معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب العدد (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=206)
-   -   أحكام المعتدات: 1- الحامل (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=8360)

عبد العزيز الداخل 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م 01:28 AM

أحكام المعتدات: 1- الحامل
 
( فصلٌ ) والْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ:
( الحاملُ ) وعِدَّتُها من موتٍ وغيرِه إلى وَضْعِ كلِّ الْحَمْلِ بما تَصيرُ به أَمَةٌ أمَّ وَلَدٍ، فإنْ لم يَلْحَقْه لصِغَرِه أو لكونِه مَمْسوحًا أو وَلَدَتْ لدونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَها، ونَحْوَه وعاشَ لم تَنْقَضِ به، وأَكثرُ مُدَّةِ الحمْلِ أربعُ سنينَ وأَقَلُّها سِتَّةُ أشهُرٍ وغالِبُها تسعةُ أَشْهُرٍ، ويُباحُ إِلقاءُ النُّطفةِ قبلَ أربعينَ يومًا بدَواءٍ مُباحٍ.

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 07:12 AM

المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي
 
............................

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 07:13 AM

الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي
 

فصلٌ
(والمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ)؛ أي: سِتَّةُ أصنافٍ: أَحَدُها: (الحاملُ، وعِدَّتُها مِن موتٍ وغيرِهِ إِلَى وضعِ كلِّ حَمْلٍ) واحداً كانَ أو عدداً، حُرَّةً كانَتْ أو أَمَةً، مُسْلِمةً كانَتْ أو كافرةً؛ لقولِهِ تعالَى: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. (وإِنَّمَا تَنْقَضِي) العِدَّةُ بِوَضْعِ (مَا تَصِيرُ بهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ)، وهو ما تَبَيَّنَ فيهِ خَلْقُ إنسانٍ، ولو خَفِيًّا، (فإنْ لم يَلْحَقْهُ)؛ أي: يَلْحَقِ الحَمْلُ الزوجَ (لِصِغَرِهِ أو لِكَوْنِهِ مَمْسوحاً، أو) لكونِها (وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أشهُرٍ منذُ نَكَحَها)؛ أي: وأَمْكَنَ اجتماعُه بها (ونحوُه)؛ بأنْ تَأْتِيَ به لِفَوْقِ أربعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا (وعاشَ) مَن وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، (لم تَنْقُصْ به) عِدَّتُها مِن زوجِها؛ لِعَدَمِ لُحُوقِهِ به؛ لانتفائِهِ عنه يَقِيناً.
(وأكثرُ مُدَّةِ الحملِ أربعُ سِنِينَ)؛ لأنَّها أكثرُ ما وُجِدَ، (وأَقَلُّها)؛ أي: أقلُّ مُدَّةِ الحملِ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ)؛ لقولِهِ تعالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}. والفِصالُ: انْقِضَاءُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ؛ لأنَّ الولدَ يَنْفَصِلُ بذلكَ عن أُمِّهِ، وقالَ تعالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}. فإذا سَقَطَ الحَوْلاَنِ التي هي مُدَّةُ الرَّضَاعِ مِن ثَلاثِينَ شَهْراً بَقِيَ سِتَّةُ أشهُرٍ، فهي مُدَّةُ الحملِ.
وذكَرَ ابنُ قُتَيْبَةَ في (المعارِفِ) أنَّ عبدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. (وغالِبُها)؛ أي: غالِبُ مُدَّةِ الحَمْلِ (تِسْعَةُ أَشْهُرٍ)؛ لأنَّ غالِبَ النساءَ يَلِدْنَ فيها، (ويُباحُ) للمرأةِ (إلقاءُ النُّطْفَةِ قبلَ أربعينَ يَوْماً بِدَوَاءٍ مُباحٍ)، وكذا شُرْبُهُ لِحُصُولِ حَيْضٍ، إِلاَّ لِقُرْبِ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ ولِقَطْعِهِ، لا فعلُ ما يَقْطَعُ حَيْضَها بها مِن غيرِ عِلْمِها.

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 07:14 AM

حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم
 

فصل([1])

والمعتدات ست أي ستة أصناف([2]) أحدها (الحامل وعدتها من موت وغيره إلى وضع كل الحمل) واحدا كان أو عددا([3]) حرة كانت أو أمة، مسلمة كانت أو كافرة([4]) لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}([5]).
وإنما تنقضي العدة (بـ) وضع (ما تصير به أمة أم ولد) وهو ما تبين فيه خلق الإنسان([6]) ولو خفيا([7]) (فإن لم يلحقه) أي يلحق الحمل الزوج (لصغره، أو لكونه ممسوحا([8]) أو) لكونها (ولدته لدون ستة أشهر منذ نكحها) أي وأمكن اجتماعه بها([9]) (ونحوه) بأن تأتي به لفوق أربع سنين منذ أبانها([10]) (وعاش) من ولدته لدون ستة أشهر([11]).
(لم تنقض به) عدتها من زوجها([12]) لعدم لحوقه به لانتفائه عنه يقينا([13]) (وأكثر مدة الحمل أربع سنين) لأنها أكثر ما وجد([14]) (وأقلها) أي أقل مدة الحمل (ستة أشهر)([15]) لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا}([16]) والفصال: انقضاء مدة الرضاع، لأن الولد ينفصل بذلك عن أمه([17]) وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا سقط الحولان، التي هي مدة الرضاع، من ثلاثين شهرا، بقي ستة أشهر، فهي مدة الحمل([18]).
وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر([19]) (وغالبها) أي غالب مدة الحمل (تسعة أشهر) لأن غالب النساء يلدن فيها([20]).
(ويباح) للمرأة (إلقاء النطفة قبل أربعين يوما، بدواء مباح)([21]) وكذا شربه لحصول حيض([22]) إلا قرب رمضان لتفطره([23]) ولقطعه([24]) لا فعل ما يقطع حيضها بها من غير علمها([25]).


([1]) في بيان عدد أصناف المعتدات، وبيان أحكامهن وما يتعلق بذلك.
([2]) تأتي مفصلة، وإن كانت الآيسات من المحيض صنفا، واللائي لم يحضن صنفا فلاستواء عدتهن.
([3]) لما يأتي من قوله: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقبل وضع كل الأخير لم تضع حملها بل بعضهن فلا تنقضي عدتها إلا بوضع كل الحمل، في قول جماعة أهل العلم، إلا خلاف شاذ، وظاهره ولو مات ببطنها، ولو تقطع الولد في بطنها، فوضعت بعض أعضائه في حياة زوجها، وبعضها بعد موته، فاستظهر بعضهم انقضاء عدتها بذلك.
([4]) طلاقا كان أو فسخا، فرقة الحياة أو الممات، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن عدة الحامل، المتوفى عنها زوجها، أو المطلقة الحامل أن تضع حملها.
([5]) فدلت الآية، على أن العدة بوضع الحمل، ووضع الحمل هو مقدم الأجناس كلها، فإذا وجد فالحكم له، ولا التفات إلى غيره، وحصل نزاع بين السلف في المتوفى عنها، أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق، على انقضائها بوضع الحمل.
([6]) كرأس ورجل فتنقضي به العدة، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعا وقال الموفق: بغير خلاف بينهم لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص.
([7]) بأن ألقت مضغة لم تتبين فيها الخلقة، فشهدت ثقات من القوابل: أن فيه صورة خفية، بان بها أنها خلقة آدمي، فهذا في حكم ما تقدم، وإن ألقت مضغة لا صورة فيها، فشهدت ثقات من القوابل: أنها مبتدأ خلق آدمي، فقال بعض الأصحاب: تنقضي به العدة، وهو ظاهر مذهب الشافعي، ونقل أبو طالب: لا تنقضي به؛ وهو قول للشافعي، واختيار أبي بكر، لأنه لم يصر ولدا، أشبه العلقة، وإن ألقت نطفة، أو دما، أو مضغة لا صورة فيها، لم تنقض به، قال الموفق: لا نعلم فيه مخالفا.
([8]) أي لصغر الزوج، أو لكونه مقطوع الذكر والأنثيين، ويسمى مسموحا، خلاف المجبوب، فهو مقطوع الذكر فقط.
([9]) وعاش لم تنقض به عدتها.
([10]) أو مات، أو منذ انقضاء عدتها، إن كانت رجعية.
([11]) إذ أقل مدة الحمل، التي يعيش فيها ستة أشهر، لمفهوم {حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} مع قوله: {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.
([12]) جزم به الموفق وغيره، وتعتد عدة وفاة، أو عدة فراق، حيث وجدت وتنقضي عدتها، بوضع الحمل، من الوطء الذي غلقت به منه، ملحقا به أولا لأنها تجب من كل وطء.
([13]) فلا تعتد بوضعه، كما لو ظهر بعد موته.
([14]) هذا ظاهر المذهب، وقول الشافعي، والمشهور عن مالك، وقيل سنتان وقال الموفق وغيره: ما لا نص فيه، يرجع فيه إلى الوجود، ونقل ابن القيم: أنه وجد لخمس وأكثر إلى سبع، ووجد في عصرنا لثلاث عشرة وعاش.
([15]) وهو قول الجمهور، مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وغيرهم لما روي عن علي، وابن عباس، وغيرهما.
([16]) فدلت الآية: على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
([17]) ولا ينفصل إلا بعد كمال مدة الرضاع.
([18]) وما دون ستة أشهر، فقال غير واحد: لم يوجد من يعيش لدونها.
([19]) واعتبر أكثر الفقهاء: ستة الأشهر أقل المدة، وبنوا عليه الأحكام وفرعوا عليه.
([20]) وهذا أمر معروف بين الناس.
([21]) بإذنه زوجها، وقيل: هو الموؤدة الصغرى، وأقل ما يتبين فيه خلق الولد، أحد وثمانون يوما، لقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه، أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك» فالنطفة لا يتبين فيها خلق آدمي، وإنما يتبين ابتداء خلقة مضغة، وأول ما يتبين به الولد، أحد وثمانون يوما، وهو أقل ما تنقضي به العدة من الحمل، وهو أن تضعه بعد ثمانين يوما، منذ أمكن وطؤها.
([22]) أي فيباح لها، وجزم به الشيخ، كما يأتي.
([23]) فرارا من صيامه.
([24]) أي الحيض.
([25]) أي: لا أن يفعل غيرها بها، ما يقطع حيضها.


ساجدة فاروق 1 جمادى الأولى 1432هـ/4-04-2011م 12:05 PM

الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
 
فَصْلٌ
وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ: الْحَامِلُ، وَعِدَّتُهَا مِن مَوْتٍ وَغَيْرِهِ إِلَى وَضْعِ كُلِّ الْحَمْلِ بِما تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ، .....
قوله: «والمعتدات ست» يعني ستة أصناف، وهذا الحصر مأخوذ من التتبع والاستقراء، فالعلماء تتبعوا الكتاب والسنة فوجدوا أنها ست، مثل ما تتبع النحويون كلام العرب فوجدوا أنه لا يخرج عن اسم، وفعل، وحرف.
قوله: «الحامل» وتسمى أم العدات؛ لأنها تقضي على كل عدة، المتوفى عنها زوجها، والمطلقة، والمفسوخة، فمتى كانت المرأة المُفارَقةُ حاملاً فعدتها من الفراق إلى وضع الحمل، ولهذا قال المؤلف:
«وعدتها من موت» بأن يموت عنها الزوج.
قوله: «وغيره» بأن يطلقها، أو يفسخ النكاح، أو ما أشبه ذلك.
قوله: «إلى وضع كل الحمل» فلو خرج بعضه لم تنقضِ العدة، ولو كان توأمين فخرج واحد لم تنقضِ العدة، والدليل قوله تعالى: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] «أولات» بمعنى صاحبات، وقوله: «حملهن» مفرد مضاف فيشمل كل حملها، وعلى هذا فلا بد أن تضع جميع الحمل، فقوله: «كل الحمل» الكُلِّيَّة هنا تعود إلى التعدد، بل وإلى الواحد، فلو فرض أن المرأة مات زوجها وهي تطلق وقد ظهر رأس الحمل ثم خرج بقيته فتنقضي العدة؛ لأنه قبل أن يخرج كاملاً لم تكن وضعت حملها.
وقوله: «من موت وغيره» قدم الموت؛ لأن الموت فيه خلاف، فإذا مات عنها زوجها ووضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر، فهل تنتظر حتى تنتهي أربعة الأشهر وعشر، أو تنقضي عدتها بوضع الحمل؟ المؤلف يقول: تنقضي العدة بوضع الحمل، حتى لو كان يموت وهي في الطَّلْق، ولما خرجت روحه خرج حملها انتهت العدة، وتبعها الإحداد، وجاز لها أن تتزوج ولو قبل أن يغسل زوجها، لعموم قوله تعالى: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
[الطلاق: 4] .
ويرى بعض أهل العلم أن الحامل إذا مات عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين، من وضع الحمل أو أربعة أشهر وعشر، يعني تنتظر إلى الأطول، فإذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشر انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشراً، وإن تمت أربعة أشهر وعشراً قبل أن تضع انتظرت حتى تضع الحمل، وحجة هؤلاء أنه تعارض عندنا عمومان، ولا يمكن العمل بهما إلا على هذا الوجه، والعمومان هما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، والثاني: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .
فبين الآيتين عموم وخصوص وجهي، كل واحدة أعم من الأخرى من وجه، فآية البقرة خاصة بمن سبب عدتها الوفاة، وعامة في الحوامل وغير الحوامل، وآية الطلاق خاصة في الحوامل عامة في سبب وجوب العدة، فلم يقل: أجلهن من الموت أو من الطلاق، فهي عامة باعتبار سبب وجوب العدة خاصة بالحامل، فهاتان الآيتان بينهما عموم وخصوص وجهي، إذا اتفقتا في صورة فالأمر ظاهر، يعني لو وضعت الحمل عند تمام أربعة أشهر وعشر تنقضي العدة، وتتفق الآيتان.
وإذا لم يحصل اتفاق، ولنفرض أنها وضعت قبل أربعة أشهر وعشر، إن نظرنا إلى آية البقرة قلنا: ما تنقضي العدة؛ لأن الله يقول: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، وإن نظرنا إلى آية الطلاق قلنا: تنقضي، فما يمكن أن نعمل بهما جميعاً حتى نقول: تنتظر أربعة أشهر وعشراً.
وكذلك لو مضى عليها أربعة أشهر وعشر ولم تضع الحمل، والحمل بقي عليه شهران، فإن نظرنا إلى آية البقرة قلنا: انقضت العدة، وإن نظرنا إلى آية الطلاق قلنا: لم تنقضِ؛ لأنها ما وضعت، إذاً فتبقى حتى تضع، ولهذا ذهب علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهم ـ إلى أنها تعتد بأطول الأجلين، وحجتهما ظاهرة؛ لأنه ما يمكن العمل بالآيتين إلا هكذا.
ولكن سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ تأبى ذلك، فإن سبيعة الأسلمية ـ رضي الله عنها ـ مات عنها زوجها ونفست بعده بليالٍ معدودة، فأرادت أن تتزوج، فجعلت تتجمل للخُطَّاب، فمر بها أبو السنابل بن بعكك ـ رضي الله عنه ـ فقال: ما لك تتجملين للخُطَّاب؟! لا يمكن أن تفعلي حتى يتم لك أربعة أشهر وعشر، أخذاً بأطول الأجلين، وهذا هو المعقول، لكنها شدت عليها ثيابها ومشت إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسألته، فقال: «كذب أبو السنابل» ـ يعني أنه أخطأ، فالكذب يراد به الخطأ ـ ثم أذن لها أن تتزوج، ففي هذا الحديث الثابت في الصحيحين[(160)] دليل على أن عموم آية الطلاق مقدم على عموم آية البقرة، ويكون المعتبر وضع الحمل، سواء كان دون أربعة أشهر وعشر، أو فوق أربعة أشهر وعشر، وهذا هو الصحيح أنها تعتد بوضع الحمل طالت المدة أو قصرت.
قوله: «بما تصير به أمةٌ أمَّ ولد» أي: تنقضي العدة بوضع ما تصير به أمةٌ أمَّ ولد، وتصير الأمة أم ولد إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، بأن بانت مفاصله، يداه، ورجلاه، ورأسه، ولا عبرة بالخطوط؛ لأن الخطوط بإذن الله تشاهد حتى وهو علقة، لكن الكلام على التميز، فإذا تميز بأن عرف رأسه، وبانت رجلاه، ويداه، ووضعت، فحينئذٍ تنقضي العدة، فإن وضعت من لم يتبين فيه خلق إنسان فلا عبرة بهذا الوضع فلا بد أن تكون مخلقة؛ لأن المضغة قبل ذلك يحتمل أن تكون إنساناً ويحتمل أن تكون قطعة من اللحم، ولا حكم مع الاحتمال، فتعتد بالحيض إن كانت مطلّقة، وبأربعة أشهر وعشر، إن كانت متوفى عنها زوجها.
وقوله: «بما تصير به أمة أم ولد» لماذا لم يقل: إلى وضع كل الحمل إذا كان مخلقاً؛ مع أن هذا أقرب إلى الفهم من قوله: «بما تصير به أمة أم ولد »؟ الجواب على هذا:
أولاً: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يتناقلون العبارات، فتجد هذه العبارة تكلم بها أول واحد، وتبعه الناس.
ثانياً: من أجل أن ترتبط العلوم بعضها ببعض، فأنت إذا قرأت: «بما تصير به أمة أم ولد» لزمك أن تراجع ما تصير به أمة أم ولد، فترتبط العلوم بعضها ببعض.

فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ لِصِغَرِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَمْسُوحاً، أَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا وَنَحْوِهِ وَعَاشَ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ، وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَغَالِبُهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَيُبَاحُ إِلْقَاءُ النُّطْفَةِ قَبْلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً بِدَوَاءٍ مُبَاحٍ.
قوله: «فإن لم يلحقه لصغره» أي: لم يلحق الزوجَ لصغره، وهو من دون العشر، كزوج جامع زوجته وهو دون العشر، قلنا: لا عبرة بهذا الجماع، ولا بهذه الخلوة؛ لأن الولد لا يلحقه، فما يمكن أن ينزل ماءً يُخلق منه آدمي، وهو دون العشر، حتى لو فرض أن له شهوة وأنزل ماءً فلا يمكن أن يكون له ولد حتى يتم له عشر سنين.
قوله: «أو لكونه ممسوحاً» يعني ليس له ذكر ولا أنثيان، فإن قطعت أنثياه فقط فهو خصي، وإن قطع ذكره فهو مجبوب، سواء كان بأصل الخلقة أو طرأ عليه ذلك، فهذا ما يلحقه الولد.
قوله: «أو ولدت لدون ستة أشهر منذ نكحها» يعني فإنه لا يلحقه، أي بعد أن تزوج امرأة ثم طلقها وهي حامل ثم وضعت الحمل وعاش بعد أن مضى على عقد النكاح عليها خمسة أشهر فلا يلحقه ولا تنقضي العدة به؛ لأن هذا الولد لا ينسب إليه، إذاً بعد وضعه تعتد بثلاث حيض.
قوله: «ونحوه» بأن تأتي به فوق أربع سنين منذ أبانها، بناء على القول بأن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، فإذا أتت به لأكثر من أربع سنوات منذ أبانها فإنها لا تنقضي به العدة، ولا ينسب إلى زوجها، مثال ذلك: رجل طلّق زوجته آخر ثلاث تطليقات وهي حامل، وما وضعت إلا فوق أربع سنوات، فالولد ليس له، إذاً لا تنقضي به العدة، وتنتظر حتى تحيض ثلاث حيض.
قوله: «وعاش» يعود على قوله: «لدون ستة أشهر» .
قوله: «لم تنقض به» أي: لا تنقضي به العدة؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يولد جنين دون ستة أشهر ويعيش؛ إذ إن أقل مدة يعيش فيها الحمل ستة أشهر، فإن لم يعش انقضت به العدة، وسبق أنها إذا وضعت ما تبين فيه خلق الإنسان ـ وإن لم تنفخ فيه الروح ـ فإن العدة تنقضي به، لكن إذا عاش وهو لأقل من ستة أشهر علم أنه ليس ولداً له.
واستفدنا من كلام المؤلف رحمه الله أنه يشترط في الحمل الذي تنقضي به العدة:
أولاً: أن يكون منسوباً شرعاً إلى من له العدة.
ثانياً: أن يتبين فيه خلق إنسان.
قوله: «وأكثر مدة الحمل أربع سنين وأقلها ستة أشهر وغالبها تسعة أشهر» الحمل له أقل، وأكثر، وغالب، غالبه تسعة أشهر كما هو معروف، وأقله ستة أشهر بمقتضى دلالة القرآن، فإن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، ويقول: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فإذا أخذنا عامين للفصال بقي للحمل ستة أشهر، وهذا واضح.
وقوله: «وأكثر مدة الحمل أربع سنين» لا يوجد دليل لا من القرآن ولا من السنة على هذا، ولذلك اختلف فيها العلماء، فقال بعضهم: أربع سنين، وقال بعضهم: سنتان، وقال بعضهم: ست سنوات، وقال بعضهم: سبع سنوات، وقال آخرون: لا حد لأكثره؛ لأن القرآن دل على أقله ولم يذكر أكثره، ولأن المعنى يقتضي ذلك، فإذا رأينا امرأة حاملاً وما زال الحمل في بطنها، ولم يجامعها أحد، ومضى أربع سنوات، ثم نقول: الحمل ليس لزوجها؟! هذا لا يمكن أن يقال به، والمسألة مبنية على أنه ما وجد أكثر من أربع سنين، وهذا ليس بصحيح، بل وجد أكثر من أربع سنين، وجد إلى سبع سنوات، أو تسع، أو قد يوجد أكثر، فالمسألة معلقة بشيء موجود في البطن يبقى حتى يوضع، فالصواب أنه لا حد لأكثره.
مسألة : ما هو أقل زمن يتبين فيه خلق إنسان؟
الجواب : أقل زمن يتبين فيه خلق إنسان واحد وثمانون يوماً، وغالب زمن يتبين فيه خلق إنسان تسعون يوماً.
قوله: «ويباح إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً» يعني يحل إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً، والنطفة هي القطرة من المني، يباح إلقاؤها من الرحم، لكن اشترط المؤلف أن تكون قبل أربعين يوماً من ابتداء الحمل؛ وذلك لأنه يبقى بإذن الله كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بنفخ الروح فيه»[(161)].
واشترط المؤلف شرطاً آخر فقال:
«بدواء مباح» فأما بدواء محرم فإنه لا يجوز، وظاهر كلام المؤلف سواء كان ذلك لحاجة أم لم يكن.
وعلم من قوله: «قبل أربعين يوماً» أنه بعد أربعين يوماً لا يباح إلقاؤه ولو لم تنفخ فيه الروح، وهو كذلك على المذهب، والمسألة لها ثلاث حالات:
الأولى : أن يكون قبل أربعين يوماً.
الثانية : أن يكون بعدها وقبل نفخ الروح.
الثالثة : أن يكون بعد نفخ الروح.
أما بعد نفخ الروح فيه فيأتي ـ إن شاء الله ـ التفصيل فيه قريباً.
وأما قبل أربعين يوماً ففيه خلاف بين أهل العلم، فالمشهور من المذهب الجواز، فيجوز للمرأة أن تشرب دواء يُسقط الحمل إذا كان قبل أربعين يوماً، قالوا: لأنه نطفة لم يتحول إلى علقة، فلا يعلم هل تفسد أو لا تفسد؟ ولأن الإنسان يجوز له أن يعزل، وهذا شبيه بالعزل.
وقال بعض العلماء: ما دام تيقنت الحمل فإنه لا يجوز إسقاطه ولو كان نطفة، واستدلوا لذلك بقوله: {
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} [المرسلات: 21] لا يقدر عليه أحد، فالأصل أنه معصوم من حين أن يقبله الرحم، فلا يجوز إلقاؤه إلا لضرورة، واحتمال الفساد كاحتمال الموت بعد نفخ الروح، فما دام أن الحيوان المنوي علق بالبيضة، فاحتمال أن يفسد وارد، كما أن احتمال أن يموت بعد نفخ الروح فيه وارد أيضاً، لكن الأصل أنه باقٍ، وقياسه على العزل قياس مع الفارق؛ لأن العزل منع، وهذا رفع، فالعزل يمنع الماء أن يدخل في الرحم، وهذا رفع لهذا الماء الذي وصل إلى الرحم وعَلِق به، وابتدأ تكوين إنسان، فبينهما فرق، وعلى هذا القول يكون إلقاؤه حراماً؛ ولهذا كان القول الراجح أن إلقاء النطفة إما مكروه وإما محرم، لكن إذا دعت الحاجة إلى هذا، مثل أن تكون الأم مريضة يخشى عليها زالت الكراهة أو التحريم.
الحال الثانية : إذا كان علقة؟ فالمذهب لا يجوز إلقاؤه؛ لأن العلقة دم، والدم مادة الحياة، فالآن انتقل وتحول وتغير من الماء الذي لا قيمة له إلى دم هو ابتداء خلق الإنسان، ولذلك إذا نزف دم الإنسان فإنه يموت، قالوا: فإذا وصل إلى هذه المرحلة فإنه لا يجوز إلقاؤه.
وقال بعض العلماء: بل يجوز إلقاؤه؛ لأنه دم، والدم لا قيمة له، والله حرم علينا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، فيكون لا قيمة له، وليس آدمياً محترماً حتى نقول: إنه لا يجوز.
أما بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إلقاؤه، وله حالان:
الأولى : أن يلقى في حال يعيش فيها، مثل إذا أتمت المرأة التاسع، وحصل عليها صعوبة في الوضع، فيجوز إلقاؤه بشرط أن لا يكون في ذلك خطر على حياته، أو على حياة أمه؛ فإن كان في ذلك خطر فهو حرام.
الثانية : أن يلقى قبل أوان نزوله، مثل أن يلقى وله خمسة شهور أو ستة شهور، فهذا يحرم؛ لأن الغالب أنه لا يسلم، اللهم إلا إذا ماتت الأم وهو حي، ورجي بقاؤه لو أُخرج فلا بأس بذلك، بل قد يجب؛ لأن في هذا إنقاذاً لحياة الجنين، فإذا قال قائل: لكن فيه مُثلة للأم التي ماتت، فالجواب: أن لا مُثلة في عهدنا الحاضر؛ لأن شق بطن الحامل وإخراج الجنين أمر لا يعد مُثلة في وقتنا، وهذا ما يسمى عند الناس بالولادة القيصرية.
لو قال قائل: لو أن الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك، لكن لو بقي لكان خطراً على أمه وتموت، وإذا ماتت سيموت، وإذا أخرجناه فستحيا ويموت فهل ننزله أو لا؟
نقول: لنضرب مثلاً، هذا رجل جائع جداً وعنده طفل مملوء لحماً وشحماً، وهو يقول: إذا لم آكل هذا الطفل مِتُّ، فماذا نقول؟ الجواب: لا يجوز له أن يأكله، وهنا نقول: لا يجوز أن نخرجه من بطن أمه، ونحن نعرف أنه سيموت.
فإذا قال قائل: إن أبقيتموه مات هو وأمه، فخسرتم نفسين.
نقول: إذا أبقيناه ومات هو وأمه، فهذا ليس بفعلنا، هذا بفعل الله عزّ وجل، أما إذا نزَّلنا نحن الطفل ومات بفعلنا فنحن الذين قتلناه، ثم نقول: ربما تموت الأم ويكون ـ مثلاً ـ عندنا أجهزة نشق بطنها بسرعة، ونخرج الولد ويسلم، وفي الحال الأولى ربما نظن أنه لو بقي ماتت، ومع المعالجة والمداواة تسلم الأم والابن، فالمهم أنه ليس على كل حال تموت الأم؛ لأنه ربما نقدر أنه لو بقي لماتت الأم ثم لا تموت، والأطباء ليس قولهم وحياً لا يخطئ، بل هم كغيرهم، يخطئون ويصيبون، وأنا أذكر قصة وقعت على من أعلمهم علم اليقين، كان له امرأة حامل فقرر الأطباء أن ولدها مشوَّه وأنه لا بد من إسقاطه، ففزعت الأم وخاف الأب، وأراد الله عزّ وجل، فوضعت الأم فصار هذا الحمل أحسن أولادها، فتبين أن تقرير الأطباء قد يكون خطأ؛ لأنهم غير معصومين، فنحن نتمشى مع الشريعة وما ترتب على ذلك فليس مِنَّا. وبهذا نعرف أن الشرع كله خير، وأن الإنسان لو استحسن شيئاً قد يفوته أشياء، وإلا فإنه في بادئ الأمر نقول: كوننا نقتل نفساً أفضل من أن نقتل نفسين، ولكن نقول: فرق بين فعلنا وفعل الله عزّ وجل.
وعلى هذا فإذا نفخت فيه الروح فإنه لا يجوز إخراجه على وجه لا نأمن سلامته، ويكون عليه خطر فيه، ولذلك أخطأ بعض من أفتى بجواز وضع الحمل بعد نفخ الروح فيه إذا خيف على أمه، نقول: هذا غلط عظيم، وهذا يريد أن يكون بنو آدم كالبهائم، فالبهيمة إذا قدر أنها إن بقي ولدها في بطنها ماتت، وإن أخرج مات ولم تمت، فإننا نخرجه؛ لأنه يجوز لنا قتله، لكن بنو آدم لا، وانتبه لهذه العلة؛ لأن بعض الناس لا سيما المعاصرون يريدون أن يجعلوا بني آدم مشابهين للبهائم، بل تطورت الحال إلى أن يجعلوا بني آدم مشابهين للسيارات، فجعلوا الآدميين يؤخذ منهم قطع الغيار، إنسان فشلت كُلْيته، وآخر كليتاه سليمتان، نقول: بع علينا كلية من كليتيك، يؤخذ من هذا وتوضع في هذا، سبحان الله، أين فضيلة البشر؟! أين احترام البشرية؟! ولهذا نرى أنه لا يحل بأي حال من الأحوال أن يتبرع أحد بعضو من أعضائه، حتى لأبيه وأمه؛ لأن هذا يعني أنك تصرفت بنفسك تصرف مالك السيارة بالسيارة، وقد نص الفقهاء في كتاب الجنائز على أنه يحرم أن يقطع عضو من الميت ولو أوصى به، وسبحان الله، الناس الآن لا يهمهم إلا الدنيا، فنقول لهذا المتبرع: إذا تبرعت بكلية من كليتيك، ثم تعطلت الأخرى فإنه سيهلك، فيكون هو السبب في إهلاك نفسه، وذلك الآخر الذي طلبها إذا تركناه ومات، فقد قتله الله عزّ وجل، وليس لنا فيه شيء، ولا يغرَّنَّك التحسين العقلي؛ لأن التحسين العقلي المخالف للشرع ليس تحسيناً، فكل ما خالف الشرع ليس بحسن، وإن زينه بعض الناس، فلا بد من الرجوع إلى الشرع.
وأما قياس ذلك على أخذ الدم فهو من القياس الفاسد؛ لأن الدم من حين ما يؤخذ يأتي بدله في الحال، والعضو إذا قطع لا يأتي، فهذا قياس مع الفارق.
مسألة : لو أن رجلاً تلفت كليته ورأى ما يسمى ببنك الكلى، فهل يجوز أن يشتري واحدة؟ نعم يجوز؛ لأن هذه الكلى الآن قطعت من أصحابها ولا يمكن أن تعود، فيجوز شراؤها.
وإذا قال قائل: إذا كان بين النطفة ونفخ الروح، مثل أن يكون علقة أو مضغة لكن ما نفخت فيه الروح، واضطررنا إلى تنزيله بحيث أنه لو بقي في بطن أمه لخشي عليها الهلاك فهل ننزِّلُه أو لا؟ نقول: في هذه الحال ننزله؛ لأنه إلى الآن ما نفخت فيه الروح، فإذا قال الأطباء: إنه يمكن أن تموت الأم بنسبة تسعين بالمائة، نقول: هذا لا بأس به؛ لأنه ليس في ذلك قتل نفس، ولهذا فالجنين في هذه المرحلة لو أنه نزل من بطن أمه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، بل يحفر له في أي مكان ويدفن؛ لأنه إلى الآن لم يكن إنساناً، ولا يبعث يوم القيامة؛ وتأمل هذا في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج] .
فقوله: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} هذا بعد الأطوار السابقة، وفي الآية الأخرى يقول: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] بعد ذكر العلقة والمضغة، فمن حيث الصورة والجسم ما تغير، لكن من حيث إنه صار إنساناً يحس ويدرك جعله الله تعالى خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] .
الخلاصة: إلقاء الحمل حال النطفة، إما مكروه، أو محرم على القول الراجح، وعلى ما مشى عليه المؤلف في الكتاب مباح، وبعد أن يكون علقة فإلقاؤه محرم حتى على كلام المؤلف إلا إذا دعت الضرورة إليه، وإذا كان مضغة مخلقة فإلقاؤه محرم إلا إذا دعت الضرورة إليه، فإذا نفخت فيه الروح فإلقاؤه محرم ولو دعت الضرورة إليه، لأنه قتل نفس.


[160] أخرجه البخاري في المغازي/ باب فضل من شهد بدراً (3991)، ومسلم في الطلاق/ باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها... (1484)، وقوله: «كذب أبو السنابل»، أخرجه الشافعي (1/244)، وأحمد (1/447)، وعبد الرزاق (11723)، وسعيد بن منصور (1/395).
[161] أخرجه البخاري في بدء الخلق/ باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم (3208)، ومسلم في القدر/ باب كيفية خلق الآدمي... (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه.


الساعة الآن 08:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir