قال تعالى: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235
عزم العقدة : عقدها بالإشهاد والولي، وحينئذ تسمى عقدة، قاله ابن عطية
والمعنى : لا تعقدوا النكاح حتى تنقضي العدة، ولا يراد بخ النهي عن العزم عن النكاح فذلك مباح.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: ماهو الأجل؟ وماهو الكتاب؟ ولماذا سمي كتاباَ؟
قال ابن عطية: "الأجل تمام العدة".
وقال الزجاج : "حتى يبلغ فرض الكتاب أجله" أي ماأمر به .
" والكتاب هو الحد الذي جُعل ، والقدر الذي رُسم من المدة" قاله ابن عطية.
"وسماه الكتاب إذ قد حده وفرضه كتاب الله تعالى، هو كقوله تعالى: ( كتاب الله عليكم)" فهو كتاب لفرضه تعالى في الكتاب.
المسألة الثانية: ماحكم من خالف النهي في الآية وعزم العقد قبل بلوغ الأجل؟
أولاً: فيمن عزم العقد ولم يدخل في العدة:
1-قال عمر بن الخطاب وجماعة من العلماء: "إن عقد في العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم العقد قبل الدخول فذلك لا يؤبد أبداً"، وقال مالك في المدونة: " يكون خاطباً من الخطاب". وحجتهم: مارواه عن ابن شهابٍ، وسليمان بن يسارٍ: أنّ عمر، رضي اللّه عنه، قال: أيّما امرأةٍ نكحت في عدّتها، فإنّ زوجها الّذي تزوّجها لم يدخل بها، فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، ثمّ كان الآخر خاطبًا من الخطّاب
2-وحكى الجلاب عن مالك: رواية التحريم يتأبد في العقد في العدة وإن فسخ قبل الدخول.وكذلك من عقد في العدة ودخل بعد انقضائها " "وقال مالك مرة: يتأبد التحريم، وقال مرة: وما التحريم بذلك بالبين":
-قال قوم: هو كالدخول في العدة ويتأبد التحريم.
-وقال آخرون: لا يتأبد بذلك التحريم.
والقولان لمالك في المدونة في طلاق السنة.
ثانيا: فيمن عزم العقد ودخل في العدة:
1-إن دخل في العدة فقول عمر بن الخطاب ومالك وجماعة من أصحابه والأوزاعي والليث وغيرهم: أن التحريم يتأبد ، وحجة الإمام مالكٌ ومن معه إلى أنّها تحرم عليه على التّأبيد. بما رواه عن ابن شهابٍ، وسليمان بن يسارٍ: أنّ عمر، رضي اللّه عنه، قال: أيّما امرأةٍ نكحت في عدّتها، فإنّ زوجها الّذي تزوّجها لم يدخل بها، فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، ثمّ كان الآخر خاطبًا من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ثمّ اعتدّت من الآخر، ثمّ لم ينكحها أبدًا.
ورد ابن كثير هذا الأثر وقال: "ثمّ هو منقطعٌ عن عمر. وقد روى الثّوريّ، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق: أنّ عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها، وجعلهما يجتمعان".
وقد روى الشّافعيّ هذا الأثر عن مالكٍ. قال البيهقيّ: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول عليٍّ: إنّها تحلّ له.
2-وقال ابن جلاب في المذهب المالكي أن التحريم لا يتأبد مع الدخول في العدة، لأن العالم بالتحريم متجرئ زان يحد، ولا يلحق به الولد، وينكحها بعد الاستبراء، والجاهل فهو معذور وليس فيه خلاف". وهو قول ابن مسعود والشافعي وأبي حنيفة وجماعة، فالتحريم لا يتأبد، ثم تعتد ،ثم يكون خاطباَ.
عن الشعبي، عن مسروق، قال: بلغ عمر بن الخطاب أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها، فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما، وقال: «لا تنكحها أبدا». وجعل صداقها في بيت المال، وفشا ذلك في الناس، فبلغ عليا فقال: «يرحم الله أمير المؤمنين، ما بال الصداق وبيت المال؟ إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة»، قيل: فما تقول أنت فيها؟
قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا حد عليهما، وتكمل عدتها من الأول، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء، ثم يخطبها إن شاء»، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال: «يا أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة» وفي هذا أن الجاهل معذور ولا خلاف.
والجمهور على أنها لاتحرم عليه بل يحل له أن يخطبها إذا انقضت العدة.
المسألة الثالثة: لماذا التشديد بتحريم التأبيد لمن قال به ؟
ومأخذ هذا: أنّ الزّوج لمّا استعجل ما أحّل اللّه، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التّأبيد، كالقاتل يحرم الميراث
المسألة الرابعة: من عُقد عليها في العدة كم عدة عليها بعد ذلك؟
أولاً: عند الشافعية عليها عدتين، وهذه عندهم تُسمى مسألة العدتين، وهو في الآثر:
" قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا حد عليهما، وتكمل عدتها من الأول، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء، ثم يخطبها إن شاء"
ثانيا: أما المالكية فالمشهور عندهم عدة واحدة ، وعليه أصحاب الرأي والأوزاعي والثوري: عدة واحدة تكفيهما جميعاً سواء كانت بالحمل أو بالإقراء أو بالأشهر.
وعليه فإن خلاصة قول ابن عطية –رحمه الله- في المسألة: أنه إن عقد في العدة وفسخه الحاكم قبل الدخول فالجمهور أن ذلك لا يؤيد تحريما، والعاقد يكون واحداَ من الخطاب فيما بعد، وإن عقد فيها ودخل بعدها فيه قولان: بالتأبيد أو عدمه.
وإن عقد ودخل فقولان: بالتأبيد وعدمه، والمشهور عند مالك في الصورتين الأخيرتين التأبيد.
المسألة الخامسة: مامناسبة تحذير الله من نفسه في الآية؟
تحذير من الوقوع في النهي حيث توعدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النساء، وأرشدهم إلى اضمار الخير، ولم يؤيسهم من رحمته، فهو سبحانه غفور لذنوب عباده ولا يعجل العقوبة على الذنب.
وهذا خلاصة ماذهب إليه ابن عطية وابن كثير رحمهما الله .