بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص (الإضافات على كتاب الصيام)
تعريف الصيام
الصيام لغة: مصدر صام يصوم صوما وصياما، وأصله في اللغة يطلق على الإمساك والركود.
قال الخليل: (الصوم القيام بلا عمل، والصوم الإمساك عن الطعام)
قال ابن دريد: (كل شيء سكنت حركته فقد صام صوما)، ومنه قولهم للريح إذا ركدت (صامت)
ومنه قوله تعالى: {فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} فهو الإمساك عن الكلام.
الخلاصة؛ فالصيام في اللغة يطلق على مطلق الإمساك؛ ويفسّر المراد بنوع الإمساك سياق الكلام، فربما أريد به الإمساك عن الحركة، أو الإمساك عن الكلام، أو الإمساك عن الطعام والشراب.
شرعا: هو التعبد لله بالإمساك عن أشياء مخصوصة (المفطرات) في وقت مخصوص (النهار) من مكلف به (ليخرج أهل الأعذار).
حكم الصيام
فرض واجب بالكتاب والسنة والإجماع
· قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب الذين من قبلكم لعلكم تتقون} إلى قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ...}
· قال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" وذكر منه صوم رمضان
· أجمع المسلمون على وجوب صومه، فمن أنكر أو جحد وجوبه فهو كافر بالإجماع، لجحده معلوما من الدين بالضرورة.
منزلته في الدين
أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام
حكم تارك الصيام
من ترك الصيام جاحدا لوجوبه فهو كافر بالإجماع، إلا من أسلم حديثا وكان معذورا بالجهل فإنه تقام عليه الحجة فإن نزع وإلا حكم بكفره.
ومن ترك الصيام المفروض وهو مقرّ بوجوبه؛ فأصح الأقوال فيه: أنه لا يكفر لكنه ارتكب ذنبا عظيما.
متى فرض صيام رمضان
فرض في السنة 2 هــ، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات، حكى الإجماع على ذلك عدد من أهل العلم.
تدرج فرض الصيام في أول الإسلام وهذا ملخصه:
1- قبل الهجرة لم يفرض شيء من الصيام
2- لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
- فرض صيام يوم عاشوراء؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه" متفق عليه
في الحديث دلالة على أن صيام عاشوراء كان واجبا قبل فرض صيام رمضان.
- روى البيهقي: أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: (أحيل الصوم على ثلاثة أحوال: قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان ...)
3- ولما كانت السنة الثانية للهجرة نزل فرض الصيام؛ بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
إلا أن من أراد ترك الصيام فله أن يفتدي منه بالإطعام؛ والصوم أفضل.
4- ثم نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بنزول قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ...}
وكان في الصيام أمور نسخت وخفف الله عن المسلمين*
قال تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}
قال الإمام ابن كثير: (هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم، إنما يحلّ له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا في ذلك مشقة كبيرة، فنزلت هذه الآية، ففرحوا بها فرحا شديدا، حيث أباح الله الأكل والشرب والجماع في أي الليل شاء الصائم، إلى أن يتبيّن ضياء الصباح من سواد الليل)
فضل شهر رمضان
· قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}
· في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين"
· وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم"
· وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"
وهذه الأعمال المكفّرة لها ثلاث درجات:
- أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها.
- أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي لتكفير شيء من الكبائر
- أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر.
فضل صوم شهر رمضان
· قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه
· وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عزوجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم (مرتين) والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه" رواه أحمد والبخاري ومسلم
- "الصيام جنة": جاء في زيادات للحديث؛ "جنة منن النار"، "جنة وحصن حصين من النار"، "جنة ما لم يخرقها بالغيبة"؛ فتبيّن أنها متعلقة بالستر، وأنه يكون من النار.
- قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك" اختلفوا في تأويلها على أقوال:
1: أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم.
2: أن الله تعالى يجازيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد ريحه ريح المسك.
3: يحصل له من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك.
4: أن ذلك في حق الملائكة فهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر من ريح المسك.
وكلها سوى القول الثاني باطلة فإنها تأويل وتحريف للكلم عن مواضعه.
واختلف الشيخان الجليلان: أبو محمد العز بن عبدالسلام، وأبو عمرو بن الصلاح؛ في هذه الاستطابة؛ أهي في الدنيا أم في الآخرة؟
فقال الشيخ أبو محمد العز بن عبد السلام: إنها في الآخرة فقط.
واحتج برواية: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك"
وذهب الشيخ أبو عمرو إلى أنها في الدنيا والآخرة.
واحتج برواية: "لخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله تعالى من ريح المسك"
والفصل في المسألة كما بينه الإمام ابن القيم رحمه الله:
حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة، فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال، فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك.
وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه الوقت ظهور العبادة، ورب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى، والله عز وجل يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر، وقد يقوى العمل ويتزايد حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر.
قال ابن عباس: (إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ...)
الحكمة من مشروعية الصيام*
· فيه تزكية للنفس، وتنقية لها وتطهير من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
· فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها، وترغيب في الآخرة.
· فيه باعث على العطف على المساكين والفقراء والإحساس بآلامهم.
· ورأس هذه الحكم أنه معين على تحصيل التقوى؛ فما استعان أحد على تحصيل التقوى بمثل الصوم.
* بالرجوع إلى كتاب الصيام من الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان حفظه الله