تقرير موجز عن كتاب
استخراج الجدل من القرآن الكريم
لناصح الدين ابن الحنبلي (ت:634هـ)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فهذا تعريف موجز بكتاب (استخراج الجدال من القرآن الكريم) لابن الحنبلي (ت:634هـ)
وقد ظهر لي أن غرض مؤلفه بناء قواعد لعلم الجدل مستخرجة من دلائل القرآن الكريم ، فإنه ذكر عناية الفقهاء بقواعد الاستدلال والجدل وأنهم ألفوا في ذلك كتباً بنوها على أمور اصطلاحية تتفاوت فيها الأفهام ، وتدخلها المعارضات والمناكفات فلا يستفيد الطالب ما قصد إليه ، وأن بناء علم الجدل على طريقة القرآن أسلم وأسمى ، وأحسن مأخذاً وأقرب تناولاً.
وقد حاول في كتابه تقويم مسار علم الجدل، وأشار إلى لطائف جميلة في الحِجَاج القرآني ولم يشرحها شرحاً يحقق ما قصد إليه في المقدمة، وقد جمع في كتابه جملة طيبة من حجج القرآن، وكتابه هذا مستفاد من كتابين كبيرين مفقودين له :
الكتاب الأول: الحجة العظمى.
الكتاب الثاني: البروق في التفسير.
وقد ذكر في أكثر من موضع أنه أشبع القول فيهما بما اكتفى به حتى عن ذكر ملخص لما بينه فيهما.
أبواب الكتاب:
والكتاب مختصر جداً وقد بناه على ثمانية أبواب:
الباب الأول: في ذكر الجدل في الكتاب العزيز الممدوح منه والمذموم.
الباب الثاني: أول من سنَّ الجدال.
الباب الثالث: جدال الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه للأمم.
الباب الرابع: ذكر الأدلة وأنواعها على وجود الصانع سبحانه.
الباب الخامس: ذكر الأدلة على أنه واحد.
الباب السادس: ذكر أدلة البعث.
الباب السابع: ذكر الأدلة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العزيز.
الباب الثامن: في السؤال والجواب ونكت من الجدل.
والباب الثامن هو أجود ما في الكتاب وقد تضمن إشارات لطيفة في علم الجدل على اقتضاب شديد.
جوانب القوة العلمية لدى الكاتب:
ناصح الدين ابن الحنبلي كان شيخ الحنابلة في زمانه وكان مقرباً من ملوك بني أيوب ، وبنيت له مدرسة يدرس فيها وهي المدرسة الصاحبية، فكانت له عناية بالتعليم، وكان حسن الأسلوب حلو الكلام، صاحب مواعظ حسنة، وقبول لدى العامة، نشأ في بيت علم وحديث فكان هو وآباؤه إلى جد جده من المحدثين، من أشهر شيوخه الحافظ أبو العلا الهمذاني، كان معاصراً للفقيه ابن قدامة المقدسي وكان يساميه في حياته ثم انتهت إليه رئاسة المذهب بعد وفاة ابن قدامة رحمه الله.
والناظر فيما ذكر من أسماء مؤلفاته يجد أن له عناية جيدة بعلم أصول الفقه والجدل والمناظرة والمواعظ.
فوائد متفرقة من الكتاب:
- ذكر لفظ الجدل وما تصرف منه في القرآن الكريم في 29 موضعاً، ولفظة الحجة وما تصرف منها في 27 موضعاً، ولفظة السلطان في 33 موضعاً الجميع المراد به الحجة سوى {هلك عني سلطانيه} ، وقد فسر به.
- الجدل في القرآن مذموم في كل موضع إلا في ثلاثة مواضع: {وجادلهم بالتي هي أحسن}، و{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، {تجادلك في زوجها}.
- أول من سن الجدال الملائكة، والفرق بين جدالهم وجدال إبليس أن جدالهم عن موافقة، وجدال إبليس عن مخالفة وكبر ومعارضة للنص.
- أشار في كتابه إلى ما يسميه بالحجة العظمى، وأنها متكررة لدى الأنبياء، دون أن يفصل القول فيها بما يبين مراده بياناً جلياً، سوى ما أحال عليه في كتابيه، والظاهر أن كتابه (الحجة العظمى) هو في هذا المعنى.
- مثل في الباب الثامن لسؤال المنع، وسؤال النقض، والقول بالموجب، وسؤال المعارضة، وتعليل الحكم بعلة واحدة، وعلل متعددة تقوم كل واحدة منها مقام علة مستقلة، وذَكر قياس الشبه، ومفهم المخالفة، ومفهوم الموافقة، والترجيح، وذم التقليد والمقلدين، والمباكتة بالتشنيع ، وغيرها.
وخلاصة القول في الكتاب أن فيه إشارات جيدة ولطائف حسنة يصلح مقدمة لدراسة حجج القرآن، وإن كان لا يكفي لتحقيق ما قصد إليه المؤلف في مقدمة كتابه.