23: قصيدة السموأل أخو سعية: نُطفة ما مُنيتُ يوم مُنيتُ = أُمرَت أمرها وفيها وبيتُ

[محمد أبو زيد]

وَقَالَ السَّمَوْءَلُ أَخُو سَعْيَةَ:

نُطْفَةً مَا مُنِيتُ يَوْمَ مُنِيتُ = أُمِرَتْ أَمْرَها وَفِيْهَا وُبِيتُ
كَنَّهَا اللَّهُ فِي مَكَانٍ خَفِيٍّ = وَخَفِيٌّ مَكَانُهَا لَوْ خَفِيتُ
أَنَا مَيْتٌ إِذْ ذَاكَ ثُمَّتَ حَيٌّ = ثُمَّ بَعْدَ الْحَيَاةِ لِلْبَعْثِ مَيْتُ
إِنَّ حِلْمِي إِذَا تَغَيَّبَ عَنِّي = فَاعْلَمِي أَنَّنِي كَبِيرٌ رُزِيتُ
فَاجْعَلَنْ رِزْقِيَ الْحَلاَلَ مِنَ الْكَسْـ = ـبِ وَبِرًّا سَرِيرَتِي مَا حَيِيتُ
ضَيِّقُ الصَّدْرِ بِالْخِيَانَةِ لاَ يَنْـ = قُصُ فَقْرِي أَمَانَتِي مَا بَقِيتُ
رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُهُ فَتَصَامَمْـ = ـتُ وَغَيٍّ تَرَكْتُهُ فَكُفِيتُ
لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا = قِيلَ اقْرَأْ عُنْوَانَهَا وقَرَيْتُ
أَلِي الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو = سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
مَيْتَ دَهْرٍ قَدْ كُنْتُ ثُمَّ حَيِيتُ = وَحَيَاتِي رَهْنٌ بِأَنْ سَأَمُوتُ
وَأَتَتْنِي الأَنْبَاءُ أَنِّي إِذَا مَا = مُتُّ أَوْ رَمَّ أَعْظُمِي مَبْعُوتُ
هَلْ أَقُولَنْ إِذَا تَدَارَكَ حِلْمِي = وَتَدَاكَا عَلَيَّ إِنَّي دُهِيتُ
أَبِفَضْلٍ مِنَ الْمَلِيكِ وَنُعْمَى = أَمْ بِذَنْبٍ قَدَّمْتُهُ فَجُزِيتُ
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ الْقَلِيلُ مِنَ الرِّزْ = قِ وَلاَ يَنْفَعُ الْكَثِيرُ الْخَبِيتُ
وَأَتَتْنِي الأَنْبَاءُ عَنْ مُلْكِ دَاوُ = دَ فَقَرَّتْ عَيْنِي بِهِ وَرَضِيتُ
لَيْسَ يُعْطَى الْقَوِيُّ فَضْلاً مِنَ الرِّزْ = قِ وَلاَ يُحْرَمُ الضَّعِيفُ الْخَتِيتُ
بَلْ لِكُلٍّ مِنْ رِزْقِهِ مَا قَضَى اللَّـ = ـهُ وَإِنْ حَكَّ أَنْفَهُ الْمُسْتَمِيتُ

[محمد أبو زيد]

23

وقال السموءل أخو سعية *

1: نطفة ما منيت يوم منيت = أمرت أمرها وفيها وبيت
2: كنها الله في مكان خفي = وخفى مكانها لو خفيت
3: أنا ميت إذ ذاك ثمت حي = ثم بعد الحياة للبعث ميت
4: إن حلمي إذا تغيب عني = فاعلمي أنني كبير رزيت
5: فاجعلن رز في الحلال من الكسـ = ـب وبرًا سريرتي ما حييت
6: ضق الصدق بالخيانة لا ينـ = قص فقري أمانتي ما بقيت
7: رب شتم سمعته فتصاممـ = ت وغي تركته فكفيت
8: ليت شعري وأشعرن إذا ما = قيل اقرأ عنوانها وقريت
9: إلي الفضل أم علي إذا حو = سبت إني على الحساب مقيت
10: ميت دهر قد كنت ثم حييت = وحياتي رهن بأن سأموت
11: وأتتني الأنباء أني إذا ما = مت أو رم أعظمي مبعوث
12: هل أقولن إذا تدارك حلمي = وتداكا علي: إني دهيت
13: أبفضل من المليك ونعمى = أم بذنب قدمته فجزيت
14: ينفع الطيب القليل من الرز = ق ولا ينفع الكثير الخبيت
15: وأتتني الأنباء عن ملك داو = د فقرت عيني به ورضيت
16: ليس يعطي القوي فضلاً من الرز = ق ولا يحرم الضعيف الختيت
17: بل لكل من رزقه ما قضى الل = ـه وإن حك أنفه المستميت

---

(*) ترجمته: مضت في ترجمة أخيه «سعية بن العريض» في القصيدة السابقة.
جو القصيدة: تبدو براعته واضحة في الأبيات الثلاثة الأولى، التي ساق فيها نشأة الإنسان منذ كان نطفة، ومصيره إلى الموت ثم رجعته في الحياة الآخرة. وفي الأبيات التي من بعدها يعتذر من غيبة الحلم عنه لتقدم السن، ويرجو أن يكون رزقه من حلال الكسب، ويعتز بحرصه على الأمانة، واستعماله العفو والصفح، ثم ذكر ما يكون من الحساب يوم الدين، فهو يخشاه في رهبة وخوف. ثم يضرب مثلا في الدعوة إلى القناعة والرضا، بما كان من ذهاب ملك داود، على سعة سلطانه وملكه، ويتعزى بأن الأرزاق لا تجري على القوة والاجتهاد، وإنما يصرفها الخالق بقضائه وإرادته.
تخريجها: هي برقم 20 في طبعة أوربة. والأبيات 1، 2، 17 في اللسان 19: 20. والأبيات 1، 2 وصدر 10 بعجز 4 و6 – 9 في العيني: 332. والأبيات 14، 17 في النوادر 104. والبيت 14 في حماسة البحتري 232 واللسان 2: 332. والمخصص 3: 95 وقال: «ليهودي» ولم يسمه. والبيتان 16، 7 في اللسان 2: 333. والبيتان 16، 17 في حماسة البحتري 158 ونسبهما لعريض بن شعبة اليهودي، وهو خطأ. وفي البيان 3: 86 بيت يشبه أن يكون منها.
(1) نطفة: أراد منيت نطفة، و«ما» زائدة. منيت: قدرت. وبيت: أصلها «وبئت» بتسهيل الهمزة، أي هيئت. وبدلها في رواية العيني «بريت» وأصلها «برئت» أي خلقت. ورواية اللسان «ربيبت» بفتح الراء، أي نشأت.
(4) رزيت: أصبت، وأصلها بالهمزة فسهلت.
(8) ليست شعري: ليتي أشعر، أي أعلم. وأشعرن: وكده بالنون مع خلوه عن معنى الطلب لشرط ونحوهما، وهو نادر، وهو موضع الشاهد عند العيني. اقرأ: قطع همزة الوصل للشعر. قريت: أت بإبدال الهمزة ياء، وهي لغة محكية.
(9) المقيت: الحافظ للشيء والشاهد له، أي أعرف ما عملت من السوء لأن الإنسان على نفسه بصيرة.
(11) رم أعظمي: بليت عظامي فصارت رمة. مبعوت: هي مبعوث، قلب الثاء تاء. انظر ما يأتي في البيت 14.
(12) تدارك: تتابع. تداكا: دافع وزاحم، وأصله «تداكأ» بالهمزة. يريد إذا تقاسمته للهموم والهواجس.
(14) الخبيث: هو الخبيث بقلب الثاء تاء. وفي المخصص 3: 95: «قال أبو سعيد السيرافي: لحبيث لغة قريظة والنضير – وذكر البيت – وقال: قال الخليل للأصمعي: ما الخبيت ههنا؟ قال: الحبث، ومن لغته أن يبدل الثاء تاء. فقال: أسأت العبارة، لأنك أطلقت من لغته أن يبدل الثاء تاء في البدل، ولو كان ذلك للزمه أن يكون الكتير في الكثير، وأنت ترويه الكثير، وإنما الجيد، تقودل يبدلون الثاء تاء في أحرف منها الخبيث». وانظر اللسان 2: 332 والنوادر لأبي زيد 104 نحو هذا القلب ما مضى في البيت 1. وهذا القلب يشبه لهجة عوام بلادنا في قلبهم الثاء تاء في بعض كلام، نحو قولهم «مبعوت» و«كتير» و«تلاتة».
(16) فضلا: زيادة. الختيت: الخسيس من كل شيء.

[شرح الأصمعيات: 85-86]