فصْلٌ
تابِعَ ذي الضمِّ المضافَ دُونَ أَلْ = أَلْزِمْهُ نَصْباً كأَزيَدُ ذا الْحِيَلْ([1])
أيْ: إذا كان تابِعُ المنادَى المضمومِ مُضافاً([2]) غيرَ مصاحِبٍ للألِفِ واللامِ، وجَبَ نصْبُه، نحوُ: "يا زيدُ صاحِبَ عمرٍو".
وما سِواهُ ارْفَعْ أوِ انْصِبْ وَاجْعَلاَ = كمُسْتَقِلٍّ نَسَقاً وبَدَلاَ ([3])
أيْ: ما سِوَى المضافِ المذكورِ يَجُوزُ رفْعُه ونَصْبُه، وهو المضافُ المصاحِبُ لألْ، والمفرَدُ، فتقولُ: "يا زيدُ الكريمَُ الأبِ" برَفْعِ "الكريم" ونَصْبِه، و"يا زيدُ الظريفَُ" برفْعِ "الظريف" ونَصْبِه.
وحُكْمُ عطْفِ البَيانِ والتوكيدِ حكْمُ الصِّفَةِ، فتقولُ: "يا رجُلُ زيدٌ وزَيداً" بالرفْعِ والنصْبِ، و"يا تَميمُ أَجمعونَ وأَجمعينَ".
وأمَّا عطْفُ النَّسَقِ والبدَلِ ففي حكْمِ المنادَى المستَقِلِّ، فيجِبُ ضَمُّه إذا كانَ مُفرَداً، نحوُ: "يا رجُلُ زَيدُ"، و"يا رجُلُ وزَيدُ"؛ كما يَجِبُ الضمُّ لو قُلتَ: "يا زيدُ"، ويَجِبُ نَصْبُه إنْ كانَ مُضافاً، نحوُ: "يا زيدُ أبا عبدِ اللهِ"، و"يا زيدُ وأبا عبدِ اللهِ" كما يَجِبُ نصْبُه لو قُلتَ: "يا أبا عبدِ اللهِ".
وإنْ يَكُنْ مَصحوبَ أَلْ ما نُسِقَا = ففيهِ وَجهانِ ورَفْعٌ يُنْتَقَى ([4])
أيْ: إنما يَجِبُ بِناءُ الْمَنسوقِ على الضمِّ إذا كان مُفرَداً مَعرِفَةً بغيرِ "ألْ".
فإنْ كانَ بـ "ألْ" جازَ فيه وَجهانِ: الرفْعُ والنصْبُ، والمختارُ عندَ الخليلِ وسِيبَوَيْهِ ومَن تَبِعَهما الرفْعُ، وهو اختيارُ المصَنِّفُ؛ ولهذا قالَ: "ورَفْعٌ يُنتَقَى"؛ أيْ: يُختارُ، فتقولُ: "يا زيدُ والغلامُ" بالرفْعِ والنصْبِ، ومنه قولُه تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ} برَفْعِ {الطَّيْرُ} ونَصْبِه.
وأيُّها مَصحوبَ ألْ بعدُ صِفَهْ = يَلْزَمُ بالرفعِ لَدَى ذي الْمَعْرِفَهْ ([5])
وأَيُّهَاذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ = ووَصْفُ أيٍّ بِسِوَى هذا يُرَدْ ([6])
يُقالُ: "يا أيُّها الرجُلُ، ويا أيُّهَذَا، ويا أيُّها الذي فَعَلَ كذا"، فـ"أيُّ" مُنادًى مفرَدٌ مَبنيٌّ على الضمِّ، و"ها" زائدةٌ، و"الرجُلُ" صِفَةٌ لأيٍّ، ويَجِبُ رفْعُه عندَ الْجُمهورِ؛ لأنه هو المقصودُ بالنداءِ، وأجازَ الْمَازِنِيُّ نَصْبَه قِياساً على جَوازِ نَصْبِ "الظريف" في قولِك: "يا زيدُ الظريفَُ" بالرفْعِ والنصْبِ.
ولا تُوصَفُ "أيٌّ" إلا باسمِ جِنْسٍ مُحَلًّى بألْ؛ كالرجُلِ، أو باسمِ إشارةٍ، نحوُ: "يا أيُّهذَا أَقْبِلْ"، أو بِمَوصولٍ مُحَلًّى بألْ "يا أَيُّهَا الذي فَعَلَ كذا".
وذو إشارةٍ كأيٍّ في الصِّفَهْ = إنْ كانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المعرِفَهْ ([7])
يُقالُ: "يا هذا الرجُلُ" فيَجِبُ رفْعُ "الرجُلُ" إنْ جُعِلَ "هذا" وُصْلَةً لنِدائِه، كما يَجِبُ رفْعُ صِفَةِ "أيٍّ"، وإلى هذا أشارَ بقولِه: (إنْ كانَ تَرْكُها يُفِيتُ المعرِفَةَ)، فإنْ لم يُجْعَلِ اسمُ الإشارةِ وُصلةً لنِداءِ ما بعْدَه لم يَجِبْ رفْعُ صِفَتِه، بل يَجوزُ الرفْعُ والنصْبُ.
في نحوِ سعدُ سعدَ الأَوْسِ يَنْتَصِبْ = ثانٍ وضُمَّ وافْتَحْ أَوَّلاً تُصِبْ ([8])
يُقالُ: "يا سَعْدُ سعْدَ الأوسِ"([9]) و:
311- *يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ* ([10])
312- و* يا زَيدُ زَيدَ اليَعْمَلاَتِ* ([11])
فيَجِبُ نصْبُ الثاني، ويَجوزُ في الأوَّلِ الضمُّ والنصْبُ.
فإنْ ضُمَّ الأوَّلُ؛ كانَ الثاني مَنصوباً على التوكيدِ([12])، أو على إضمارِ أَعْنِي، أو على البَدَلِيَّةِ، أو عطْفِ البيانِ، أو على النداءِ. وإنْ نُصِبَ الأوَّلُ فمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّه مُضافٌ إلى ما بعْدَ الاسمِ الثاني، وأنَّ الثانيَ مُقْحَمٌ بينَ المضافِ والمضافِ إليه. ومَذهَبُ الْمُبَرِّدِ أنَّه مُضافٌ إلى محذوفٍ مِثلِ ما أُضيفَ إليه الثاني، وأنَّ الأصْلَ :"يا تَيْمَ عَدِيٍّ تَيْمَ عَدِيٍّ" فحُذِفَ "عَدِيٍّ" الأوَّلُ لدَلالةِ الثاني عليه([13]).
([1]) (تابِعَ) مفعولٌ به لفعْلٍ محذوفٍ يفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وتَقديرُه: أَلْزِمْ تابِعَ ذي الضمِّ... إلخ، وتابِعَ مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(الضمِّ) مُضافٌ إليه، (المضافَ) نعتٌ لتابِعَ، (دُونَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن تابِعَ، ودونَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (أَلْزِمْه) أَلْزِمْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والهاءُ مفعولُه الأوَّلُ، (نَصْباً) مفعولُه الثاني، (كأَزْيَدُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، والهمزةُ حرْفُ نداءٍ، زَيدُ: منادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (ذا) نعتٌ لزيدُ بِمُراعاةِ المحلِّ منصوبٌ بالألِفِ نِيابةً عن الفتحةِ؛ لأنه مِن الأسماءِ الستَّةِ، وذا مُضافٌ و(الْحِيَلْ) مُضافٌ إليه.
([2]) ههنا أَمرانِ أُريدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهما:
الأمْرُ الأوَّلُ: أنَّ المنادَى إذا كان اسْماً ظاهِراً فله جِهتانِ: الأُولَى: جِهةُ كونِه منادًى، وهي تَقتضِي الْخِطابَ، والثانيةُ: جِهةُ كونِه اسْماً ظاهِراً، وهي تَقتضِي الغَيْبَةَ، فإذا كان تَابِعُ المنادَى متَّصِلاً بضَميرِه جازَ في هذا الضميرِ وَجهانِ: الوجهُ الأوَّلُ: أنْ يُؤتَى به ضَميرَ غَيبةٍ؛ نَظراً إلى الجهةِ الثانيةِ، والوجْهُ الثاني: أنْ يُؤتَى به ضَميرَ خِطابٍ؛ نَظَراً إلى الْجِهةِ الأُولَى، تقولُ: يا زيدُ نفْسَه أو نفْسَكَ، ويا تَميمُ كلَّهم أو كلَّكم، ويا ذا الذي قامَ أو قُمتَ.
والأمْرُ الثاني: أنَّ التابِعَ المضافَ الذي يَجِبُ نَصْبُه هو: ما كانَتْ إضافتُه مَحْضَةً، أمَّا الذي إضافتُه لَفظيَّةٌ؛ كاسمِ الفاعِلِ المضافِ إلى مَفعولِه، نحوُ: "يا رجُلُ ضارب زَيْدٍ" فقد اختلَفَتْ فيه كلِمَةُ العُلماءِ؛ فقالَ الرَّضِيُّ: يَجوزُ فيه الوَجهانِ؛ الضمُّ والنصْبُ. وقالَ السّيُوطِيُّ: يَجِبُ نَصْبُه.
([3]) (وما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ مقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: (ارْفَعِ) الآتي، (سِوَاهُ) سِوَى: ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ ما الموصولةِ، وسِوَى مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (ارْفَعْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (أو) عاطفةٌ، (انْصِبْ) معطوفٌ على ارفَعْ، (واجْعَلاَ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، اجْعَلَ: فعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ لاتِّصالِه بنُونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنقَلِبَةِ ألِفاً لأجْلِ الوقْفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (كمُسْتَقِلٍّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ باجَعْلَ، وهو في موضِعِ المفعولِ الثاني له، (نَسَقاً) مفعولٌ أوَّلُ لاجْعَلَ، (وبَدَلاَ) معطوفٌ على قولِه: (نَسَقاً).
([4]) (إنْ) شَرطيَّةٌ، (يَكُنْ) فعْلٌ مضارِعٌ ناقصٌ فعْلُ الشرْطِ، (مصحوبَ) خبَرُ يَكُنْ تَقَدَّمَ على اسْمِه، ومصحوبَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (ما) اسمٌ موصولٌ: اسمُ يَكُنْ، (نُسِقَا) نُسِقَ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ ونائبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ إلى ما الموصولةِ، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن نُسِقَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ ما الموصولةِ، (ففيه) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، فيه: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (وَجهانِ) مبتَدَأٌ مؤخَّرٌ، والجملةُ مِن المبتَدَأِ وخبَرِه في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ، و(رَفْعٌ) مُبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ به معَ كونِه نَكِرَةً وُقوعُه في مَعرِضِ التقسيمِ، وجُملةُ (يُنْتَقَى) مِن الفعْلِ ونائبِ فاعلِه الْمُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ.
([5]) (أيُّها) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ، (مصحوبَ) مفعولٌ تقدَّمَ على عامِلِه، وهو قولُه: (يَلْزَمُ) الآتي، ومصحوبَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (بعْدَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن مَصحوبَ ألْ، (صِفَة) حالٌ أُخرى منه، (يَلزَمُ) فعْلٌ مضارِعٌ وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ على (أيُّها)، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (بالرفْعِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ ثالثةٌ مِن مصحوبَ ألْ، (لَدَى) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بيَلْزَمُ، ولَدَى مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(المعرِفَة) مُضافٌ إليه، وتقديرُ البيتِ: وأيُّها يَلْزَمُ مَصحوبَ ألْ حالَ كونِه صِفَةً مَرفوعاً واقِعاً بعْدَه.
([6]) (وأيُّهذا) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ، (أيُّها الذي) معطوفٌ عليه بعاطِفٍ مقَدَّرٍ، (وَرَدْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على المذكورِ، والجملةُ مِن وَرَدَ وفاعِلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ، و(وَصْفُ) مُبتدأٌ، ووصْفُ مُضافٌ و(أيٍّ) مُضافٌ إليه، (بسِوَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بوَصْفُ، وسِوَى مُضافٌ واسمُ الإشارَةِ مِن (هذا) مُضافٌ إليه، (يُرَدْ) فعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى (وَصْفُ)؛ أيْ: بسِوَى هذا، والجملةُ مِن يُرَدْ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خبرُ المبتَدَأِ.
([7]) (وذو) مبتَدَأٌ، وذو مُضافٌ و(إشارةٍ) مُضافٌ إليه، (كأيٍّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (في الصِّفَة) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الضميرِ المستَكِنِّ في الخبَرِ، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (كانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ فعْلُ الشرْطِ، (تَرْكُها) تَرْكُ: اسمُ كانَ، وتَرْكُ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (يُفِيتُ) فعْلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على اسمِ كانَ، (المعرِفَة) مفعولٌ به ليُفِيتُ، والجملةُ مِن يُفيتُ وفاعِلِه في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ كانَ، وجوابُ الشرْطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.
([8])، (في نحوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (يَنْتَصِب) الآتي، (سعْدُ) منادًى بحرْفِ نِداءٍ محذوفٍ، مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (سعْدَ) تَوكيدٌ للأوَّلِ، أو بدَلٌ منه، أو عطْفُ بيانٍ بِمُراعاةِ مَحَلِّه، أو مفعولٌ به لفعْلٍ محذوفٍ، أو منادًى بحرْفِ نداءٍ محذوفٍ، وهو مُضافٌ و(الأوسِ) مُضافٌ إليه، (يَنتَصِبْ) فعْلٌ مضارِعٌ، (ثانٍ) فاعلُ يَنْتَصِبْ، (وضُمَّ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (وافتَحْ) معطوفٌ على ضُمَّ، (أوَّلاً) تَنَازَعَه الفِعلانِ قَبْلَه، (تُصِبْ) فعْلٌ مضارِعٌ مجزومٌ في جوابِ الأمْرِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ. والمرادُ بنَحْوِ (سعْدُ سعْدَ الأوْسِ) كلُّ تَركيبٍ وقَعَ فيه المنادَى مفْرَداً، وكُرِّرَ مُضافاً ثاني لَفْظَيْهِ إلى غيرِه، سواءً أَكانَ عَلَماً كمِثالِ الناظِمِ، والشاهِدَيْنِ رَقْمِ 311 و312،، أمْ كانَ اسمَ جِنْسٍ، نحوُ قولِكَ: يا رجُلُ رجُلَ القومِ، أمْ كان وَصْفاً، نحوُ: يا صاحِبُ صاحِبَ زيْدٍ، وخالَفَ الكُوفِيُّونَ في هذا، فإنْ لم يَكُنْ ثاني اللَّفْظَيْنِ مُضافاً – نحوُ: يا زيدُ زيد – لم يَجِبْ نَصْبُه، وجازَ فيه وَجهانِ: النصْبُ والضمُّ، وانظُر الشاهِدَ رَقْمَ 314 الآتي.
([9]) وقَعَتْ هذه العِبارةُ في قولِ الشاعِرِ:
أيا سَعْدَ الأوْسِ كُنْ أنتَ مانِعاً = ويا سعْدُ سعْدَ الْخَزْرَجِينَ الغَطَارِفِ
أَجِيبَا إلى دَاعِي الْهُدَى وَتَبَوَّآ = مِن اللهِ في الفِرْدَوْسِ زُلْفَةَ عارِفِ
([10]) 311 - هذه قِطعةٌ مِن بيتٍ لِجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ، مِن كَلِمَةٍ يَهجُو فيها عمرَ بنَ لَجَأٍ التَّيْمِيَّ، والبيتُ بكَمَالِه هكذا:
يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أبَا لَكُمُ = لا يُلْقِيَنَّكُمُ في سَوْأَةٍ عُمَرُ
اللُّغَةُ: (تَيْمَ عَدِيٍّ) أَضافَ تَيْماً إلى عَدِيٍّ - وهو أَخوهُ – للاحترازِ عن تَيْمِ مُرَّةَ، وعن تَيْمِ غالِبِ بنِ فِهْرٍ، وهما في قُريشٍ، وعن تَيْمِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وعن تَيْمِ شَيْبَانَ، وعن تَيْمِ ضَبَّةَ، (لا أَبَا لَكُمُ) جُملةٌ قد يُقْصَدُ بها المدْحُ، ومعناها حينَئذٍ نَفْيُ نَظيرِ الممدوحِ بنَفْيِ أبيهِ، وقد يُقصَدُ بها الذمُّ، ومعناها حينَئذٍ أنَّ المخاطَبَ مجهولُ النَّسَبِ، قالَ السّيُوطِيُّ: هي كلمةٌ تُستعمَلُ عندَ الغِلْظَةِ في الْخِطابِ، وأَصْلُه أنْ يُنْسَبَ المخاطَبُ إلى غيرِ أبٍ معلومٍ؛ شتْماً له واحتقاراً، ثُمَّ كَثُرَ في الاستعمالِ حتى صارَ يُقالُ في كلِّ خِطابٍ يُغْلَظُ فيه على المخاطَبِ. وقالَ أبو الحسَنِ الأَخْفَشُ: كانَتِ العَرَبُ تَسْتَحْسِنُ أنْ تقولَ: (لا أبَا لكَ)، وتَستقْبِحُ (لا أمَّ لكَ)؛ أيْ: مُشْفِقَةً حَنونةً. وقالَ العَيْنِيُّ: وقد تُذْكَرُ هذه الْجُملةُ في مَعرِضِ التعَجُّبِ؛ كقولِهم: للهِ دَرُّكَ، وقد تُستعملُ بمعنى جِدَّ في أمْرِكَ وشَمِّرْ؛ لأنَّ مَن له أبٌ يَتَّكِلُ عليه في بعْضِ شأنِه. اهـ.
(يُلْقِيَنَّكُمْ) بالقافِ الْمُثَنَّاةِ، ومَن رَوَاهُ بالفاءِ فقَدْ أَخطَأَ، مأخوذٌ عن الإلقاءِ، وهو الرمْيُ، (سَوْأَةٍ) هي الفِعْلَةُ القَبيحةُ.
المعنى: احْذَروا يا تَيْمَ عَدِيٍّ أنْ يَرمِيَكُم عمرُ في بَلِيَّةٍ لا قِبَلَ لكُمْ بها، ومَكْرُوهٍ لا تَحْتَمِلُونَه بتَعَرُّضِه لي. يُريدُ أنْ يَمنَعُوه مِن هِجائِه حتى يَأمَنُوا الوُقوعَ في خَطَرِه؛ لأنهم إِنْ تَرَكُوا عُمرَ وهِجاءَه جَريراً فكأنَّهم رَضُوا بذلك، وحِينَئِذٍ يُسَلِّطُ جَريرٌ عليهم لِسانَه.
الإعرابُ: (يا) حرْفُ نِداءٍ، (تَيْمُ) مُنادًى، ويَجوزُ فيه الضمُّ على اعتبارِه مُفرَداً علَماً، ويَجوزُ نَصْبُه بتَقديرِ إضافتِه إلى ما بعْدَ الثاني؛ كما هو رَأْيُ سِيبَوَيْهِ، أو بتقديرِ إضافَتِه إلى محذوفٍ مِثلِ الذي أُضيفَ إليه الثاني، كما هو رَأْيُ أبي العَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ، (تَيْمَ) مَنصوبٌ على أنَّه منادًى بحَرْفِ نداءٍ محذوفٍ، أو على أنه تابِعٌ بدَلٌ، أو عطْفُ بيانٍ، أو توكيدٌ للأوَّلِ باعتبارِ مَحَلِّه إذا كان الأوَّلُ مَضموماً، أو باعتبارِ لفْظِه إذا كانَ مَنصُوباً، أو على أنَّه مفعولٌ به لفِعْلٍ محذوفٍ، وتَيْمَ مُضافٌ و(عَدِيٍّ) مُضافٌ إليه، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (أبا) اسمُ لا، (لكم) اللامُ حرْفٌ زائدٌ، والكافُ في مَحَلِّ جَرٍّ بهذه اللامِ، ولكنها في التقديرِ مَجرورةٌ بإضافَةِ اسمِ لا إليها، قالَ اللَّخْمِيُّ: اللامُ في (لا أبا لك) مُقْحَمَةٌ، والكافُ في مَحَلِّ جَرٍّ بها؛ لأنه لو كان الخَفْضُ بالإضافَةِ أدَّى إلى تَعليقِ حرفِ الجرِّ فالجَرُّ باللامِ -وإنْ كانَتْ مُقحَمَةً- كالجرِّ بالباءِ وهي زائدةٌ، وإنما أُقْحِمَتْ مُراعاةً لعَمَلِ (لا)؛ لأنها لا تَعْمَلُ إلاَّ في النَّكِرَاتِ، وثَبَتَتِ الألِفُ مُراعاةً للإضافَةِ، فاجْتَمَعَ في هذه الكَلِمَةِ شَيئانِ مُتضَادَّانِ: اتِّصالٌ وانفصالٌ، فثَبَاتُ الألِفِ دليلٌ على الاتِّصَالِ مِن جِهَةِ الإضافَةِ في المعنَى، وثَبَاتُ اللامِ دليلٌ على الانفصالِ في اللفْظِ؛ مُراعاةً لعمَلِ (لا)، فهذه مَسألةٌ قد رُوعِيَتْ لفْظاً ومَعنًى، وخبَرُ (لا) مَحذوفٌ؛ أيْ: لا أبَا لكُمُ بالْحَضْرَةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ)؛ حيثُ تَكَرَّرَ لفْظُ المنادَى، وقد أُضيفَ ثانِي اللفظينِ، فيَجِبُ في الثاني النصْبُ، ويَجوزُ في الأوَّلِ الضمُّ والنصْبُ، على ما أَوْضَحناهُ في الإعرابِ، وأَوْضَحَه الشارِحُ العلاَّمَةُ.
([11]) 312 - وهذه قِطعةٌ مِن بيتٍ لعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ الأنصاريِّ، يقولُه في زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ – وكان يَتِيماً في حِجْرِهِ - يومَ غَزاةِ مُؤْتَةَ، وهو بكَمَالِه:
يا زيدُ زيدَ اليَعْمَلاَتِ الذُّبَّلِ = تَطاوَلَ الليلُ عليك فانْزِلِ
اللُّغَةُ: (اليَعْمَلاتِ) بفتْحِ الياءِ والميمِ: الإبِلُ القَوِيَّةُ على العمَلِ، (الذُّبَّلِ) جَمْعُ ذابِلٍ أو ذَابِلَةٍ؛ أيْ: ضامِرَةٍ مِن طُولِ السفَرِ، وأضافَ زيداً إليها لِحُسْنِ قِيامِه عليها ومَعرِفَتِه بِحُدَائِها. وقولُه: (تَطَاوَلَ الليلُ عليكَ... إلخ) يُريدُ انْزِلْ عن راحِلَتِكَ واحْدُ الإِبِلَ؛ فإنَّ الليلَ قد طالَ وَحَدَثَ للإبِلِ الكِلاَلُ، فنَشِّطْها بالْحُداءِ وأَزِلْ عنها الإِعياءَ.
الإعرابُ: (يا) حرْفُ نِداءٍ، (زَيْدُ) مُنادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، أو منصوبٌ بالفتحةِ الظاهِرَةِ كما تَقدَّمَ في البيتِ قَبْلَه، (زيدَ) مَنصوبٌ لا غيرُ، على أنَّه تابِعٌ للسابقِ، أو منادًى، وزيدَ مُضافٌ و(اليَعْمَلاَتِ) مُضافٌ إليه، (الذُّبَّلِ) صِفةٌ لليَعْمَلاَتِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا زيدُ زيدَ اليَعْمَلاَتِ)؛ حيثُ تَكرَّرَ لفْظُ المنادَى، وأُضيفَ ثانِي اللفظينِ، كما سبَقَ في الشاهِدِ الذي قَبْلَ هذا، ويَجوزُ في الأوَّلِ مِن وُجوهِ الإعرابِ الضمُّ على أنه منادًى مُفرَدٌ، والنصْبُ على أنه منادًى مُضافٌ، وفي الثاني النصْبُ ليس غيرُ، ولكنْ لهذا النصْبِ خَمسةُ أَوْجُهٍ، وقد بَيَّنَّاهَا في إعرابِ البيتِ السابقِ وذَكَرَها الشارِحُ.
([12]) اعتَرَضَ جماعةٌ على نَصْبِ الثاني على أنَّه توكيدٌ للأوَّلِ باعتبارِ الْمَحَلِّ، إنْ كانَ الأوَّلُ مَضموماً، وقالُوا: لا يَجوزُ أنْ يكونَ هذا تَوكيداً مَعنوِيًّا؛ لأنَّ التوكيدَ الْمَعنَوِيَّ يكونُ بألفاظٍ مُعَيَّنَةٍ مَعروفَةٍ، وليسَ هذا مِنها، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ تَوكيداً لَفظيًّا لوَجهينِ: أوَّلُهما: أنَّ اللفْظَ الثانِيَ قدِ اتَّصَلَ بما لم يَتَّصِلْ به اللفْظُ الأوَّلُ، وهو المضافُ إليه، وثانِيهِمَا: أنَّ تَعريفَ الأوَّلِ بالنداءِ أو بالعَلَمِيَّةِ السابِقَةِ عليه، وتَعريفَ الثاني بالإضافَةِ، يُريدونَ بهذينِ الوَجهينِ أنْ يُبَيِّنُوا أنَّ بينَ التوكيدِ والمؤكَّدِ اختلافاً، وأنْ يُقَرِّرُوا أنَّه إِذَا اخْتَلَفَ اللفظانِ لم يَصْلُحْ أنْ يكونَ ثانِيهما تَوكيداً لأَوَّلِهِما.
قالَ أبو رَجاءٍ: ولِمَن يَذهَبُ إلى أنَّ الثانِيَ تأكيدٌ للأوَّلِ أنْ يَلْتَزِمَ أنَّه لا يَجِبُ استواءُ المؤكَّدِ والتوكيدِ في جِهةِ التعريفِ, ويُكتفَى باشتراكِهما في جنْسِ التعريفِ. فافْهَمْ ذلك.
([13]) يَلزَمُ على مَذهَبِ سِيبَوَيْه الفصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بأَجْنَبِيٍّ، وهو غيرُ مَقبولٍ، وعلى مَذهَبِ المبَرِّدِ الحذْفُ مِن الأوَّلِ؛ لِدَلالةِ الثاني عليه، والأصْلُ العكْسُ، وهو الحذْفُ مِن الثاني؛ لدَلالةِ الأوَّلِ عليه.