معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب الطلاق (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=201)
-   -   كنايات الطلاق (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=7746)

عبد العزيز الداخل 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م 03:05 PM

كنايات الطلاق
 
( فصلٌ ) وكناياتُه الظاهرةُ، نحوَ: أنتِ خَلِيَّةٌ وبَرِيَّةٌ وبائِنٌ وبَتَّةٌ وبَتَلَةٌ وأنتِ حُرَّةٌ وأنت الْحَرَجُ، والخفِيَّةُ نحوَ اخْرُجِي واذْهَبِي وذُوقِي وتَجَرَّعِي واعْتَدِّي واسْتَبرِي واعْتَزِلِي ولستِ لي بامرأةٍ والْحَقِي بأَهْلِكِ وما أَشْبَهَه، ولا يَقعُ بكنايةٍ ولو ظاهِرةً طلاقٌ إلا بِنِيَّةٍ مُقارِنَةٍ للَّفْظِ، إلا حالَ خُصومةٍ أو غَضَبٍ أو جوابِ سُؤالِها، فلو لم يُرِدْهُ أو أرادَ غيرَه في هذه الأحوالِ لم يُقْبَلْ حُكْمًا، ويَقَعُ مع النِّيَّةِ بالظاهرةِ ثلاثٌ وإن نَوَى واحدةً، وبالخفِيَّةِ ما نَوَاه.

محمد أبو زيد 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م 02:17 PM

المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي
 
...............................

محمد أبو زيد 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م 02:35 PM

الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي
 
فصلٌ

(وكِناياتُه) نوعانِ: ظاهرةٌ وخفيَّةٌ، (فالظاهرةُ) هي الألفاظُ الموضوعةُ للبَيْنُونَةِ، (نحوُ: أنتِ خَلِيَّةٌ, وبَرِيَّةٌ, وبائنٌ, وبَتَّةٌ, وبَتْلَةٌ)؛ أي: مقطوعةُ الوصلةِ، (وأنتِ حُرَّةٌ وأنتِ الحَرَجُ), وحَبْلُكِ على غَارِبِكِ، وتَزَوَّجِي مَن شِئْتِ، وحَلَلْتِ للأزواجِ، ولا سبيلَ لي، أو لا سلطانَ لي عليكِ، وأَعْتَقْتُكِ، وغَطِّي شَعَرَكِ وتَقَنَّعِي.
(و) الكِنَايةُ (الخفيَّةُ) موضوعةٌ للطَّلْقَةِ الواحدةِ، (نحوُ: اخْرُجِي واذْهَبِي وذُوقِي وتَجَرَّعِي واعْتَدِّي), ولو غيرَ مدخولٍ بها، (واسْتَبْرِئِي واعْتَزِلِي، ولَسْتِ لي بامرأةٍ، والْحَقِي بأَهْلِكِ، وما أَشْبَهَهُ), كلا حاجةَ لي فِيكِ, وما بَقِيَ شيءٌ، وأغناكِ اللهُ، وأنَّ اللهَ قد طَلَّقَكِ، واللهُ قد أَرَاحَكِ مِنِّي، وجَرَى القلمُ. ولَفْظُ فِرَاقٍ وسَرَاحٍ وما تَصَرَّفَ مِنهما غيرُ ما تَقَدَّمَ. (ولا يَقَعُ بكنايةٍ) ولو كانَتْ (ظاهرةً, طلاقٌ إلاَّ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلَّفْظِ)؛ لأنَّه موضوعٌ لِمَا يُشَابِهُه ويُجَانِسُه، فيَتَعَيَّنُ لذلكَ لإرادتِه له، فإنْ لم يَنْوِ, لم يَقَعْ (إلاَّ حالَ خُصُومَةٍ أو) حالَ (غَضَبٍ أو) حالَ (جوابِ سُؤَالِها)، فيَقَعُ الطلاقُ في هذهِ الأحوالِ بالكنايةِ، ولو لم يَنْوِهِ؛ للقرينةِ، (فلو لم يُرِدْهُ) في هذهِ الأحوالِ (أو أرادَ غيرَه في هذه الأحوالِ, لم يُقْبَلْ) منه (حُكماً)؛ لأنَّه خلافُ الظاهرِ من دَلالةِ الحالِ، ويَدِينُ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالَى. (ويَقَعُ معَ النِّيَّةِ بـ) الكنايةِ الظاهرةِ ثلاثٌ، وإنْ نَوَى واحدةً)؛ لقولِ علماءِ الصحابةِ, مِنهم ابنُ عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ وعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، (و) يَقَعُ (بالخَفِيَّةِ ما نَوَاهُ) من واحدةٍ أو أكثرَ، فإنْ نوَى الطلاقَ فَقَطْ, فواحدةٌ، وقولُ: أنا طالقٌ، أو بائنٌ، أو كُلِي أو اشْرَبِي أو اقْعُدِي، أو بَارَكَ اللهُ عليكِ. ونحوِه - لَغْوٌ ولو نَوَاهُ طَلاقاً.

محمد أبو زيد 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م 02:39 PM

حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم
 

فصل([1])

(وكنايته) نوعان، ظاهرة وخفية([2]) فـ(الظاهرة) هي الألفاظ الموضوعة للبينونة([3]) (نحو: أنت خلية، وبرية([4]) وبائن، وبتة([5]) وبتلة) أي مقطوعة الوصلة([6]) (وأَنت حرة([7])
وأنت الحرج)([8]) وحبلك على غاربك([9]) وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج([10]) ولا سبيل لي، أو لا سلطان لي عليك([11]) وأعتقتك([12]) وغطي شعرك، وتقنعي([13]) (و) الكناية (الخفية) موضوعة للطلقة الواحدة([14]) (نحو: اخرجي، واذهبي([15]).
وذوقي، وتجرعي([16]) واعتدي) ولو غير مدخول بها([17]) (واستبرئي، واعتزلي([18]) ولست لي بامرأة([19]) وألحقي بأهلك([20]) وما أشبهه) كلا حاجة لي فيك، وما بقي شيء([21]) وأغناك الله([22]) وإن الله قد طلقك([23]).
والله قد أراحك مني([24]) وجرى القلم([25]) ولفظ فراق، وسراح، وما تصرف منهما([26]) غير ما تقدم([27]) (ولا يقع بكناية ولو) كانت (ظاهرة طلاق([28]) إلا بنية مقارنة للفظ)([29]) لأنه موضوع لما يشابهه ويجانسه([30]) فيتعين لذلك، لإرادته له، فإن لم ينو لم يقع([31]).
(إلا حال خصومة([32]) أو) حال (غضب([33]) أو) حال (جواب سؤالها)([34]) فيقع الطلاق في هذه الأحوال بالكناية([35]) ولو لم ينوه، للقرينة([36]) (فلو لم يرده) في هذه الأحوال([37]) (أو أراد غيره في هذه الأحوال، لم يقبل) منه (حكما)([38]).
لأنه خلاف الظاهر من دلالة الحال([39]) ويدين فيما بينه وبين الله تعالى([40]) (ويقع مع النية بـ) الكناية (الظاهرة ثلاث، وإن نوى واحدة)([41]) لقول علماء الصحابة، منهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم([42]).
(و) يقع (بالخفية ما نواه) من واحدة أو أكثر([43]) فإن نوى الطلاق فقط فواحدة([44]) وقول: أنا طالق، أو بائن([45]) أو: كلي، أو اشربي، أو اقعدي([46]) أو بارك الله عليك ونحوه([47]) لغو، ولو نواه طلاقا([48]).


([1]) في بيان حكم كنايات الطلاق – وكناياته: ما يحتمل غيره، ويدل على معنى الصريح فيه – وبيان ما لا يحتمل الطلاق، وغير ذلك.

([2]) أي وكناية الطلاق نوعان، ظاهرة، معنى الطلاق فيها أظهر، وخفية، هي أخفى في الدلالة على الطلاق من الظاهرة.

([3]) لأن معنى الطلاق فيها أظهر من الخفية، وهي خمس عشرة، ولا يقع الطلاق بها، إلا أن ينويه.

([4]) الخلية في الأصل الناقة تطلق من عقالها، ويخلى عنها، والخلية من النساء الخالية من الزوج، ويقال للمرأة: خلية، كناية عن الطلاق، و"برية" بالهمز وتركه، فيقتضيان الخلو من النكاح، والبراءة منه.

([5]) "بائن" من البين، وهو الفراق، أي منفصلة و"بتة" من البتر وهو القطع، أي مقطوعة.

([6]) من البتل وهو قطع الوصلة، ويقال: منقطعة، وسميت "مريم" البتول، لانقطاعها عن النكاح بالكلية.

([7]) لأن الحرة هي التي لا رق عليها، ولا ريب أن النكاح رق، لقوله «فإنهن عوان عندكم» أي أسيرات، وليس للزوج على الزوج إلا رق الزوجية، فإذا أخبر بزوال الرق، فهو الرق المعهود في حقها، وهو رق الزوجية.

([8]) بفتح الراء، يعني الحرام والإثم.

([9]) أي خليت سبيلك، كما يخلى البعير في الصحراء، وزمامه على غاربه، فأنت مرسلة، مطلقة، غير مشدودة، ولا ممسكة بعقد النكاح.

([10]) أي لأنك بنت مني، فهما كنايتان ظاهرتان عند بعض الأصحاب، تبين بإحداهما مع النية، وإذا قيل: إنها واحدة. فالمراد أي: بعد انقضاء عدتك. قال الموفق: وكذا سائر الألفاظ، يتحقق معناها بعد انقضاء عدتها.

([11]) قال الموفق: إنما يكون في المبتوتة، أما الرجعية فله عليها سبيل، وسلطان؛ وقال الشيخ وغيره في: أنت طالق، لا رجعة لي عليك. صريحة في طلقة، كناية ظاهرة فيما زاد، فهي مركبة من صريح وكناية.

([12]) كناية ظاهرة، تقتضي ذهاب الرق عنها، والرق ههنا النكاح.

([13]) وزاد في الإقناع: وأمرك بيدك.

([14]) ما لم ينو أكثر، وهو المذهب عند جماهير الأصحاب، وهي عشرون، سميت خفية لأنها أخفى في الدلالة على الطلاق من الكنايات الظاهرة.

([15]) إذا نوى أنها طالق، طلقت واحدة.

([16]) أي مرارة الطلاق، فتطلق مع النية.

([17]) أي واعتدي، لأني طلقتك، وقاله صلى الله عليه وسلم لسودة، وكانت واحدة بالنية، ولو كانت غير مدخول بها، لأنها محل للعدة في الجملة.

([18]) أي استبرئي رحمك، من استبراء الإماء ويأتي، و"اعتزلي": كوني وحدك في جانب.

([19]) إذا نوى الطلاق وقع، فما عني به الطلاق فهو على ما عني به.

([20]) بكسر الهمزة، وفتح الحاء، وقيل بالعكس، وسواء كان لها أهل أو لا، وصحح الموفق: أنها واحدة، لقوله لابنة الجون «ألحقي بأهلك».

([21]) إذا نوى به الطلاق.

([22]) أي بالطلاق، واختاري، ونحو ذلك، من الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة، إذا نواه.

([23]) هذا المذهب، وقال ابن القيم: الصواب أنه إن نوى وقع الطلاق، وإلا لم يقع، لأنه إن أراد: شرع طلاقه وأباحه، لم يقع، وإن أراد: وقع عليك الطلاق وشاءه، فيكون طلاقا، وإذا احتمل الأمرين لم يقع إلا بالنية.

([24]) قال ابن عقيل، وكذا: فرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة. وتقدم قول الشيخ، إذا قال: إن أبرأتني فأنت طالق. فقالت: أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال. فظن أنه برئ فطلق، فقال: يبرأ. ونظير ذلك: إن الله قد باعك. أو: قد أقالك؛ ونحو ذلك.

([25]) إذا نواه؛ جرى بطلاقها.

([26]) كفارقتك، وسرحتك، وكفراق، وسراح، ومفارقة، ومسارحة، وأمر الله نبيه أن يخير أزواجه، قالت عائشة: فاخترناه. ولم يعد ذلك طلاقا.

([27]) أي استثناؤه في صريح الطلاق، من أمر، ومضارع ، واسم فاعل.

([28]) لقصور رتبة الكناية عن الصريح، ولأنها لفظ يحتمل الطلاق وغيره، فلا يتعين لها بدون النية، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وقال مالك: يقع بمجردها. فـ"لو" إشارة إلى خلافه.

([29]) أي يشترط: أن تكون النية مقارنة للفظ الكناية، وإن تلفظ بها غير ناوٍ، ثم نوى بعد ذلك، لم يقع، كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه.

([30]) أي لأن لفظ الكنايات الظاهرة وكذا الخفية، لما يشابه الطلاق ويجانسه، فأعطي حكمه مع النية.

([31]) لأنه ظاهر في غير الطلاق، فلم ينصرف إليه عند الإطلاق، قال الشيخ:
لا يقع الطلاق بالكناية إلا بنية، مع قرينة إرادة الطلاق، فإذا قرن الكنايات بلفظ يدل على أحكام الكلام، مثل أن يقول: فسخت النكاح، وقطعت الزوجية، ورفعت العلاقة بيني وبين زوجتي. ثم قال: فإنهم مهدوا في كتاب الوقف، أنه إذا قرن بالكناية بعض أحكامه كانت كالصريح. اهـ. وإذا صرف الزوج لفظه إلى ممكن، يتخرج أن يقبل قوله إذا كان عدلا، كما قاله أحمد فيمن أخبر بالثمن إذا ادعى الغلط، وغير ذلك.


([32]) بينهما فيقع، للقرينة الدالة على مراده الطلاق، هذا المذهب، وعنه: ليس بطلاق. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي.

([33]) لقوة الظن أن المراد به الطلاق، وعنه: لا تطلق. وفاقا لمالك، والشافعي.

([34]) أي سؤال الزوجة الطلاق، اكتفاء بدلالة الحال عليه، قال الموفق: والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق، نحو: اخرجي. لا يقع بها طلاق حتى ينويه.

([35]) الظاهرة أو الخفية، لقيامها مقام نية الطلاق.

([36]) وقالوا: لأن دلالة الحال كالنية، وعنه: لا يقع في هذه الأحوال إلا بنية؛ جزم به أبو الفرج وغيره، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة.

([37]) أي حال خصومة، أو غضب، أو سؤالها الطلاق.

([38]) قال في الإنصاف: في أصح الروايتين.

([39]) ودلالة الحال كالنية، تغير الأقوال والأفعال، وعنه: يقع بها ما نواه فقط، وقال ابن قندس: الذي يظهر أنه لا بد من النية في حال الغضب، وسؤال الطلاق، وقولهم دلالة الحال تقوم مقام النية في هذا المقام. معناه أن دلالة الحال تدل على النية، وليس مرادهم سقوط النية بالكلية، وفي كلام الزركشي ما يدل على ذلك، وكونه إذا ادعى عدم إرادته دين كما يأتي.

([40]) لاحتمال صدقه، وهذا يدل على اعتبار النية، وعليه فلو كان وقوع الطلاق بها لا يحتاج إلى إرادة الطلاق، لم يصح ذلك، كما صرح به الزركشي وغيره.

([41]) لأنه لفظ يقتضي البينونة في الطلاق، فوقع ثلاثا.

([42]) وعلي، وابن عمر، وزيد بن ثابت، في وقائع مختلفة، وهو قول مالك، وظاهره: لا فرق بين المدخول بها وغيرها، لأنهم لم يفرقوا، وكان أحمد يكره الفتيا في الكنايات الظاهرة، وعنه: يقع بالكناية الظاهرة ما نواه. اختاره جماعة، منهم أبو الخطاب، لما روى الترمذي وغيره وصححه، أن ركانة طلق امرأته ألبتة، فقال صلى الله عليه وسلم «ما أردت إلا واحدة؟» قال: ما أردت إلا واحدة. فردها إليه.
وقال لابنة الجون «ألحقي بأهلك» وهو صلى الله عليه وسلم لا يطلق ثلاثا فإن لم ينو عددا فواحدة وهو مذهب الشافعي وعند أصحاب الرأي إن نوى اثنتين فواحدة، ويقبل منه حكما.

([43]) أي ويقع بالكناية الخفية ما نواه من العدد، في الغضب والرضى، لأن اللفظ لا دلالة له على العدد.

([44]) رجعية، كما لو أتى بصريح الطلاق، إن كانت مدخولا بها، وإلا وقعت واحدة بائنة.

([45]) أي وقوله لزوجته: أنا طالق؛ أو: أنا منك طالق؛ أو: أنا بائن؛ أو أنا منك بائن؛ أو حرام؛ أو بريء. لا يقع الطلاق بإضافته إليه.

([46]) أو قومي، ونحو ذلك مما لا يدل على الطلاق، لا تطلق به.

([47]) كأنتِ مليحة، أو قبيحة.

([48]) لأنه لا يحتمل الطلاق، فلو وقع به لوقع بمجرد النية.



ساجدة فاروق 24 ربيع الثاني 1432هـ/29-03-2011م 03:39 PM

الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
 
فَصْلٌ


وَكِنَايَاتُهُ الظَّاهِرَةُ نَحْوُ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَأَنْتِ الْحَرَجُ،................................................
قوله: «وكناياته الظاهرة» الطلاق له صريح وكناية، الصريح تقدم، وهو «لفظ الطلاق وما تصرف منه غير أمر، ومضارع، ومطلِّقة اسم فاعل»، وسبق لنا أن الصريح هو الذي لا يحتمل غيره، والكناية ما تحتمله وغيره؟ ولهذا قال الناظم:
وكُلُّ لفظٍ لِفِراقٍ احْتَمَلْ
فَهُو كِنَايَةٌ بِنِيَّةٍ حَصَلْ
أي: كل ما يحتمل الفراق فهو كناية، «بنية حصل» أي مع النية يحصل الطلاق، لكن فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ قسموها إلى قسمين، ظاهرة وخفية، فالظاهرة تختلف عن الخفية في أنها صريحة في البينونة، ولهذا يوقعون بها ثلاثاً، والخفية غير صريحة في البينونة فلا يوقعون بها إلا واحدة، ما لم ينوِ أكثر، ولا دليل على هذا التقسيم كما سنبينه إن شاء الله، لكن يقال: الكنايات نوعان: كنايات بينة قريبة من معنى الطلاق، وكنايات بعيدة، وحكمها واحد.
قوله: «نحو: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج» هذه الألفاظ التي عدوها ليست على سبيل الحصر؛ لأننا قلنا: هي التي تحتمل الطلاق وغيره، فإن دلت على البينونة فهي ظاهرة، وإلا فخفية.
وقوله: «أنت خلية» على وزن فعيلة، اسم مفعول، يعني مخلاة، فلو قال: أنا أردت خَلِيَّةَ نَحْلٍ، قلنا: كيف تكون امرأة خلية نحل؟ قال: نعم؛ لأن عندها أشياء كثيرة، فخلية النحل فيها العسل، وفيها الشمع، وفيها بيض النحل، وغير ذلك، فنقول: ما يقع الطلاق؛ لأنه بالكناية ما يقع إلا بنية، لكن في لغتنا نحن في القصيم يعتبرونها صريحاً، حتى العامة ما يقولون: فلان طلق زوجته، يقولون: فلان خلى زوجته، فهي عندهم صريح، وقد سبق لنا في كتاب البيع أن الصواب ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الألفاظ ثياب للمعاني، وإذا كانت ثياباً لها فإنها تختلف بحسب العرف والزمان، فثياب الناس هنا في المملكة العربية السعودية غير ثياب الناس في أفريقيا مثلاً، وغير ثياب الناس في مصر، أو سورية أو ما أشبه ذلك، فإذاً قد يكون اللفظ عند قوم صريحاً، وعند قوم كناية غير صريح، بل قد يكون عند قوم لا يدل عليه أصلاً، وهذا الذي قاله شيخ الإسلام هو الصحيح بلا ريب.
وقوله: «برية» هذه كناية غريبة «أنت برية» لا أحد يخطر بباله أن المعنى طالق؛ لأن الذي يخطر بالبال أنها برية من مرض، برية من تهمة فيها، برية من الحمل، برية من الدَّيْن الذي عليها، لكن مع ذلك يقولون: برية كناية عن الطلاق، يعني بريئة من حقوق الزوج عليكِ، ولا تبرأ من حقوق الزوج عليها إلا إذا كانت طالقاً.
وقوله: «بائن» كناية قريبة أقرب من برية بلا شك، يعني منفصلة عن الأزواج.
وقوله: «بتة» كناية ظاهرة؛ لأنها من البت بمعنى القطع، يقال: بت في هذا الأمر يعني قطع فيه ونفذه، فأنت بتة، يعني منقطعة عن الزوج.
وقوله: «بتلة» يقولون: بتلة بمعنى بتة، يعني مقطوعة، والآن لو أن شخصاً قال لزوجته: أنت بتلة، فلا يفهم أن هذا طلاق، ومع ذلك يرونها كناية ظاهرة.
وقوله: «أنت حرة» عندي أنها بعيدة إلا إذا سألت الطلاق، بل حتى لو سألته وألحت عليه وقال: أنت حرة، فأنا عندي أنه ما يتم الطلاق أبداً، وأنَّ فهم الطلاق منها بعيد، لكن هم يقولون: إنها حرة؛ لأن الزوج بالنسبة للمرأة سيد، كما قال تعالى: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، فهي عنده بمنزلة الأمة، والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: ((إنهن عوان عندكم)) [(1)]، فإذا قال: أنت حرة، أي: فما لأحد عليك سلطان، فمعناه أن لا زوج لها.
وقوله: «أنت الحرج» هذه قريبة؛ لأن الناس يفهمون أنت الحرج، يعني أنت حرام علي؛ لأن الحرج هو الحرام، أو شبهه، فهذه كناية قريبة يراد بها الطلاق.
فعندنا سبع كلمات: خلية، برية، بائن، بتة، بتلة، حرة، حرج، لكن مع ذلك ليست على سبيل الحصر، إذن لا بد لنا من ضابط، وهو أن كل لفظ احتمل الفراق على وجه البينونة فهو كناية ظاهرة، وسبق لنا أن الأعراف تختلف فإننا ننزل الضابط على حسب عرف هذا الزوج، فنقول: ما عرفك؟ ماذا يراد بكلمة كذا في عرفك؟ فإن قال: يراد بهذا أنها بانت منه، نقول: إذاً هو من الكنايات الظاهرة.

وَالخَفِيَّةُ نَحْوُ: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَذُوقِي، وَتَجَرَّعِي، وَاعْتَدِّي، وَاستَبرِئِي، وَاعْتَزِلِي، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَمَا أَشْبَهَهُ،........
قوله: «والخفية نحو: اخرجي» أي: من البيت، مع أن كثيراً من الناس إذا غضب على زوجته يقول: اخرجي، وما قصده الطلاق، بل قصده أن تذهب عنه، لكن مع ذلك يقولون: إنه من الكناية.
قوله: «واذهبي» مثل اخرجي.
قوله: «وذوقي» إذا جاءت مجردة عن قرينة فإنها تكون كناية، فإذا قال: أنا أردت بقولي ذوقي الطلاق وألم الفراق نقبل منه؛ لأنه يحتمل؛ لأن الشيء الذي يؤلم الإنسان يقال: ذقه، كما قال الله تعالى: {{ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ}} [السجدة: 20] .
قوله: «وتجرعي» مثل ذوقي؛ لأن الله تعالى قال في عذاب أهل النار: {{يَتَجَرَّعُهُ}} [إبراهيم: 17].
قوله: «واعتدي» هذا واضح وظاهر، لكنها ليست كناية ظاهرة؛ لأن العدة ليست مقصورة على البينونة، فعندنا عدتان غير بائنتين، الطلقة الأولى، والطلقة الثانية، فإذا قال: اعتدي، قلنا: واضح أن كلمة «اعتدي» يراد بها الطلاق؛ لأنه لا عدة إلا بعد الطلاق، لكنها من الكنايات الخفية؛ لأن الظاهرة ليس معناها الظاهرة في المعنى، بل الظاهرة هي التي تحتمل الفراق على وجه البينونة، و «اعتدي» ما تدل على الفراق على وجه البينونة.
قوله: «واستبرئي» أيضاً من الكنايات الخفية، والفرق بينها وبين «أنت برية» أي: من حقوق الزوج عليك، ولا تبرأ من حقوق الزوج على وجه الإطلاق إلا بفراق بائن، لكن استبرئي من الاستبراء، ومعناه التربص الذي يعلم به براءة الرحم، وهذا ظاهر أنه يريد به الاعتداد إذ لا استبراء إلا بطلاق.
قوله: «واعتزلي» ـ أيضاً ـ كناية؛ ووجه دلالتها على الطلاق أن الطلاق عزلة في الواقع، وإن كان قوله: «اعتزلي» يحتمل كوني في فراش، وأنا في فراش، أو في منزل، وأنا في منزل، لكن ما دام أنه يحتمل الفراق نجعله من كناية الطلاق.
قوله: «ولست لي بامرأة» هذه في الحقيقة تقرب من البينونة؛ لأن الرجعية حكمها حكم الزوجات، فإذا طلق الإنسان امرأته مرة واحدة تبقى في بيته تتشرف له، وتتزين له، وتتطيب له، وتكشف الوجه والذراع والعضد والصدر والبطن، لكن إذا كانت بائناً تحتجب عنه مثل ما تحتجب عن الأجنبي، فإذا قال: لست لي بامرأة، فظاهر الحال أنها بينونة، وهذه عند الفقهاء يقولون: إنها من الكنايات الخفية، وهي إلى الكنايات الظاهرة أقرب، لكن قد يقول: أنا أريد بقولي: «لست لي بامرأة» أنك تعاندين وتعصين أمري، والمرأة عادة لا تعاند ولا تعصي، وعملك معي ليس من عمل المرأة مع زوجها، فنقول: هذا محتمل، ولهذا قلنا: ليس بصريح بل هو من باب الكنايات الخفية.
قوله: «والحقي بأهلك» اذهبي إلى أهلك، فهذه كناية خفية.
قوله: «وما أشبهه» [(2)].

وَلاَ يَقَعُ بِكِنَايَةٍ وَلَوْ ظَاهِرَةً طَلاَقٌ إِلاَّ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلَّفْظِ إِلاَّ حَالَ خُصُومَةٍ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ جَوَابِ سُؤَالِهَا، ....................
قوله: «ولا يقع بكناية ولو ظاهرة طلاق إلا بنية» الحمد لله هذه نعمة، فكل هذه الألفاظ لا يقع فيها الطلاق إلا بنية، بأن ينوي بقوله: «أنت خلية» مطلقة، وبقوله: «اخرجي» أي: من بيتي، فلست لي بامرأة.
قوله: «مقارنة للفظ» النية إما أن تسبق اللفظ بزمن بعيد، وإما أن تكون بعده، وإما أن تكون مقارنة، أو قبله بيسير، فإن كانت سابقة مثل أن نوى أن يطلقها أمس، واليوم قال لها: اخرجي، لكن غاب عن ذهنه النية؟ فلا تطلق، بل لا بد أن تكون مقارنة، أو قريبة، ولو قال: اذهبي، أو اخرجي، أو اعتزلي، أو ما أشبه ذلك، ثم نوى الطلاق فما يقع؛ لأنه حين تلفظ بها لم ينوِ الطلاق، والمؤلف يقول: إلا بنية مقارنة للفظ.
ولو نوى أن يطلق بدون لفظ لا يقع الطلاق، ولو حدّث نفسه دون لفظ أنها طالق فلا تطلق.
فالنية تارة تتقدم كثيراً، وتارة تتقدم بزمن يسير، وتارة تقارن، وتارة تتأخر، فالأقسام أربعة، فإذا تقدمت كثيراً لا يقع الطلاق، وإذا تأخرت ولو يسيراً لا يقع الطلاق، وإذا تقدمت يسيراً أو قارنت اللفظ يقع الطلاق.
قوله: «إلا حال خصومة أو غضب أو جواب سؤالها» هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية.
فقوله: «خصومة» يعني مع زوجته، فقال: اذهبي لأهلك يقع الطلاق، وإن لم ينوه؛ لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
وقوله: «أو غضب» ، أي: حال غضب ولو بدون خصومة، كأن يأمرها أن تفعل شيئاً فلم تفعل فغضب، فقال: اذهبي لأهلك يقع الطلاق، وإن لم ينوه.
وقوله: «أو جواب سؤالها» يعني قالت: طلقني، قال: اذهبي لأهلك يقع الطلاق.
ووقع الطلاق في الأحوال الثلاث؛ لأنها قرائن تدل على إرادة الطلاق، ولهذا قال:

فَلَوْ لَمْ يُرِدْهُ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فِي هذِهِ الأَحْوَالِ لَمْ يُقْبَلْ حُكْماً، وَيَقَعُ مَعَ النِّيَّةِ بِالظَّاهِرَةِ ثَلاَثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدةً، وَبِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ.
«فلو لم يرده» أي: الطلاق في هذه الحال، فقال: أنا ما أردت الطلاق.
قوله: «أو أراد غيره في هذه الأحوال» بأن قال: أردت بقولي: اذهبي لأهلك أن ينطفئ غضبي، وينطفئ غضبها، ولم أرد الطلاق.
قوله: «لم يقبل حكماً» إن رافعته إلى الحاكم طَلَّق عليه، أما بينه وبينها فلا يقع الطلاق.
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك غضباً، وليس في نيته الطلاق إطلاقاً، فقط يريد أن تنصرف عن وجهه حتى ينطفئ غضبهما، وقد تلح عليه تقول: طلقني، طلقني، فيقول: طالق، وهو ما يريد الطلاق، لكن يريد طالق من وثاق، أو طالق إن طلقتك فيقيده بالشرط، فعلى كل حال الصحيح أنه لا يقع إلا بنية.
قوله: «ويقع مع النية بالظاهرة» يعني بالكناية الظاهرة.
قوله: «ثلاث وإن نوى واحدة» يعني في الحال التي يقع فيها الطلاق بالكناية الظاهرة فإنه يقع ثلاث طلقات، فتبين بها.
قوله: «وبالخفية ما نواه» يعني يقع واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، هذا هو المشهور من المذهب.
فإذا قال لزوجته: أنت خلية، ونوى الطلاق يقع ثلاثاً، مع أنه ما نوى العدد بل نوى الطلاق فقط، فتبين منه؛ لأن «خلية» من الكنايات الظاهرة، ولو قال: أنت بائن، ونوى الطلاق يقع ثلاثاً، ولو نوى واحدة؛ لأن هذه الألفاظ كناية ظاهرة موضوعة للبينونة فتقع بها الثلاث، أما إذا قال: اخرجي أو اعتدي أو استبرئي وما أشبهها فيقع ما نواه، واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثاً، فإن لم ينوِ عدداً فواحدة، فصار الفرق بين الظاهرة والخفية: أنه إذا وقع الطلاق بالكناية الظاهرة فإنه يكون ثلاثاً تبين بها، وإذا وقع بالخفية فإنه يقع ما نواه، فإن لم ينوِ شيئاً فواحدة، وهذا مبني على وقوع الطلاق الثلاث جملة، وسبق الصواب وأنه لا يوجد طلاق ثلاث إلا بتكرار بعد رجعة، أو عقد جديد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصحيح، وإذا كان باللفظ الصريح لا يقع المكرر إلا واحدة فبالكناية من باب أولى.
وقوله: «وإن نوى واحدة» إشارة إلى خلاف في المسألة، فإن بعض أهل العلم ـ ومنهم بعض أصحابنا رحمهم الله ـ يقولون: إنه إذا نوى واحدة بالظاهرة لم يقع إلا واحدة، ودليلهم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(2)]، فإذا قال لزوجته: أنت خلية، أو برية، أو بائن، وما أشبه ذلك ونوى واحدة فإنها لا تقع إلا واحدة.
وقيل: لا يقع بالظاهرة ـ أيضاً ـ إلا واحدة ما لم ينوِ أكثر، وهذا غير القول الثاني.
فالمذهب يقع ثلاثاً ولو نوى واحدة.
والقول الثاني: يقع ثلاثاً إلا أن ينوي واحدة.
والقول الثالث: يقع واحدة إلا أن ينوي ثلاثاً، فإذا قال: أنت خلية ولم ينوِ شيئاً يقع واحدة على القول الثالث، ويقع ثلاثاً على القول الثاني، وعلى الأول ـ أيضاً ـ من باب أولى، فإن قال: أنت خلية ونوى واحدة وقع على الثالث والثاني واحدة، وعلى الأول ثلاثاً، فتبين أن بين الأقوال الثلاثة فرقاً، ولكن الصحيح أنه لا يقع إلا واحدة حتى لو نوى ثلاثاً؛ لأننا نقول: إن الطلاق ما يتكرر إلا بتكرره فعلاً، ولا يتكرر فعلاً إلا إذا وقع على زوجة غير مطلقة.
والخلاصة أن هنا مقامين: المقام الأول هل يقع بالكناية الطلاق؟ والمقام الثاني كم يقع بها؟ فعلى المذهب نقول في المقام الأول: يقع بها الطلاق، إما بالنية، أو بالقرينة، والقرينة ذكر المؤلف لها ثلاث صور، وهي الغضب، والخصومة، وجواب السؤال.
وأما المقام الثاني فالمذهب أن الظاهرة يقع بها ثلاثاً فتكون بينونة كبرى، وأما الخفية فيقع بها ما نوى، والصحيح أنه لا يقع بها ظاهرة كانت أو خفية إلا واحدة، ولو نوى أكثر.


[1] سبق تخريجه ص(5).
[2] قال في الروض: «فلا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله...» الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/506).
[3] سبق تخريجه ص(17).


الساعة الآن 08:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir