القلب أخطر من ضعفه لأنها تورث صاحبها فساد التصوّر، والجسارة على الباطل، والإمعان في الغواية.
· قسوة القلب علامة بيّنة على ضلال العبد: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}.

ظلمة القلب
· ظلمة القلب تكون بفساد الاعتقاد والتصوّر وما يتبعه من الأعمال المترتبة عليه.
· كلما عظم الفساد ازدادت الظلمة؛ حتى يحتجب عن القلب إبصار الحق.
· المؤمن المتّقي كلما عرض له شيء من أنواع الفساد في الاعتقاد والتصوّر أو الفساد في الإرادة والعمل بادر إلى تطهير قلبه لتعود إليه بصيرته، كما قال الله تعالى: {إن الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون}.
· من البصيرة أن يدرك المؤمن عاقبة المعصية وقبحها وسوء أثرها ويبصر البرهان على ذلك بقلبه فيزدجر عن المعصية، كما قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
· الظلم من أسباب ظلمة القلب، وهو على ثلاثة أنواع: الشرك وهو الظلم العظيم، وظلم الخلق، وظلم النفس.
· كل معصية هي من ظلم المرء لنفسه، لأنه لم يعدل في حقها عليه بإلزامها طاعة الله؛ فظلمها إذ عرّضها لسخط الله وعقابه، وحرمها فضله وثوابه.
· القلب يظلم وينير بحسب ما فيه من الإيمان والنفاق، وإنارته إبصاره للحق، وإظلامه عمايته عنه.
· استحكام ظلمة القلب إنما يكون للكفّار والمنافقين، وهم على صنفين:
- صنف زُيّن لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنة؛ فهم أصحاب جهل مركّب، ممعنون في الغواية والضلال.
- وصنف أصحاب جهل بسيط يتخبّطون في الظلمات؛ من حيرتهم وتردّدهم.
· ضرب الله تعالى مثلين لهذين الصنفين في قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}.

موت القلب
· يموت القلب بالجهل المطلق، ويمرض بنوع من الجهل.
· يموت القلب إذا فقد غذاءه وشفاءه وكثرت علله وأمراضه.
· الشرك من أعظم أسباب موت القلب، {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}
· يموت القلب وإن كان البدن حيّاً، قال الله تعالى عن الكفار: { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فذكروا الموانع على القلوب والأسماع والأبصار، وأبدانهم حيّة تسمع الأصوات وتبصر الأشخاص وتفهم الخطاب، لكنّها حياة بَدَنٍ لا حياة قلب.
· القلب الميّت هو الذي لا يستجيب لما يحييه؛ فلا يسمع سمعاً ينفعه، ولا يتكلّم بما ينفعه، ولا يبصر ما ينفعه، {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}.
· قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
· صاحب القلب الميّت تتسلّط عليه الشياطين بسبب إعراضه عن ذكر الله فتضلّه وتغويه حتى يظنّ أنه مهتدٍ وهو في ضلال مبين، ويرى أعماله السيئة حسنة، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} وقال تعالى: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}
· صاحب القلب الميّت ينفر من الحقّ من شدّة إعراضه عنه، وبغضه له، ولا يطيق سماعه، كما قال الله تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)} وقال تعالى: { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
· تنبيه: الآيات الواردة في ذمّ القلوب الميّتة والمريضة وإن كانت نازلة في الكفار فهي تتناول بالتنبيه من في قلبه شعبة من شعب النفاق أو الكفر الأصغر.

حياة القلب
· حياة القلب لا تكون إلا بتوحيد الله تعالى والاستجابة له؛ فالتوحيد يزيل إلهية ما سوى الحقّ من القلب، والاستجابة لله تعصمه من الهوى واتّباع الشيطان
- دليل الأول قوله تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه} أي: بتوحيد الله .
- ودليل الثاني: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
· القلبُ المنوّر يسمع ويبصر ويعقل، والقلب الميّت لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل، {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} {ولوشاء الله لأسمعهم} {لهم قلوب لا يعقلون بها}.
· القلب الحيّ ينتفع بالتذكير والوعظ والترغيب والترهيب {لينذر من كان حيا} {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب}.
· القلب الحيّ يمتنع مما يؤذيه ويضرّه بخلاف القلب الميّت الذي يتناول ما يضرّه ولا يشعر بضرره.
· القلب الحيّ يجعل الله فيه نوراً يمشي به صاحبه، وفرقاناً يفرّق به بين الحقّ والباطل، وكلما كانت حياة القلب أتمّ كان نوره أعظم، وفرقانه أظهر، حتى يتبيّن له الحقّ من الباطل، والهدى من الضلال، والغيّ من الرشاد، فلا تلتبس عليه؛ {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}.
· القلب الحيّ ينجذب إلى ما يزيده حياة ونوراً وزكاة فيألف الطاعات ويحبّها ويأنس بها، وينفر من المعاصي والغفلات ويستوحش منها.

أدواء القلوب
· القلب له أدواء إذا أصيب ببعضها أمرضته، والمؤمن يشعر بمرض قلبه ويجد أثره؛ فيبادر إلى مداواته.
· أدواء القلوب منها ما يفسد التصوّر، ومنها ما يفسد الإرادة، وصلاح القلب إنما يكون بصحّة العلم، وصلاح العمل.
· من أدواء القلوب: الجهل والعيّ، والشكّ والارتياب، والشحّ والبخل، والكبر والخيلاء، والحقد والحسد، والشهوة والعشق، والهوى والوَهَن.
· أسهب شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث عن بعض هذه الأدواء، وأشار إلى بعضها، وسألخّص ما ذكره في مسائل، وقد أضيف إضافات يسيرة للتنبيه على ما يحسن ذكره.


الجهل والعيّ
· الجهل هو أصل علل القلوب، لفقدان صاحبه البصيرة بما ينفع، ابتداء أو عقوبة.
· الجهل الأصلي فتنة لصاحبه، والجهل الذي يكون بعد قيام الحجة والإعراض عن الذكر عقوبة لصاحبه.
· السائر بلا بصيرة يحصل له من الأذى بسبب التخرّص والتوهّم والتردد ما يجعله غير مطمئنّ القلب في ذلك الشأن، وفي الحديث الصحيح: (إنما شفاء العيّ السؤال).
· الجهل مرض في القلب شفاؤه التبصّر باتّباع هدى الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وسؤال أهل العلم.

الشك والارتياب
· الشكّ والارتياب من أخطر أمراض القلوب، ويحصل لصاحبه ألم لا يزول إلا بالعلم واليقين.
· يقع الشك والارتياب بسبب عدم تصديق الله تعالى وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم.
· من لا يتّبع الرسول يقع في حيرة وشكّ يلازمانه، ولا يزولان عنه إلا بتحقيق الإيمان والاتّباع.

الحسد
· الحسد مرض غالب من أمراض القلوب لم يسلم منه إلا قليل من الناس.
· من وجد في نفسه شيء من الحسد؛ فليكتمه وليبرّك لصاحبه، وليكره ذلك من نفسه، وليتّق الله حتى لا يقول ولا يعمل بمقتضى ما وجده في نفسه من الحسد.
· من عمَّى الحسد في نفسه، وفعل ما أُرشد إليه أعين على ترك الحسد، وحصلت له السلامة من إثمه وآثاره.
· من الواجب أيضاً على المسلم نصرة المحسود بما يستطيع من قول أو عمل.
· كثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود ولا يعينون من ظلمه، لكنّهم لا يقومون بحقّ نصرته مع قدرتهم على ذلك؛ فهؤلاء يعاقبون بالخذلان وبخس حقوقهم.
· الحسد هو كراهة ما يراه الحاسد من حسن حال المحسود.
· الحاسد يتألّم من وجود النعمة على محسوده وزوال تلك النعمة يرفع عنه هذا الألم؛ فيلتذّ بزوال النعمة عنه وإن لم يكن له نفعٌ بزوالها.
· أكثر ما يُحسد عليه الناس المال والجاه، ولذلك يقع على العلماء من الحسد ما لا يقع على العُبَّاد؛ لأنهم رؤوس الناس يعلّمونهم ويُفتونهم.
· أكثر ما يكون التحاسد بين الشركاء في منفعة أو مال، وإذا استرسل الحاسد مع حسده انتقل إلى البغضاء وهي الحالقة، ثم إلى الظلم والعدوان.
· الحسد عمل قلبيّ؛ فإذا صدر عن الحاسد بمقتضى حسده قولٌ أو فعلٌ فهو ظالم متعدٍّ؛ وتجب عليه التوبة من الحسد.
· المحسود مبتلى مظلوم، وهو مأمور بالصبر والتقوى، وموعود بالنصر والرزق إذا صبر واتّقى.
· التحقيق في معنى حسد الغبطة أن يكره فضل صاحبه عليه من غير أن يتمنّى زوال النعمة عنه؛ بل يريد أن يكون مثله أو أحسن منه.
· سمّيت الغبطة حسداً لأنّ الحامل عليها هو نظره إلى إنعام الله على غيره مع كراهته أن يتفضّل عليه ذلك الغير.
· هذا الكره إذا لم يصحبه تمنّي زوال النعمة؛ فلا يلام عليه صاحبه، وذلك كما يكره كل واحد من المتسابقين أن يسبقه صاحبه، من غير أن يكون حاسداً له، ويقال مثل ذلك في المنافسة في الخيرات.
· العامل الذي يحبّ أن ينعم الله عليه من غير أن يكون في قلبه التفات إلى أحوال الناس ليس في قلبه من الحسد شيء، وهو أفضل حالاً من الذي إنما يحمله على العمل الغبطة، وملاحظة إنعام الله على غيره.
· من لم يسرّه ما يسرّ المؤمنين ويسوئه ما يسوئهم فليس منهم.

الشحّ
· الشحّ داء دويّ، يمنع صاحبه من أداء الحقوق، وبذل الإحسان، ويحرمه خيراً كثيراً.
· ترك الشحّ من أسباب الفلاح كما قال الله تعالى: {ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}.
· الشحّ داء يمرض القلب، ويعرّضه لفتنة كثيرة؛ إذ يزداد طمعه وحرصه على حظّ نفسه فيحمله ذلك على إمساك ما يجب عليه بذله، والتعدّي على ما لا يحلّ له.
· الشحّ يكون بالحرص على المال والمنفعة، والمنافع كثيرة متنوّعة.
· يترتّب على الشحّ أعمال سيّئة كثيرة قولية وعملية وقلبية باعثها الحقيقي إنما هو الشحّ.
· كان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه بقوله: (اللهم قني شُحّ نفسي). فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا فقال: إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة.
· الإيثار من دلائل سلامة القلب، واتّصاف صاحبه بالأمانة لانتفاء الطمع من القلب.

الكِبْر
· الكبر من أعظم أدواء القلوب، ومن أعظم ما يفسد التصوّر، وينحرف بالإرادة.
· من دلائل خطر الكبر أنه لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة منه.
· الكبر هو بطر الحقّ وغمط الناس.

الهوى
· اتّباع الهوى مفسد للقلب.
· النفس تنشط في اتّباع ما تهوى لأجل ما يحصل لها من اللذة بذلك.
· من أحبّ محبّة مذمومة أو أبغض بغضاً مذموماً وعمل بمقتضى هذا الحبّ والبغض أو تكلّم به كان آثماً، ومن كتمه ونهى النفس عنه كان متّقياً صابراً.
· الهوى يفسد الحبّ والبغض في القلب؛ فيحبّ ما يهوى ويحبّ لأجل ما يهوى ما تضرّه محبّته، ويبغض ما لا يهوى وإن كان نافعاً له، ويبغض لأجل بغضه ما قد يضرّه بغضه ويحرمه خيراً كثيراً.
· إذا استحكم الهوى في القلب أفسد التصوّر والإرادة.
· من ترك ما تطلبه نفسه مما يبغضه الله فينهاها خشية لله تعالى كان ممن دخل في قوله تعالى: {وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى}.
الغضب
الشهوة
العشق
· العشق هو الحبّ الزائد المفرط المتعدّي لحدود الله.
· حقيقة العشق حبّ النفس لما يضرّها، وهو مرض نفسانيّ، وإذا قوي أثّر في البدن والعقل.
· العشق مرض لأنّ فيه تعدّياً لحدود الله، ولو كان المعشوق مما تباح محبّته في الأصل كالزوجة، وإذا كان في محبّة الممنوع كان ضرره وإفساده أعظم.
· الإفراط في الحبّ يكون بسببه طغيان المحبوب على القلب، واستيلاؤه على التفكير؛ فيؤثره بالحبّ والتذكّر والطاعة، حتى يرتكب لأجله بعض المحرّمات، أو يفرّط في بعض الواجبات لأجله.
· العشق من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثمّ قد تفسد عقله وجسمه.
· العاشق كالمريض الذي يشتهي ما يضرّه فإن تناوله أضرّه، وإن منع منه تألّم لحرمانه منه.
· يزداد العشق باتّصال العاشق بمعشوقه مشاهدةً أو ملامسةً أو سماعاً، ويضرّه التفكير فيه، والتخيّل له.
· واليأس يزيل الطمع؛ فتضعف الإرادة؛ فيضعف الحبّ.
· شفاء المريض إنما هو بزوال مرضه، وشفاء العاشق بزوال الحبّ المذموم من قلبه.
· اختلف في العشق؛ فقيل هو فساد في الإرادة وهو المشهور، وقيل: فساد في التصوّر.
· من ابتُلي بالعشق فعفّ وصبر أثيب على تقواه لله.
· إذا كان القلب محبّا لله تعالى وحده لم يُبتل بحبّ غيره أصلاً فضلاً أن يبتلى بالعشق.
· من ابتلي بالعشق فلنقصٍ محبّته لله وحده، وتوحيده إيّاه، ولذلك سلم يوسف عليه السلام من العشق، وشقيت به امرأة العزيز مدّة من عمرها.
· القلب الصالح فيه صارفان يصرفانه عن العشق: إنابته إلى الله ومحبّته له، وخوفه من الله.
· الحبّ الفاسد يُزال بحبّ ما هو أعظم منه مما ينفع العبد؛ وبخوف عاقبة ذلك الحبّ الفاسد.
· العبد لا يترك محبوباً إلا لمحبوب أعظم منه أو خوف ضرر تجرّه عليه تلك المحبّة.

شفاء القلب
· أصل شفاء القلوب إنما هو بالقرآن الذي جعله الله شفاء لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات.
- ففيه من البصائر والبيّنات ما يشفي القلب من مرض كلّ شبهة.
- وفيه من الحكمة والموعظة ما يشفي القلب من مرض كلّ شهوة.
· شفاء القلوب قائم على أصلين:
- البصيرة في الدين، وتحصل بصحّة العلم؛ ومن أثرها أن يرى الحقّ حقاً، والباطل باطلاً، والحسن حسناً، والقبيح قبيحاً.
- الرشاد، ويحصل بالاستقامة على أمر الله واتّباع هداه؛ فيرغب فيما رغّب الله فيه، ويرهب مما رهّب الله منه، ويحبّ ما أحبّه الله، ويبغض ما أبغضه الله.
· القرآن شفاء للعلل المفسدة للتصوّر والإرادة؛ فيصلح القلب، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها.
· القلب لا بدّ له من غذاء يقوّيه، وحماية تقيه من الآفات والعلل؛ وبذلك تحصل له الحياة والزكاة.
· حاجة القلب إلى التغذية والحماية أعظم من حاجة البدن؛ وأثرها فيه أسرع من أثر غذاء البدن.
· أصل صلاح القلب هو حياته واستنارته.

إصلاح القلب
· العبد مأمور بالسعي في إصلاح قلبه.
· يصلح القلب بتصحيح العلم، ورشاد العمل.
· يصلح القلب بتحقيق التوحيد والإيمان، والقيام بالفرائض، والكفّ عن المحرمات، وتلاوة القرآن، والتوبة والاستغفار، والصبر والشكر، والتفكّر في آيات الله، وكثرة الذكر، والدعاء، والصدقة، والتعويذات الشرعية.

تحقيق التوحيد والإيمان
· القلب خلق لعبادة الله وحدته، فمفتاح صلاحه إنما هو بالإيمان بالله وإفراده بالعبادة.
· صحة القلب تحفظ بالإيمان.
· الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
· القلب الموحّد منيب إلى الله تعالى، وجلٌ منه، مفتقر إليه، مطمئنٌّ بذكره.
· قال سهل بن عبد الله التستري: (ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار).

أداء الفرائض
· تقديم الواجبات والحرص على إكمال الفرائض ظاهراً وباطناً ثم التقرّب إلى الله تعالى بما يتيسّر من النوافل من أعظم أسباب نيل محبّة الله تعالى وإصلاح القلوب.

الكفّ عن المحرّمات
· اجتناب الفواحش الظاهرة والباطنة من أعظم أسباب زكاة القلوب، لأنها أخلاط رديئة تضعف الروح، وتوهن النفس، وتفسد القلب.
· قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.

تلاوة القرآن
· تلاوة القرآن وتدبّره من أعظم أسباب صلاح القلوب.
· بصائر القرآن تصحح التصوّر، ومواعظه تقوّم الإرادة.

التوبة والاستغفار
· التوبة مطهرة للقلب والنفس من آثار الذنوب والمعاصي؛ وكلما كانت التوبة أحسن كان التطهير أعظم.
· من استغفر الله ثمّ تاب إليه متّعه الله متاعاً حسناً إلى أجل مسمّى {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه ...}

الصبر
· الصبر من أعظم أسباب إصلاح القلوب؛ وهو على أنواع: صبر على طاعة الله ، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
· الصبر على البلاء على نوعين:
- صبر اضطراريّ من لم يصبر فيه صبر الكرام سلا سلوّ البهائم، وهو الصبر على ما لا اختيار للعبد فيه؛ كالصبر على موت القريب، وذهاب المال، وفقد نعمة من النعم.
-
وصبر اختياري، وهو مجاهدة الأعداء الذين يُبتلى بهم بما أرشد الله إليه من أنواع المجاهدة ومراتبها.
· الصبر الاختياري أفضل من الاضطراري من جهة أن العبد له اختيار في الفعل والترك، فيصبر نفسه على اتّباع الهدى، وإلزامها التقوى، ومجانبة الهوى، وحفظ حدود الله تعالى.
· الذي يؤذى على طاعة الله ورسوله، وهو صابر محتسب؛ يثاب على كلّ ما يناله من أذى صغير أو كبير في سبيل الله، ويكتب له به عمل صالح.
· النصر مع الصير، والفرج مع الكرب، ومع العسر يسر.
· لم ينل أحدٌ شيئاً من جسيم الخير نبيٌّ فما دونه إلا بالصبر .

الشكر
· الشكر من أسباب صلاح القلوب؛ لأنه يحصل به التوفيق لمزيد من الأعمال الصالحة، والسلامة من العذاب.
· الشكر من أسباب رفع العذاب، {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}.
· الشكر من أسباب زيادة فضل الله تعالى على عبده، كما قال تعالى: {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم}.

التفكّر في آيات الله
· التفكّر في آيات الله يورث القلب البصيرة واليقين، وحسن المعرفة بعواقب الأعمال؛ فيعينه ذلك على الاستقامة والرشاد.

كثرة الذكر
· كثرة الذكر من أسباب الفلاح كما قال الله تعالى: {واذكروا الله كثيراً لعلكم تفحلون}
· الأوراد من الأذكار في طرفي النهار وعند النوم والاستيقاظ من أحسن غذاء القلوب.
· الإكثار من "لا حول ولا قوة إلا بالله" له أثر عظيم في تحمّل المشاقّ، وإطاقة الأعمال العظيمة، ونيل المراتب الرفيعة.

الدعاء
· المداومة على الدعاء من أعظم أسباب الإجابة، وليحذر العبد من الاستعجال.

الصدقة
· الصدقة تطفئ الخطيئة وتنمّي اليقين في القلب؛ فيحصل بها التطهير والتزكية {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها}.

التعويذات الشرعية
· التعويذات الشرعية من أحسن الوقاية للقلوب.

علامات صلاح القلب
· من علامات صلاح القلب تحقيق التوحيد لله تعالى.
- قال أحمد بن حنبل لبعض الناس: (لو صححت لم تخف أحدا).
- قال ابن تيمية: أي خوفك من المخلوق هو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب.
· من علامات صلاح القلب صحّة التصوّر، واستقامة الإرادة.
· صلاح الجوارح من آثار صلاح القلب.
· استقامة اللسان وكثرة الذكر من دلائل صلاح القلب.
· حياء القلب من الإيمان ومن دلائل حياة القلب، لأن الحياء يمنع من القبائح، والقلب الحيّ يمنع ما يؤذيه بخلاف القلب الميّت.
- من حُرم الحياء استمرأ القبائح، ومن مات قلبه اجترأ على الموبقات.
· من سرته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن، وذلك لأجل صلاح التصوّر والإرادة.
· صلاح القلب يتفاضل فيه الصالحون على درجات كثيرة.

زكاة القلب
· زكاة القلوب والنفوس من فضل الله تعالى ورحمته، {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبداً}.
· الزكاة سبب الفلاح، وقد قال الله تعالى: {قد أفلح من تزكّى}
· زكاة القلب تحصل بأمرين:
- شفاء القلب من أمراضه وعلله، وتخلّصه من آثار الذنوب والمعاصي.
- تغذية القلب بما يقوّيه؛ وأعظم غذاء للقلب: تحقيق التوحيد، وازدياد اليقين، وفعل الطاعات.

تقلّب القلب
· القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة.
· في قول المؤمن في كل صلاة {اهدنا الصراط المستقيم} دليل على عظم الحاجة إلى هذا الدعاء.
· المؤمن بحاجة إلى البصيرة والإعانة على الطاعة في كلّ أمر من أموره؛ وبهما تحصل الهداية وتكمل.
· دخول المسلم في الإسلام هو أصل الهداية؛ لكنّه يحتاج إلى هدايات كثيرة متنوّعة.
· الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلة كثيرة متنوّعة ومن لم يهده الله ضلّ بها.
· مجرّد العلم بالحقّ لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه.
· الذين هداهم الله من هذه الأمّة حتى صاروا من أولياء الله المتقين كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم الله بهذا الدعاء.
· حاجة المؤمن إلى هذا الدعاء أشدّ الحاجات ولذلك فرضه الله تعالى على المؤمنين في كلّ ركعة من صلواتهم، ومحبّة الله تعالى لهذا الدعاء عظيمة تعرف بدلالة فرضه بهذا القدر العظيم.
· إذا حصلت الهداية حصل ما يترتب عليها من النصر والرزق والتوفيق وأنواع الفضائل والبركات، وما تطلبه النفس من أحوال السعادة.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 شوال 1437هـ/27-07-2016م, 03:42 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

المثال الثالث: فهرسة مسائل "أنواع جمع القرآن"
وهو مثال على فهرسة المسائل العلمية من أقوال مجموعة من كتب متعددة في مبحث واحد
أقوال العلماء: هنا




أنواع جمع القرآن:
النوع الأول: جمعه حفظاً في الصدور، وقد جمعه النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وجمعه بعض حملة القرآن من الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم منهم: أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وسالم مولى أبي حذيفة، وثابت بن قيس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود.
النوع الثاني: جمعه كتابة في مصحف واحد، وهو الجمع الذي تولاه أبو بكر بإشارة من عمر بن الخطّاب لمّا استحرّ القتل في القراء في وقعة اليمامة.
النوع الثالث: جمعه على رسم واحد، ولغة واحدة وهي لغة قريش، وهو الجمع الذي تولاه عثمان رضي الله عنه لما رأى اختلاف الناس في القراءات وخشي أن تحدث فتنة بسبب ذلك.

جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
- تكفّل الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم بجمع القرآن في صدره وأن يقرأه كما أنزل، قال الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه}.
- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شيء من القرآن يأمر بعض من يكتب له الوحي من الصحابة أن يكتبوه.
- كانت الآيات تكتب في الرقاع واللخاف والعسب والأكتاف، ونحو ذلك.
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتأليف القرآن أي جمع آيات كلّ سورة منه ووضع الآيات في مواضعها التي هي عليها اليوم.
- قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع؛ إذ قال: ((طوبى للشام)) رواه الحاكم والبيهقي.
- المراد بهذا التأليف جمع ما نزل من الآيات المتفرّقة في سورها؛ حتى تجمع الآيات في السورة.
- قال البيهقي: (وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب).
- وقال الحاكم: (وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث -وهو ترتيب السور- كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنهم أجمعين).
- كلام الحاكم يشعر أن ترتيب السور في مصحف أبي بكر قد يكون مختلفاً عن ترتيب السور في مصحف عثمان.
- يؤيّد ما ذهب إليه الحاكم سؤال ابن عبّاس لعثمان عن جعل الأنفال بعد الأعراف وقبل براءة.
- وقال النووي: (اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظا في صدور الرجال).
- اختلاف ترتيب السور في مصاحف الصحابة يدلّ على أن ترتيب السور لم يكن توقيفياً كترتيب الآيات في السورة الواحدة.
- لم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف بين أهل العلم.
- قال النووي: (وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم).
- كان من الصحابة من جمع القرآن حفظاً في صدره على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
- ورد أن زيد بن ثابت عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين في العام الذي توفّي فيه، ولذلك ولاه أبو بكر جمع المصحف.

جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه:

- أشار عمر على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد لمّا رأى كثرة من قتل من القراء في وقعة اليمامة، وقد انقطع الوحي وزال السبب المانع من جمعه في مصحف واحد.
- طلب أبو بكر من زيد بن ثابت أن يتولّى جمع القرآن في مصحف واحد.
- تردد زيد بن ثابت في إجابة طلب أبي بكر لأنه أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم راجعه عمر حتى شرح الله صدره للموافقة.
- قال الخازن: (ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام).
- لم يقع بين الصحابة خلاف في جمع أبي بكر للمصحف، وهم متوافرون في المدينة؛ فكان محلّ إجماع.
- قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله). رواه ابن أبي داوود.
- لم يتفرّد زيد بن ثابت بمراجعة هذا الجمع بل شاركه فيه بعض قراء الصحابة ومنهم أبيّ بن كعب؛ يدلّ على ذلك قصة خزيمة بن ثابت.
- احتاط أبو بكر وزيد بن ثابت في جمع المصحف احتياطاً كبيراً؛ يدلّ على شدّة عنايتهم وتوثّقهم في جمعه ومراجعته.
- قال أبو بكر لعمر ولزيد بن ثابت: (اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه)، رواته ثقات، وفيه انقطاع.
- قال السخاوي: (المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن)؛ وقال أبو شامة: (وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ).
- كان الغرض من جمع أبي بكر أن يجمع القرآن كله في مصحف واحد، مع بقاء قراءات الصحابة كلٌّ يقرأ كما عُلّم.
- كانت الآيات والسور قبل جمع أبي بكر متفرقة في العسب واللخاف وصدور الرجال، وكانت العمدة على الرواية، وخاف الصحابة ذهاب بعض القرآن بموت حفظته.
- قال الحارث المحاسبي: (كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب).
- وقال: (وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء).
- كان جمع أبي بكر للقرآن في مصحف واحد رحمة للأمّة وسبباً لحفظ القرآن.
- بقي هذا المصحف عند أبي بكر حتى توفّي.
- ثم حفظه عمر حتى توفّي.
- ثم بقي عند أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
- لما أراد عثمان جمع الناس على مصحف واحد أرسل إليها لينسخه ثم ردّه إليها.
- بقي هذا المصحف عند حفصة حتى توفيت رضي الله عنها ، وكان مروان بن الحكم لمّا تولّى إمرة المدينة يرسل إليها ليأخذه وتأبى عليه فلمّا دفنت أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر بعزيمة أن يرسل به إليه؛ فدفعه إليه فغسله مروان وحرّقه.
- سبب إحراق مروان بن الحكم لمصحف أبي بكر أنه خشي أن يكون فيه ما يخالف مصحف عثمان الذي جمع الناس عليه.
- سيأتي تفصيل جمع أبي بكر في موضوع لاحق بإذن الله.

جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه:
- كان الناس قبل أن يجمعهم عثمان كلٌّ يقرأ كما تعلّم من وجوه القراءات وأحرفها.
- كثرت المصاحف وتعدّدت، وكان القراء يكتبون المصاحف على نحو ما تعلّموه.
- لما كثرت الفتوحات في زمن عثمان وخاف الصحابة وقوع الاختلاف بين الأمّة جمعهم على مصحف واحد.
- جمع ابن حجر في فتح الباري الروايات والآثار الواردة في أسباب جمع عثمان، ويأتي تفصيلها لاحقاً بإذن الله.
- أخذ عثمان المصحف المجموع الذي كان محفوظاً عند حفصة ونسخه نسخاً متعددة.
- الذين تولوا نسخ المصاحف في عهد عثمان: زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
- قال عثمانُ للرهط القرشيين الثلاثة: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم) رواه البخاري.
- لم يختلفوا إلا في ( التابوت ) كان زيد يقرؤها (التابوه) والقشيون يقرؤونها: (التابوت) ، قال الزهري: ( فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت؛ فإنه نزل بلسان قريش).

- اختلف في عدد المصاحف التي أمر عثمان بنسخها؛ فقيل: أربعة، وقيل: سبعة.
- أمر عثمان ببقية المصاحف أن تحرّق، وجمع الناس على هذا المصحف؛ خشية أن يحدث خلاف بين الأمّة في القرآن.
- أجمع الصحابة على استحسان ما فعله عثمان رضي الله عنه.
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل"
- سيأتي تفصيل مسائل الجمع العثماني في موضوع لاحق بإذن الله تعالى.

الجمع العثماني والأحرف السبعة:
- العلاقة بين الجمع العثماني والأحرف السبعة من دقيق مسائل جمع القرآن، وفيها خلاف كثير.
- مصاحف الصحابة والتابعين قبل جمع عثمان كانت على وجوه من القراءات على الأحرف السبعة.
- ذهب الحارث المحاسبي إلى أن عثمان حمل الناس على حرف واحد لمّا خشي الفتنة باختلاف القراءات.
- وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ جمع عثمان يحتمل الأحرف السبعة.
- الراجح أن عثمان اختار من الأحرف السبعة ما وافق لغة قريش وقراءة العامّة، وبقي الرسم العثماني محتملاً لبعض ما في الأحرف الأخرى.

- اختيار عثمان لكتابة (التابوت) على (التابوه) دليل على أنه اختار بعض الأحرف على بعض.

هل ترتيب الآيات والسور توقيفي؟:
- ترتيب الآيات في السورة الواحد توقيفي بلا خلاف بين أهل العلم.
- ذهب الخازن إلى أنّ اجتهاد الصحابة كان في جمعه في مصحف واحد، وأن ترتيب السور كان توقيفياً.
- وذهب ابن فارس إلى أن ترتيب السور من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
- وقال الزركشي: (ترتيب السور كان في خلافة عثمان).
- ذهب الكرماني والخازن إلى أن ترتيب السور في المصحف اليوم هو على ترتيب سور القرآن في اللوح المحفوظ، وأنه موافق للترتيب في العرضة الأخيرة.
- قال الزركشي: (لو حلف أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزم إلا على هذا الترتيب).
- وقال ابن الأنباري: (اتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم لآيات).
- فسر بعضهم قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} بأن المعنى: اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ولا تأخير، وفيه نظر.
- مسألة اختلاف ترتيب السور في مصاحف الصحابة بحاجة إلى تحقيق وتثبّت ونقدٍ للمرويات.
- زعم القاضي أبو بكر بن الطيب أن من السلف من رتب السور في المصحف على تاريخ نزولها، وقدم المكي على المدني، وهذه دعوى باطلة.
- قال ابن سيرين: قلتُ لعكرمة: ألَّفوه كما أنزل؛ الأوَّلَ فالأوَّلَ؟ فقال: (لو اجتمع الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا).
- سيأتي تفصيل مسائل ترتيب الآيات والسور في موضوع لاحق بإذن الله تعالى.

الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان:
- جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حَمَلته؛ لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض؛ فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.

شبهات وأجوبتها:
إذا قيل: لِم لمْ يجمع النبي صلى الله عليه وسلم المصحف في حياته؟
- حاصل أجوبة العلماء عن هذا السؤال:
1: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من أن ينسى شيئاً من القرآن؛ فكانت حياته ضماناً لحفظ القرآن وإن لم يكتب.
2: أن القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان يزاد فيه وينسخ منه ؛ فكان جمعه في مصحف واحد في عهده مظنّة للاختلاف وفيه مشقّة بالغة.

إذا قيل: كيف يوثق بأنّ ما جُمع من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال قد تمّ به جمع القرآن؛ وما ضمانة عدم الزيادة عليه؟
- تلخيص أجوبة العلماء:
1: أن من الصحابة من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من وصّى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ عنه القرآن.
2: أنهم لم يكونوا يخشون أن يزاد فيه ما ليس منه ولو حرفاً واحداً؛ لأن عمدتهم الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة.
3: أن الخوف كان من أن يموت حفظة القرآن الذين أخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم فينسى من بعدهم شيئا من القرآن.

إذا قيل: كيف لم توجد آخر براءة إلا مع خزيمة بن ثابت؟
- الجواب: أنهم لم يجدوها مكتوبة إلا معه؛ وأما حفظها فكان من الصحابة من يحفظها، وقد قال أبيّ: "أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها آيتين" دليل على حفظه لهاتين الآيتين وعددهما وموضعهما، ولم يبق إلا التوثيق مكتوباً فحصل بكتابة خزيمة بن ثابت، واتّفق المحفوظ والمكتوب، وكان هذا هو المطلوب.
- وخزيمة بن ثابت قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادته بشهادة رجلين؛ فهو أمر من خصائصه رضي الله عنه.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسائل, فهرسة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir