سورة النساء
فإن قيل: في قوله تعالى: (وخلق منها زوجها).
إذ كانت حواء مخلوقة من آدم، ونحن مخلوقون منه أيضًا، تكون حواء إلى آدم نسبة الولد لأنها متفرعة منه، فتكون أختًا لنا لا أمًا؟
قلنا: قال بعض المفسرين (من) لبيان الجنس لا للتبعيض، فمعناه وخلق من جنسها زوجها، كما في قوله تعالى: (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم).
الثاني: وهو الذي عليه الجمهور أنها للتبعيض.
ولكن خلق حواء من آدم لم يكن بطريق التوليد كخلق الأولاد من الآباء، فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية والأختية فيها.
فإن قيل: كيف قال: (وآتوا اليتامى أموالهم). واليتيم لا يعطى ماله حتى يبلغ اتفاقًا؟
قلنا: المراد به إذا بلغوا وإنما سموا يتامى لقرب عهدهم بالبلوغ باعتبار ما كان، كما تسمى الناقة عشراء بعد الوضع، وقد يسمى البالغ يتيمًا باعتبار ما كان، كما يسمى الحي ميتًا والعنب خمرًا باعتبار ما يكون. قال الله تعالى: (إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون).
وقال: (إنّي أراني أعصر خمرًا).
ومنه قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نبأه الله تعالى "يتيم أبي طالب ".
فإن قيل: أكل مال اليتيم (حرام وحده) ومع أموال الأوصياء،
[أنموذج جليل: 61]
فلم ورد النهي مخصوصًا عن أكله معها بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم). أي معها؟
قلنا: لأن أكل مال اليتيم مع الاستغناء عنه أقبح، فلذلك خص بالنهي، ولأنهم كانوا يأكلونه مع الاستغناء عنه، فجاء النهي على ما وقع بينهم.
فإن قيل: لما قال: (ممّا ترك الوالدان والأقربون). دخل فيه القليل والكثير فما فائدة قوله: (ممّا قلّ منه أو كثر)؟
قلنا: إنما قال ذلك على وجهة التأكيد والإعلام أن كل تركة يجب قسمتها، لئلا يتهاون بالقليل من التركات ويحتقر، فلا يقسم وينفرد به بعض الورثة.
فإن قيل: كيف قال: (ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ).
مع أنه لو كان الولد بنتًا فللأب الثلث؟
قلنا: الآية وردت لبيان الفرض دون التعصيب، وليس للأب مع البنت بالفرض إلا السدس.