دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:05 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة الحج

سورة الحج
فإن قيل: قوله تعالى: (إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ) يدل على أن المعدوم شيء؟
قلنا: لا نسلم وسنده أن المراد أنها إذا وجدت كانت شيئًا لا أنها شيء الآن، ويؤيد هذا قوله تعالى: (عظيم) مع أن المعدوم لا يوصف بالعظم.
فإن قيل: كيف قال تعالى أولا: (يوم ترونها) بلفظ الجمع
ثم أفرد فقال: (وترى النّاس سكارى)؟
قلنا: لأن الرؤية أولا علقت بالزلزلة، فعجل الناس كلهم رائين لها وعلقت آخرًا بكون الناس على هيئة السكر، فلابد أن يجعل كل واحد منهم رائيًا لسائرهم.
فإن قيل: كيف قال تعالى في حق النضر بن الحارث: (ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علمٍ) إلى أن قال: (ليضلّ عن سبيل اللّه) وهو ما كان غرضه في جداله الضلال عن سبيل الله، فكيف علل جداله به، وما كان أيضًا مهتديًا حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟
قلنا: هذه لام العاقبة والصيرورة، وقد سبق ذكرها غير مرة، ولما كان الهدى معرضًا له فتركه وأعترض عنه وأقبل على الجدال بالباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال.
فإن قيل: الضر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين
[أنموذج جليل: 344]
فكيفا التوفيق بينهما؟
قلنا: معناه يعبد من دون الله ما لا يضر بنفسه إن لم يعبده، ولا ينفعه بنفسه إن عبده، ثم قال تعالى يعبد من يضره الله بسبب عبادته، وإنما أضاف الضمير إليه لحصوله بسببه.
فإن قيل: قوله تعالى: (أقرب من نفعه) يدل على أن في عبادة الصنم نفعًا وإن كان فيها ضرر؟
قلنا: معناه أقرب من النفع المنسوب إليه في زعمهم وهو اعتقادهم أنه يشفع لهم.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا) أي بسبب كونهم مظلومين ولم يبين ما الشيء الذي أذن لهم فيه؟
قلنا: تقديره: أذن للذين يقاتلون في القتال، وإنما حذف لدلالة يقاتلون عليه، ولدلالة الحال أيضًا، فإن كفار مكة كانوا يؤذون المؤمنين بأنواع الأذى وهم يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم فيقول: لم يؤذن لي في ذلك، حتى هاجر إلى المدينة فنزلت هذه الآية، وهي أول آية نزلت في الأذن في القتال، فنسخت سبعين
آية ناهية عن القتال، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما فكان المأذون فيه ظاهرًا لكونه مترقبًا منتظرًا.
[أنموذج جليل: 345]
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أذن للّذين يقاتلون) مع أنهم ما كانوا يقاتلون قبل نزول هذه الآية؟
قلنا: معناه أذن للذين يريدون أن يقاتلوا سماهم مقاتلين مجازًا باعتبار ما يؤولون إليه، كما في النظائر، وقرئ يقاتلون بفتح التاء، ولا إشكال على تلك القراءة.
فإن قيل: كيف صح الاستثناء في قوله تعالى: (الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلّا أن يقولوا ربّنا اللّه)؟
(قلنا: هو استثناء منقطع، تقديره لكن أخرجوا بقولهم: ربنا الله)، الثاني: أنه بمنزلة قول الشاعر:
لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب.
تقديره وان كان فيهم عيب فهو هذا، وهذا ليس بعيب. فلا يكون فيهم عيبًا.
فإن قيل: أي منة على المؤمنين في حفظ الصوامع والبيع عن الهدم حتى أمتن عليهم بذلك في قوله تعالى: (ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ...الآية)؟
قلنا: المنة في ذلك أن الصوامع والبيع والكنائس في حرم المسلمين وحراستهم وحفظهم، لأن أهلها ذمة للمسلمين، الثاني: أن المراد به لهدمت صوامع وبيع في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام أي كنائس
[أنموذج جليل: 346]
في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ومساجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالامتنان على أهل الأديان الثلاثة لا على المؤمنين.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وكذب موسى) ولم يقل وقوم موسى كما قال تعالى فيما قبله؟
قلنا: لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل، وإنما كذبه غير قومه وهم القبط، الثاني: أن يكون التنكير والإيهام للتفخيم والتعظيم كأنه قال تعالى بعدما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم: وكذب موسى أيضًا مع وضوح آياته وعظيم معجزاته فما ظنك بغيره.
فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: (القلوب الّتي في الصّدور)؟
قلنا: هو تأكيد كما في قوله تعالى: (ولا طائرٍ يطير بجناحيه) وقوله تعالى: (يقولون بألسنتهم)
وما أشبه ذلك، الثاني: أن القلب يستعمل بمعنى العقل، ومنه قوله تعالى: (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ) أي عقل في أحد القولين، فكان التقييد مفيدًا على قول من يزعم أن العقل في الرأس؟
فإن قيل: المغفرة إنما تكون لمن يعمل السيئات لا لمن يعمل
الصالحات والحسنات، فكيف قال تعالى:
[أنموذج جليل: 347]
(فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ)؟
قلنا: المراد بالعمل الصالح هنا الإخلاص في الإيمان، قال الكلبي كل موضع باء في القرآن "الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فالمراد به الإخلاص في الإيمان، فيصير المعنى فالذين آمنوا عن إخلاص يغفر لهم سيئاتهم.
فإن قيل: ما الفرق بين الرسول والنبي مع أن كليهما مرسل بدليل قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ)؟
قلنا: الفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من جمع له بين المعجزة وإنزال الكتاب عليه، والنبي فقط من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو أمته إلى شريعة من قبله، وقيل: الرسول من كانت له معجزة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والنبي من لم تكن له منهم معجزة، وفى هذا نظر، وقيل: الرسول من كان مبعوثًا إلى أمة، والنبي فقط من لم يكن مبعوثًا إلى أحد مع كونه نبيًا، والجواب عن الآية على هذا القول أن فيه إضمارا تقديره: وما أرسلنا من رسول، ولا أنبأنا من نبي أو، ولا كان من نبي (ونظيره قول الشاعر):
ورأيت زوجك في الوغى = متقلدًا سيفًا ورمحًا
أي ومعتقلا رمحًا أو وحاملًا رمح.
فإن قيل: أين المثل المضروب في قوله تعالى: (يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له)
[أنموذج جليل: 348]
والمذكور بعده قوله تعالى: (إنّ الّذين تدعون من دون اللّه...إلى آخره) ليس بمثل، بل كلام مبتدأ مستقل بنفسه؟
قلنا: الصفة أو القصة الغربية أو المستحسنة تسمى مثلا، ومنه قوله تعالى: (مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا) فالمعنى يثبت صفة وهي عجز الصنم عن خلق الذباب واستنقاذ ما يسلبه، وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى: (مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت) وإنما أبهمه هنا لأنهم كانوا لا يصغون إلى سماع القرآن، ولهذا قالوا: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) وكانوا يحبون الأمثال، فذكر لفظ المثل استدراجًا لهم إلى سماع القرآن والإصغاء إليه.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ) مع أن قطع اليد التي تساوى خمسة آلاف درهم بسبب سرقة عشرة دراهم حرج في الدين، وكذا رجم المحصن بسبب الوطء مرة واحدة، ووجوب شهرين متتابعين بسبب إفطار يوم واحد، والمخاطرة بالنفس والمال في الحج والغزو وكل ذلك حرج بين؟
قلنا: المراد بالدين كلمة التوحيد، فإنها تكفر شرك سبعين سنة، ولا
[أنموذج جليل: 349]
يتوقف تأثيرها على الإيمان والإخلاص سبعين سنه، ولا على أن يكون الإتيان بها في بيت الله أو في زمان معين، وقيل: المراد به أن كل ما يقع فيه الإنسان من الذنوب والمعاصي يجد له مخرجا في الشرع بتوبة، أو بكفارة أو رخصة، وقيل: المراد به فتح باب التوبة للمذنبين وفتح أبواب الرخص للمعذورين وشرع الكفارات والأروش والديات، وقيل: المراد به نفى الحرج الذي كان على بني إسرائيل من الإصر والتشدد.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ملّة أبيكم إبراهيم) وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن أبا للأمة كلها؟
قلنا هو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبا لأمته، لأن أمه الرسول بمنزله أولاده من جهة العطف والشفقة هذا إن كان الخطاب لعامه المسلمين وإن كان للعرب خاصة فإبراهيم أبو العرب قاطبة.
فإن قيل: متى سمانا إبراهيم عليه الصلاة والسلام المسلمين من قبل حتى قال الله تعالى: (هو سمّاكم المسلمين من قبل)؟
قلنا: وقت دعائه عند بناء الكعبة حيث قال: (ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك) فكل من أسلم من هذه الأمة فهو ببركه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا السؤال سئلت عنه في المنام، وأجبت عنه بهذا الجواب في المنام إلهامًا من الله سبحانه وتعالى.
[أنموذج جليل: 350]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحج, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir