وهكذا في بقية الأمور التي يخبر عنها الرسول , ولكون هذا اصلاً من أصول أهل السنة والجماعة مثل لـه الشيخ هنا بامثلة من الغيبيات فقال (( مثل حديث السراء والمعارج )) (1) , والإسراء والمعراج كمان يقظة لا مناماً , هذا مذهب أهل السنة و الجماعة, والرسول اسري به من بيت المقدس والإسراء هو السير ليلاً, فسري من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
والمعراج: مفعال من العروج, وهي الآلة التي يصعد بها, والله اعلم يكيفيتها, والمقصود به عروجه , أو العروج به الى السماء . وأهل السنة والجماعة يقولون إنه كان يقظة , وكان بروحه وجسده , هذا هو الصحيح , وهو معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
وجاء الإسراء قبل المعراج حتى يستد لـه عملياً على صدق الرسول عليه والصلاة والسلام في ذلك ؛ لأن الله قادر على أن يعرج به من المسجد الحرام إلى السماء, لكن لو عرج به إلى السماء من مكة, ثم اخبر الرسول قومه بذلك وقال : (( إنه قد عرج بي إلى السماء )), لقال المشركون : هذا من جنس زعمك أنه ينزل عليك فهو أمر غيبي لا يمكن أن نستدل به على صدق ما تقول فكان من حكمة الله أن جاء الإسراء إلي بيت المقدس قبل العروج به إلى السماء .
ولهذا لما اعترض المشركون تركز اعتراضهم على الإسراء به إلى بيت المقدس دون المعراج؛ لأنها حادثة محسوسة معلومة لهم في مسافاتها وزمن قطعها بوسائلهم التي كانت موجودة عندهم , حيث يرون أنها لا يمكن أن تتم في ليلة واحدة , ولهذا لمَّا أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك استعظموه, فانكرته قريش واكبرته وقالت : هذا شيئ لا يمكن أن يتم ولا يمكن أن يقع- وبقية القصة معروفة- .
لكن الرسول أخبرهم عن اشياء دلت على أن هذا وقع فعلاً , أخبرهم عن العير وماذا جرى لها, ومتى ستقدم , بل وأخبرهم عن تفاصيل دقيقة تتعلق ببيت المقدس , وهم يقطعون ويجزمون بأن الرسول لم يذهب إلى فلسطين .
وقد ورد أنه حين سأله المشركون عن تفاصيل هذا البيت رفعه الله سبحانه وتعالى إلى النبي وصار كأنه ينظر إليه فوصفه صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً , بما لايدع مجلاً للشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى هذا المكان ورآه بأم عينيه .
وقد فهم المشركون وهم كفار من قول الرسول إنه أسري به, ثم عرج به إلى السماء أن ذلك كان يقظة لامناماً , وانه كان بجسده وروحه. ولو كان الرسول اخبرهم أن الإسراء والمعراج كان مناماً لما انكرته قريش ؛ لأنها لم تكن تنكر المنامات , كما قا ل المؤلف رحمه الله تعالى .
بقي إشكال , وهو أنه ورد في بعض روايات الإسراء أن الرسول قال : ثم استيقظت وفي بعض الآثار أنه كان مناماً وقد أجاب العلماء عن ذلك بأنه لا يبعد؛ لأن الرسول كان يرى الرؤيا ثم تقع مثل فلق الصبح فقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الإسراء والمعراج , ثم بعد ذلك وقعت حقيقة, فما أخبر به الرسول المشركين إنما هو إخبار عن الإسراء بروحه وجسده يقظة وليس مناماً, ولو لم يكن كذلك لم يكن معجزة ولا انكرته قريش كما سبق .
أما عن كيفية ذلك فهذا علمه عند الله سبحانه وتعالى . فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن البراق, وعن شيء من وصفه وعن شيء من سرعته , وأخبرنا عاما جرى لـه في السموات , وكيف استفتح كل سماء, وكيف التقى ببعض الأنبياء , وكيف أنه بلغ سدرة المنتهى , وسمع صريف الأقلام, وكيف أنه رأى جبريل على حقيقته, وكيف أن الله كلمه في السماء وخاطبه مباشرة بدون واسطة, وفرض عليه الصلوات الخمس إلى آخره , فنؤمن ونصدق بجميع ذلك .
وهذا مثال فقط ذكره الشيخ في بداية هذه المسألة الكبرى؛ وهو الإيمان بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال : (( وكان يقظة لا مناما فإن
قريشاً انكرته وأكبرته ولم تكن تنكر المنامات )) .
______________
(1) حديث الإسراء والمعراج اخرجه البخاري .