(ثُمَّ) بعدَ فَرَاغِه مِن الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (يَجْلِسُ مُفْتَرِشاً)؛ كجُلُوسِه بينَ السَّجْدَتَيْنِ, (ويَدَاهُ على فَخِذَيْهِ), ولا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ، (ويَقْبِضُ خِنْصِرَ) يَدِه (اليُمْنَى وبِنْصِرَها, ويُحَلِّقُ إِبْهَامَهَا معَ الوُسْطَى)؛ بأن يَجْمَعَ بينَ رَأْسِ الإبهامِ والوُسْطَى, فتُشْبِهُ الحَلْقَةَ مِن حَدِيدٍ ونَحْوِه، (ويُشِيرُ بسَبَّابَتِهَا) مِن غَيْرِ تَحْرِيكٍ (في تَشَهُّدِه) ودُعَائِه في الصَّلاةِ وغَيْرِها عندَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ تَنْبِيهاً على التَّوْحِيدِ، (ويَبْسُطُ) أَصَابِعَ (اليُسْرَى) مَضْمُومَةً إلى القِبْلَةِ، (ويقولُ) سِرًّا: (التَّحِيَّاتُ للَّهِ)؛ أي: الألفاظُ التي تَدُلُّ على السَّلامِ والمُلْكِ والبَقَاءِ والعَظَمَةِ للَّهِ تَعَالَى؛ أي: مَمْلُوكَةٌ له ومُخْتَصَّةٌ به، (والصَّلَوَاتُ)؛ أي: الخَمْسُ، أو الرَّحْمَةُ، أو المَعْبُودُ بها، أو العِبَادَاتُ كُلُّهَا، أو الأَدْعِيَةُ، (والطَّيِّبَاتُ)؛ أي: الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، أو مِنَ الكَلِمِ، (السَّلامُ)؛ أي: اسمُ السَّلامِ, وهو اللَّهُ، أو سَلامُ اللَّهِ (علَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ), بالهَمْزِ مِن النَّبَأِ؛ لأنَّه مُخْبِرٌ عَن اللَّهِ، وبلا هَمْزٍ؛ إِمَّا تَسْهِيلاً أو مِن النُّبُوَّةِ، وهي: الرِّفْعَةُ، وهو: مَن ظَهَرَتِ المُعْجِزَاتُ على يَدِه، (ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُه), جَمْعُ برَكَةٍ: وهي النَّمَاءُ والزِّيَادَةُ، (السَّلامُ عَلَيْنَا)؛ أي: على الحَاضِرِينَ مِن الإمامِ والمأمومِ والمَلائِكَةِ، (وعلى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) جَمْعُ صَالِحٍ: وهو القَائِمُ بما علَيْهِ مِن حُقُوقِ اللَّهِ وحُقُوقِ عِبَادِه، وقيلَ: المُكْثِرُ مِن العَمَلِ الصَّالِحِ, ويَدْخُلُ فيه النِّسَاءُ ومَن لم يُشَارِكْهُ في الصَّلاةِ، (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ)؛ أي: أُخْبِرُ بأنِّي قَاطِعٌ بالوَحْدَانِيَّةِ، (وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه) المُرْسَلُ إلى النَّاسِ كَافَّةً. (هذا التَّشَهُّدُ الأوَّلُ) عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ابنَ مَسْعُودٍ, وهو في الصَّحِيحَيْنِ، (ثُمَّ يَقُولُ) في التَّشَهُّدِ الذي يَعْقُبُه السَّلامُ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كمَا صَلَّيْتَ علَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٍ)؛ لأمْرِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بذلك في المُتَّفَقِ عليهِ مِن حديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، ولا يَجْزِي لو أَبْدَلَ (آل) بـ(أَهْل), ولا تَقْدِيمُ الصَّلاةِ على التَّشَهُّدِ، (ويَسْتَعِيذُ) نَدْباً فيَقُولُ: أعوذُ باللَّهِ (مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ و) مِن عَذَابِ القَبْرِ, ومِن فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ, ومِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
والمَحْيَا والمَمَاتُ: الحَيَاةُ والمَوْتُ، والمَسِيحُ بالحَاءِ المُهْمَلَةِ على المَعْرُوفِ، (و) يَجوزُ أنْ (يَدْعُوَ بما وَرَدَ)؛ أي: في الكِتَابِ والسُّنَّةِ أو عَن الصَّحَابَةِ والسَّلَفِ أو بأَمْرِ الآخِرَةِ, ولو لم يُشْبِهْ ما وَرَدَ، وليسَ له الدُّعَاءُ بشَيْءٍ ممَّا يُقْصَدُ به مَلاذُّ الدُّنْيَا وشَهَوَاتُهَا؛ كقَوْلِه: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ, أو طَعَاماً طَيِّباً, وما أَشْبَهَهُ، وتَبْطُلُ بهِ، (ثُمَّ يُسَلِّمُ) وهو جالِسٌ؛ لقَوْلِه عليهِ السَّلامُ: ((وتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)). وهو منها, فيَقولُ: (عَن يَمِينِه: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وعن يَسارِه كذلكَ)، وسُنَّ التِفَاتُه عَن يَسَارِه أَكْثَرَ، وأنْ لا يُطَوِّلَ السَّلامَ, ولا يُمِدَّهُ في الصَّلاةِ ولا على النَّاسِ، وأنْ يَقِفَ على آخِرِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ، وأنْ يَنْوِيَ به الخُرُوجَ مِن الصَّلاةِ، ولا يَجْزِي إنْ لم يَقُلْ: ورَحْمَةُ اللَّهِ في غَيرِ صَلاةِ جِنَازَةٍ، والأَوْلَى أن لا يَزِيدَ: وبَرَكَاتُه.
(وإن كانَ) المُصَلِّي (في ثُلاثِيَّةٍ)؛ كمَغْرِبٍ, (أو رُبَاعِيَّةٍ)؛ كظُهْرٍ, (نَهَضَ مُكَبِّراً بعدَ التَّشَهُّدِ الأوَّلِ), ولا يَرْفَعُ يَدَيْهِ, (وصَلَّى ما بَقِيَ)؛ (كـ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بـ"الحَمْدُ")؛ أي: بالفَاتِحَةِ (فَقَطْ), ويُسِرُّ بالقِرَاءَةِ, (ثُمَّ يَجْلِسُ في تَشَهُّدِهِ الأَخِيرِ مُتَوَرِّكاً), يَفْرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ويُخْرِجُهُمَا عَن يَمِينِه، ويَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ على الأَرْضِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، (والمَرْأَةُ مِثْلُه)؛ أي: مِثْلُ الرَّجُلِ في جَمِيعِ ما تقدَّمَ حتَّى رَفْعِ اليَدَيْنِ، (لكنْ تَضُمُّ نَفْسَهَا) في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ وغَيْرِهِمَا, فلا تَتَجَافَى، (وتَسْدِلُ رِجْلَيْهَا في جَانِبِ يَمِينِهَا) إذا جَلَسَتْ, وهو أَفْضَلُ، أو مُتَرَبِّعَةً, وتُسِرُّ القِرَاءَةَ وُجُوباً إِنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ وخُنْثَى كأُنْثَى، ثُمَّ يُسَنُّ أن يَسْتَغْفِرَ ثَلاثاً ويَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ ومِنْكَ السَّلامُ, تَبَارَكْتَ وتَعَالَيْتَ يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ، ويَقْوُلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ, والحَمْدُ للَّهِ, واللَّهُ أَكْبَرُ. معاً ثَلاثاً وثَلاثِينَ، ويَدْعُوَ بعدَ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ مُخْلِصاً في دُعَائِه.